ورقات من تاريخ نهب افريقيّة* نصّ: المختار المختاري
- zaratimoukhi
- 25 mai 2020
- 47 min de lecture

توطئة

تونس التي عرفها العالم القديم باسم بربريّ (ترشيش) وأيضا باسمها الذي منحته فيما بعد للقارة ككلّ وهو إفريقيّة وعلى أيامها كانت تونس التي عرفها (هيرودوت أبو التاريخ). وتأسست على أرضهاإمبراطوريّة قرط حدشت (قرطاج).
هي البلاد التي أطعمت روما بإمبراطورتيها وكانت تسمى بمطمور روما لما كانت تمتلكه من 'مطامير' تخزين القمح الذي أطعم جياع أوربا كلّها. والتي أنجبت سلالة مبدعين في ميدان الفلاحة والريّ أمثال أوّل واضع لأنظمة الريّ للأرض الفلاحية ونعني تحديدا (ماغون).ومنها من وضع الاسس الرئيسيّة للمسيحية كأوغستين ومنها من أهدى للعالم أوّل علم الابحار ونعني بحنون ومنها من عرفه العالم كأوّل واضع لأسس علم الاجتماع الذي انبثق عنه الفكر الحديث المادي التاريخي عبد الرحمان ابن خلدون وفي شوارعها ترعرع للإنسان معنى ثوري انساني شعري ابو القاسم الشابي وقبله ابن رشيق صاحب العمدة ومن وراءه مدرسة القيروان وعلى ارضها كانت قبلة المسلمين العلمية الجامع الاكبر جامع الزيتونة المعمور بأئمته وعلمائه ومفكريه ورواته.
عرفها العرب والترك والغزاة من بعدهم بقمحها وتينها وزيتونها ونخلها وثرواتها الظاهرة والباطنية وزيت الزيتون وكروم العنب. وغيره مما كان يوفّر لهم المأكل من جوع والتجارة بعد فقر مدقع.
وصولا إلى الاستعمار الفرنسي الذي قسّم هذه الأرض حتى يبقي على القسم الذي كان يهيئه ليكون فرنسا المغرب العربي (ونعني تحديدا الجزائر) كما منح إيطالية موسوليني ما منح منها ليتنازل هذا الأخير عن مواقع أخرى.ومن المؤسف أنّ هذه الأرض كلّما ساعدت الظروف والعوامل مجتمعة أهلها على الوفرة الإنتاجية ومراكمة الأرباح وهامش من البحبوحة إلاّ يعتلي ظهرهم طامع ناهب سارق بلا ذمة ولا ضمير ولا حتى انسانية فمنطقه القوّة والاستقواء بالأجنبي ويده السيف التي تحزّ الرؤوس قبل الألسن المطالبة في الداخل ومنهجه التجهيل و وبثّ الفرقى والتناحر بين أبناء الشعب (معتمدا تغليب القبائل وبثّ الفتن بينها وصولا إلى أيام التمييز بين الجهات مرورا برياضة كرة القدم تخصيصا). وإعماء الأبصار عن سرقاته ومجونه وألاعيبه بالتكثير من التخدير باعتماد ترويج الفنّ المدنس. فنّ الرقص والتطبيل وتفجير المكبوتات من خلال توجيهها في وجهات مرضيّة.حتى ينتهي الأمر إلى مأساة عظيمة وهي ظهور الوجه الحقيقي للمستعمر على الأرض واعتلائه الحكم بشكل مفضوح.
(هكذا كانت خارطة إفريقيّة)

(التاريخ يعيد نفسه في شكل مسخرة)
ورقات من تاريخ نهب إفريقيّة
*'يا ابن خلدون ... أنا مثلك من أرض إفريقيّة.
رضعت شموخ النخل.. وصلابة الزيتون وحكمة السنابل.
فأحمل عنّي من الوزر أحرفا لدفترك الجديد أنا لن أوافق / ولن أنافق / وليتركوا هموا المكان...
المختار المختاري الزاراتي

افريقيّة زمن البايات

*مشهد للجيش التونسي زمن البايات

***
بذات الدعاية المغرضة والممنهجة التي أشاعها الباي على أيامه. ومن خلفه طابور الخونة ملتقطي فتات مائدته. ومتسولي العطايا منعناصر حاشيته وبطانته. تتكرر ذات المشاهد والعناوين. التي يرددها الببغاوات من الجهلة الذين لم يكلّفوا أنفسهم حتى عناء فتح الكتاب.
ومن بينهم من تعلّم فأمتهن تزوير التاريخ. وروّج لدراسات معدة لتجهيل العامة. وبتوجيه غبيّ وعن بعد، من دائرة استعمارية. لمحو ليس فقط الشخصية بمقوماتها التاريخية. بل وتطويع الناس وتحويلهم إلى عبيد. يستهلكون ما يعدّ لعقولهم وشخصياتهم سلفا وعمدا. حتى على مستوى تاريخهم الخاص، العام في آن. معتمدين أساسا. على ما سبق تكريسه وفرضه من جهل في أوساط العوام. بقصد اعتمادها ورقة هدم للشخصية التونسية المناضلة والمكافحة البانية لعزها ومجدها وخلودها بين الامم.
كثيرون من قتلوا أبطال تونس الوطنيين الحقيقيين حتى لا يبق ذكر لغير سيدهم وممول مناصبهم وولي نعمتهم المنهوبة من شعب أسير مستعبد حتى في قوته. ومن هؤلاء البطل الوطني قائد جيش الفقراء المنهوبين (بن غذاهم) غيلة وغدرا وارتزاقا. وحتى اليوم يكررون ما خطه الذي يريد فرض (إرادة السلطة) وتغييب الأمثلة التي ينهج منوالها الثائرون الوطنيون في نصرة الشعب وتنوير مواطن جهله وتوعية وإنارة طريق عزته وكرامته خصوصا وان الشعب من مول دراستهم ومكنهم من فرصة التعلّم والتكوّن ليكون منارتهم ومرآة حالهم وقائد مستقبلهم وليس خادم لسلطة ولاّها الشعب لتشرف على تسيير البلاد ويسدد رواتبها ومستلزمات تفرغهم لخدمته وليس لخمة الاجنبي.
ومنذ ذلك التاريخ وحتى قبله لا يكتب إلاّ ما (تريده السلطة) وفي الكثير من الاحيان بأمر السلطة وفي مناسبات تقررها السلطة. وتزجل لهم العطاء كأي مرتزق بلاط. وذات هذه السلطة هي تقتدي وتسير على ما سطره لها زعيمها ومثالها الأعلى وربّ وجودها (كما تظنّ واهمة) المستعمر صاحب رأس المال المقترض والموهوب بشروط. من خلال ما يسميه مقترحات إصلاح. تمويها ومواربة وتستّر ومغالطة.
لتبرر وتشيع وتبني عقليّة وكائنا عديم الشخصية. تابع ذليل جاهل. مستهلك جيّد لا يعتمد إلا على الجاهز الممنوح بمقابل باهظ.و من غير حساب للمقابل الذي يقدمه لقاء ما يستهلك بعشوائية ونهم مسطر ومبرمج سلفا من المصدر.
واليوم يعود ذات الخطاب المنجز في دوائر التخريب. وتدعي السلطة رغبة الاصلاح وتشيع أنّ (التخاذل والتواكل والاتكال والأنانية الفردانيّة. والمحسوبية والرشوة. والسرقة والنهب وكل الصفات المكتسبة من منهج سطّر منذ عقود من خلال التآمر والمؤامرة المسترسلة والمفتوحة على كلّ الاحتمالات والعناصر والمستجدات. ليكون دستور التعايش والتناهش ومنهاج حياة معدومة الحياة) وهي خلاصة تربية وتنشئة وتعليم وثقافة غائبة ومغيّبة بأمر. والأسباب الحقيقيّة هي مثبتة وضاربة في عمق تاريخ البلاد. منذ قرطاج وحتى قبلها.
فرضته ارادة السلطة المتعاقبة حتى تتمكن من ترويض المكان وأهل المكان وثروات المكان كلّها باطنيّة وثمرة الجهد والكدح العماليّ. لصالحها ولصالح فئة من السراق وعصابات الارتهان للخارج من أغبياء يتصورون أنهم أغنياء ومحميون ودائمون في مناصبهم وما نهبوا. والحال أنهم في أفضل حالاتهم حلقة دنيا في سلّم رأس المال العالمي.
ولتتحول تونس مزرعة خاصة للفاسدين المفلسين الجهلة عديمي الذات والشخصية والثقافة والوعي اللازم ليكونوا من بين أغنياء بلادهم قبل أن يكون من بين نخبة سراق العالم. وذلك اضعف الايمان اذا ما نظرنا بنظرة المشروعية لطموحاتهم الانانية الفردانية في حبّ التملّك بشراهة ونهم مرضي جشع همجي. حتى أنهم لا يتوانون على بيعها للمستعمر ببخس الاثمان لقاء فخذ أبيض متوسط.
ومن هذه الصفحات ننتقي من التاريخ ما هو شبيه جدا لما يحصل على أيامي الغبية هذه. قبل وبعد انتفاضة شعبيّة عارمة مغدورة في مهدها.
وهو في الاصل المنطلق المؤسس لكل التحولات والأفكار والحلول التي يدّعي أصحابها أنها إصلاحيّة من شخصيات اليوم المنتمية لذات التاريخ والتي تربت على ذات الممارسات وكبرت في نفس الفضاء ودرست (السياسة)
(واضعها بين معقوفين) دلالة على أن ليس فيها من السياسة شيء بل هي حيل وأحابيل سرقة وخيانة وجهل مدقع حتى بأبسط قواعد علم السياسة.


*ورقة مهملة من أوراق كتاب أيام الجمر*
عاشت تونس في 1869 بعد حملة نهب منظم قام بها الوزير الأكبر الداهية الجشع (مصطفى خزندار*) وهو الذي لا يمت في أصله وفصله للبلاد بأي عرق أو رابط دموي. والذي بالغ في النهم والاستيلاء على أموال الدولة والشعب. وصرفها في غير وجه حقّ. في
منافع ذاتية شخصية خاصة به. حتى راكم ثروة طائلة سنأتي على تفصيل أكبر ما أمكن لنا من الذكر لا الحصر.
قام بالتغرير واستغلّ غباء وجهل وعدم الأهلية للقيادة لباي جاهل غبيّ يحكم بلادا ذات موقع استراتيجي وخيرات تعتبر في ذلك الزمن من أهم ما يطمع فيه فاقده من حفاة وعراة العالم من فلاحة وثروة بحرية ومائيّة وغيرها التي تسيل لعاب الغرب ليستغلّ أي تفصيل حتى يضع يده بشكل مباشر عليها ـــــــــــــ.
تعريف بالسيئ الذكر مصطفى خزنة دار (1817 – 1878) واسمه الحقيقي Giorgios Stravelkis وهو يوناني الأصل شغل منصب الوزير الأكبر (رئيس الوزراء) عدة مرات، أغرق تونس في الديون وبدد ما بين 1862 – 1869 ما قدره 300 مليون فرنك اقترضها من أوروبا وتسببت تلك الديون في دخول الاستعمار لتونس سنة 1881
فأوهم الباي الغبيّ الجاهل. كما أغلبيّة العثمانيين اللذين حكمونا استعمارا واستغلال تحت غطاء حماية الديار الاسلامية وتوسيعها بقوّة السلاح. أنه يقود حركة اصلاح تنتقي من الغرب (الكافر بالضرورة) ما يجعل من 'الايالة ألتونسية نموذجا في محيطها يحتذى.
وجاراه الباي مغتبطا بما أوهمه من إصلاحات واجبة ومؤكّدة للنهوض بالبلاد. التي لا يعرف عنها هذا الباي المغفّل وعن شعبها الذي يحكمه. سوى مردود الجباية وما يسلبه من قوت ورغيف ودم أهلها الكادحين ليبني القصور ويعمرها كما مواخير بالجواري والخدم والغلمان ويصرف على ملذاته ويرمي بعض فتات لأعوانه وجيوشه الموجهة اسلحتها لصدور الشعب أيام العسر. وبعضه الاخر لمستلزمات المتاجرة التي تدرّ عليه بعد الفلاحة ثروة ومالا وجاها بين كمّ من زعماء النهب العالمي.
وكان عدد كبير من السفلة اللذين أحاط نفسه وحكمه بهم. من جوقة وزرائه النهابين. وسفلة البلاط الماجنين والشواذ. هللوا وطبلوا للفرصة المثاليّة. لمزيد نهب الشعب و البلاد وتوجيهها نحو مزيد المديونيّة والاقتراض. والارتهان للخارج (الغرب الكافر بالضرورة).
والذي ايضا لم يفوت الفرصة. وهو الذي قام قبلها بعملية حسابية. واستشراف سياسي اقتصادي. لإمكانيات البلاد التي تحت أعين وتصرف الأغبياء من الحكام. لإرجاع الأموال المقروضة. وما تكتنز من ثروات قابلة للاستثمار. وللاستعمار وتبعات وما سيترتب على عدم سداد الدين التي جهّز لها خططها.
وعلى سبيل الذكر والكشف فإنّ هذا الخزندار (والألقاب التي يحملها الأشخاص من مراتب الوظيفية في عهد البايات وليس الاسماء الحقيقيّة فخزندار هو صاحب الخزنة وهو في مرتبة وزير المال حاليا. والخزانة هي مالية البلاد وغيرها من الألقاب التي أسرف البايات في منحها. وبلغ بهم الأمر إلى منح ألقاب مسخرة العصر وأهمها رتب القياد كقايد كذا أو كذا من أشغال القصر أو معدّي حاجيات الباي الشخصية للمتعة و'الكيف').
في عزّ أزمة البلاد وتراكم ديونها. وهو الذي خلف يوم اعتلى منصبه سارقين من أهم السراق اللذين جاد علينا بهم الزمان ساعتها وهما:
*محمود بن عياد (1810 – 1880)

أصيل مدينة جربة. شغل قابض المال للخزينة (وزير المالية) هرب إلى فرنسا في جوان 1852 بعد أن تحصل على الجنسية الفرنسية وحمل معه 60 مليون فرنك، وكانت ميزانية تونس وقتها تقدر ب10 ملايين فرنك.
*نسيم شماتة (1805 – 1873)

يهودي تونسي وهو كبير أحبار اليهود،
(جربة هي جزيرة تقع بالجنوب التونسي تقطنها طائفة كبيرة من يهود تونس.)
* خلف محمود بن عياد في القابضة المالية من 1852 – 1864فر من تونس إلى إيطاليا عند اندلاع ثورة علي بن غذاهم في 1864 وسرق 20 مليون فرنك وخلف الكلب جرو له من سلالته العفنة وهو المدعو عمار بن يعقوب بن نسيم الحداد بن عوينة قابلة تونسي يهودي صهيوني النزعة أحد أحفاد نسيم الحداد شماتة.
عمار حداد يهودي تونسي في 60/70 احترف الربا ويحتكر قطاع الحبوب والبقول يورط أرباب الصناعة في قروض ليستولي على املاكهم في أوائل 80 قلب عديد البنوك وتوريد البقول المغشوشة والتحيل على ديوان الحبوب وفرّ بمآت المليارات بتواطئ من بعض النافذين في المناصب الحساسة بالديوانة والوزارة.
وهو ممول لحركات صهيونية عالمية بأموال تونس التي سرقها والتي تعد بالمليارات وهو حفيد القايد نسيم وزير مالية عهد البايات الذي فر بخزينة الدولة كاملة الى فرنسا ومهد للاستعمار كما حفيده المذكور.
وفي وثيقة لأمن الدولة توثق رفض بورقيبة لكل تسوية مع هذا السارق. وهدد كبير أحبار اليهود ليرجع ما نهب والمقدرة بنحو 200 مليون دينار عدى ما خفي. كما أصدر تنبيها لسفير تونس بباريس الهادي المبروك بعدم الرد على مراسلات هذا المرابي والسعي الى إلقاء القبض عليه وليس منحه عفوا للعودة وممارسة السرقة لمال تونس ودعم الحركات الصهيونية العالمية. وقد كشف السيّد البشير التركي مؤسس المخابرات التونسية بوزارة الدفاع ثم بوزارة الداخلية
*بعد انقلاب بن علي الذي كانت علاقاته بالصهيونية متطورة بادرة بربط الصلة بحداد: الذي أرسل حداد رسالة فيها طلبات أولها وأساسها السماح له بالعودة واستعادة املاكه ونشاطه.
'كتب بن علي على هامش رسالة الحداد شخصيا يكلف الوزير الأول بتسوية وضعية الحداد ثم في مكتوب ثان كتب يأمر وزير الداخلية بتيسير دخول السارق حداد لتراب البلاد بغير لا محاسبة ولا حساب وكلف مسؤول بالدولة بمتابعة تسهيل عودة الحداد للنشاط
رغم أن تقارير أمن الدولة تفيد بأن الحداد من زعماء الصهيونية العالمية.

