top of page
Rechercher

هل كان يخاف بورقيبة الفلاقة بقلم: المختار

  • Photo du rédacteur: zaratimoukhi
    zaratimoukhi
  • 13 avr. 2021
  • 14 min de lecture

هل كان يخاف بورقيبة الفلاقة

الذي بعد أن كان يدعوهم بالمجاهدين تحوّل إلى تسميتهم بالفلاقة في اتفاق مع مفهومها الفرنسي؟

بقلم: المختار المختاري 'الزاراتي'

- الفلاقة لغة واصطلاحا شعبيا.

الفلاق هو نوع من قطاع الطرق وسالبي الناس وهي مشتق لغويا من فلق (حسب لسان العرب لابن منظور) وتعني شقّ واصطلاحا تعني شق عصى الطاعة تمرد ثار وفي الفرنسية تعني (الخارج عن القانون) وكانت تروج لها فرنسا لضرب المقاومة معنويا وإبعادها عن الناس من خلال تشويه صورتها وصورة المقاومين على أنهم عصاه خارجين عن القانون سراق وقتلة إلا أن الشعب وفي وجدانه التام وقناعته الأساسيّة كان دائما وأبدا وحتى يومنا هذا الفلاق يعني له المقاوم الشرس والصقر الكاسر للعدو وشوكته. رجل المبادئ والقيم الوطنيّة والثوابت الأساسية لاستقلال وحرية وكرامة الوطن والشعب. هؤلاء الفلاقة الذين سكنوا الجبال والكهوف والمغاور واتخذوها معسكراتهم وملاجئهم وارتبطت حياتهم بها. من أجل تحرير البلاد من المستعمر الغاصب لوطنهم وثرواتهم وحريتهم وكرامتهم.

- بداية المقاومة المسلحة مع بداية استعمار البلاد وبروز الفلاقة.

المقاومون القدامى (1881 إلى 1883 أهم معارك الكفاح ضدّ المستعمر والباي معا) المقاومة لم تكن منظمة سياسيا وكان قادتها من (القياد والخلفاء المعارضين للباي بعد أن كانوا اعوان الباي ويده الطولي على رقاب المواطنين) من خمير الى الجنوب (وابرزهم علي بن خليفة النفاتي ولطرش العياري الجلاصي حراث الفرشيشي. رغم الفوارق في التسليح بين المدفع الرشاش الفرنسي و'الكارابيله' وهي سلاح الثوار ومع ذلك تفوق الثوار المجاهدين وانتصروا بمعرفتهم للميدان أولا وتعاملهم مع المعارك بخطط العصابات. إلا أن الاستنجاد بالدعم العسكري والخيانات كانت ابرز ما مثل عنصر انتكاسة للمجاهدين اللذين في قبائل الوسط والجنوب قرروا الهجرة إلى طرابلس وبعد وفاة علي بن خليفة النفاتي أللذي كان بمثابة القائد الأعلى للمقاومة والذي اتخذ من المناطق الحدودية الليبية منطلقا لمعاركه الكبرى عاد اغلب المقاومين إلى تونس ليخبوا نار القتال.

تميزت المقاومة في الجنوب الشرقي بطابعها المسلح القبلي ومن ابرز المظاهر (ثورة الجنوب "ثورة أولاد دباب" والتي اشتركت مع الشق الثوري بليبيا وقائدها (خليفة بن عسكر النالوتي) والتي أنهكها الجيش الفرنسي بسلاح الطيران. وشهدت المقاومة المسلحة فتورا اثر الحرب العالمية الأولى نتيجة القمع الكبير اثر نهاية الحرب منها اعتقال الدغباجي الكابوس الذي ارّق الجيش الفرنسي وإعدامه أمام أهله وعشيرته في الحامة. (مطلع العشرينيات) و (من العشرينات إلى الثلاثينات) ظهرت الحركات السياسية وجمعياتية والصحافة في المدن والحواضر حيث التعليم والحراك الثقافي اللساني والقلمي. كحركة الشباب التونسي التي من بين من قاد حراكها علي باش حامبه والبشير صفر. والحزب الحر الدستوري والحركات النقابية وأولها نقابات محمد علي الحامي. وأهم خاصيات هذه الحركات المقاومة السلمية حيث ترتكز في مقاومتها على (المسيرات الاحتجاجية ومظاهرات التنديد والمطالبة والإضرابات والمقالات والحركات التوعوية والثقافية)

- الفلاقة وحرب التحرير وعلاقتهم ببورقيبة.

