ما بني على مؤامرة...
- zaratimoukhi
- 23 mai 2020
- 4 min de lecture

بقلم المختار المختاري الزاراتي

كلّ الذي يبنى على المؤامرة لا ينتج سوى الخوف.الخوف من الانكشاف في توقيت غير مناسب.أو الخوف من المؤامرات المضادة(لأنّ العقليّة التي تربّت على المؤامرة هي عقليّة شكّاكة "بالضرورة" ودائمة التصوّر المرضي بأنّ الآخر أيضا يعدّ لها المؤامرات)لذلك فهي لا تتوانى في حبك المؤامرات تلو المؤامرات لكي تبق أطول زمن ممكن في مركزها. لذلك وبالضرورة نقول ما يبنى على المؤامرة لا ينتج سوى المؤامرات.
وما بني على ثورة بالضرورة ينتج ثورة على جميع الأصعدة.لأنّ العقليّة التي تنتج هذه الثورة هي تبدع طريقها أولا. لانتصار هذه الثورة من خلال نخبتها الوطنيّة.وذات هذه النخبة الوطنيّة تقود الشعب. لإبداع طريقه الجديدة نحو البناء. ومقاييس اكتشاف مصداقيّة هذه النخبة. هو الوعي الشعبي الضروري لتوجيه وكشف أخطاء النخبة القائدة.هي التي تربت على الحوار والنقاش.والجدل العلمي والفكري العقلاني. من خلال الطرح وردّ الطرح.والنقد والنقد الذاتي.
لذلك فإنّ الذي يبني وجوده على المؤامرة هو لا يثق بالضرورة حتى في قاعدته الشعبيّة التي صنعت نجمه. بل يصنع منها خرافا طائعة من خلال عبادة الأشخاص الذين يتصوّرون جزافا أنهم خليفة الله على الأرض وأنهم سيخلّصون هؤلاء التبّع من نير الظلم والخصاصة والحال في واقعه.هم يخلّصون أنفسهم ومقرّبيهم الذين يعتمدون عليهم في بثّ سموم المؤامرات من حرمان بلغ بهم حدّ الجشع والجرم في حقّ من ولأهم أمره وصنع منهم مفقّره ومعدمه.وايضا من خلال الارتكاز على معطى حسّاس بالنسبة للشعب هو إمّا العامل الأخلاقي أو الديني أو الاثنين معا كما في حالتنا في تونس اليوم.وما الاختباء والتخفّي في هذه الجبّة إلاّ لإخفاء المؤامرة أولا وثانيا لضمان الحدّ الأدنى من المشروعيّة الشعبيّة. خصوصا إذا علمنا أنّ في كلّ شعب هناك درجات في الوعي والذي يصل في حدوده الدنيا. بالتسليم بوجود هذا المتآمر. خدمة للدين.و قبل حتى خدمته هو أصلا.وهو في الأصل (أي المتآمر)قد بشّره في خطبه باسم الدين ببرنامج لتطوير مستواه المعيشي فهو(والعهدة عليهم)خدّامه الذين وهبهم الله الحكمة الأزلية لقيادته نحو الرفاهة والاكتفاء الذاتي إن لم نقل التطور والرقيّ.والإشعاع قدّام الكفّار.ونكاية فيهم.
والمرحلة الأخيرة التي تظهر فيها المؤامرة. هي عدم تجديد دماء الثورة التي من المفروض أن تكون مستمرّة فالتطور دائم ولا ينتهي إلاّ بانتهاء الشعب وزوال الوطن.وهذا محكوم بخوارق أخرى لا دخل للشعوب فيها إلاّ في حالة وحيدة هي الاستعمار.وحالة والركون إليه. وعدم مقاومته. والخنوع والخضوع لرايته.