*وهذا كشف لثروات مصطفى الشاذ اليوناني:

*أمّا مصطفى القريقي خزندار:وفي جرد عشوائي لممتلكات الخزندار (مصطفى Giorgios Stravelkis)
نجد أنه تمتّع ب:
ـ الراتب ألسنوي: لا يقل عن 260000 ريال. مبوبة كالتالي : مرتب بصفته وزير : 140000 ريال + منحة سكن وظيفي : 30000 ريال + هبة سنوية من الباي (منحة مردودية عمل) 50000 ريال
أملاكه التي جناها سرقة واستيلاء واغتصاب 96000 هكتار بجهة النفيضة + 7000 زيتونة بمرناق + 1000 بأريانة + معاصر زيتون بالعاصمة وحمام بأريانة و أراضي بالمرسى + أراض يمرجة خير الدين (بين جندوبة وتبرسق) + أراض بالسبالة قرب العاصمة + ثلاثة قصور (منوبة + قرطاج + وتونس "نهج التريبونال") ولقد تواصل نهب هذا العلج القادم من دم (غريغي كما كان يطلق التونسيون على من يحملون الأصل القادم من الجزر اليونانية عموما) لمدة حكم تزيد عن 37 سنة وهو في منصبه
ـ وكان بايات تونس يستخدمون العلوج وخصيان المماليك ومن الانكشارية يمنحونهم المناصب الهامة والرئيسيّة في الحكم حتى يضمنوا الولاء الدائم مبعدين أبناء البلاد عنها حتى لا تكون لهم أحلام اعتلاء السلطة والانقلاب على سلطانهم وإلغائهم من البلاد ومن كان ينتقى من التونسيين للخدمة في البلاط ومنها التوزير (منح الوزارة) في المناصب فقط من كان قذر الذمة والأيدي متسخ ممسوخ الشخصية وحتى ماجن في كثير من الأحيان ولم يسلم وما عدى ذلك من الشخصيات الوطنية والمرموقة التي افتكت مكانتها بقدرتها وطاقاتها الذاتية ونبوغها فعددهم قليل وهم من رحم ربي وأغلبهم لم تكن نهايته في أغلب الأحيان عادية
ولا ننسى أن خزندار,. أثاث قصوره يستورد من أوروبا. وله حديقة حيوانات خاصة شخصيّة وله مداخيل أخرى غير مثبتة ومرئيّة من خلال الكمّ الهائل من الرشاوي التي تمنح له شخصيّة والهدايا الثمينة لقاء خدمات أو رتب كانت تمنح بمقابل في أيامه رغم أن أحمد باي (1837 ـ 1855) قد أبطل العمل بصيغة شراء المراتب والمناصب الاداريّة (بين ال 60 منصب قايد ومناصب المشيخات وغيرها من المناصب الاداريّة لذلك العصر. لكن تواصل العمل بها في شكل هدايا ثمينة ورشاوي قيمتها تحدد نوعية المنصب الممنوح. وهي اجبارية.
وهذا فقط نموذج لوزير فما بالك ببقية الأسطول لأنّ كلّ دافع لقاء منصب هو بالضرورة ناهب وسارق جديد يضاف للقائمة حتى يسترد ويزيد في بناء مملكته من خلال المنصب الممنوح. والشعب المفقر والمجهّل والمغيب يدفع لهم جهده وعرقه وآلامه وكل حياته وكيانه.
فالضرائب تزيد وتتكدس ويتسارع زمان جبايتها. ولجباية الضرائب يخرج ولي العهد على رأس جملة (جيش) لفرض استخلاص الضريبة في دواخل البلاد. وهذه الحملة (مرتين في السنة الواحدة) ويسبقه في ذلك تمهيد من خلال الاداريين (أهمهم القياد) والذين لا يتوانون في استعمال اي ضغط أو أي وسيلة قمع وقوانين جائرة للجباية وأهمها (التتريك وهي سلب الاملاك كلّها وتصل حد القتل وسفك الدماء والقهر والتجويع الغدر) فهم لا يتقاضون رواتب بل نسب من ما يجبونه من الضرائب لذلك هم حريصون على جبايتها وأيضا على الترفيع في مقدارها سرّا وخفية عن أعين أعوان الباي وولي عهده والواشين.
ونذكر من بين العائلات التي انتفعت بهذه المناصب وحتى توارثتها في الجهات (الجلولي صفاقس + بن عياد جربة + بن ساسي الجريد + المرابط القيروان + السبوعي جلاص + قضوم الفراشيش + بن خليفة نفات ...)
ومن أسباب ثراء هؤلاء أيضا أنه كانوا يتحكمون في تجارة الزيوت والحبوب ويحتكرونها في جهاتهم من خلال إمّا أراضيهم أو عن طريق (التخضير:وهي طريقة شراء الإنتاج الفلاحي وهو لا يزال في طور النمو الأخير حيث تبرز كمياته الحقيقيّة وهو لا يزال أخضر ولم ينضج بعد).
كما كانت لهم السيطرة واحتكار اللزم لأنفسهم وهي استثمار أراضي الباي بالنيابة وكذلك التصرف بالكراء للأسواق الاسبوعيّة الغنية بالضرائب (والمكس) وخصوصا منها الهامة مما كان له دور مباشر في استغلال الشعب المفقّر من خلال سلسلة محكمة من السراق كما بيننا ولازلنا نذكر.
كما كانوا يتصرفون نيابة عن الباي في أراضي البياليك وينتفعون بسرقة النسبة الأكبر من دخلها في ظلّ غياب رقابة تفضحهم.وسيطرتهم على الفلاّحين والعمال الزراعيين بالقوّة حتى لا يتمكنوا من فضح ممارساتهم وسرقاتهم مغتنمين الفرص للاستثراء وتكديس الثروات عبر الاحتكار والمضاربة وهذا التلهف على الاغتناء وكنز الثروات ليس على حساب الباي الغبي أصلا فقط الغارق في مجونه ولياليه الحمر منغمس ومدفون في اروقة وأجنحة القصور المشيدة من عرق الكادحين. بل على حساب الفلاّحين وعمال المزارع ألبسطاء الفقراء الكادحين. حتى غدى عند العامة تسمية (رزق البايليك) دلالة على المال المنهوب ليس له مالك محافظ عليه وراعيه وحاميه من النهب والسلب.

وهؤلاء القياد لا يستقرون استنكافا وتعاليا على الريف بل في جوار البلاط بالعاصمة تاركين خلفهم من ينوب عنهم في العمليّة وهو الخليفة. (الخليفة بكسر الخاء) وهذا أيضا وبطبيعة الحال له نصيب من الغنيمة بمعزل عن ما يمنحه له القايد من نسبة بل يقوم بإفراد نصيب له آخر من خلال ما يزيد من نهب خاص به مستغلاّ منصبه.وأوّل أوجهها الرشوة والهدايا الإجباريّة لقاء خدمات هي قانونية ولا تستوجب ما يقدمه لقاءها المواطن الفقير من مواطنيه الريفيين الكادحين.

طبعا يرد هنا السؤال المحوري عن هذا النظام الاقتصادي القائم على سلسلة سراق:
ونحن نستخلص من معرفتنا بالوضع الداخلي والخارجي خلاصة مميزات المرحلة ومدى ما بلغته من خطورة وضع. فمنذ ذلك العهد والبلاد تستنسخ الناسخ وتصنفه إصلاحي معتمدة على التغييب والتجهيل للقاعدة الشعبيّة العظمى (والتجهيل ليس بالضرورة في تعلم الكتابة والقراءة ولكن في أصل الفعل التعليمي وهو الاطلاع على الأفكار والمفاهيم والأسس النقدية والعلمية التي تتيح بلوغ إبداع علمي نسبي في حقائقه التي تجانب الصواب بحكمتها وما تحمله من خصوصية وطنيّة نابعة من واقع وقدرات البلاد والشعب الحقيقيّة في كل الدروب والضروب) وهذا هو ما وضعت السلطة عينها على إعدامه متتلمذة في ذلك على طرق الاستعمار لتدمير الذات والشخصية الوطنية التونسية محاولة تكريس وجودها إلى ما لا نهاية ولكن ما قام به من جريمة في حقّ الوطن بعدهم هو من خلف المستعمر الذي ردم الميت بغير شاهد على قبره يستدلّ عليه خلفه حتى لا يعرف تاريخه الوطني وعمل على انتاج مجاميع (يسميها نخب ثقافية) قامت بجهل إمّا بعد تغييب تاريخها ودفنه بغير كفن حتى أو من كان عميلا مؤسسا وواهبا خبراته ومقصه الذي قصّ به ما يصلح للحاكم وطمر في الظلمة السحيقة ما فاض وزاد مما يبني لدى الناشئة وعيا وثقافة وحسّا وطنيا وشخصية تونسية خالصة بينما قبلها كان البايات يروضون من امتلكها وجاهد في سبيل تحصيلها (وهم قلّة قليلة بحكم فقر الغالبية العظمى الشيء الذي دفعهم لاستغلال أولادهم في الكدح حتى يتمكنوا من سداد الضرائب المتفاقمة ويبق لديهم ما يعيلون به أيامهم السوداء في بلاد حضرها وهم الأقرب والمجاورين ومن له سلطة الفضح وتبليغ المظالم للسلطة كانوا قد قطعوا الألسن والأذرع من خلال قانون التتريك (أي سلب الاملاك ويصل الحكم إلى الإعدام وغيره من الأحكام الظالمة ليكونوا مرتهنين للسلطة وأي سلطة تقوم ليصيحوا في كلّ أنحاء مدنهم مباركين الباي والسلطة الجديدة (الله ينصر من صبح) وليسجّل ابن خلدون عنهم موقفه المشين لما رأى فيهم من انبطاح وذلّة قولته الشهيرة فيهم (قوم يجمّعهم قرع الطبول وتفرقهم العصي) ولم يقل حتى السيف.
فخير الدين المملوكي الذي كان رائد الاستنساخ حيث ارتكزت واستندت كتاباته ولا أقول أفكاره. على ما بلغه وما شاهده وعاينه من تحديث في الجيش والدولة الأوروبية. فاستنسخها كمشروع للبلاد بدون اعتبار لخصوصيّة المكان والانتماء. ولكن ما يحسب له هو المحاولة التي منطلقها حبّ المكان والانتماء له حسّا وعملا وهو الذي في مكانة تغنيه عن الاهتمام بالأمر (مثل الغالبية العظمى من شخصيات عصره الذين غلبهم طمعهم وجشعهم المفرط للذهاب نحو الحفاظ على مصدر نهبهم حتى يدوم حالهم عوض تطويره وتنوير أهله والسمو بحالهم وأحوالهم)
والعجيب أنه صهر خزندار وهو ما دفعه لمغادرة البلاد والسفر إلى أوربا بعيدا عن ما يمكن أن يلحقه من أفاعيل خزندار وقذارته ولقد كان في شخصه بعض وفاء للبلاد التي جعلت منه ما كان من رتبة عسكرية ومكانة سلطويّة.
ولذلك نحن مدينون له بذلك ولكن ما نعيبه على الزمان أنه أصبح مطيّة ومستندا لكلّ وصولي. مشروع سارق وطبال بلاط ومن خلفه جوق وأصحاب البلاط مصدقين الكذبة التي يكذبون. إذ يتخذه عنوان تطبيله ويسقط عليه الألقاب جزافا وأهمها (رائد الإصلاح) الذي يقود خلفه (خصوصا الفترة البورقيبيّة وما يليها وحتى اليوم) متقولين أنهم من سلالته 'إصلاحيون' مؤتمنين على إرثه الفكري. وهم أساسا خدم متآمرين يأتمرون بأمر الصناديق الدائنة.
والدول الدائنة التي تملي عليهم ما تراه ضامنا لعودة أموالها وديمومة وجودها وامتصاصها لثروات البلاد التي أنجبت هذه السلالة من المتسولين في رتبة ساسة. كما سنرى النموذج الأصلي الذي وهبهم الطريق والطريقة.
وكالعادة يدفع الشعب المفقر نتائج كذبهم وافترائهم وسرقاتهم المفضوحة.
إمّا باستعمار مباشر كما هو حال ما بلغته تونس على إثر ما سنسرد في مقالتنا هذه من أخبارها المنتقاة أو الغير مباشر حتى الآن على أيامي هذه من سنة 2015
* و الحال شبيه بما كان عليه سنة 1869. حيث وضعت الأجهزة الماليّة للدولة الايالة التونسية ايام الباي. تحت رقابة دولية بعد أن عجزت عن سداد ديونها (الكوميسيون المالي)