مع بداية الحرب العالمية الثانية توفر امناخ ملائم لعودة الكفاح المسلح إلى الميدان. وتزامنت هذه العودة مع انتفاضات قبلية مستغلين انشغال فرنسا بالاحتلال النازي لها. وكان التحرك موسعا وعلى جبهات مختلفة لتأمين 'اللوجيستي' وأهمه التسليح الذي أتاح لهم القيام بعمليات نوعية ومن بين هؤلاء (فلاقة زرمدين) اللذين ابلوا البلاء الكبير وكبّدو المستعمر خسائر جسيمة. أيضا (ثورة المرازيق المسلحة) '43/44' التي هزمت فرنسا بجيشها واحتل الثوار برج دوز (برج الدولة) لتبرز الحركة المسلحة بثقلها اثر انتهاء الحرب العالمية الثانية والتي تمكن خلالها الثوار من تخزين كمية مهمة من التسليح (إذ أن أهمّ معارك هذه الحرب كانت تدور على أراضينا وخصوصا منها الجنوبية حيث وقع هزم ذئب الصحراء رومل في (معارك خطّ مارث)

كما كانت التحركات السياسية التي قام بها الحزب الحر الدستوري الجديد بقيادة زعماء شباب أبرزهم بورقيبة ومحمود الماطري وبن يوسف وهم من برزوا في ظلّ حكومة شنيق ذات التوجه الليبرالي (البورجوازي) فشنيق هو رئيس الغرفة التجارية التونسية (التي ورثتها نقابة الاعراف ثم منظمة الاعراف الى ان تصل الى الأوتيكا حاليا) وهو أيضا رئيس بنك مصرفي ورئيس المجلس الحكومي. وتركز عملهم على المفاوضات لنيل بعض الحقوق والذي فشلوا في بلوغ أهدافه فشلا ذريعا بعد تمسك المستعمر بما يدّعي انه حقوق المعمرين ليعود النضال المسلح إلى واجهة الأحداث ويتصدر المشهد المقاوم. ولكن بفارقة جديدة إذ هذه المرة وقع ترابط بين السياسي والنضال المسلح عن طريق ضمّ الحزب للحركة المسلحة في (18 جانفي 1952) وهو التاريخ المنعرج حيث تشكلت حركة مسلحة منظمة وممثلة سياسيا. بعد أن اتصل الحزب من خلال ممثل "لبورقيبة الذي يتزعم الحزب" بقصد هيكلة وتنظيم المقاومة بتوزيع جغرافي جديد منظم ومهيكل. وتمكين قيادات هي رموز ثورية لها مصداقية في مواطنها وقبائلها وعروشها وهي سلطة قتالية على تشكيلاتها التي كانت في شكل عصابات كما كان لها علاقتها بباقي الثوار في الجبال في عموم الوطن من خلال تحركها القتالي الذي كان يراوح بين جنوب الى شمال عبر سلاسل الجبال والمسالك الوعرة التي تصعب على الاعداء وآلتهم العسكرية المتطورة.

ومما يثير الانتباه ما قاله بورقيبة 'عندما سمعنا بهذه الحركة المسلحة أرسلنا نستفسر عن من يكونون' ومن ثمة قدم إلى قابس وكان مصحوبا بعزوز الرباعي حيث أمضى بورقيبة على اتفاق مع الطاهر لاسود عند لقائه إبان طلب الحزب من المقاومين الالتحاق به أن لا ينزل من الجبل إلا مع رحيل آخر جندي مستعمر عن تونس. ثم انتقلا إلى قفصة حيث قام باجتماع ببعض الثوار في الفرع الزيتوني بقفصة قال فيه وكان كلامه واضحا ما مفاده 'أن لا تتكلوا على أهل المدينة لأنّ تحركهم لا يوصل إلى أي نتيجة بل الأرياف هي القادرة على الكفاح'.

فكان مصباح الجربوع في قيادة الجنوب الشرقي والجنوب الغربي بقيادة لزهر الشرايطي والقائد الساسي لاسود بالحامة ووقع التمرد المسلح وفعلا قام الفلاقة بما لا يقدر عليه لا آهل المدن ولا السياسيين. وكان الثنائي علالة العويتي والباهي لادغم يمثلان خيط الربط بين المقاتلين (الفلاقة) والحزب. ودارت معارك كبيرة قادها الزعيم الفلاق مصباح الجربوعى مثل معارك عين العنبة معركة ميتر وهي من اشرس المعارك ومعركة ام الحسحاس ومعركة ام الكرم معركة غنيان وكان الطاهر لسود والساسي لسود بخلافا عن المعارك التي قادوها في الجنوب الشرقي لهم تركيزهم خاص أيضا على مناطق في الشمال الغربي حيث المعمرين (مثلا الوسلاتية فيها 72 معمر). وكان للمقاومة المسلحة التي أنهكت المستعمر بتحركاتها التي لا تتوقف ولا تمكث بمكان وتجوب البلاد من شمال إلى جنوب في معارك ضارية ضروس كبدته خسائر في الأرواح والعتاد. مما دفعت به إلى قبول مبدأ التفاوض حول الاستقلال. ليعلن منداس فرانس في31 جويلية 1954 استعداده أمام الباي لمنح فرنسا لاستقلال تونس الداخلي.