والعقل الذي تربا على التآمر.لا يمكن أن ينتج ثورة وطنيّة. بحكم خوفه الدائم والمستمرّ من الآخر الذي يشاركه الوطن.وحتى من راعيه وسانده في الداخل والخارج. وخوفه من الشعب الذي ربّما انقلب عليه بعد افتضاح أمره.لذلك هو يعدّ العدّة للجمه وتقييده من خلال أدواة الأمن والجيش اللذان وجب(وفي أسرع زمن)زرع خدمهم ومواليهم الخلّص فيه. خصوصا في قياداته ورؤسائه.
ومن هذه المقدّمة نفهم الأرضيّة التي تتحرّك من خلالها قيادات النهضة اليوم والأمس القريب والبعيد. فقياداتها تربّت على عقليّة المؤامرة منذ تكوّنها كحزب يحمل. ويخلط الديني (الروحي والذاتي) بالسياسي (الموضوعي والعقلاني بالضرورة) وهذا الخلط والخليط أنتج فصام في شخصيّة. لا قواعدهم فقط. وإنما قياداتهم وطرحها الديني الدنيوي في آن. لذلك وكنتيجة استفاقتهم على فشل وافتضاح هذا النهج. وحتى لا يخسروا مراكزهم المتقدّمة. اتجهوا نحو التآمر واعتنقوا روح المؤامرة حتى أتقنوها (لكن نسوا أن حبل الكذب قصير حسب أمثالنا الشعبيّة) وخصوصا على أيامنا هذه التي تتسم بتسارع وتيرة الأحداث والمتغيرات. وبوسائل داخليّة وخارجيّة كاشفة كالإعلام. (حسب رغبات الرعاة المتصارعين على "موطئ قدم في ساحة الوطن الخلفيّة" على رأي الشاعر محمود درويش).
فالمتابع للأحداث يلاحظ تلازم حركة الاغتيالات مع ذكرى أو أزمة. تكون النهضة الطرف المبشر فيها وهي الطرف المأزوم بشكل مباشر.وما تطوير العمليات إلاّ دليل على نفسيّة القيادة المنهارة من ناحية إلى درجة الترنّح.والمنكسرة بعد أن تفطنت إلى خسارة القاعدة الشعبيّة التي كانت سندها الرئيسي الذي توجه من خلاله.ومن خلال طاعته العمياء مواقفها.وردّات فعلها.
وهنا نعود إلى الخلف قليلا للتذكّر وربط الأحداث.فإن من صنع النهضة بتلك الغالبيّة المطلقة. هم من كانوا رعاة مرحلة خافوا من صعود اليسار. المؤمن بتأميم ثروات الوطن وتقاسم الثروة بين الشعب.وحفاظا على ثرواتهم وممتلكاتهم.ونحن نعرف أنّ حجم المليونيرات والمليارديرات في تونس يفوق عددا وعدّة. دول الجوار النفطيّة.وأنّ النهضة هي الجناح المؤهّل(حسب رأيهم) ليكون الراعي لهؤلاء والذي سيقاسمهم السلطة مستقبلا. ولم يحسبوا حسابا للتغوّل وحبّ التفرّد بالحكم(بعد أن أخذتهم حمّى الانتصار بالغالبيّة المطلقة إلى نكران جميل هؤلاء) .دعموا النهضة بفيلم(مجرد فيلم "برسيبوليس" أوصتهم به دوائر مخابرات كانت نجومها. نجوم حصصهم كهيلاري كلينتون التي أهانت صحفيي تونس وبلغ الأمر حدّ "شمشمة" كلاب حراستها لآلاتهم المهنيّة. لتجد الترحاب من صحفيي ونخب الرأسمال النسماوي والذي خصص لها حصّة الأسئلة التاريخيّة الخطيرة على شاكلة ما لون كارفات زوجك الذي تختارينه لتوقيع معاهدة موت شعب؟ وما الأكلة التي ترغبها مونيكا لوينسكي قبل لقاء كلينتون في معبر وأروقة بيت الدعارة الأبيض؟ وهل مازالت تلاقيه حتى الآن لتدر علينا خزينة غرامياتهم مساعدات وقروض؟ وما إلى ذلك من تفاهة أسئلة ما لون حذائك الذي ستدوسين به على رقابنا؟ وتمنحيننا فتات مائدتك؟) وكانت تلك شرارة. و بداية المرحلة الفاعلة والفعليّة ضدّ إرادة الشعب التونسي الذي لم يعرف حتى الآن أنه يقطن على أهم معبر ومفتاح لولوج إفريقيا بأسرها برا وبحرا وجوّا.وأنّ أرض تونس هي مفتاح القارة بثرواتها وثورتها.وأن تونس خطّ الربط الذي يجب أن يفصل بين المستعمر المباشر أو الاقتصادي القديم(وأعني أوروبا). والمستعمر الجديد.وبقيّة مصارعيهم على هذا الكنز الإفريقي العظيم والسوق الرهيبة النائمة حتى الآن.فهي مشروع المستهلك المثالي وعبيد المرحلة الجديدة بشكل يختلف عن عبوديّة الأزمنة الغابرة. وأنّ ذئاب أوروبا كما "رومل ذئب الصحراء النازيّ" يجب أن تنكسر قوّته مجددا في خطّ (مارث) التاريخيّ ويصبح التاريخ الحديث تاريخ (الأفريكوم)
التي تتآمر حتى اللحظة لكسب موقع عسكري على أرض إفريقيّة.وليس ثمة أفضل من تونس موقعا بحريّا وبرّيا وحتى جوّيا.فمن من أطراف الصراع الداخلي سيبادر ببيع تراب تونس لهذه القاعدة المتقدّمة الأمريكية.مثلما فعل مرسي مصر حين باع ما يقرب من 40 بالمائة من أرض سيناء المستعادة من خلال اتفاقيات "كامب ديفيد"؟
والذي من خلال هذه الصفقة سيضمن حكمه المطلق إلى حين تغيير المعطيات على الخارطة الكونيّة في المرّة القادمة.والتي ربّما طال وقتها بشكل يضمن لهم الكثير من الدوس على رقاب العامة. واغتيال رقاب أخرى مناضلة بمذابح جماعيّة دوّن شبيهاتها التاريخ البشري عموما والعربي خصوصا.
وهنا نخلص إلى أن الأزمة ليست في الحكم فقط.بل في المشاريع المطروحة على الطاولات السريّة.والملفات التي تنتظر حلول سريعة.فالأزمة الاقتصاديّة ورفض الدائنين تقديم قروض لحكام وصقور النهضة.وإنهاك واستنزاف قدرات المواطن التونسي هو درس لليسار التونسي في قادم مشاريعه وهو السؤال القاتل كيف تحكم تونس بدون إثارة غضب الرأسمال الداخلي المرتبط عضويا بالخارجي؟. وتحقق مكاسب للشعب بدون المساس باتفاقات وترابط الرأسمال التونسي المتشابكة حياته بالرأسمال الأجنبي بحكم الحريات التجاريّة وعديد الألغام المزروعة قبل إنتاج (الربيع العربي).
وبعد هذا التوضيح يمكن لنا اكتشاف الرابح من (الحمار) الوطني.وهو الذي يتقدّم نحو هدنة(نعني بالهدنة الفترة الزمنيّة التي سيترتب فيها برنامج الانتخابات القادمة)وهي التي تعيد ترتيب أوراق تقاسم الحكم لمصلحة رأس المال في كلّ الأحوال.وضمان حرّياته ومكاسبه واستمراريّة وجوده كقوّة موجّهة للبلاد.وعلى الأطراف الأخرى الاكتفاء ببعض المكاسب الآنيّة(وأقول الآنية لأنّ ديمومة هذه المكاسب مرتبطة أساسا بالمتغيرات الاقتصادية العالميّة المتشابكة والمترابطة بحكم ارتباط الرأسمال التونسي والعالمي في سلّة واحدة) .
تونس في:27/10/2013
Comments