فمنذ القرن 16 زمن ظهور النظام الرأس مالي وخصوصا حين بلوغ البلاد القرن 19 أي بعد زهاء الثلاثة قرون من الانتماء لفضاء الرأسماليّة والارتباط بنشاطها داخليا وخارجيا. فقدت البلاد وسلطتها أهم مواردها مفرطة فيها لمن نسميهم اليوم بالمستثمرين الأجانب. والمتمثلة موارد التجارة الخارجيّة سواء بحريّة كانت أو صحراويّة مما ادى إلى مزيد الاقتراض والرفع من قيمة الضرائب محاولة لجني ما يسدد هذه القروض التي تصرف كما بيننا على الباي وخاصة الخاصة فضلا على الخاصة. وقد فرضت الدول الأوروبيّة الرأسماليّة على الباي فتح حدود البلاد أمام البضائع ورؤوس الأموال خاصتها خصوصا بعد تبنيها المبدأ الاقتصادي الرأسمالي دعه يعمل دعه يمرّ وكذلك:
سياسة الاتفاقات اللا متكافئة le capitulation
وبذلك تمّ منع الباي في بلاده من احتكار التجارة الخارجيّة وحصول الاوروبيين على حقوق وحريّة الاتجار في البلاد.وعلى الأخص حقّ شراء الأراضي والعقارات وامتلاكها. كما حددت نسبة 3% من قيمة البضائع الواردة على البلاد فقط من يخضع لاستخلاص الجمارك وما زاد عن ذلك غير خاضع للاستخلاص.
كما تصدر البلاد موادها الخام والأولية بأرخص الأثمان للدول الأوروبيّة. ولم تكن تورّد سوى بعض البضائع والمنتجات التي في معظمها كمالية وهي عائدة للباي وحاشيته وينتفع من فتاتها من هو قادر على اقتنائها من من بقي له رأسمال للاتجار في البلاد من ابنائها.
وتمثلت مداخيل دولة البايات في أراضي البيليك (أي أراضي الباي الخاصة المغتصبة والمنزوعة من اصحابها بعد اشتهارها بالمردودية والخصوبة). وكذلك الفرض بقوّة السلاح والسلطة المعنويّة معا. والتكثير من أحكام الخطايا والمصادرة وبيع اللزمات معتمدين في ذلك طرق المحسوبيّة التي لا تلغي الرشوة والتي كانت شبه مقننة وطبيعيّة في ذلك العصر. لذلك ليس بالغريب أن نجد لها وجود حتى أيامنا الغبيّة هذه رغم كلّ التباعد الزمني وما يروى ويكتب عن الوطنيّة والثوريّة لحكام تونس منذ عصر البايات وحتى أيامنا هذه الثوريّة جدّا.
ولأن الباي هو سليل أسرات السرقات والنهب الحاكمة. وهو الذي تربّى منذ أول عهده على تطوير مهاراته في هذا الميدان واستنباط الحلول وابتداع السبل اليها فنجد الباي أيامها يبدع طريقة للنهب جديدة ليس لإعالة شعبه ولا حتى من أموال الأجانب بل من ما تبق من رغيف لدى أبناء البلاد يسرقها ليتواصل بذخه وعيشه المترف. وهو باي البلاد وسيدها. وطبعا كان لبقية الجوقة منها نصيب في السر(إذ قام بسياسة المشتري) وهي تقوم على شراء المحاصيل وهي لا تزال في أشجارها وأراضيها وقبل نضوجها لكن عندما تظهر ثمراتها وبأسعار هو من يحددها قسرا وتسلطا وهي رخيصة لدرجة لا تكفي لاستمرارية الانتاج (أي ما اصطلح عليه بالتخضير) وذلك حتى يكون المحتكر الأول الذي يبيع للأوروبي الذي يضع يده على البلاد. كما حدد قيمة الضريبة على البضائع التي يصدرها التجار التونسيون ب 8% من قيمة البضائع وهي مباشرة.
*ومن أنواع الضرائب (المجبى والعشر والقانون)
*المجبى: ضريبة شخصيّة نقديّة سنها امحمد باي سنة 1856 وتشمل كلّ السكان الذكور البالغين (مستثنيا الجند والطلبة وأعوان الدولة والعجزة). وبالتالي يتبيّن لنا أنها كانت موجهة لسكان الريف البدو الفقراء تحديدا فهم القوّة العاملة الأساسيّة المعتمدة على الراعي والفلاحة أساسا.
وكمثال على ما جناه منها غصبا وبقوّة السلاح الجابي في حملات الجباية. فقد وفرت له 45% تقريبا من مداخيل الدولة في السنة الجبائيّة 1860/1861 كما ضعفت هذه الضريبة من 36 ريالا إلى 72 ريال.
*العشر: أداء عيني على الحبوب.
*القانون: أداء نقدي على الزياتين والحبوب.
وضرائب أخرى أقل منها قيمة (كالعسل والسمن. والعلف والجلود).
*الخروبة: وهي ضريبة في شكل أداء نقدي يوظف على حركة *الكراء للمحلات ذات الصبغة التجاريّة أو السكنية.
وأما الضرائب الغير مباشرة هي تخص المحصول وتكون نقدية سنت سنة 1838 وتدفع عند البيع والشراء في الأسواق.
وعلاوة على الضرائب الرسمية كان أعوان الدولة يبتزون الشعب من خلال تكريس الرشوة الفاحشة مستغلين مكانتهم الوظيفيّة.
كما أيضا أبدع الباي في استعباد الشعب حيث قام بالتوازي مع فرض الضرائب وإجبار الفلاّحين الريفيين والبدو على العمل مجانا وبالقوّة في أشغال ترميم وبناء وإنشاء البنايات الاداريّة العموميّة وكذلك القلاع والحصون والجسور والجوامع والمساجد التي يفاخر ويتباهى بوضع اسمه على أجملها محاولة لتخليد اسمه وإشاعة دور وحكم يستمده من الشريعة الاسلاميّة وهو الشيء الوحيد الذي يعلموه من هذه الشريعة ويكرسوه في كلّ وقت وحين (وهذا ليس بالغريب على نظام ورثناه من سلاطين الحريم العثمانيين الاتراك وهو الفضل الوحيد والميزة الخاصة التي لا نختلف فيها عن كلّ أرض وطئتها أقدام خصيانهم وشركسييهم وبلقانهم وغيره من الملل التي ساقوها سوق البعير لإسنادهم وحمايتهم من غضب الشعب ومن (الخلع) وهي انقلابات التي كانت طريقة عصرهم لاعتلاء عرش الحكم بدعاوي ظاهرها وطني باطنها مغرض وهي دعوى الاصلاح والحال أنه لم يكن من بينهم مصلحا حقّا إلاّ من رحم ربّ الخلق حتى أنهم لا يتعدوا أصابع اليد في تاريخنا.
ليعششوا في أرضنا ودمنا وتاريخنا علقة وبراغيث وعلقم. باسم الاسلام وهو براء منهم ومن آثامهم وما يأفكون. خصوصا ونحن أعلم الناس بمآثرهم في ميادين المجون وفنونه والشذوذ وعالمه والمكر والنميمة والدسائس التي أبدعوها للحفاظ على سلطانهم والتلون بما تمليه الظروف انبطاحا على أن يكون في نهاية المطاف من يتحمل وزرهم ووزر افعالهم الشعب المفقّر والمجهّل والكادح. وعند الشدائد تدقّ طبول الغيرة والنخوة التي يفتقدون أدناها علما منهم بأن هؤلاء الريفيين والبدو هم المقصود وأصل والوريث الشرعي للعزة والنخوة والكرامة وهو من سيدفع الثمن من دمه ولحمه وعرقه وجهده وعمره. ويبذل الغالي والثمين في سبيله.
ومن أهم العناصر التي تركناها لتجميع صورة الامس باليوم علاوة على ما ذكرنا. فإن الحلول التي اعتمدها الباي اقتصاديا لأزماته تمثّل أهمها في سياسة التخفيض من قيمة الريال (العملة الرسمية للإيالة التونسية أيامها) ففقد الجزء الكبير من قيمته وهي نتيجة طبيعيّة ليس لقاء تسديد الديون ولكن لحاجة الباي المتزايدة للمال مقارنة بمحدودية الرصيد من الذهب والفضة وذلك ليصرف على ملذاته متعللا للشعب بمشاريعه الوهمية وإصلاحاته الزائفة. فنتج عن ذلك تهريب العملة للخارج وتزييفها في الداخل. فارتفعت الاسعار وكثرت المضاربة وكنز العملة والمعادن الثمينة واحتكارها.
وبلغ الأمر حد التعامل بالعملة الاجنبية إلى جانب المحلّية داخل أسواق البلاد بشكل علني رغم أنه غير قانوني مما نتج عنه عودة الكثيرين إلى المقايضة تحاشيا وتوقيا من العملة المزيفة التي دمرت السوق.
هذا المشهد ذاته يحيلنا اليوم على مشاهد أسواق صرف العملة المغاربية والأجنبية الغير قانونية لكنها تنشط في العلن في المناطق الحدودية المتقدمة نحو الداخل بلوغا المناطق المحاذية ثم الملاصقة للحدود وحتى بأهم شوارع العاصمة تونس وعلى مقربة منه في اسواق ترويج السلع السوداء والعملات المهربة وبحماية الدولة ورعايتها وتأمينها. وهذه الوضعيّة التي استمرت لردح من الزمن والتي اثقلت كاهل الشعب ومثلت عبأ ثقيلا جدا خصوصا خلال القرن 19 حيث تفاقم الوضع الضريبي نتاج لما بيننا من تدخل البلدان الدائنة والنهب المنظم الذي قام به الباي وحاشيته وبطانة بلاطه لتلبية منافع ورغبات ترفهم ومجونهم وشهواتهم وتكديس ثرواتهم على حساب الشعب (خصوصا منه الريفي البدويّ).
الشيء الذي أثر على الإنتاج ليتراجع بشكل كارثي حيث فرّ الكثيرين إلى أرض بالجزائر التي كانت تحت الحكم الفرنسي هربا من بطش القياد وأعوانهم المسلحين وجيش الباي الجابي للضريبة بقوّة السلاح.
وتقع النتيجة الحتميّة التي كانت أوضح من شمس تونس الساطعة على مدار الزمن رغما عن كلّ هذا القطيع وأذنابه من صلب الطين الوطني ممن باعوا شرفهم وعرضهم ووطنهم بأرخص من ريال وصوردي منقوب وخرّوبة. وهي توقيع هؤلاء البايات على معاهدة الذلّ والعار التي يمثلونها وبختمهم واسمهم المثبت على هذه المعاهدة التي وقعوها تحت سلاح المستعمر الذي غزى الارض لعلمه المسبق بالتاريخ القتالي والحربي لأهلها وصلابتهم وشراستهم ولولا وجود هذه الطائفة الاستعمارية بغطاء الاسلام (السلطة العثمانية والتي كانت تستمد مشروعية وجودها الاستعماري السارق والناهب من الفعل الديني والتي طيلة زمن حكمها طوعت الجامع الأعظم وغلّبت جملة من المشايخ الذين ولتهم أمر فتوى الديار.

* ريال وصوردي منقوب وخرّوبة عملة تونسية على أيام البايات.
ومناصب الشرف في التدريس رياسة الأوقاف وغيره ليكونواالبوق المخصص لتبرير أفعالهم وشذوذهم وخورهم للرعية باسم الدين ومن خلال ما يقتطعونه عمدا من كتاب الله حتى يغطوا عهر هذه الطائفة من حكام العار الجهلة.
*مشهد توقيع معاهدة الحماية التي بموجبها استعمرت فرنسا تونس




*نسخة من وثيقة معاهدة الحماية التي بموجبها بسطت فرنسا يدها على تونس
وكنتيجة لكل ما أوردناه قامت في البلاد ثورات أهمها وأكبرها ثورة علي بن غذاهم (باي الشعب)وهي ثورات الريف المنهوب والمفقّر أساسا.
الثائر الوطني علي بن غذاهم

وهنا وجب التفاعل بكلّ عقلانية مع الحدث كما الشخصيّة فإن كان يؤاخذ بن غذاهم على انحيازه لمصلحته الشخصية ومنافع ذاتية فماذا نسمي (ثوريينا الذين أنجبتهم مواخير بريطانيا وفرنسا وقطر والسعودية وآلهتهم العظمى هبل الامريكي الصهيوني. ممن كانوا بالأمس يسترزقون تحت لافتة النضال ضد الدكتاتورية التي ساوموها في السرّ وحتى تفاعلوا معها ابتزازا أو انتهازا بينما عادوها في الجهر حتى لا ينفضّ من حولهم الأتباع الموهومين الذين دفعوا الثمن الكبير وهم على الأرض صامدون
وماذا نسمي التعويضات عن النضال الثوري المادي على أيامنا الغبية. ماذا نسمي الرموز السياسية القيادية التي تاجرت وتتاجر بدم وعرق وأحلام وكرامة وحرية شعبها وأرضه وثروته من كلّ صفّ ولون حتى أصبح المناضل الشريف لا يتجرأ على التحدث عن نفسه خشية أن يحمل على محملهم وفي زمان عنوانه الرسمي (زمن الثورة).فهل كان بن غذاهم استثناء؟
والحال أنه كان أميا جاهلا بالفعل الثوري والسياسي وقواعده النضالية وبأبسط شروط إدارة المؤامرة السياسية التي هي اساس الفعل السياسي منذ ما قبل عصره. (مقارنة بشروط ومعطيات ومفاهيم العصر الذي نعيش وتطور وانتشار الأفكار والنظريات السياسية) ولم يكن سوى ثائرا شرسا مورست عليه الإغراءات الرأسمالية التي كان يجهل تماما ألاعيبها وطرق الفكاك من شراكها مع عدم اغفال عامل الخيانة الذي دفعه لردة فعل غبيّة. لذلك لم يكن المعصوم حين قبل بها لشخصه.بعد الخيانات التي قادها قايد جلاص (السبوعي) ومن تلاه في قائمة الخونة اللذين اغراهم وأعمى بصيرتهم الكسب الشخصي عن مآسي قبائلهم ومناطقهم. كما سنرى في قادم ما سنذكره من أحداث.
خارطة القبائل التونسية

نما اليوم يتبجح العدد الغالب بفهمه ووعيه وحنكته وتجربته وعلمه المخزن وثقافته الواسعة ودهائه المنقطع النظير والذي كرّس كل هذه المعطيات ليس لقاء فتات بل لخيانة عظمى وجب أن يلقى بسببها الإعدام. فهو لا يخون شعبا بأحلامه وطموحه المشروع. بل وطن مذبوحا من الوريد إلى الوريد إلى الوليد. لقاء فتات منصب يتيح له الغرف بكلّ حريّة متخيّلة. كأي قايد من قياد البايات الخونة أو مخزني أو صبايحي. وغيره ممن استعان بهم الباي وخزنداره لقمع الشعب المنهوب.
بينما يبق الشعب وفي صفوفه الأمامية الصادقون الباقون على العهد والوعد. بفكرهم وساعدهم. ووعيهم وثقافتهم. لا يغادرون مواقعهم على الأرض. منتمين إلى فقرهم. راضين به على أن يدنّس اسمهم وتاريخهم. ببعض ميكروبات موائد المستعمرين. وهذا الحال والوضع لا تختص به تونس لوحدها بل عموم المنطقة العربية والكثير الكثير من تاريخ الانسانية وحتى الأوروبي والأمريكي منه. نتيجة حتمية لوجود أنانية الملكية الخاصة لدى الإنسان سواء كان جاهلا أميا أو متعلما واعيا مثقفا.
فلئن كان عنصر الاغراء المالي ووهب المناصب القيادية للخونة قديم قدم الانسانية عند اكتشافها وسماحها بالتعامل في شكل الملكية الخاصة. هو متغيير الشكل محافظ على نسبة كبيرة من ثبات مبدئه العام في مسألة شراء وبيع الذمم حتى أن عدد هام من كبار المفكرين أسال الكثير من الحبر في أدوار خيانة المثقف والسياسي وغيرهم فما بالك بالجاهل والأمي عند بلوغه مرتبة قيادية بشكل أو بآخر وفي أي زمن ولم يسند وجوده بالضروري من المعرفة والثقافة حتى يتمّ اكتساب شخصيّة ثوريّة مناضلة حقيقية.
*ثورة بن غذاهم نموذجا ودرسا*
(لا مجبى بعد اليوم،لا مماليك ولا دستور)
(من اسرف في الحلب حلب الدماء)
*العنوان هذا هو شعار ثورة 1864