- اتفاقية 3 جوان 1955 كانت المنعرج.

على أثر الحركة الثورية المسلحة دار صراع بورقيبة وبن يوسف والذي انطلق مع مفهوم الاستقلال الداخلي. الأمين العام للحزب ومعه أغلبية كانوا رافضين للاتفاقية واعتبروها "خطوة إلى الوراء ولا تساوي قطرة من دماء التونسيين" والكلام لبن يوسف. فهي لم تمنح مطالب التونسيين التي سطرها مؤتمر جانفي 1952 والتي طالبت بإلغاء معاهدة الحماية.

لكن بورقيبة وعلى اثر توقيع اتفاقيته المسماة الاستقلال الداخلي. طلب من الثوار النزول من الجبال وتسليم السلاح بوساطة لجان تونسية متعاونة لفرنسا وامتثل عدد مهم من المجاهدين ما يقارب 2500 قطعة سلمت. بينما رفض عدد آخر التسليم و تدخل بورقيبة وماكينته الحزبية إرضاء لفرنسا بأن أوجدوا حلا لقيادات الفلاقة المعروفين لدى فرنسا يتمثل في أن يلقوا السلاح ويرحلوا إلى ليبيا.

إلاّ أن القائدين الطاهر لاسود ومحمود بن حسونة رفضا النزول والاستسلام بعد اتفاق ما يسمى الاستقلال الداخلي والتي استندت في كامل تفاصيلها على ما اقرته معاهدتي باردوا والمرسى (معاهدة الحماية) مع اضافات تربط كليا تونس بفرنسا ومجال الفرنك الفرنسي اقتصاديا وعسكريا وثقافيا وسياسيا. ومن القادة من دفنوا أهم سلاحه بينما قدم السلاح المعطب أمثال قيادات الجنوب الشرقي القائدين مصباح الجربوع ومحمد قرفة اللذان اخفيا سلاحهما عند الشيخ عدّالة في بادئ الأمر ثم في مقبرة ودفنها هناك. ليسارع بورقيبة في ارسال مفاوضين وهم خيرة سياسيين الحزب على رأسهم الهادي شاكر لإقناع الثوار.

راوحت المقاومة بين 54 و 55 بين هدوء نسبي وتحرك رمزي لتفسح المجال للمفاوضات. التي أدت إلى عقد اتفاق أمضى عليه الطاهر بن عمار برعاية وأوامر بورقيبة من خلف الستار. وهو ما كان انطلاقة شرارة الانشقاق في صف

السياسي وفي صفوف الفلاقة بين بورقيبيين ويوسفيين.

- من هنا تنطلق مرحلة صراع الأخوة الأعداء.

انقسم الحزب بين الأمانة العامة بقيادة بن يوسف والديوان السياسي ولجان الحماية بقيادة بورقيبة والذي كان بدأ ينظر بتنكر للفلاقة وأقنعهم بورقيبة أن (الاستقلال المنقوص هو خير من استعباد كامل) كما يرى ذلك وأن الفعل السياسي الذي قاده شخصيا هو من جلب الاستقلال على ما هو عليه وأن الفلاقة لم يكن له أي دور وبالتالي هموا كمبارس ليس أكثر فتحولت نظرة إتباعه إلى الفلاقة إلى ما أقنعهم به وانطلق التفكير العملي لمشروع اغتيال بن يوسف.

بعد عودة بورقيبة حيث قاد مراحل الاتفاق المذكور. وبعد عودة بن يوسف أيضا من مصر والذي كان في استقباله بورقيبة الذي كان متفقا مع الجنرال (دولا تور) الذي ساهم في منح تونس إتفاقية للاستقلال الداخلي التي يمتد سريانها لمرحلة زمنية تقدر ب20 سنة لتنطلق بعد ذلك مفاوضات جديدة.

