ورقات من تاريخ نضال نقابي فكري مؤسس
- zaratimoukhi
- 25 mai 2020
- 4 min de lecture

بقلم المختار المختاري الزاراتي
منذ بدايات انخراط العنصر التونسي في العمل النقابي الذي كانت بداياته مرتبطة بالوجود الاستعماري والأقليات من الجاليات الأوربية التي كانت تعيش في ظلّه وفلكه. كانت مساهمة ومشاركة النقابين التونسيين تعدّ تمرينا على طرائق التنظيم والتشكّل وإنفاذ المطالب التي تستهدفونها ويناضلون من أجل بلوغها وهذه المطالب ليس فقط طلبا للمساواة بين العامل التونسي والمستعمر بل هي أيضا مطالب تحمي الشغالين من الفقر والتهميش الذي سطره له المستعمر ليكون المستنقع الذي يغرقه فيه حفاظا على مكاسبه وموقعه على الأرض كحاكم فعليّ مطلق.
وبظهور الحراك الفكري السياسي (ولو بطابع نقلي مرتبط بالضرورة بحثا عن شرعية الكينونة البدايات) برز العمل النقابي التونسي الوطني ذي الاتجاه المغاير والمعاكس حتى لسابقه على الميدان فنشهد التشكيل النقابي بقيادة محمد علي الحامي ورفاقه. (السي. جي. تي) بتوجهها الاشتراكي الواضح والصريح والمباشر كشكل للنضال النقابي الاجتماعي بخيار اقتصادي يوجه دفّة الحراك والنضال النقابي في جملة خياراته للملفات التي سيتخذها مدخلا وموضوعا لنضاله النقابي والتي تمثل نهجا وفكرا يرفد ويسند الأصل ويوجهه والأصل فيه عنصر وحيد هو إبعاد شبح التفقير والتجهيل والتهميش والإقصاء عن شعب كادح مستعمر.
هذه الخيارات والتوجهات الفكريّة ذاتها التي قادت الشهيد فرحات حشاد إلى وجهة (السيزل) أي النقابات الحرّة كخيار للسند يكسبه مشروعيّة التحرك في الفضاء العالمي ويسنده ضد مستعمر غاصب متفوّق عدّة وعتادا وعددا. ومن خلال هذا الاختيار الذي باركه بورقيبة وسعى إليه بشكل مباشر وموازي ليضمن للحركة التحررية التي يقودها تفوقا على الميدان ضد خصومه التونسيين من جهة ومن جهة ثانية يكون وجهة الحوار ومقصد قيادات المستعمر للتفاوض والناطق الرسميّ والوحيد للشعب التونسي المستعمر والمغتصب الحقوق والرزق.
وكان حتى اللحظة حراك النقابة (الممثلة في الاتحاد العام التونسي للشغل بقيادة فرحات حشاد) يجمع في نضالاته بين المطلبية النقابية لصالح منظوريه من الشغيلة التونسيين وبين النضال ضدّ المستعمر. وكلها تصبّ في عنصر ووعاء واحد وهو حماية الشعب الكادح من شبح الفقر والجوع والخصاصة التي تسمح بالكثير من التحلل والتفسخ والإنبتات الذي يؤثر اجتماعيا على كافة مناحي الحياة وأهمها التهميش ومن ثمة إقصائه عن الحياة العامة بتعلّة الجهل..
بعد الاستقلال البورقيبي من الطبيعي أن يحدث تحوّل في العمل النقابي إذ أن الطرف المقابل تحوّل من مستعمر إلى حكم تونسي وأن واقع الشغالين يحتاج لتسويات تتطور بتطور المراحل بين تحسنها وأزماتها لذلك برزت قيادات نقابية من جيل المتعلمين المحرزين على شهادات علمية وكفاءات فكرية وخبرات ميدانية دفعت بالعمل النقابي الى طور جديد ومفاهيم حديثة للعمل النقابي المساهم والفاعل والذي لا يكتفي بالمطالبة بل يسهم أيضا وبقدرة فائقة في تطوير مكاسب الوطن الاقتصادية حتى يتمكن من رفع مستوى عيش الشغيلة بمطالب منطقية تساير الواقع والعصر ومتطلبات حماية القدرة الشرائيّة لاستبعاد شبح الفقر والتفقير ومنه التهميش والإقصاء حتى يتمكن الحاكم المطلق من فرض طقوسه ورغبات وشهوات وممارسات عبيد بلاطه من استغلال قربهم من السلطة واستفرادهم بالحاكم ليزينوا له خيارات تضمن لهم تكديس الثروة الوطنية في حساباتهم ومزارع سياسات الموز التي يديرونها بجهل وجهالة ويستبعدون ويقصون الشعب صاحب إنتاج الثروة وسيد الثروة الذي يجتهد ليبلغ أقصاها حتى يتمكن من تطوير حياته ومهاراته ومعارفه ويؤسس للقادم جيلا مكتسب للمعرفة والعلوم من خلال الضرائب التي تنهب منه لتأسيس إمبراطوريات الحاشية والأسر المالكة المستندة على حكم الجهات المنحدرة منها ومن تواطأ معها تزلفا وتمسحا على الأعتاب لينال نصيبا من دم ورغيف الفقراء الكادحين بغير وجه حقّ.
