top of page
Rechercher

لمياء المجيدوموج الذات حين ينهد قلبها بزفير الوقتبمفردات الشعر المنثور (المختار المختاري 'الزاراتي')

  • Photo du rédacteur: zaratimoukhi
    zaratimoukhi
  • 18 juil. 2022
  • 9 min de lecture


نادي الشعر باتحاد الكتاب التونسيين

الجمعة 13 ديسمبر 2019

لمياء المجيد

وموج الذات حين ينهد قلبها بزفير الوقت

بمفردات الشعر المنثور

تصدير: كتب رولان بارت ليقول

{ موت الكاتب هو الثمن الذي تتطلبه ولادة القراءة }

*نصّ المختار المختاري الزاراتي*

ديسمبر 2019

***

كتب نيتشة مرّة ليقول:

*إن المبدع لا يتخذ له رفاقا إلاّ ممن كانوا مثله مبدعين. إنه يتخذهم ممن يحفرون سننا جديدة على ألواح جديدة. إن المبدع يطلب رفاقا له بين من يعرفون أن يشحذوا مناجلهم. وسوف يدعوهم الناس هدّامين ومستهزئين بالخير والشرّ. غير أنهم يكونون هم الحاصدين والمحتفلين بالعيد.*

***

*ولأن العملية الاستقرائيّة التقويميّة والمقيمة للعمل الابداعي عموما والشعر خصوصا تتطلب مساحة زمنيّة كافية لتوليد واستبطان أرضيّة النصّ ومن ثمة تفاعلاته وخصوصياته ومنابعه وتوجهاته القصوى فإنّ قراءتنا هذه تميل اكثر إلى ما تتركه المعاني والمفردات والنصوص عموما الى الانطباع العلمي وليس الانطباع على قاعدة الانتماء الذاتي لأهواء وميول القارئ { الذي أنا }.

ولهذا سنقدم معا على مغامرة أعتبرها شخصيا فريدة بالنظر لقيمة ما تقدمه الشاعرة من اثر ابداعي متميّز لا فقط على صعيد النمط (الوعاء) الذي افرغت فيه معانيها وأفكارها وصورها وإنما المحول الشعري ذاته ذي الابعاد الانسانيّة الذي يشكل نقاط تماس مع الآخر في مواقع انسانيّة مختلفة اذا ما قدّر للكتاب الرواج خارج الحدود الوهميّة المرسومة استعماريا.

وننطلق في هذه المغامرة من خلال التوضيح الذي ورد في كتاب رولان بارت { نقد وحقيقة } حيث كتب قائلا: (... إن النقد الحقّ الذي تمارسه المؤسسات واللغات لا يقضي بإصدار الأحكام على ألمؤلفات ولكن بتميزها، وفصلها، وإحداث انشطار فيها... ).

وننطلق مع قصيدة تحمل عنوان: {رقعة الشطرنج} (ص/24)

يحلّ بالمكان صغيرا... يمدّ أذرعه

يعشش في الذاكرة...

حيث الخضوع فوق رقعة الشطرنج

للملك والملكة والرخّ الأعظم

والسيّد الوزير...

البيدق تحقنه أذرع ذاك الوحش

تعطسه الريح... يرتشف سمّ الأفاعي

مرارة الحنظل...

ولواقح الريح التي تطوّح به على هواها...

الذاكرة تغرف من عشق قديم...

تحرث في اليباب حبلى بالحنين...

تتقافز بها البتلات التي لم تكبر فينا بعد

بذور زرعتها ذات ربيع...

جرفتها قسرا... سماء الأمنيات الغاضبة

فتلوذ البتلة بمغارة أصحاب الكهف.../...

*1* لمياء المجيد والشعر النثري: أو قصيدة النثر:

ليس بالغريب عن الشاعر الذي اكتسب معارف بين تعليميّة وثقافيّة أن يكون اختياره مدروسا في جوانبه البارزة والظاهرة لتبق التفاعلات الذاتيّة عنصر تمايز وتفرّد.

ان كتابات الشاعرة والتي اتخذت في مجموعتها ( موجات زفيري ) منحى اشدّ وضوحا ورسوخا بعد تجربة أولى من خلال مجموعتها البكر { حين حررت صمتي }

حيث اتضحت اكثر معاول الصنعة الشعريّة في اطار قصيدة النثر أو الشعر المنثور.بدون ان تغفل قصيدة التفعيلة التي نزعت اليها في قصائد مختزلة بهيّة. لتبرز قدراتها الأكثر جديّة في بناء النصّ وتشكيل الصور وترتيب اللغة في خدمة المعنى الذي يختفي ويبرز حسب مواقيت تحددها الشاعرة ذاتها في كل منعطف فاصلة او انزياح او مجاز او تعمية وتورية او تعرّي مقصود للإيهام تارة وللكشف وتعويم تارة اخرى.