"كمشة سراح معيز هوما اللي جابو الاستقلال" (كان ذلك رد بورقيبة على صالح بن يوسف الذي رفض الاتفاقية وعلل بدم الشهداء من الفلاقة. وذلك في لقائهما اثر عودة بن يوسف من مصر. بن يوسف الذي كان متجها نحو تحرير الأرضي المغاربية والاتجاه نحو تحرير الأرض العربية في تبني لرؤية عبد الناصر ويشترك معه الزعيم الجزائري بن بله. وعلى اثر مقررات ندوة بندونج وقرارات مؤتمر الجامعة العربية. بينما بورقيبة كانت نظرته مختلفة تماما حيث يعتبر أن استقلال تونس يمكن له أن يخدم الثورة الجزائرية التي ستجد ملاذا آمنا. ولكن للسائل أن يسأله أين هذا الأمان والملاذ والجيش الفرنسي المستعمر مازال على ارض تونس يمسك بأهم مفاصل البلاد؟

وهنا قرر الجميع الذهاب لمؤتمر تقرر إقامته في صفاقس بعد أن رفضه أهل الجنوب وفي العاصمة لم يتمكن من إقامته إلا آن الحبيب عاشور الزعيم النقابي آنذاك كان مواليا لبورقيبة وعده بضمان النتائج لصالحه وبالتالي يجب إقامته في صفاقس لتأثيره القوي على أهلها ومشيهم خلف رؤيته بينما لن يكون لكلام بن يوسف تأثيره على الشعب هناك في المناظرة التي اقترحت لتوضيح المواقف والرؤى أمام الناس بين المتخاصمين. وبلغ الأمر بأتباع بورقيبة بأن خططوا لاغتيال بن يوسف الشيء الذي عند بلوغ المعلومة إليه رفض الحضور وبالتالي وقف بورقيبة بكل أسلحته لإقناع المقتنعين من البداية وبدون حتى إيضاحات. ليتهمه بشق الصف والعصيان لاتفاقات الحزب. وبالتالي اقر المؤتمر رفت صالح بن يوسف الذي رفض القرار وكان رد فعل بن يوسف أن استقل بالأمانة العامة واعتبارها حزب جديد يحمل تسمية الأمانة العامة وشرع في افتتاح مقرات لها والدعوة للانضمام إلى صفه ودعا حكومة الطاهر بن عمار إلى الموافقة على عقد مؤتمر للأمانة في جانفي 1956 لكن مجلس وزاري قرر رفض الانعقاد فتحوّل الأمر إلى صراع دموي بين الطرفين.

وكان الفلاقة جزء من الصراع حيث انقسموا إلى صفين إذ زار بن يوسف قابس ليتفق مع القيادات الطاهر الأسود ومحمد قرفة وعلي بن عمار ومجموعة الفلاقة في الجنوب الشرقي لتكوين نواة جيش التحرير التونسي ووقع الاتفاق على العودة إلى الجبال والسلاح والمقاومة المسلحة ضد المستعمر الفرنسي لمواصلة القتال حتى الاستقلال التام الحقيقي. وبعد فترة تمّ اتفاق القيادات حول التحرك نحو حدود التماس مع الثوار الجزائريين والتعاون في مقاومة المستعمر. وكانت لجان الرعاية التي شكلها بورقيبة من بعض الحزبيين ومن من كانوا متعاونين مع المستعمر وعيونه من الخونة. ممن سمحت لهم ودعتهم فرنسا للالتحاق بلجان بورقيبة وكانوا يقتفون اثر المجاهدين ويمولون جيش المستعمر بالمعلومات حول تحركاتهم وعددهم وعتادهم ومخططاتهم ليلتقي الأخوين اللذان طالما قاتلا معا (مصباح الجربوع الذي تحول إلى لجان الرعاية ومحمد قرفة المجاهد) في معارك ضارية

ونتيجة لانطلاق أعمال جيش التحرير كان بن يوسف مطلوبا لفرنسا فتحول إلى ليبيا في مرحلة أولى تاركا جيشا من الفلاقة كان تدريجيا يرتبط بالمقاومة العربية التي يؤطرها عبد الناصر والذي أرسل رابطا لربط العلاقات والتخطيط للمقاومة والتدخل الايجابي في شمال إفريقيا من خلال شخصيتين هما الضابط فتحي الذيب والضابط صادق اسماعيل اللذان اجتمعا مع الطاهر الاسود منذ نوفمبر 1955 وهو بداية التحضيرات لمشروع عبد الناصر والتدخل الايجابي في شمال إفريقيا. وهي خطة الي اتفق حولها والتي تدعوا إلى توزيع هذا الجيش إلى كتائب موزعة على عدة مناطق من التراب التونسي. وتواصل التباحث بين الاسود وبن يوسف على إحكام الخطة والتوزيع لاستكمال النضال والمقاومة ضد المستعمر حتى الاستقلال التام.