ومن هذه المنطلقات جابه العمل النقابي معضلات عصره (ولو بمراوحة بين شدّ وجذب حسب متطلبات المرحلة الشيء الذي أفلح الحاكم في دسّ سمّ جملة نقاط الاستفهام المضادة حتى يحفر الهوة بين القيادات والقواعد كشكل من أشكال الصراع تارة. وأحيانا أخرى يكون الصدام بكافة وسائله وكامل أسلحته هو الفيصل الذي يحسم بمنطق الأقوى صراع الحراك الذي ظاهره مطلبي بينما باطنه خيارات فكرية اقتصادية اجتماعية ثقافية مؤسسة هدفها الرئيسي حماية الشغيلة من التفقير والتهميش والإقصاء والتجهيل ).
ولئن كان عهد بورقيبة يتسم ببعض المرونة والتجريب الذي أتاح (المثال الذي نتخذه في مقالنا هذا علامة فارقة في النضال النقابي التونسي المتحوّل من المطلبي البحت إلى المساهم المخطط والراسم لسياسة اقتصادية تضمن الأهداف الوطنية للشعب الكادح والرافعة لرايات تحدي التفقير والتجهيل والتهميش والإقصاء بل تسطر قانون المشاركة والتحرك الفاعل الوطني الباني والرافع لتحدي التقدم والتطور والحداثة وصراع القوى العمالية ضد تغول واستفراد السراق والنهابة برزق وقوت ومصير شعب يروم الصعود والتقدم نحو أفق أرحب كوني إنساني كذا كان الهدف الأسمى) للمناضل النقابي الشاب المتحمس 'أحمد بن صالح' صاحب المشروع والمخطط الإقتصا – اجتماعي والذي يتحمّل وزر بلغ الخمس حقائب وزاريّة لو استنصرنا ترابطها سنجد أنها مترابطة التخطيط والنتائج والذي أقنع بها بورقيبة الطامح كعادته لابتلاع الخصوم صورة وأفكارا وتاريخا ليكون هو صاحب الفكرة والنظرة والمخطط وصاحب الفضل على شعب مستغبى نتيجة جهل متفاقم ومؤسس على قاعدة الولاء المطلق. لذلك سهل على الخصوم من حاشية الحاكم المريض ليس جسديا فقط بل وروحيا بعد تمكن الفكري من شخصيته وشخصه. إذ أصبح أكثر قناعة بأن تونس كلها بمن فيها وما عليها ملك لبنانه يأمرها كن تكون.
وبذلك لم يتعب ولا حتى يتكدر مرتزقة البلاط من تركة الباي إلى تركة الحزب البورقيبي ومن خلفهم جيش الجهة وتبّعهم في الإطاحة بتجربة وطنية كانت تكون علامة فارقة مضيئة في تاريخ تونس على ما هي عليه من نقائص وما يمكن أن نجادلها فيه اليوم من هنات وتنازلات.
ولم نتخذ مثالنا هذا اعتباطا ولكن للتدليل على مدى مساهمات النقابيين في تأسيس وجهة وخيارا ونهجا مغاير يحمي الشعب الكادح بالفكر والساعد من التفقير والتجهيل والتهميش والإقصاء.
لكن في ظلّ وجود القاعدة السياسية 'العصي والجزرة' وفي ظلّ امتلاك السلطة الحاكمة ليس لسلطة القرار فقط بل الأدهى هو سلطة إنفاذه وتنفيذه عبر جيشين (مرتزقة يتمعشون من فتات موائد أسيادهم من حاشية الملك يؤثثون الإشاعة والترهيب والرقابة اللصيقة والتشويه والوشاية) والتي يتمّ تنفيذ تفاصيلها جيش من الذي أسس لهم بورقيبة ومن خلفه حتى يوم الناس الأمن ومنه ما كان يسمى (أمن الدولة ولا يزال كذلك باطنه رغم الاختلاف الظاهر شكلا).
المختار المختاري الزاراتي
تونس 01/11/2017
Comments