وربما يعود هذا الى ما استندت اليه من معاول كتابة قصيدة النثر أو الشعر الحداثيّ حيث ورد في كتاب الأدب والدلالة لتزيفتيان تيودوروف قوله:

*(... يكتسي هذا الكلام المخادع أهميّة نظريّة غير متوقعة، لأنه يتجاوز الواقع المقصود إلى المنطوق اللغوي ذاته. فلا يتمكّن المتلقي من التوقف عند حدود فهم المرجع من خلال المنطوق، لأن جزءا من اهتمامه ينصرف حتما إلى المنطوق ذاته. وهنا تبرز الدرجة الأولى من الكثافة... )

*إنّ الشاعرة لمياء المجيد تعمّدت بعثرة أوراق المعنى في جزئيات متناثرة في القصيدة كما فعلت في الروح والمعنى العام للمجموعة والذي ارتبط بمعنى الكينونة الانساني بتفاصيل جنحت الى العناصر الرئيسة للوجود.

لتفتت المشهد ومن شتاته تبني عالمها وتصوغ رؤيتها وعند كلّ منعطف فكرة تشكّل رسومها في صور تحمل عمق الوجع المحزون وفتنة العبارة التي تعرّي حالة نفسيّة قلقة صاخبة هادرة أحيانا وملائكيّة بريئة في تفاصيل اخرى وفي وحدة متناغمة تقولب كل الشتات في وطنها الأصلي القصيدة.

فتارة تراقص كلماتها على ايقاع تفعيلة وتارة تنزع نحو انسيابيّة الأشياء المعتملة فيها لتتركها توقّع ايقاعها على (ريتم) دقات القلب ونفسية الحالة. مما يسبح بالقارئ في لجّ بحر قراره بيد ربان البحر القصيدة فلا تترك له سوى بعض مساحة بسيطة لأخذ النفس قبل ان تقلب الطاولة وتتحول الى أمواج هادرة ومن ثمة تعيده لمربع الهدوء في تلاعب متناغم جميل. وبدون اجهاد ذهني كبير تقذف برياحها من خلال الكلم المسترسل المنغّم بما تكتنزه الحروف المستخدمة في اغلبها ومواضعها المرصفة بعناية لتنساب الى روح وذهن القارئ بشاعرية تسبح به في عوالم النصّ وشخصياته متعاطفا تارة ورافضا اخرى ومناقشا مجادلا في احيان كثيرة.

كأنّ لعبة المرأة في الحياة العامة اتخذت منها الشاعرة دليلها ووسيلتها للذهاب بعيدا في التشويق والعجائبيّة فالمراوحة بين الدلال والتمنع والتغنّج وكل مثيرات الاشتهاء التي تصدّ بأسلوب ساخر أو راغب متمنع. في مدّ وجزر وشدّ وردّ. نهج اتخذته حتى لا تنهك المتابع للجدل الذاتي في الطافح من المعاني في القصيدة وتتيح له متنفسا يستجمع فيه قواه على ارض رخوة تعيد تحريكها فقط بمعنى ختامي تغلق به باب يبق مفتوحا على باب منتظر في قصيدة اخرى.

وهذا ما جعل المجموعة غير مملة وتحمل من السلاسة والانسيابية ما يوحي بعفوية وبراءة لم تكن ابدا كذلك إذا ما امعننا ودققنا في اللغة والرصف وآليات الكتابة الشعريّة المعتمدة والذي ابرزت فيه الشاعرة قدرة متميزة ترتقي بها بين شاعرات جيلها الى مرتبة جيدة. من خلال ذلك التواصل البحثي البارز في مجموعتيها المنشورتين (حين حررت صمتي) و هذا الذي بين ايدينا اليوم (موجات زفيري).

- وحتى نكون في ابهى وضوح لما سبق ذكره نورد للشاعرة هذا النموذج الذي ستتلوه على مسامعنا:

*نص قصيد الفوضى الجامدة (ص: 13)

إصلاح يتسكّع في مجرى النبيذ

ومستنقع الأذى...

يرتق نسيجا مهترئا، متفسّخا

في سوق الأصنام

والمصلوبون...

على فسيفساء الرّقصات

لوحات أغاني الطّمأنينة...

وحبر الأكفّ على الورقات

تتخبّط في الانحلال

وفي الوحل

في حمى بلا عنوان

السّقف واحد...

والخيانة بين الإفراغ والملء

يتصدّع التراب

مثقلا بركام من فوضى التيه

وجمود الوقت

يتقوّض المستحيل

العطش يطارد القتيل

تجفّ الرّوح في الخراب

تتلاشى عند تموّج السّراب

ضباب يطمس الغياب

وذاكرة التّاريخ والآتي تئنّ.../...