في بداية المعارك كانت المواجهة بين الثوار وفرنسا ثم وقع التعاون بين جيش فرنسا ولجان الرعاية والمخازنية 'اي جيش الخونة من المتعاونين مع فرنسا' منها ومعركة خشيم الكلب ومعركة مقر ومعركة البرزالية معركة الحشانة معركة مصالخ. هذه المعارك التي دمرت هيبة وعظمة المستعمر وكشفت ضعفه وصغر حجمه إلاّ أن بورقيبة وكعادته ركب الموجة واستغل نتائج هذه المعارك ليوقف زحف التعاطف الشعبي وتوجه الرأي العام نحو مصداقية وصواب رأي بن يوسف في مقابل انكشاف بورقيبة ودوره في ملف اتفاقية الاستقلال الداخلي الوهمي ليذهب قدما في تعاونه مع العدو والتخطيط معه لملف جديد هو الاستقلال التام حتى لا يرتقي للحكم بن يوسف الناصري (القومي) المناهض لكل أشكال التعامل مع فرنسا الاستعمارية.

لتدعوا فرنسا الطاهر بن عمار وحكومته إلى مفاوضات الاستقلال التام. لكن رغم هذه الاتفاقية فإن حضورها العسكري مازال على الأرض وبالتالي فإن الاتفاقية باطلة ووهمية ومازال ثغر بنزرت مستعمرا والجنوب أيضا خطط له أن يكون أرض تحت الحكم العسكري الفرنسي.

كان فلاقة الجنوب خاضوا معارك شرسة مع العدو المستعمر بعد عقد اتفاقية الاستقلال التام في 20 مارس 1956 ليصبح رفيق سلاح الأمس عدو اليوم إذ وقف المستسلمون من لجان الرعاية البورقيبية سندا للمستعمر في صد ورد نيران السلاح المقاوم ليمارس بحق المجاهدين سياسة الانتقام والتقزيم لدورهم في المقاومة ونتائجها على الأرض وتحرير البلاد ومضايقات وملاحقات. وعند توقيع وثيقة الاستقلال التام المزعوم اتصل بعض ممن لا يزال لهم علاقات بالثوار ليبلغهم بتوقيع اتفاقية الاستقلال التام ووجوب تسليم السلاح إلا أن الثوار على عادتهم لم يسلموا أسلحتهم النوعية بل منهم من سلم السلاح المعطب ومنهم من احتفظ بسلاحه. وبقي اتصالهم بقياداتهم الثورية لتحول عملهم إلى ترجيح كفة دور من ادوار هذه المقاومة ما كان وبالا عليها وهو دورها في إمداد ثوار الجزائر وأيضا دعم الثوار في ليبيا بالسلاح والدعم اللوجيستي. ليكون رد فعل فرنسا لتنشب معارك جديدة منها معركة آقري معارك جبل الكبريتي جبل بوهلال الموجود بين قبلي وقفصة وتوزر وهي جبال حددية بينهم. وهي المعركة كبيرة جدا والتي بلغ علم فرنسا انّ المقاومين التونسيين ينوون الذهاب الى جبال الجزائر لقتالهم مع ثوار الجزائر دفاعا عن الجزائر. وهنا لا يسعنا سوى التذكير بواحدة من أهم المعارك التي كم كابد بورقيبة لطمس معالمها لما يلحقه في ذكرها عار.

- معركة جبل آقري (جريمة حرب) 29 ماي 1956.

تكبدت فرنسا في معاركها بعد ما سمي بوثيقة الاستقلال خسائر كبيرة وجسيمة نتيجة وكانت كلها تقريبا تدور في ارض الجنوب التونسي الذي بقي تحت حكم المستعمر بمسمى التراب العسكري مستثنى من الاستقلال. نهار آقري "نهار غار الجاني ونقعد نحدث بيه طول زماني" معركة 1956 بعد ما سمي اتفاق الاستقلال فالمستعمر رفضا الخروج وإنهاء تواجده العسكري في الاراضي التونسية وخصوصا الجنوب لواصل حملات الارهاب والاعتقال. وفي تقاريرها الاستخباراتية وثقت فرنسا الحراك المسلح المتنامي في الجنوب بخطوط امداد تسليحي قادم من مصر ويدعم ثوار الجبال في كل من الجنوب التونسي والجزائر عبر تونس من خلال حدودها الجنوبية كما كشفت محاضر الاستنطاق لمعتقلين من ثوار تونس تلقيهم تدريبات عسكرية في التراب الليبي. ومن الشخصيات التي يشهد لها التاريخ دعمها لثوار تونس والجزائر عبر الجنوب التونسي البطل عبد لله عمر الحداد من قبيلة الصيعان بتيجي الليبية كما انشئ سنة 1956 معسكر وهو عبارة عن مزرعة للحاج عياد ربانة على مشارف طرابلس تدرب فيه مجموعات من التونسيين والجزائريين والمغاربة وأيضا كان نقطة تجميع للسلاح وتقلد صالح بن يوسف قيادة جيش تحرير افريقيا فعين في مراسلة سرية القيادي العجمي لمدور قائدا لجيش التحرير بتطاوين ليتقرر تجمع الثوار في جبل آقري استعدادا للهجوم العام وكان آخر شهر ماي موعد تجمعهم في الجبل (وكانت تشكل عصابات تسمى كتائب وكان للدور القبلي في تشكلها ركيزة مهمة.