*ثورة الشعب التونسي بقيادة (باي الشعب) علي بن غذاهم
سليل أولاد مساهل من عرش ماجر القبيلة ذات الأصول البربريّة وابن محمد بن غذاهم وهو من المتطببين المعروف بتمكنه من حلّ وفضّ النزاعات حتى ولّي القضاء في ناجعته مما مكنه من مكانة لدى أهله وجلب له الموت مسموما من قبل عامل جهته المدعو العربي البكوش السهيلي.
وعلي (باي الشعب) له من التحصيل العلمي حيث كان يحسن القراءة والكتابة التي تعلمها من الجامع الأعظم (جامع الزيتونة المعمور) ما جعله على دراية ببعض ما يدار في الإيالة التونسية على أيامه ولو بدرجة لا تماثل ما يوجد في عصرنا الحالي. لكن كانت بالنسبة إليه أرضيّة جمعت من حوله من جمعت من القبائل التونسية التي آمنت به قائدا وبالعناصر التي ارتكزت ثورته عليها.وعند قيام ثورته كان في سنّه الخمسين تقريبا.
كما أنه متحصل على مباركة الزاوية التيجانية والتي كان لها نفوذ كبير في روح الناس وعقولهم أيامها لما تمثله من سند روحي كان في تلك الأيام من أهم العناصر التي تجمع الناس وتهبهم قوّة وعزما لما لها من سلطان في مخيلتهم البسيطة وعقليتهم الغير متعلمة وهي أيضا تمثّل الرابط الدموي والأخلاقي الذي يجمعهم في كلّ الظروف من فرح إلى ثورة وموت. لذلك كان هذا العامل أحد أهم العناصر التي جمعت الناس قبائل وجماعات وحتى أفراد حول (باي الشعب) علي بن غذاهم الثائر الوطني.ومن المجتمعين حوله من القبائل المجاورة عدى قبيلته ماجر قبائل أولاد عيار والفراشيش وونيفة وتلتها عند قيام الثورة العدد الأكبر من قبائل تونس شرقا وغربا جنوبا وشمالا.
وأهمّ العناصر المباشرة كان مضاعفة ضريبة الإعانة من 36 إلى 72 ريالا تونسيا والتي فرضها الباي حتى يغطّي عجز خزانته المتفاقم جراء إهدار المال بغير حسن تصرف ولا حكمة من طرف وزرائه وعلى رأسهم العلج مصطفى خزندار وعمّاله الشيء الذي هزّها سريعا للإفلاس.
وهذه الحاشية والوزراء والعمال والقياد (والخليفة وهو ليس بأخر حلقة من حلقات النهب رغم أنه في آخر السلم المراتب للوظائف المرموقة). كلهم بلا استثناء يسرقون والشعب وينهبون قوته ويهتكون عرضه ووطنه ويزيدون إثقال عمره بالزيادة في قيمة الضرائب وإبداع ضرائب جديدة تحت مسميات توهم الجاهل بأنها لصالحه ولصالح عياله ووطنه.وفي الحقيقة هم يطالبونه قسرا وبقوّة السلاح بالتعويض لهم سرقاتهم ونهبهم لجهده ورزقه وعرق كدحه وطعام عياله الجوعى العراة المجهّلين المفقّرين حتى يبقوا حطب الأرض التي تدرّ عليهم السمن والعسل والذهب. و حتى يزيدوا في نهبهم وتدمير ثرواتهم والمتاجرة بها وبيعها للأجنبي ليصرفوا على ملذاتهم ومجونهم وكنزهم للمال الذي يهربوه لبلاد الكفار.
وهنا لست أتحدث عن اليوم. لكن ما أشبه 1864 كمثال بالأيام الغبراء هذه التي نعيش.
***


انطلاق الثورة:
*(لا خلاص لكم من ثقل هذا الحمل إلاّ إذا جمع الله كلمتكم على الامتناع 'ومن أراد أن يطاع فليأمر بالمستطاع) 'باي الشعب'
من جبال الظهري وحتى منطقة الجريد وسباخ ومدن القيروان وصولا حتى الشمال غرب الكاف وبلغت في انتشارها السريع كما النار الموقدة تحديدا في شهر أفريل 1864 واد مجردة. كان ذلك في أقلّ من شهر قمريّ حيث شارفت على احتواء كافة التراب التونسي.
حيث تعاقدت العروش على ما أبرموه من الاتفاق كتابة وقسما بالأيمان والعهود (على عاداتهم القبليّة)ومنها اإجتماع على أكل الطعام(وهو دليل على الرابط الدموي الذي لا ينفصل لا خيانة ولا تراجعا حيث يسمونه (الماء والملح)وتعاهدوا على ترك الأحقاد والضغائن وحتى الثائر جانبا حتى لا تفرقهم كلمة ولا فعل من التآمر والدسّ. وبعد صلاة الجمعة التي أمّ رؤوس القبائل والعشائر فيها (باي الشعب) علي بن غذاهم. خطب قائلا لهم: "القصد بهذا الاجتماع هو الاستعفاء من هذا الأداء الثقيل الذي لا قدرة عليه،وإذا غصبنا عليه بالقتال تكون يدنا بالمدافعة على النفس والمال والحرم واحدة.ولا يتعرّض منّا أحد لنهب أموال الناس بالحرابة،ومن تعرّض لأخذ أموال الناس صرنا حربا لله وللسلطان ولا يعذرنا أحد،بل تتوفر الدواعي على قتالنا والله معهم.ولا ننسى أن السور الذي يقين أنّا مظلومون". مما ادى إلى هرب وفرار عمال الباي واستيلاء الثوار على مطامير قمحهم ونورد القادة المنتمين لثورة علي بن غذاهم حسب مناطقهم وقبائلهم:
* ولاد رياح ويقودهم بن دحر
* جلاص ويقودهم السبوعي بن محمد السبوعي


*الاطماع الاستعمارية والثورة.
· قدوم وحدات بحرية بحجة حماية الرعايا كما أعلن في الظاهر.
· ورسوها بموانئ تونس وخصوصا ميناء حلق الوادي
· (ايطاليا وفرنسا وانكلترا وأخيرا تركيا العثمانية).
*سفينة حربية من الاسطول الفرنسي.