عند تخوف بورقيبة من تنامي حراك الثوار وتوسع شعبيتهم ارسل عبد لله فرحات لمفاوضتهم بقصد تسليم السلاح مهددا باستخدام القوة في حال فشل المفاوضات ووقعت وساطات فاشلة لتمسك الثوار بسلاحهم الشيء الذي دفع بمنداس فرنس في لقاء سري مع بورقيبة ليكون الورقة التي من خلالها يتمكنوا من ضرب الثوار في مقتل فالنتيجة تخدم مصالح الطرفين على حد السواء لتتحول قوة فرنسية تونسية وقع تسليحها للغرض الى جبل آقري في تشكيل مشترك لإبادة الثوار ومزودين ب13 طائرة حربية و160 مدرعة ودبابة و 700 سيارة وناقلة جند اضافة الى 2000 جندي فرنسي و500 حرس تونسي متجول مقابل بين 300 و 400 مقاتل مزود بأسلحة متنوعة بين فرنسية وايطالية وألماني وبريطانية المتطور منها رشاش. ومن الفجر انطلقت المعارك من خلال الجو وتمكن المقاتل الناصر بن مسعود الهشك وهو احد الثوار في معارك جبل آقري من اسقاط احدى طائرتين التي بادرت ببداية القتال ورغم تفاوت القوى والحصار لم تتمكن فرنسا من دخول الجبل وعند انتهاء النهار في المغرب. ومن بين الشهداء نذكر القائد السياسي للحركة اليوسفية في الجنوب الشرقي وكان اول شهيد هو حمد بن عبدلله لزرق والمولدي القناري مقطوف البكاي ليستشهد قرابة 73 ثائر وهي معركة ابادة جماعية لم تقف عند القتال بل امتدت لملاحقة الناجين من الكمين والحصار الغادر المشترك التونسي من اتباع بورقيبة والموالية لفرنسا وجيشها. لتعدم وتنكل بالعديد منهم وكان لحرس المتجول و للقومية والمخازنية وماسمي بلجان الرعاية من العملاء التونسيين دور في تعقب الثوار وتنفيذ حكم الاعدام السحل والتنكيل بهم. وبعد انسحاب حوالي 30 مقاتلا بقيادة ناصر بن مسعود الهشك وتمركزه في جبل غار الجاني حيث لاحقه جيش العدو والخونة وبقيت المعارك طاحنة لثلاثة ايام استخدمت فيها كامل القوة الحربية من طائرات ودبابات وغيرها من الاسلحة الثقيلة قبل الخفيفة ولم ينجو من هذه المعركة سوى بلقاسم السديري الذي يعتبر الناجي الوحيد.

كدّس الجيش المستعمر وأذنابه جثث الشهداء امام مسجد بتطاوين تشفيا ومن المؤثر قول المكلف بالمشيخة لأهالي الشهداء (بروا لجيفتكم هوني مكدسة على باب الجامع) وأما الاسرى فعذبوا ونكل بهم اشد تنكيل من طرف الجيش الفرنسي وبورقيبة يتغنى بالاستقلال وبأنه الرمز والرقم الذي جاء به بقوة لسانه وخبثه دهائه السياسي. ويتقدم لزيارة تطاوين في 18 جوان 1956 والتي بخبثه المعتاد ركوبا على الحدث وتبرئة لنفسه وأنصاره يقوم بعفو عن 160 من الثوار بعد اكثر من 22 يوما من الاستنطاق والتعذيب والتنكيل فيس ثكنات الجيش الفرنسي لجمع كامل المعلومات حول جيش التحرير والحراك اليوسفي وأعوانه السريين. اللذين لازالوا نشطين. واستثني من العفو البورقيبي قيادات الثوار وعددهم 14 قائدا ليتم ترحيلهم الى العاصمة لاستكمال التعذيب والاستنطاق في دهاليز سجن صباط الظلام. في حين منع اهالي الشهداء من دفن ابنائهم ابطال معارك جبل آقري لتبق رفاتهم منسية مرمية في الجبل إلى ما بعد 2010 / 2011 ورغم قيام المستعمر بإحراق كامل ارشيفه بتطاوين لفترة دامت حوالي السبعة اشهر منن الحرق والإتلاف إلا أنّ بطولات المقاومين خلدت في ذاكرة الناس في كامل اراضي الجنوب وخلدته اشعار شعراء الشعب .وان كانوا قد استشهدوا الاّ أن وثائءق الحالة المدنية لا تزال تبقيهم احياء اذ لا يسجل تاريخ ولا سبب للوفاة في مضامين الولادة لشهداء معارك اقري الخالدين.