_ قاد الطمع في الكنز الذي تونس هذه البلاد التي يحكمها سلالة علوج وخصيان العالم الاسلامي من بقايا دم عثماني ومن مجنديهم في الجيش الانكشاري سابقا وأبناء سباياهم وعبيدهم وغيرهم من الاقوام التي استحلوها واستعبدوها لتكون لهم سلطة وسلطان.
وأيضا يشاركهم في نهب الكنز من والاهم من اصحاب الارض الخسيسين والراغبين تزلفا وانحطاطا في منصب ودور ثانوي حتى ليمدّ أياديهم القذرة إلى رغيف البلاد الكادحة. (مطمور روما الامبراطوريّة). هذه البلاد التي كما شرحنا دخلت في دائرة مغلقة من سوء الحال وكانت منذ زمن تمثّل مطمعا لدول سبق شعبها الجائع ركضه نحوها عابرا البحر فرادا وجماعات بقصد العمل ودحر شبح الجوع ومن ثمة تحول طموحهم بعد تمكنهم من دخولها والعمل فيها إلى الملكية وكل اشكال الكسب الغير مشروع أكثر من المشروع بعد ان تيقنوا من شعبها المكره على الرضوخ بقوّة النار والحديد تحت سيف سلطان ناهب ماجن شاذ ولاّ وزاراته لمثله في الشبه الاخلاقي المنحط وفتح بلاط قصره لكل موبوء دجّال سارق له باع وذراع وإبداع في حبك المكائد والفتن والخطط المسهّلة للنهب والتسلّط واحتكار ثروات البلاد.
فتسابق قناصل الدول الثلاثة التي اشتد بها طمعها في تونس (كلّ حسب فلسفة تخصه وتبرر مشروعه الاستعماري فمثلا ايطاليا تبني رايها على السند التاريخي اذ تونس كانت مستعمر تحت الامبراطورية الرومانية وأما فرنسا فتعتبر تونس جزء من قدمها على ارض المغرب العربي وهي التي دخلت فعلا الارض الجزائرية ويهمها مصير تونس فهي على حدود نارها وحياة وسلامة جيشها اما بريطانيا وهي على ايامها حليفة الباب العالي المتآمرة عليه وعلى مكتسباته فهي ترى في ما امتلكه بقوة السلاح حق لها لتعد من تعد وتنهب من تنهب 'فلسطين ووعد بلفور + العراق بكويته ونفطه وخيراته + مصر بوابة المتوسط الجنوبية والقائمة مفتوحة لتضمّ تونس وتبتلعها وهي على ما هي عليه من اهمية استراتيجية بمعزل عن الثروات الفلاحية والباطنية والطبيعية)
ولتختتم الحفلة كان الاتراك يحاولون مدفوعين بالرأي البريطاني والمشورة لاستعادة تونس التي استقلت عن الباب العالي منذ زمان والتي كانت الاولى في صنيعها ذاك بين الامارات (الدول) التي استعمرتها ونهبت خيراتها تحت راية الاسلام و(السلطنة الاسلامية التي تحتكم للشرعة والسنة وهو ما كان له اهمية كبرى في ركوع الجماهير لبابها ولسلطانها ومن شذّ واعمل عقله مصيره حتما النار والمقصلة وسيف الجلاد.
كل هذا الجوقة هو في انتظار منذ زمان ويعمل جاهدا لإحلال المصائب بالبلاد اذ كان قناصلهم اصل الداء حين ساهموا وبشكل مفضوح في توريط الساسة الاغبياء الجهلة السراق للتورط وتوريط البلاد في ديون لن ولم يقدروا على سدادها حتى اوصلت البلاد في نهاية المطاف لتكون مستعمرة فرنسية سنة 1881.
وبينما كانت بريطانيا تساند خزندار والباي طبعا وتوجهه نحو الاحتماء بالباب العالي تمهيدا لترث منه مستعمراته كان القنصل الفرنسي يراسل بن غذاهم نكاية في القنصل البريطاني ويبني علاقة مبنية على المكيدة مع الثوار بقصد تخريب البلاد وارباك وإنهاك قوتها بين جيش الباي الذي هو منحل اصلا وبين اهل وشعب البلاد وعشائره التي كانت في قوّة وشراسة قتالية يحسب لها الف حساب على ايامها.بينما القنصل والحكومة الايطالية اعدت عدتها للغزو وأرسلت طليعة جيشها الفرقة الهندسية بقيادة رئيس البعثة القائد الهندسي ريتشي (ricci) لتمهيد الارضية العسكرية ورسم خريطة الانتشار وطرق التموين ونقاط الارتكاز وذلك عندما شرع الجنرال دلاّ روفير (della roverre) عل مراسي جنوه في تهيئة المعدات والعتاد والجيش الذي سيقوم بالحملة الاستعمارية على تونس. واستدعت في تورينو القناصل والإداريين الذين عملوا في تونس لدراسة وتهيئة ملفها الحربي بشكل متكامل ومنها ما يخص طرق النفاذ الى عمق ثقافة الشعب حتى يروضوه ويحيدوه عن المعركة وأيضا انتشلت من ارشيفها الخرائط التي سبق وان اعدها اعوانها وعيونها في تونس لتكون اساس المعركة والاحتلال (كما تقرير ‘ألمخابراتي’ لذي كتبه منذ 1828 القنصل الكونت تاتيانو بالمادي بورقو فرانكو ويتضمن احصائيات عسكرية أو الخارطة المفصلة وتحتوي على تصميم دقيق لخارطة العاصمة وغيره من القي التي عثروا عليها في ارشيفهم واستخدموها لتهيئة حملتهم).
وكانت تعتمد على التقارب الشعبي بين الايطاليين من قاطني تونس اللذين قدموا منذ ازمنة سابقة بطريق غير شرعية للعمل في تونس واللذين اصبحوا قوّة مالية وورقة شعبية راو اعتمادها. ولم تكن الرغبة الايطالية في استعمار تونس وليدة هذه الفرصة وإنما ظهرت بشكل علني باحثة عن الدعم من الدول الاستعمارية أيام طلبت ذلك بشكل مباشر وعلني صريح ففي جوان من سنة 1864 وفي لقاء تدارس وتباحث بين فرنسا وايطاليا افضى الى ابرام اتفاقية سبتمبر التي اسس لها المركيز ببولي (pepoli) مع الامبراطور نابوليون الثالث الذي اوصى في بياناته الموجهة لمجلس الشيوخ الايطالي بما يفيد أن نابوليون يؤكد في مقابلته بالمركيز بأنه "لا يرى مانعا ولا يعارض اصلا في ان تصبح تونس ملكا لايطاليا وان فرنسا ترى بعين الوثوق والاطمئنان قيام مستعمرة ايطالية في افريقيا" وكان بموقفه ذاك يسد باب التفاوض مع الايطاليين حول استرداد روما من الاستعمار الفرنسي.:
*أمّا بريطانيا فكان لها خط وخطط مغايرة في النهج والأسلوب وهو ذات النهج الذي استلمت به الاراضي العثمانية من السلطة الممثلة للسلطان العثماني فيها وغصبا عن شعوبها (كما في فلسطين) وبدون ارهاق وإزهاق ارواح جندها وبأخفّ الأضرار والخسائر. فهي تمنح السلطان العثماني ما تعود لأخذه في مرحلة ثانية اذ انها سارعت عن طريق قنصلها في تونس بتوجيه انظار والحلول المنبثقة عن ذلك التوجه إلى العود إلى الانتماء لبلاط الباب العالي والسلطان العثماني وهي (أي الايالة التونسية) أول المستقلّين عنه والرافضين لسلطانه منذ زمن.
لذلك أصرّ القنصل البريطاني بمخطط جهنمي سنفصل بنوده. وأطنب في التركيز على توجيه سياسة خزندار لاسترضاء الباب العالي وبالتالي رضوخ الباي للفكرة وفعلا استجابا لها وكاتبا الباب العالي الذي عاود الحلم في رجوع البلاد التونسية لخارطته وعودة نهب أموال ورزق شعبها تحت مسميات عدة سنورد منها ما يخصّ بحثنا هذا.فسارعوا بإيفاد مفاوضهم (حيدر أفندي عنصر الاستطلاع) ويرافق مركبه بالتوازي وحدات بحرية قتالية دفاعا عن جزء من ممتلكات سلطان الباب العالي واستعادة لها.بينما كان في أروقة قصور تركيا يدار مراحل جس نبض مواقف الامبراطور الفرنسي من خلال ممثليه بتركيا للوصول الى حل في خصوص الايالة التونسية موضحين (والكلام مصدره وزير الخارجية للسلطنة العثمانية علي باشا وموجها للسفير الفرنسي باسطنبول المركيز دوموستييه (de moustier) حيث صرّح مؤكدا الأول بأن الباب العالي لا يدور بخلده البتة ان يركب رأسه في القضية التونسية.بل ان مهمة حيدر لن تتجاوز حدود البحث عن اسباب ومسببات الثورة المندلعة والعصيان الكبير على الارض وهو مكلف بجرد وتجميع المعلومات التي يحتاجها الباب العالي.
لذلك اتفق الثلاثي الاوربي بأنّ أي تدخل مباشر للقوات التركية وأي سعي يكون الاجابة عنه بالنزول الى الارض للقوات العسكرية وبشكل سريع ومجهّز. وكانت فرنسا تهادن تركيا في العلن وتضمر عكسه في السرّ محاولة منها الظفر باعتراف تركي لاحتلالها الجزائر التي هي ايضا كانت ضمن قائمة الولايات العثمانية مباشرة وحتى يوم انتصاب الجيش الفرنسي على اراضيها.
ليستقبل خزندار حيدر الذي تمكن بعد موافقة فرنسا من النزول على مرفأ ميناء حلق الوادي استقبالا فيه من التبجيل والاحترام الشيء الكثير.وهو الذي يأمل في انتصار تركي ويعمل جاهدا على بلوغه واقع الحال على الأرض وبواسطته حتى يغنم مغانم ومكاسب ومركزا وسلطانا بقيادته للمفاوضات وتحمّل مسؤولية التباحث وبلوغ اتفاق والظهور بمظهر رأس البلاد وحاكمها الفعلي والمرجع الرئيسي في كل ما يخصّ الايالة التونسية مقدما بذلك نفسه على باي غبيّ جاهل ماجن غائب تماما عن الوجود إلا في حفلات التشريفات والبصم بالموافقة على ما يسطره هو 'أي وزيره الأكبر خزندار'.وفي ذات الوقت يهين قنصل فرنسا غريمه وليس فرنسا كإمبراطورية طامعة في البلاد وفي استعمارها.وهو الذي طلب جنسيتها من دوائر حكمها ولم تمنحه هذه الجنسية والحماية التي منحتها لسابقيه من السراق (بن عياد ونسيم) اللذان سبقاه في خطته ونهبا خزينة البلاد ثم هربا اليها محتمين بها وبحمايتها وجنسيتها.
* وبهذه الزيارة التي قام بها حيدر التركي ازداد نفوذ صاحب المشورة وحكومته ونعني انكلترا التي تسعى لتبعد اطماع فرنسا وايطاليا معا عن تونس بدون ان يكون لها موقع في الصورة وينكشف طمعها فيها. وهي الراغبة في تمكين تركيا المريضة الغبية الحكام الجهلة وهي متأكدة أنه في نهاية المطاف ستكون من يربح بذلك ما سترثه منها كرها أو طوعا. ورغم أنّ فرنسا كانت تتابع الأحداث منذ أول كتابة أول حرف في مرسوم الباي الخاص بالزيادات في قيمة الضرائب وطبعا قبلها. فهي الدولة التي يدين لها الباي بالكثير من المال المسموم ولا يدري ويكابر كعادة العثمانيين الجهلة الأغبياء.
وفي تفاعل ثلاثي بين وود القنصل الانكليزي وخزندار وحيدر الحالم بأن يناله شرف استعادة الايالة التونسية لسلطانه العثماني على يديه تمّ التوصل اختصار لشروط الباب العالي لبسط حمايتها على الاراضي التونسية وحماية بايها ووزرائه وسلطانهم عليها.
ـ تساهم تونس في مصاريف السيادة (وهي مصاريف تخص السلطان وقصوره وجواريه وجيشه الانكشاري وغيرها من المصاريف التي تخص السيادة) بمعزل عن المساهمات في مصاريف حملات الاستعمار التركي لبلدان أخرى تحت تسمية (فتوحات تأسيا وتواصلا مع تاريخ ما يدين به من دين اتخذوه مطية ليحكموا ويبسطوا نفوذهم على ممتلكات الشعوب الفقيرة اصلا متوهمين انها ملكا لهم وهبه الربّ لملذاتهم.
ـ إلا أن خزندار بموافقة الباي الطرطور الشريف رغبا في ان يبق له حقّ ابرام المعاهدات والاتفاقات التي تخص حدود ايالته مع الدول وهو في الاصل يريد الحفاظ على مصدر استدانته وهو الذي يعرف ومتأكد أنّ مصاريفه تزيد عن طاقة الجهد اليومي للأرض والشعب لذلك هو يستدين لينعم بمجونه وملذاته على اعتبار ان الشعب سيرد الدين بما يسديه من المه ودمه وعرقه ورزقه ورغيف عمره.
وهو يعلم مسبقا ان السلطان لن يمنحه هده السلطة إلا بمعونة وتدخل وضمان من انكلترا صديقته وصديقة السلطان والوسيط الذي احيا اطماع تركيا في تونس المستقلة المتمردة الخارجة عن سيفه. فشلت المفاوضات والفشل تحديدا في هذه النقطة السابقة التفصيل.لكن وود ومن خلفه المملكة (انكلترا) لا تزال تمسك بخيوط مواصلة التباحث بين الطرفين وتتقدم بالمقترحات محاولة بلوغ الطرفين الى اتفاق يبعد عن طريقها كل من فرنسا وايطاليا ويضع تركيا في صدارة وواجهة العداء معهما ويمنحها مساحة كبرى للمناورة والنفاذ للبلاد بطريقة ملتوية وغير مباشرة.
_في اوت 1864 وبينما كانت الثورة مستمرّة بتقطع وتوزع على خارطة الايالة وفي عملية رمي طعم للحاكم للايالة التونسية قام السلطان العثماني باستقطاع مبلغا قدره 50.000 ليرة من ماله الخاص ليهبها لتونس اعانة للباي على تجنيد وتجهيز كتائب جديدة (وهو الذي بلغه خبر هرب وتخللي الجيش وانفضاضه عن الباي ومن حوله حتى غدى شبه منعدم العدد والعدة) دافعا نحو انتصار مأمول على ثورة باي الشعب علي بن غذاهم. وبهذا الموقف يحاول رمي يلوح بمنديل ابيض لباي سبق وان استقطع من لحم الشعب معونة وجهها للسلطان في آخر حملاته في اوربا ولم يكتفي بإرسال المال بل ردفه بالعسكر من ابناء البلاد الشرسين المقاتلين الاشاوس موهما اياهم بأنهم سيحاربون اعداء الله والإسلام تحت راية خليفة المسلمين على الارض وقائد سيف الله على الارض السلطان التركي العثماني.
ورغم فشل المباحثات في مرحلة أولى إلا أن الجانب الانكليزي لم يفقد الأمل بل بقي يجتهد في سبيل حصولها. بينما كان القنصل الفرنسي يوهم حكومته أنّ الثوار على مشارف العاصمة مجتمعين في 40.000 مقاتل ومعسكرين في تبرسق وتستور على مسافة عشرين ميلا من العاصمة كما يفتعل في برقياته للسلطة الفرنسية أخبرا مفبركة كأن يسوق خبرا مفاده أن زعيم الثوار سيصدر بيانا يلقيه في الجموع ليوضّح وجهة نظره التي هي أبعد ما يكون عن الطموح الشخصي في الانقلاب واستلام الحكم بقدر ما يكون كلّ طموحه رفع المظالم الواقعة على كاهل وتعب وشقاء ورغيف الشعب وولده من بعده.وان الثورة تخضع لقيادة موحدة ولا تأبه ولا تخشى في عدائها لباردوا وسلطة الباي ووزرائه بطش باطش او سيف السياف لأن قطع الرأس (الاعدام) بسيف سياف الباي هو فخر وعزّة اذا ما كان الجرم حبّ الوطن والشعب ونصرته.وانه اذا ما ادى الامر فقتل المماليك واجب نتاج بغيهم وتسلطهم ونهبهم رزق الناس غدرا وغيلة.لذلك فان املاكهم حلال للشعب وللشعب حقّ بسط اليد عليها مادام هو مصدرها وهو الذي سلبت منه قسرا وتجبرا وإكراها.
*ويضيف القنصل في احدى برقياته المساندة والعاملة على توجيه اهتمام ودعم الامبراطور نحو الثوار نكاية في خزندار الذي يكن له كل الحقد والحطّ من القيمة الشخصية والمعنوية.
" لم يبدي (اي زعيم الثوار في توجيهاته للثوار) أي شذوذ في السلوك تجاه الأوربيين من أي نوع أي ديني أو مدني في كلّ الأماكن التي يسكنون أو يتاجرون فيها بل بالعكس فإنهم يحفظون الامن في كل المناطق التي يسيطرون عليها وهي شاسعة وواسعة من جملة خارطة البلاد. في ظلّ غياب الامن والأمان الذي هو واجب ومهمة توفرها السلطة الحاكمة وليس الثوار وهي الغائبة تماما عن الميدان."



*كما كتب في 30 ماي التالي ذكره نصا:
"انه حريّ بالإمبراطور ان يجمع فيما بعد كل القبائل التي تقطن البلاد التونسية في اتحاد عربي وهي فكرة يلزم وقت لإبرازها لحيز الوجود امّا اليوم غايتنا التي نرمي اليها هي ان علينا ان نترك الثورة تعمل عملها و نسع في آن لإنقاذ العائلة المالكة والأمير مع الحرص على أن لا يصاب النصارى واليهود بأذى جرّاء معارك الثورة.وكلّ الدقائق التي تمرّ هي مبذولة لأقوم بنفسي بالإشراف على تنفيذ هذه المهمة واعترف أنّ ما نرغبه هو سهل وصعب المنال في آن."
وفعلا قام خلال عشرين يوما بين جوان ومستهل جويلية بإرسال جملة خمسة رسائل لبن غذاهم مباشرة وقام بتحريرها (جان ماتيني) العون القنصلي بصفاقس الذي يتقن بشكل كبير الكتابة والتحدث بعربية أهل البلاد الدارجة.
*وفي تقرير قنصلي كتب القنصل الفرنسي دويو لحكومته وممثلها دولوي '23 جويلية 1864' شارحا:
"إني اشعر بأنّي لي القدرة على أن أكون عاملا من عوامل التخفيف من حده الغليان وداعيا من دعاة الاعتدال وواسطة بين الطرفين المتنازعين.وظهر لي أنّ واجبي يدعوني الى عدم رفض القيام بهذا ألدور"
* وفي تلك الفترة بالذات انهكت الثورة والثوار بحكم طول الزمن والحاجة للمؤن لهم ولعائلاتهم وبلوغ مواسم الحصاد والجني وغيره من الاسترزاق عن طريق المتاجرة والتبادل التجاري للمحاصيل التي تتنوع بتنوع واختلاف المناطق في البلاد لذلك يكون التزود من خلال المتاجرة الميدانية عبر الترحال والقوافل.وهذا العنصر يعتبر أحد العناصر المهمة التي حددت نتيجة ثورة الشعب بقيادة باي الشعب علي بن غذاهم.
*وهذا ما نجح فيه خزندار وفي ادارته للازمة وهي اطالة امدها اكبر قدر من الزمن الممكن.
*خيانة الثورة:

_ بعد مغازلة خزندار للضلع الخبيث من اضلاع الثورة والذي له تاريخ في التكسب على حساب مواطنيه من دمه وناسه ومراسلات سرية وعلنية توصّل خزندار كسب زعامات (ثوار جلاص) وعلى رأسهم متزعّم قبائلهم السبوعي وتلاه فريق من الهمامة من اللذين ارضاهم عرض خزندار مقابل التنازل والعودة الى بيت الطاعة. ليغنم رؤوس هذه الجموع غنائم ومكاسب ذاتية ليس على حساب الثورة وحسب وإنما على حساب اتباعهم ومن ولاّهم عليه وارتضاهم قيادة لقبيلته وعشيرته. فتقدموا جموع اتباعهم معلنين اتفاقهم مع خزندار على العناصر التالية:
ـ خفض اداء العشر لنصف مقداره.
ـ تسمية عمال من اهالي البلاد على رأس الأعمال عوضا عن المماليك.
ـ ابطال العمل بدستور 1861 والغاء المحاكم التي نصّبها وضبطها دستور 1861 والتي مكنت المماليك من اهم المناصب ومنها القضاء والقيادة وغيرها.
في الاثناء كان الباي يرسل جيشا مدججا بأسلحة حديثة الشراء لتأديب الثائرين منتظرا من الخونة ان يكونوا سلاحا اضافيا موجها لصدور اخوة الامس في العهد والميثاق الثوري. وهو ما توصّل اليه بعد حصول الاتفاق بينهم. وكانت جلاص اهم من دافع بشراسة منقطعة عن الباي بخزنداره موجهة اسلحتها للشعب الثائر غدرا وغيلة وراكبة صهوة السلب والنهب والإغارة على من استضعفتهم من القبائل والعروش ذات الامتداد والتي على صلة بالثورة خصوصا وبزعمائها.
خصوصا بعد رفض قدماء الجيش اللذين دعاهم الباي للعودة الى العمل بعد ان رفض شروطهم وهرب العدد الاكبر من افراد وعناصر الجيش المتبقي في الخدمة والمجند للحملة.
*وبعد ان احسّ وعاين بن غذاهم حجم الخيانة وتهافت قيادات القبائل والعروش التي اغراها عرض الباي. كانت ردة فعله أن قبل عرض الباي المخصص له شخصيا في 26 جويلية 1864 وبحضور 400 من مشايخ وأعيان قدم فروض الطاعة باسم اربعة عشر عرشا من عروش الشمال الغربي مشترطين اسقاط المجبى الى عشرة ريالات وحط النصف من اداء العشر كما طلب بن غذاهم لنفسه كغيره من الخونة اللذين خانوه وخانوا ما اقسموا عليه وتعهدوا به في قيام الثورة ضيعة واسعة فمكنه الباي من هنشير الروحية ولأخيه عبد النبي الولاية على عمل قبيلة ماجر وتسمية ابنائه في رتب مشايخ على رأس عدة عروش وصادق الباي على الاتفاق وكشكر للباي على توقيعه الاتفاق وتبيانا لوطنيته بأنه لم يرضى ان يبيع البلاد للأجنبي لقاء منافع ومكاسب ومناصب قدم له الرسائل التي تلقّاها من الممثل الفرنسي بتونس القنصل دوبوفال والتي آلت الى يدي خزندار الذذي استخدمها للإطاحة برأسه وفضح غريمه ومخططات حكومة إمبراطوريته السريّة من ورائه لمصارعيه على الميدان وتحديدا القنصل الانكليزي.
وكانت تلك الطريقة الوحيدة التي تضمن الحد الأدنى من مطالب من نصره في ثورته وأيضا تضمن له حماية نسبية من باي ووزير اكبر عرفا بالخيانة والغدر حين رغب تعيين اهله وأبناءه في المناصب التي تعتبر وقتها مفتاح حكم مناطقه التي هو قائدها وزعيمها.
وفعلا فالذي ذهب اليه تفكير بن غذاهم كان هو حقيقة الميدان اذ عمد الباي بمشورة وزيره العلج خزندار الى تشكيل محلّة قادها باي الامحال علي باي لنصرة سبقتها بقيادة الجنرال رستم والتي انهكها القتال وطول الرحلة لتأديب القبائل والعروش التي لم يرضيها حتى اتفاق بن غذاهم وبقيت تحمل السلاح ضد الباي وجيشه والقبائل المناصرة له التي خانتهم قبل ذلك. وفي آن.
لينكث بن غذاهم وعده للباي الغادر ويعود للسلاح في 4000 مقاتل من مقاتليه اللذين تمكن من تجميعهم من الأوفياء بالعهد متجها أولا نحو جلاص التي استنجدت بالباي الذي استندت على اتفاقها معه لتبطش ببقية العروش سلبا ونهبا وإغارة مستأسدة بالباي وخيانة للثورة وللشعب وللفقراء والضعفاء من ابناء الوطن.
وعلى مقربة من منطقة تبسة (تتبع الجزائر حاليا) التقى الفريقان (علي بن غذاهم وانصاره من الثائرين والمحلتين "محلة علي باي باي لأمحال ومحلة الجنرال رستم" واللذين دعمهما الخونة من جلاص بفريق الخيالة فالتجئ بن غذاهم وجمع من الانصار الى الجزائر الفرنسية وهم من نجا ومن بقي وفيا للثورة ولم يتخاذل وينهزم. وفي تبسة منحتهم فرنسا الأمان وصدت قوات الجنرال رستم قبل دخولها حدود المستعمرة الفرنسية انذاك وملاحقة الثوار. وفرضت الاقامة الجبرية على بن غذاهم وأخوه عبد النبي ومن التحق بهما من عائلاتهما في البداية في قسنطينة ثم نقلوهم الى موطن قبيلة أولاد عبد النور الجزائرية أين مكثوا حتى 1866.
في الاثناء كان مشايخ توزر يسلمون شيخ الثوار (بن دحر) الذي واصل الثورة وأبى الاستسلام وإنهاء القتال حتى بلوغ الثورة اهدافها. للباي حيث حمل للقصر بباردوا حيث جلد 1.000 في فناء القصر وكانت نسوة الباي يتفرجن من الشرفات بشماتة ويقهقهن كما غواني ويرقصن فرحا وطربا لما اعتبرنه نصر على هؤلاء الرعاع الشعث الغبر الجوعى السراق السفلة والخونة لمطعمهم وباني عزتهم حامي شرفهم وكل الالقاب التي يرونا انها نصيبا مكتسبا من حق الباي التفاخر بها والحقّ انها عكس ذلك فهم من يطعمه ويطعم اهله ونسوته ويحميه ويحميهن ويبني قصورهم ويشيد دولة ينهبونها ويسرقون منه حتى لقمة رغيف ابنائه ولن اقول مستقبلهم الذي ارادوا ان يكون مماثلا لآبائهم خدم فقط لا غير. إن لم اقل عبيد.
***
*نقاط للإضافة:
ـ بعد الاتفاق بين الباي و بن غذاهم قام بتسليم رسائل القنصل الفرنسي التي استثمرها غريمه الابدي خزندار ليخبر بها كلّ من القنصل ومن وراءه الحكومة الانكليزية وأيضا رئيس حكومة الامبراطور الفرنسي الذي وعد بإقالة قنصله الذي اثار اشكالات دبلوماسية عديدة بصنيعه مع كل من تونس وانكلترا ووضع السلطة الفرنسية في موقف حرج للغاية.
ـ وأصل الخيانة ورأسها قبيلتي جلاص والهمامة ثم التحقت بهما دريد ليجتمعوا رافعين سلاحهم في وجه المتشبثين بالثورة والمستمرين فيها مناصرين الباي وخزندار لقاء فوائد ومنن وفتات سنرى كيف لم يمنحهم من ما وعدوا منه ولو حتى (النخالة).مقارنة بما قدموه من خدمات اصابت الشعب الفقير المعدم وولده من بعده في مقتل.
*وتوالت احداث ارسال الثوار للجلد في بهو وساحة قصر باردوا وتحت مرأى وقهقهات مومسات القصر وغوانيه واللذين كان يرسلهم قائد الحملة والمحلة التي تجوب البلاد لتأديب كل من شارك وساهم ودعم الثوار حتى بالمؤن بقيادة الجنرال رستم الذي لم يكتفي بالتعذيب والتأديب بل سلب ونهب غصبا وبقوة السلاح وشاركه زروق الذي قاد حملة الساحل في الجرائم ذاتها بل وراد انواع التنكيل والنهب ما جعله مضرب مثل يخيف كل نواحي الساحل.
اذا تواطأ مع اليهود المرابين في نهب من لم يبق لديهم ما يدفعون. اذا انه بعد ان سلب الناس ونهب اموالهم وأرزاقهم وحتى يزيد تعميق جراحهم نهبا وسرقة بقوة السلاح والبطش والتنكيل والاعتداء على الشرف امام اعين العائلة مجتمعة ولم يسلم في ذلك الموسر والمعسر على حد السواء.
_ فمثلا كان اليهودي المرابي اسحاق يوسف وصهره يوسف ليفي وهما شركاء زرّوق سرا وجهرا بتفاوت مراتب المنهوبين والحالات وبعد ان سهل لهم زروق عملية اقراض المواطنين المرغمين على دفع اتاوات وضرائب اقرها هو شخصيا والزمهم دفعها باسم الباي وكان نصيبه منها عظيما. اذ منحهم حقّ امتلاك الرهن العقاري الذي كان يكتب بغير علم المدين في تواريخ تسبق بكثير اوان دفع المتخلّد بالذمة من أصل الذين.الشيء الذي دفع زروق برميهم في السجن عند مطالبتهم باسترداد املاكهم عند الدفع حماية لشريكيه فكانت قيمة ارباحهم أن اصبحا من أكبر الملاّك بجهة الساحل ومحتكري تصدير الزيتون والزيوت في الجهة وطبعا بالبلاد خصوصا وان الجهة من اهم مناطق غراسه وإنتاج الزيوت والزيتون في البلاد. مما تسبب ليس في افلاس التونسيين فقط بل امتد الافلاس الى التجار الاوربيين الذين كانوا يشكلون حلقة مهمة من حلقات تصدير والاتجار في الزيتون والزيت خصوصا خارج البلاد.
وكذلك الحال في صفاقس التي فرض عليها نصيب مما فرض على جملة المدن والمقدر ب 4.686.000 ريالا بصرف النظر على ما جمع من اهلها من الديون الفاحشة. وكان جزاء الباي لزرّوق بأن سماه عاملا على سوسة والمنستير في فيفري 1865.
وكنتيجة لأعمال الجنرال رستم والعامل زروق والفظاعة التي ارتكبها في حق الشعب وخصوصا تأثيراتها على الجاليات الاوربية ماديا ومعنويا وجه القنصل الفرنسي بأمر من حكومته احتجاجا صارما وشديد اللهجة لدى خزندار ليبلغه للباي ليكون ردّ هذا خزندار صاحب السلطة الفعلي بالكفّ عن العود لمثل هذه الافعال لكن هل يؤتمن جانب علج خائن نعمة وحماية شعب منحها ايها وهو الغريب الغير ذي نسب ولا شرف؟
*عواصم الدولة (الحضر) أيام الثورة:
_ قام عربان القيروان عند سماعهم خبر اتفاق الثوار وتصميمهم على ما عزموا امرهم عليه. بالهجوم على مقام ابي زمعة البلوي الصحابيّ فأطفئوا مصابيحه وكسروها ونكسوا أعلام تابوته بعد أن قلبوه وهي طريقتهم في الاستغاثة والالتجاء وطلب السند. وتوعدوا كل مخالف أو من يحاول حلّ روابطهم التي جمعتهم على الفعل والثورة. وتوعدوا كلّ دافع للضريبة بحرق البيت والطرد من المضارب والأرض.
ولم يكن عربان القيروان استثناء بل أوردنا ذكرهم كمثال على ما كان في مدن وعواصم إيالة الباي.
إذ ثار أهل صفاقس على عاملهم (ممثل الباي في الولاية) وشارفوا الفتك به لولا أن وقع تهريبه إلى سوسة.ومنها إلى تونس العاصمة.
كما كتب الباي مكاتيب أمان لمن يطلبها من سكان سائر بلدان الساحل وعربانه فلم يكن لهم طلب عليها بعد ما بلغهم من توعّد ووعيد العربان للخائن لثورتهم. إذ عمت الفوضى القلعة الكبرى ومساكن من مدن الساحل وكذلك جمّال وغيرها.
***
*قصر الباي وما اشبه البارحة بما كان ايام بن علي:

_ عند بلوغ أخبار الثوار لقصره كتب مكتوبا للناس يقول فيه:
"وبعد فقد كان مما اقتضاه نظرنا لمراعاة أهل المملكة أن يزداد في مال الإعانة مقدار لا يجحف بالرعيّة لأنه يتفاوت بتفاوتهم في الغنى وجعلنا ذلك موكولا إلى عهدة أعيانهم.فنشأ من ذلك تحيّر في أطراف المملكة ونحن لا نرضى مضرّة رعيتنا الذين بهم قوام دولتنا ولذلك بادرنا لسدّ باب الهرج وأسقطنا عنهم ما كنّا أمرنا بزيادته وأبقينا الأمر على ما كان. وبأمرنا هذا يتصرف من أذنّا له بقبول النوازل وفصلها من أهل المجلس الشرعي والعرفي والعامل. والله وليّ إعانتكم /والسلام"
ولكنه كان قد استعجل عماله لخلاص الضريبة. قبلها بقليل حيث كانوا بصدد جباية الضريبة بقوّة السلاح. وما أشبه عقليات وشخصيات حكام الأمس المنحدرين من أصل غير وطني وحكام تونس اللذين جاءت بهم إلينا عوامل وتفاعلات الخارج مع خونة الداخل.
فعند الأزمات في البلاد لا يعمل الحاكم من هؤلاء المذكورين قبلا عقله بل يسارع إلى الشعوذة وتفسير ما يسميه أحلام وهي في حقيقة الأمر ضميره المتسخ الذي يقضه علّه يصحوا ويصلح ما أفسد بمغادرته ورحيله عن منصب لا يستطيعه ولا هو أهل له ولا حتى له القدرة والشجاعة للتخلي عنه بغير دماء تاركا لغيره ممن له القدرة والكفء وفيه من الأهلية لقيادة البلاد نحو روحها وخيرها وعقلها وقلبها.
إذ نورد هذه الوثيقة التي نقتنصها من اتحاف صاحب الاتحاف ابن ابي الضياف والتي تكشف عن عقلية الحاكم ونمط تكوينه وهو الذي يحكم موطنا من الأهمية ما جعله على رأس قائمة أولويات عمل المستعمرين كافة. وكيف كان ويكون من أمر من بأيديهم قلب الشعب وعقله من من إإتمنهم على روحه الدينيّة ليؤسسوا عقله الدنوي ونعني أهل الحلّ والعقد من أأمة ومفتيي الدين في مؤسسات السلطة من المتاجرين به.
· > زار الباي المشير الثالث الشيخ محمود قابادوا طلبا تفسيرا لحلمه ورؤياه:
ـ لقد جئتك وما أرسلت في طلبك.
ـ ولو طلبتني لسعيت لك حامدا لله على تذكرك لعبدك ورغبتك في رؤيته.
ـ أنت تعلم أني دائم الرغبة في رؤيتك والاستماع اليك تنثر درر الكلام من فمك.
ـ والله يا مولاي لو مت بعد هذا الثناء الذي لا استحقه لكنت سعيدا أن يكون آخر ما سمعت اذني.
ـ لقد جئتك اليوم وعطلتك عن دروسك وحرمت من عملك طلبته لأني في غمّ منذ أفقت من نومي قبل صلاة الفجر وإني لا أثق بغيرك كي يؤوّل الرؤيا التي أذهبت النوم من جفني والراحة من قلبي وجسمي.
ـ انشاء الله خيرا يا مولاي قصها عليّ وإني لواجد لك تأويلا تطيب له نفسك ويرتاح له قلبك بإذن الواحد الأحد.
ـ رأيتني في بستان ما شاهدت عيني أخصب ولا أجمل منه منظرا وكانت الشمس مشرقة دون حرّ ونسيم عليل يهبّ من الشرق فتنتعش النفس من الروائح التي تنتشر معه. وكانت الأزهار تغمر أرض البستان بألوان لا يحصرها إلاّ من أبدعها. وكنت أتنقل بينها أشمّ واحدة وأداعب أخرى و ألاحق فراشة أو أستمع لطنين النحلات التي تجمع الرحيق. وكنت في كلّ هذا تغمرني سعادة لم أتذوّق مثلها منذ خلقت رغم كثرة بساتيني وضيعاتي وحدائق قصوري، وعلى مشارف البستان رأيت أشجارا مثمرة من كلّ الفصول ومن كلّ الأشكال فأسرعت الخطى نحوها لأتملّى منظرها وأتمتّع بالتذوق مما اشتهت نفسي. وصلت الرابية المثمرة وقطفت برتقالة بحجم البطيخ تكاد تشفّ عمّا بداخلها من نضارتها وبدأت بتقشيرها متخيلا ماءها العذب يروي ظمئي. وما ان انهيت تقشيرها حتى فزعت من ديدان مقززة تخرج من داخلها وتنظر إليّ بشماتة غريبة فألقيت بها مذعورا وأخذت غيرها فإذا بها تحوي أفظع مما حوت سابقتها. ابتعدت عن شجر البرتقال وأنا ألعن حظّي التعس وقطفت تفاحة يبهج النفس منظرها ورائحتها الذكية وتأكدت من خلوّها من آثار العفن والدود ثم قضمتها بأسناني فإذا بفمي يمتلئ دودا يتحرك داخلها كالثعابين فبصقت ثمّ تقيأت ما بأحشائي حتى كادت تخرج روحي من جوفي. وابتعدت عائدا الى الازهار ...
وفجأة ادلهمت السماء وظهرت في الافق سحب سوداء محمرّة، وتردد دويّ الرعد يهزّ الأفئدة ويخلع الأمن من القلب المطمئن. وافقت مذعورا من هول ما رأبت وها أنا أمامك لتؤوّل رؤياي بما أوتيت من ألعلم وأعرف أنك ممن لا يخطئون في التأويل.
ـ حاش لله يا سيدي فالكمال لله وحده. ولكن أفسّر الرؤيا بحسب اجتهادي وما أوتيت من العلم إلا قليلا. ولكن أريد أن أطمئنك أن رؤياك خير إن شاء الله.
فلا يفزعك وجود الدود فهو خير وزيادة مال. أما البستان فهو حرمكم، فالبستان يدلّ على المرأة وعلى قدر جمال البستان يكون عفاف المرأة وصلاحها وجمال روحها. كما يدلّ البستان على الجنّة تصديقا لقوله تعالى في سورة البقرة " أيودّ أحدكم أن تكون له جنّة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار " وأمّا الرعد والسحاب والبرق فتأويلها عندي خير إن شاء الله، فالرعد يدلّ على المواعيد الحسنة والأوامر الجزلة وعلى الخصب لأن الرعد إذن المطر. أما السحاب فهو يدلّ على الإسلام الذي به حياة الناس ونجاتهم وهو سبب رحمة الله تعالى لحمله الماء الذي به حياة الخلق، وربما دلّ على العلم والفقه والحكمة والبيان. والله ورسوله أعلم.
ـ بارك الله لك في علمك وطمأن قلبك كما بعثت الاطمئنان إلى قلبي.
ـ العفو يا مولاي، فأنت أميرنا وسيدنا ولا يطمئنّ ولا يهنأ عيش إلاّ بهناء عيشه.
ـ إنّ نقابة الأشراف لا تدرّ عليك من المال ما يكفي ليعولك ويقوم بك وبعائلتك.
ـ يا سيدي أنا أعيش تحت ظلك ورعايتك وعيالي يكفيهم فخرا أنك تدخل منزلهم المتواضع وتخصّ أباهم بزيارتك وتشريفك دون الوزراء وأرباب دولتك الكرام.
ـ سيأتيك أمري بتولّي التدريس في المدرسة الحربيّة إلى جانب التدريس في الجامع الأعظم.
وولاية القضاء في باردو.*(باردو مركز السلطة وبها قصر الباي الحاكم)
ـ والله يا مولاي إن كرمك يفوق الوصف ومنّك عليّ بهذه الخطط يجعل لساني يفيض شعرا ولاهجا بشكرك:
وكم للصادق الأسمى مزايا إذا عدّت فلا مثل عديد
فلم يجهل له له في العلم فضل ولم يعرف له فيه نديد
ولم يغرر بلين الصفح منه فينكر باسه الخشن الحديد
يجلى ما درى في بط جاش وعزم لا ينهنه كؤود
وحسن طويّة ووفاء عهد ووعد نجزه صدق وجود
.....................<
***



وثيقة اتفاق بين الباي وفرنسا
*اسباب انهيار الثورة:
ـ في البداية كان معظم العروش قد لزموا موقفا سلبيا من الثورة كلّ حسب مصالحه (التي هي مصالح قادة العروش والقبائل)
*وكانت تراوح بين الاقتصار على الامتناع من دفع الضريبة فقط وبغير حمل للسلاح.
*أو عدم قبول اعوان الجباية المرسلين من حكومة خزندار وملاقاتهم حتى وأيضا بغير انتماء صريح للقتال و للثورة.
ـ كما لم تشأ العروش والقبائل الكبيرة ان تشترك في السعي الثوري ضد العاصمة التي هي الباي رمزا وقيادة.
ـ كما غاب النفس الثوري الطويل والمستمرّ وهو العامل الحاسم الذي ربحه خزندار الذي عوّل عليه لمعرفته الدقيقة بطبيعة البلاد ومصادر رزق اهلها الذي يعتمد الفلاحة الموسمية.وعند بلوغ مواسم معينة وهي اساسا مواسم الجني وتجميع المحاصيل بقصد الاتجار وتخزين المئونة يتوقف القتال وتفتر العزائم وتلين الانفس العصيّة.وكان يضمر لها الغدر والخيانة ونهب مسلح وهو ما نجح في بلوغه كما سلف ذكر ما اتينا عليه من احداث.
ـ كما نضيف عاملا مهما هو الخيانة التي ضربت الثورة في صميم قوتها.متغافلين على عنصر مهما اخر هو ما نستغربه حيث كانت المناطق المنهوبة والمفقرة اكثر من غيرها هي المناطق التي اتسمت بالهدوء وعدم الانخراط في الحراك الثوري حتى ان قوافل التجارة التي كانت تخشى طريق سير يحاذي او يجاور او على مرمى نيران الثوار كانت تمرّ بأمان من مناطقهم وتصل سالمة الى مراكزها.
ـ ان قدوم الاساطيل الحربية الاجنبية دفع بالثوار عديمي السند الفكري والخبرة السياسية الى اتخاذ مواقف عدائية اصطبغت بصبغة دينية مما حمل لها عداوة هذه الاطراف لتعمل هي الاخرى على تحطيمها وتخريبها وردمها في محيطها (مع استثناء وحيد كان في آخر مراحل الثورة وهو الموقف الفرنسي سابق الذكر بتفصيل).
ـ ظهور المنافسات والثائر وغيرها من مظاهر التناحر الذي كان يؤججه الحاكم العثماني ليلهي ويسيطر ويحكم البلاد بأريحية ويتخلص من متاعب عدد من النفوس والشخصيات الوطنية التي تظهر في شكلها العفوي.
ولنختصر اسباب انهيار الثورة في العوامل والعناصر التالية تاركين بقية العناصر لاستنتاج القارئ من خلال السرد الذي جمعناه من الاحداث وما حفّ بها من مؤامرات وخيانات وتآمر خارجي على البلاد اذا ما استثنينا الباي وخزنداره وخدم بلاطه في رتب وزراء ومشايخ الدين اللذين لعبوا دورا في كل مراحل تاريخ البلاد رخيصا وخسيسا باسم وتحت رعاية ما منحهم ايه السلطان ليكونوا صوته المشتق من ما يقصونه عمدا من كلام الربّ وقرآنه خدمة للسلطان على حساب الشعب.

*حادثة الباخرة*
بعد رحيل اساطيل الغزاة المتآمرين الفرنسيين والانكليز والطليان والأتراك العثمانيين وبعد انكشاف الاطماع المتعاظمة للفوز بأرض تونس وحجم هذا التآمر وجدية الخطر.وبعد أن أصبح وود القنصل الانكليزي صاحب مكانة عظيمة في قصر باردوا وقصر الحكومة مقر الوزير الاكبر الوفي ليس للقنصل فقط بل ولكلّ ما يأتيه من أوامر مبطنة في شكل مشورة انكليزية متآمرة بالضرورة. ليستغل القنصل الانكليزي مكانته هذه دافعا الباي الجاهل الغبي لإرسال خير الدين الى اسطنبول في سفارة ومهمة في ظاهرها الشكر للسلطان العثماني على موقفه تجاه باي تونس ونصرته له ومساعدته التي اقتطعها من ماله الخاص ليرسلها للباي وباطنها ابرام اتفاقية يقضي بتمكين باي الايالة التونسية من حقّ التعاقد مع الدول الاجنبية مثلما جرى به العمل منذ ازمنة استقلت فيها الايالة عن الباب العالي.
***
*وزود الباي مبعوثه باتفاقية نصت على:
1 ـ يبقى حقّ تولّي الامارة في العائلة الحسينية متداولا بين افرادها بطريق الارث كابرا عن كابر.
2 ـ يكون للباي حقّ ممارسة سلطته في الشؤون الداخلية للايالة التي يديرها وفق قوانين تأسيسيّة وإدارية.
3 ـ وبناء على ذلك يكون له الحقّ في تسمية مأمورين مدنيين وضباط عسكريين لجيشي البرّ والبحر الى رتبة فريق.
4 ـ يكون للباي حقّ استيفاء علائق له مع الخارج.
5 ـ للباي حقّ ابرام المعاهدات العامة والاتفاقات التجارية وعقود الملاحة مثلما جرى بذلك العمل فيما مضى بيد أنّ كلّ المعاهدات أو الاتفاقات أو غيرها من المواثيق التي قد تنال من سلامة السلطنة بصفة عامة كالمحالفات الدفاعية أو الهجوميّة وكالاتفاقات المفضية للتنازل عن قسم من التراب أو لضبط الحدود لا يمكن أن تعتبر ماضية وقابلة للتنفيذ بدون أن يصادق السلطان عليها.
6 ـ عندما يولّي باي جديد يطلب من السلطان أن يتفضّل بإقرار ولايته ويجاب لطلبه كما كان الشأن فيما مضى.
7 ـ يكون للباي الخيار في الذهاب لإسطنبول أو في عدم الذهاب. لكن كلّما تهيّأ له الذهاب يقبل بمظاهر التشريفات اللائقة برتبة الأمراء اللذين تلقّوا إمارتهم بالوراثة.
8 ـ ابطلت الهدايا المعتادة تقديمها في مثل هذه المناسبات وعوّضت بمساهمة سنويّة قدرها .....(كذا) "يتمّ إقرار مبلغها بالاتفاق فيما بعد" تدفع لدار الصناعة السلطانيّة بعنوان إعانة للذبّ عن حوزة الأقطار المنضوين تحت لواء السلطنة العثمانيّة.
9 ـ يعترف الباب العالي كالماضي بالراية الخاصة للايالة التونسية.
10 ـ يفوّض جلالة السلطان للباي حقّ تقليد النياشين المدنيّة والعسكريّة.
11 ـ تضرب السكّة (العملة) باسم السلطان.
12 ـ يكون الدعاء في الخطب الجمعيّة للسلطان.
· وكما نلاحظ هي محاولة من خزندار وحكومته مستعملا بايا جاهلا غبيا لإبقاء الجسم الأكبر من الحكم تحت نفوذه ونفوذ باي لا يفقه استغلالها واستعمالها لمصلحة البلاد. ولكنه يبحث عن غطاء يحمي استمرار وجوده كحاكم للبلاد ناهبا لثروتها وخيراتها وعرق شعبها الباني الحقيقي وإبعاد اطماع الغرب الكافر الراغب في اقتلاعه واجتثاثه واهله وطائفته منها بالحيلة والقوّة.
· لكن هل فرنسا سيقنعها مسعاه خصوصا وانها للوهلة الأولى وعن طريق عينها الساهرة المراقبة التي اعلمتها في الابان بسفينة خيرالدين وما تحمله ويحمله الى الباب العالي الشيء الذي جابهته فورا بمحاولة اكراه سفينة خير الدين على الرسوّ في مرسى آمن من مراسي فرنسا وتحويل وجهتها حتى يتبيّن المبتغى الحقيقي لسفارته. ولكن وبعد توصل خير الدين من بلوغ اسطنبول واستقباله استقبالا مهيبا لعلم الباب العالي بفحوى سفارته مسبقا ومن خلال الانكليز اساسا.
قامت فرنسا باستخدام نفوذها في اسطنبول بالذات حيث فرض مراقبة لصيقة على تحركات خير الدين في اروقة الحكم بالباب العالي في عاصمة حكمه اسطنبول.
كما كان خطاب السفير الفرنسي المركيز دوموسيتي الموجه لوزير الخارجية التركي وفي مركز سلطنته علي باشا حيث خاطبه قائلا:
*" إن سياسة فرنسا إزاء تونس بسيطة للغاية. فنحن لا نرغب في أن يكون الباب العالي جارنا بالنسبة للجزائر...وأن الشرط الأساسي للحفاظ على العلاقات هو بقاء الوضع على حاله بتونس ."
وهنا وجب أن نذكّر ‘جهلوت’ أيامنا هذه بأنّ هذه المواقف التي افرزت استعمارا فرنسيا بعدها بسنين قليلا تحت غطاء الحماية (معاهدة الحماية) هل حكومة تركيا الحالية غيرت شيء من عناصر وجودها في قائمة الدول التي تحاول ان تكون رقما حتى بضمها ضمن جواسيس وأعوان وقوادي العالم حيث يدخلون فضاء بغطاء حماية الدين ومن ثمة يسلموه جملة وتفصيلا لسيدهم الذي حوّل مركزه من انكلترا الى امريكا في صورته الجلية للشعوب.وحتى يكون الكلام واضحا استرسل في ذكر نتائج زيارة خير الدين رمز الاصلاح لدى من يرغبون في الاندساس في خبايا عنصر الاصلاح والتحديث في وطني اليوم.
اثار كلام المركيز السفير الفرنسي في السلطان وصره الأعظم وحكومته الخوف والخشية الشيء الذي دفعه الى رفض التوقيع على الاتفاق وإصدار فرمان سلطاني يحمل ختمه يحمل موافقته على الاتفاقية التي تعرضها الايالة للعودة الى حريم من حريم قصره وتمنحه ما تمنحه من ما كان يفقده من سلطان وسلطة على الايالة التونسية التي للتذكير كانت اول المستقلين عن حكمه وحكم اسلافه من قبله حين اعلنت العصيان والاستقلال عن سلطته وسلطانه.وكانت هذه فرصته لاستعادتها وحتى تأديبها وإهانة باي غبي جاهل معنويا حين يقبل بعودته خادما في بلاطه ولو ببعض امتيازات يمكن سحبها في قادم الزمان بحجج واهية كثيرة.
لكنه وحتى يحفظ ماء وجهه امام من استنجد بحمايته وحتى يظهر على انه ضمن قائمة الكبار في العالم. كلّف الصدر الأعظم (وزيره الاول) ليحرر مكتوب يعود به خير الدين لبايه تضمّن:
*(تأكيد العمل بالامتيازات القديمة المخولة للايالة وفق الشروط التي اشتملت عليها المذكّرة التي اطلعت فرنسا على فحواها. وقد تعرّض المكتوب الوزيري للأسس التي بني عليها الاتفاق القاضي بضبط العلاقات بين الباب العالي وبين حكومة الايالة وهو أنّ أول مرّة يعترف فيها وزير تركي رسمية بالوضع الخاص الذي عليه باي تونس).
وهذا ما ارضى فرنسا وايطاليا مجتمعتين وتعاملتا على أنه لم يكتب وليس له اي اعتبار ولا حتى وجود. بعد ان انظمت ايطاليا الى الصفّ الفرنسي رغبة منها لاستعادة اراضيها التي تقع تحت سيطرة الفرنسيين بعد ان انتهى حلمها في استعمار تونس.
ليتحوّل خزندار نحو تدويل القضية التونسية خصوصا بعد قيام الثورة الصغرى.