- كيف انتزع بورقيبة لقب المجاهد الأكبر من أفواه وأعوانه؟

أطلق بورقيبة يد أعوانه ضدّ كل اليوسفيين دون استثناء ليبرز (صباط الظلام وفيه شعبة دستورية يشرف عليها المدعو حسن العيادي وكان فيه بئر رميت فيه جثث المنكل بهم) وهنا انطلقت حركة إعدامات للفلاقة (خصوصا القيادات والفلاقة المعروفين بالشراسة والقوة) أما البقية فتم إرهابهم و وتعذيبهم ومن بين المحاكمات 1957 و 1958 وأكبرها 1959 ومن بين اللذين صدر فيهم حكم الإعدام القائد الفلاق محمد قرفة وحسن شندول وسعد بعر والبشير قريصيعة وهم سياسيون من الأمانة العامة بخلاف عن المآت اللذين تم تصفيتهم من طرف لجان الرعاية في صباط الظلام بدون محاكمات وخلافا للذين تم تشريدهم وتهجيرهم قسرا نحو الجزائر وليبيا ومصر ومن بقي من الكادحين عاش حياة المنبوذين اجتماعيا ومفقر ومعطل هو وأفراد عائلته كما نكل بهم نفسيا ومعنويا. مما دفع بالجانب الثاني برد الفعل في مناطق نفوذه أن يمارس ذات الممارسة مع معارضيهم. وكان جزاء المتعاونين معه من الفلاقة المتنازلين عن اسلحتهم والتي وجهوها الى صدور اخوة السلاح ومن اعوان الحزب من اللجان سخيا اذ مكنهم من الاراضي الفلاحية والمكانة في الدولة والسلطة الطولى على رقاب الناس. الشيء الذي كان يراه باقي ثوار الجبل المتمسكين بسلاحهم غدرا وخيانة. وما كان ليتفوق بورقيبة كل هذا التفوق في هذا الطور من الصراع لولا وقوف حكومة طاهر بن عمار ووزير داخليته المنجي سليم الذي حالف الرؤيا البورقيبية وسانده وهو الدستوري. مع الانحياز التام والدعم الكلي لفرنسا بثقلها السياسي والإعلامي والعسكري.

وبعد معركة رمادة 1958 عاد بورقيبة لرضوخ لقوة السلاح وطلب دعم الثوار في معركة ارادها ان تبرهن للعالم العربي بأنه ثائر وانه يوازي في ثورته زعامات العالم مثل عبد الناصر غريمه الأول وحتى يكون له حضور بين الزعامات الثوريين وليدحض ما سطره التاريخ لصالح بن يوسف من وقوفه ضد المستعمر بقوة السلاح وما شاع عنه انه زعيم مفاوضات واتفاقات لا غير وحتى ينسي العالم والشعب حرب تحرير الجنوب التي كان شعارها المركزي (حرب جلاء الجنوب المحتل) افتعل حرب جلاء بنزرت ودعا لها الفلاقة الذين كانوا قد فقدوا القيادة السياسية التي هي بوصلة توجه سلاحهم نحو وجهته الحقيقية لينخرطوا في هذه المعركة الوهمية والتي إلى يومنا هذا تبق عار بورقيبية والبورقيبية حيث قدّم الخرفان للأضحية وضحى بالفلاقة في معركة خاسرة منذ البداية اذ أنه خطط لتكون مظاهرات جمع لها الفلاقة من جنوب البلاد إلى شمالها وتمّ تسليحهم فيما بعد بسلاح معطب وانعدام ذخيرة معركة مقابل تسليح عسكري كامل. الشيء الذي كانت فيه بنزرت مقبرة الفلاقة والثوار الوطنيين من كافة ربوع البلاد. وإذلال من بقي حيا منهم من طرف القوات الاستعمارية في دولة قيل إنها مستقلة. وبعد أيام من المعركة أنهى بورقيبة ملف الفلاقة بتصفية صالح بن يوسف في فرنكفورت بالمانيا (العملية مدبرة من الطيب المهيري وزير داخلية بورقيبة) وبقيادة قريب صالح بن يوسف بشير زرق العيون.