***
*الثورة الصغرى:
وهي التي قامت في ضاحية حلق الوادي وهي التي يقع فيها الميناء الرئيسي للبلاد.ويقطنها تجمع كبير من التونسيين والجاليات الاجنبية (ايطالية مالطية اسبانية وفرنسية وغيرها) وتعمل في التجارة وخصوصا التجارة الخارجية وفيها من ساكنيها يد عاملة مهمة العدد كما يسكنها الجيش اذ فيها برج كبير لصد الهجمات البحرية وعلى اسواره كسرت شوكات غزوات كثر منها الاسباني والفرنسي.
وهي ثورة من نوع ثورات السرايات والتي استغلها خزندار ليضع في اهم مراكز النفوذ والحكم اخلص اشياعه وإتباعه من السراق والناهبين والمرتزقة. فتولى صهره الجنرال رستم سيء الذكر وزارة الداخلية والذي سبق ذكرنا لمآثره في سلخ ونهب الشعب التونسي والتنكيل به. كما اصبح الجنرال زروق عامل سوسة الذي ذكرنا كيف نهب وستثرى من خلال تعامله مع اليهود المرابين الذين وفر لهم الغطاء القانوني والقوّة الازمة العسكرية لضرب الشعب الكادح في مقتل واستولى بمعونتهم على ارزاق وأملاك الشعب الفقير بالحيلة والقوّة والتسلط وجمع ثروة خاصة كبيرة جدا. ولقاء جهده هذا عينه خزندار وزير للحربية. وانتقل محمد خزندار من وزارة الحرب الى وزارة البحريّة وسمي حميدة ابن عياد عاملا على طبرقة (وللتذكير أنّ حميدة بن عياد من عائلة محمود بن عياد وزيرا اكبر سبق خزندار في الوزارة ونهب مالا عظيما من اموال خزينة البلاد وهرب بها لفرنسا بعد حصوله على جنسيتها وبالتالي حمايتها كما سبق وأن كتبنا)
وسعى خزندار الى عزل بعض الموظفين اللذين لم يرضيه وجودهم المنتمي للشعب. ليزجّ يبعضهم في السجن متهما اياهم بالوقوف الى صفّ الثوار. أوالصاق تهم اخرى بهم حتى يتمكن من ازاحتهم و وضع يده كاملة على البلاد وتوجيه دفتها الى حيث يكون السيد المطلق.
ومن خلال هذه التحويرات فهم معارضوه الدرس وعوض الوقوف موقفا مبدئيا وردع خزندار الذي سبق وان ربطهم برباط المصاهرة تخاذلوا وخافوا على حياتهم خصوصا وان الباي الجاهل الغبي العلج لا يمكنه حمايتهم وهو الطيع لرغبات وتوجيهات وزيره الاكبر خزندار.
فتنازل الجنرال حسين عن رئاسة المجلس البلدي بالحاضرة وبعد ان حصلت الجفوة بين خزندار وصهره الاصلاحي خير الدين الذي كان ستعمله في السابق كعنصر تقدمي وباحث عن التغيير الذي جعله منفذا لاستنزاف خزينة البلاد بادعاء التغيير والتبديل والإصلاح ومن ثمة وقع النهب وتحويل الاموال المرصودة لهذا الاصلاح والتغيير الى خاصته وخاصة اتباعه ممن وظّفوا مهاراتهم في السرقة والنهب لخدمة خزندار وبإخلاص تام.
لذلك كانت الجفوة اقل وطأة في تبعاتها عن غيره من الذين طالهم غضب خزندار وتبدله وانقلابه عليهم .لذلك اقتصر عمله وخدمته على المهمات الخارجية اختيارا او اضطرارا ولم يبق له اي مشاركة تذكر في الحكم.
وخشيه منه على سلامته وسلامة مكاسبه وممتلكاته التي فكر في بيعها وتحويل امولها للخارج اين استقرّ مبتعدا وتخليا عن وطن منحه ما منحه من رفعة ومكانة وأموالا طائلة من ثرواته ورغيف اهلها الكادحين.
وهنا بدأ تحوّل خزندار نحو تدويل قضية الايالة التونسية بمباركة المماليك المجتمعين كلّهم حول سلطته وأفكاره كحلّ أمثل لبقائه مصاص دم الشعب وتتمثل في وضعها تحت ضمان الدول الكبرى.
ليتفطن قنصل فرنسا الذي فرض رقابة مسترسلة على خزندار وأعوانه.
ليسرّ في جوان 1865 قائلا لحكومته:
"انهم يريدون أن يحلّوا الحماية الجماعية لكافة الدول الاوربية محلّ الحماية المنفردة التي ما انفكت فرنسا تمارسها وتتولاّها في تونس..."


وكانت حملة وضع اليد أو ما عرف بمعاهدة الحماية واي حماية تحميها فرنسا لتونس التي حوّلتها الى مرضعة ترضع فقرها وخصاصتها وتطعم شعبها وتمنحها تاريخا لا تستحقه وليست اهلا له لما لتونس من تاريخ وحضارة وسلطان خربه جهالة وأرباب الجهل الكوني الذين منحهم الزمان وغفلة ونومه الشعب التونسي التي طالت حتى يومنا هذا ليكون لقمة سائغة يتلاعب بعمره ورزقه وما منحه اياه الوطن وترابه من ثروات وخيرات بيد المغتصبين السراق مصاصي دماء الشعوب من كل لون وملة وعرق خسيس نذل بلا انسانية ولا دين ولا قيم ولا اخلاق.
ففي صبيحة يوم 10 مارس 1864 أرسل العون القنصلي ولاية صفاقس (الواقعة بمدخل الجنوب الشرقي التونسي) برقية مفادها أنّ اتفاقا حصل بين القبائل حول الامتناع عن دفع ضريبة الإعانة نهائيا.
كما أرسل القنصل أن القبائل في حالة هيجان وسخط كبير وأن قبائل أولاد بو غانم والفراشيش أغاروا معا على أولاد يحي القاطنين بالقطر الجزائري (حسب التقسيم الاستعماري لأنّ هذه القبيلة لا يزال العدد المهم منها يعيش على الأرض التونسية وعدد مهم آخر يقطن الحدود الجزائريّة). ولم تكن فرنسا وحدها من يتابع الأخبار التونسية ويتحين فرصته ويدفع في اتجاه تمهيد دخوله مستعمرا في شكل وثوب الفاتح المنتصر للشعب والحامي له ولثروته ورزقه من عثمانيين مستعمرين أغبياء جهلة متخلفين. (مرضى موبوئين بكل ما تعنيه الكلمة من معاني) فبريطانيا أيضا كانت على الخطّ معتمدة على خدمات اليهود من ساكني البلاد القادمين من اصول مالطية ويونانية وايطالية وغيرهم من اللذين هاجروا لتونس للعمل والعيش في هجرات تشابه هجرات شبابنا اليوم لأراضيهم وبذات الغرض. لكن أبناءنا ما خانوا أرض الرغيف وبنوا بسواعدهم أوربا الخراب بعد حربيها اللتين أغرقت فيهما عالما بأسره في الدماء حتى تقلص من حجم خسائر عهرها التاريخي ولا انسانيتها المتأصلة في جيناتهم الصهيونية الإمبريالية. والتي يفاخرون اليوم بها ويباهون أمام العالم بعواصم لم يريقوا في سبيلها لا دما ولا عرقا بقدر ما دفعه عرب وبربر شمال إفريقيا والأفارقة عموما.
بينما فقرائهم اللذين هربوا من جحيم استعباد ملوكهم وحاشيتهم وجيشهم الموجّه ضدّ شعبهم أساسا. وللذين وجدوا على أرضنا كلّ الرفاهة والبحبوحة والرزق وكلّ ما حرموا منه لأجيال من العلم والمعرفة والحرية والقيمة المعنوية لشخصياتهم ودياناتهم. كفؤا الأرض التي احتضنتهم والشعب الذي عاملهم معاملة الإنسان وحتى أرقى في الكثير من الأحيان بالخيانة. إذ أنهم تعاملوا مع المستعمر البريطاني وهم على علم بمخططه ودراية مسبقة بنواياه الاستعماريّة. وكانوا وسطاء بحكم معرفتهم بسكان الأرض الشخصيّة. ليضخوا الأسلحة بأسعار فيها من الربح ما يكفي لتكوين ثروة تغنيهم حين ينكشف أمرهم أو تنهزم الثورة.
فكثرت السفن المحملة بالبارود والرصاص والبنادق (من المقارين والكارابيلات) الانجليزية الآتية من موانئ مالطة. (رغم التحجير الرسمي للإتجار في السلاح على أرض الإيالة)
وكان العروش أفرادا ومجموعات يتزودون بالسلاح والبارود من التجار اليهود السابقي الذكر.وحمّلت القوافل لإيصال السلاح حتى الدواخل من الجهات البعيدة.
***

*خلاصة القول:
*قال جدي ابن خلدون,
*(التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الاخبار وفي باطنه نظر وتحقيق)*
ولكلّ معني بالشأن العام في تونس من الشعب المجهّل والمفقّر أقول بوضوح الكلمات والمعاني.
إن من لم يقرأ تاريخ بلاده كمن يحمل السكين التي يطعن نفسه بها ويذبح كلّ نبيّ راغب في افلات رقبته ورقبة شعبه من هذا السكين الذي يهبه غيلة وطمعا ونفاقا وكل النعوت لن تفلح في اعطاء الصورة الحقيقية لهذا المستعمر.
وأن من يدرس هذا النموذج الذي اخترناه وغيره من النماذج الثوريّة في تونس عبر التاريخ سيجد ان التاريخ يعيد نفسه في شكل مهزلة ولو بتغيرات شكلية طفيفة وبعضها جذريّ.ففي السابق كان المستعمر يهيئ لقدوم جيشه لاحتلال البلاد. لكن على أيامنا هذه هو يحتل البلاد بلا جيوش وخسائر مالية بل من خلال الاستعمار الاقتصادي مستعملا كلّ الاطر التي يسميها عالمية ومنظماته التي انشأها للغرض منذ الخمسينات من القرن الماضي. لتكون مطيته وبوابته لدخول البلدان التي يعتبرها حديقة بلاده والثدي الذي يضمه لخاصته حتى يرضع ثروة تجعله سيد العالم معتمدا على جهل وغباء وجشع وطمع حكام هو من يعليهم وينزلهم حين يشاء (لذلك هم يخشوه ويخافوه ولا يخافوا شعبهم بل هم العصى والسيف والبارود الذي يستعمله العدو المستعمر لإبادة كل متنور يحاول افاقة شعبه النائم والموهوم بالتقدم والنمو الذي يبشرونه به مستخدمين السلاح الذي ولاّهم به المستعمر (الاعلام الداخلي بعد ان كان الاعلام الخارجي والذي غالبا ما يكون حاضرا في صلب تركيبة الاعلام الداخلي سواء بالمال او بالأوامر السياسية المباشرة وهو السلاح الامثل الذي يعلي وينزّل من من نسميهم سياسيين درجة اولى والمرشحين للحكم وفي الحقيقة هو صراع الاذلاء على مناصب مفاتيح للنهب والسرقة وبيع البلاد جملة وتفصيلا للأجنبي المترصد).
وللسائل ان يسأل ما الذي يجعل من تونس مطمعا وهي التي سبق لفرنسا اقتطاع الجزء الاكبر بمعية الدول المستعمرة ليضمّ جزء للجزائر وآخر لليبيا ولكم في هذا الكتاب الخارطة الحقيقيّة لتونس (إفريقيّة) وهل ما بقي منها يكفي لتكون ذات بال؟
بجانب انّ تونس موقعا استراتيجيا اقتصاديا وعسكريا فإنها لا تزال وستظل بما بقي فيها من ثروات نفطية وغازية وفلاحية ومناخية وبحرية وحتى ملحها الذي من اجواد انواع الملح ما الذي حتى يومنا هذا يباع باعتماد اتفاقية وقعها الباي اي منذ اكثر من قرن وبعد اكثر من نصف قرن من الاستقلال الذي بشرونا به ولازلنا نحتفل به.
· وهنا نعدكم ان ننشر في قادم الايام نصا آخر تاريخي حول مسألة استقلال تونس ومرحلة النضال العمالي السياسي والحربي العسكري الثوري والنقابي ولماذا بورقيبة وليس بن يوسف؟
وفي اقرب فرصة في شكل كتيب توثيقي اخباري تاريخي. آما اليوم فلكم هذا الكتيب الذي اهديه أولا وأخيرا لكل ثائر حقيقي على هذي الارض ليستلهم ما يستلهم من مواعظ ودروس وعبر تغنيه عن أخطاء كارثية سبقه للوقوع فيها من سبق وسقط في مستنقع الخيانة.
***
*تاريخ اهتمام أمريكا بتونس والمنطقة المغاربيّة.
ومن اللافت للنظر أنه وفي وقت مبكر اهتمت أمريكا الناشئة بربط علاقاتها مع السلطة في الايالة التونسية منذ 1778 حيث دون جون أدامس الذي أصبح فيما بعد ثاني رئيسا لأمريكا (هناك أمم أخرى التي يجب الاسراع بتحصيل اتفاقات معها(...)ومنها المغرب و الجزائر وتونس وطرابلس).
وكان أوّل ربط للعلاقات الرسميّة حين سمي ممثل للقنصل الأمريكي (الذي مقره بقي في الجزائر) لدى تونس يوم 28 مارس 1795 ليمنح صلاحياته كقنصل وينتدب لها تاجر فرنسي مقيم في تونس جوزيف إيتيان فامان طيلة (1796 وحتى 1806) وكممثل رسمي له توصل فامان لتحقيق اتفاقية رسمية للسلم والأخوّة والتبادل التجاري مع الباي التونسي وتخصّ الجانب الأمريكي ليقدم لتوقيع الاتفاقية رسميا بعد تعديل أدخل على البنود 11و12و14 منها وكان ذلك يوم 26 مارس 1799.فعوض فامان في مهمته ويليام إياتون الذي قدم رسالة اعتماده للباي حمودة باشا يوم 15 مارس 1978 في غمرة فتحت أمريكا قنصليتها وكان تاريخ تولّي أول ممثل رسمي لها 20 جانفي 1800 وكان مقرّه (ساحة العملة) في باب المدينة.
وكان بالمقابل هناك مبعوث رسمي للباشا التونسي لدى أمريكا سنتي 1805و1806. رغم أن العلاقة لم تكن متواصلة بشكل واضح بل كانت متقطعة إلاّ أنها تنبؤ بأهمية تونس لدى الجانب الأمريكي خصوصا بعد تواتر أخبارها من خلال فرنسا وعيونها ثم حضورها كمستعمر. حيث ستطور العلاقة إلى ودّ وانسجام.
***

*نسخة من اتفاقية الاخوة والتبادل التجاري الموقعة مع الباي1787.
*تنبيه:في بادئ الأمر كنت سأتعمد حجب مصادري ومراجعي لموقف شخصي من طبيعة التعامل مع التاريخ والبحث العلمي فيه وفي غير مجاله وهي اعتماد اعلان وتوثيق المصادر والمراجع وهي طريقة رديئة وتشكيكية مبتذلة صيغت برغبة التشكيك في صحة ما يورده الباحث العلمي الذي يشترط فيه النزاهة والأمانة العلمية والتي افتقدها حين وضع علمه وبحثه في خدمة أغراض لا تمت للعلم وللمعرفة بصلة.
وبذلك انحرف العلم عن معناه ومبتغاه ليصبح مادة تجارية تبحث عن مشتري يزيد في السرّ والعلن ارقامه للفوز بها حتى يرضي رغبة دفينة اهمها واساسها الجهل المعشش في نفسه وكيانه.ولوصولية والانتهازية والتهافت الذي برز عند عدد كبير من من اسميهم شخصيا بكتبة البلاط. اذ ليس فيهم من الباحث شيء ولا شخصية لهم ولا مبدأ.
لذلك كنت سأحجب ما أحجب رغبة مني في اثارة القارئ الحقّ للبحث واسقصاء اولا المصادر والمراجع التي بنيت حول معلوماتها افكاري وارائي لكن وبعد الحاح من بعض الرفاق لتسهيل واختصار الوقت والمسافة ساسوق فقط مرحعين اثنين هما بالأهمية التي كوّنت من خلالهما أهمّ عناصر واحداث وتاريخية بحثي الذي هو في اصله نص رأي وأفكار تعتمد الحجج التاريخية للاسناد اكثر منه بحث تاريخي دقيق.
المختار المختاري الزاراتي تونس 10/10/2015


*مقاومة المستعمر الفرنسي منذ انتصابه 1881
*"أهمّ مرجعين للعمل هما.."
1 ـ اتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان. ابن ابي الضياف.
2 ـ ثورة علي بن غذاهم 1864 تاليف جان غانياج.
إلى صفحة أخرى نخطها لكم قريبا من صفحات تاريخ الثورة في تونس./.
Comments