'مقتطف من أحد خطب بورقيبة يتحدث فيه عن الفلاقة حملة البنادق 'المصددة'

* (الفلاقة ناس بسطاء يتصوروا أنهم هوما غلبوا فرانسا أه ماو نحنا وجه لوجه احنا بالمترايووز ضربنا فهمت الحاصل والناس تصفق واحتفالات ومهرجانات وحلة عربي وعطاه البي حصان وحل معاهم يا ولدي موش هكة يا ولدي موش هذا الانتصار)*

- هل توقف النزيف؟

- ديسمبر (كانون الاول) 1962 حلقة أخرى من الصراع على اثر الخلاف مع بورقيبة الذي ظهر على حقيقته واتضح توجهه الحقيقي وسياسته الموالية للاستعمار وأذنابه. واحتقاره للزعامات الوطنية ومنها الفلاقة وقياداتهم دخل في اتفاق للإطاحة به وبعد قرار عبد العزيز بالعكرمي وعمر البلبلي الجنرال وهما عسكريان ومعهم لزهر الشرايطي وهو من قادة المقاومة والذي حكم عليه ضمن من حكم بالإعدام على 13 من قيادات المحاولة الانقلابية في هذه المحاولة. إلا أن بورقيبة أعاد رفاه كلّ من عبد العزيز العكرمي والشيخ حمد الرحموني وثلاثة آخرين بينما لم يعرف مكان دفن خمسة آخرين منهم من بينهم لزهر الشرايطي.

في جانفي 1963 واثناء محاكمته تحدث لزهر عن الساسي لسود انه اشتكى وضعه المالي وبعد تدخله شخصيا لدى وزير الداخلية الطيب لمهيري الذي منحه وظيفة شاوش في المعتمدية بينما امتيازات بورقيبة نالها بطانته وطبالته وخاصته. وذلك اعتمادا على رؤيته انه من جلب الاستقلال وليس السلاح المقاوم. وزاد استقلال الجزائر فضحا لدور بورقيبة مع الفلاقة. حيث أصبح للمقاومين في الجزائر للمقاومين مكانة بينما نظرائهم في تونس ذهبوا الى الحضيض. ظلما وبهتانا مثل إعدام الطيب الزلاق وغيره.

- هل كان بورقيبة يخاف الفلاقة؟

بعد هذا السرد التاريخي الموجز الذي يمكننا من توضح صورة اهتزاز شخصية بورقيبة قدام رجال السلاح وخوفه منهم وخشيته على كرسي الحكم وسلطته التي كان يراها مطلقة على البلاد والشعب. وهو لا يخاف فقط فلاقة تونس بل وأيضا (الفلاقة العرب) 'إن جاز التوصيف' من قادة الدول العربية كحادثته مع عبد الناصر وأيضا بن بله وغيرهما رغم الدعم الذي قدموه له ليصل صوته الى دول عدم الانحياز ومواقع اخرى ما كان ليدخلها لولاهم. ولكن شخصيته الانتهازية كانت هي التاي تقوده الى الاستثمار في من حوله لصالح شخصه فقط. حتى أنّ رفاقه الذين بقوا معه ووزرهم لم يترك لهم مجالا ليسجلوا اسمائهم في تاريخ تونس كفاعلين ومبدعين ومخططين من امثال المسعدي والقليبي وغيرهما كثر إذ جند كلّ وسائل التواصل مع الناس لرسم صورة المبدع الاوحد والمفكر الفذ الاوحد والزعيم والمجاهد وكل الالقاب التي لا يستخلص منها سوى علامات واضحة جلية لمرض الأنا المتضخم وغيرها من الامراض النفسية التي عاش تفاصيلها في ظلمة قصره.

وخلاصة القول أن خوف بورقيبة ربما كان له سبب اتضح في نهاياته يوم ازاحه عن الكرسي جندي بسيط اعلى من شأنه ولم يكن يعلم انه من العملاء الا يوم جاء من العقيد القذافي اقتراح حكومة الوحدة العربية بين تونس وليبيا على اثر اتفاق جربة وذكر فيه اسم مجهول الهوية كوزير (وهو بن علي) ونسي بورقيبة أن هذا الأخير هو من عناصر السلاح فكانت تلك الغفلة نهاية له.

تونس الأول من رمضان سنة 2021

 
 
 

Commentaires


Post: Blog2_Post

Subscribe Form

Thanks for submitting!

  • Facebook
  • Twitter

©2020 par موقع المختار المختاري الزاراتي. Créé avec Wix.com

bottom of page