وليس أدلّ من قول رولان بارت وهو يفسّر تلك الآليّة التي يلجئ اليها الشاعر للتخفي خلف اللغة والعبارة لصنع عالم الغاربة والدهشة في احيان مطلوبة لتعمية هي ذاتها التعرّي قدام القارئ الذكيّ الفطن في قوله:

*( الغموض لا يصدر عن نظرة جماليّة تقوم على حريات ألتأويل وبشكل أقل عن رتابة اخلاقيّة تنبه إلى مخاطره. ولكنه يصدر عن نظرة يمكننا صياغتها بمصطلحات النظام: فاللغة الرمزيّة التي تنتمي اليها الأعمال الأدبيّة لغة متعددة في بنيتها وقد صنع نظامها بطريقة تجعل الكلام ( العمل الأدبي ) المولد عنها تمليك معاني متعددة وقد قام هذا الوضع من قبل في اللغة الصرفة. وهي لغة تحتوي على كثير من الشكوك كما يحلو لنا أن نقول ذلك – وهذا ما أخذ اللسانيّ يعتني به - ).

*2* لمياء المجيد: والتجريب الشعري الحداثي:

في مجموعتها موجات زفيري

· أللغة. في بيانه {بيان الحداثة} سنة 1979/1992 كتب أدونيس.

*(ألتنميط إذن هو إعادة إنتاج العلاقات نفسها: علاقة نظرة الشاعر بالعالم والأشياء وعلاقة لغته بها، وبنية تعبيره الخاصة التي تعطي لهذه العلاقات تشكيلا خاصا.)*

إنّ اللغة عند لمياء المجيد وفعلها يستمدان مشروعيتهما من الدراية الواضحة وإطلاع بيّن مكتسب وممارسة فعليّة ابرزت حسن الاستخدام والرصف وموضعه العبارة في الجملة والتوظيف المحكم الذي يخدم مصلحة النصّ والمعنى من خلال عمليّة انتقاء بيّنة وتركيز على ما في طيات القاموس اللغوي حيث تستقي معارفها اللغوية بميل ابعدها بعض الشيء عن التركيز على اللغة القرآنية وتراكيبها وأشكال تعبيرها والذي لم تستخدمه الاّ لماما وكان مبلغا ومحكما بحيث تجده منطقيا في موقعه ودلالته.

ولم تنساق في خياراتها القاموسيّة الى الغليظ او الغريب المتروك او المجهول من مفرداته وعباراته بل ذهبت في ذكاء واضح الى الاقرب والأنسب والمتسايق والعصر والفهم العام.

لذا فإن اللغة لدى الشاعرة ليست هي اسّ اللعبة الابداعيّة وإنما هي مطية وجسر عبور نحو هدف المعنى والتبليغ يكون من خلالها لا هي منتهى المبلغ عنه. وبالتالي فهو يعود لدوره الطبيعي كحامل لمحمول ومنطلق بهيّ جميل وسلس وبديع لبلوغ هدف رأت فيه الشاعرة مرمى قلمها وغاية الحبر الذي اسالته.

وابتعدت عن التكرار وأساليب وتراكيب من شأنها ان تقلل او تعيق العملية الشعريّة وتثقل السامع برطانة أو ثقل يخدش الأذن أو الروح السامعة المتماهية معها في وحدة النصّ. كما آثرت ان تتخلى في كثير من المواقع داخل القصائد عن واو الربط (واو العطف) حتى أنّ الجمل تظهر متناثرة مبعثرة في شتات يوحي للقارئ بأنّ النصّ منفلت أو أنّ المعاني متعددة والحال أنه امام سرد متوازن ومتماسك في عمقه وتطور احداثه والربط يكون عبر المعنى والعمود الفقري للنصّ الموظّف في المشهد واللغة في مفرداتها وأبعادها وموسيقاها. كما نزعت في عديد النصوص للتحدث بضميرها الأنا في تداخل حواريّ مع الهوّ وهنا نشير الى أهميّة السياق وننبه الشاعرة للالتزام به عند استخدام الضمائر المتكلّمة. ونشكر الربّ على أنّ هذا الانفلات كان بسيط وغير مرئي ومفضوح لقلته إن لم نقل ندرة وجوده.

ومن خلال هذا الخيار أو جملة هذه الخيارات تمكنت من احكام لعبة التكثيف والاختزال وفي آن تمكنت من بعث روح الجمالية والعجب الذي يخدم مصلحة النص والذي عبر عنه في كتابه: لحظة المكاشفة الشعريّة (إطلالة على مدار الرعب) الناقد والمفكر والأديب التونسي والعربي محمد لطفي اليوسفي. في قوله:

*{ من هنا أيضا يتأكد لنا مرّة أخرى أنّ هذا الزمن هو زمن الشعر الخالق المؤسس... زمن هو ولكنه زمن فوق الزمن يفتح عليه الشاعر في لحظة الكتابة وينتمي إلى رحاب المعجبة fantastique زمن ينشغل به الشعر ويفتتن لأنه الزمن الذي يحتضنه وهو آخذ في التشكّل ويوقّع مسيرته حين يشرع في النهوض. }

ومن خلال اعتماد الشاعرة على معادلة شعريّة تنزع الى التكثيف والاختزال وإيجاز يبني علاقة نوعيّة مع القارئ حيث يدفع به الى مربع التركيز المطلق والبحث المركّز عن مبتغى وهدف النص وهذا الانغماس اللا مشروط والطوعي يشده الى ما يبثه الإيقاع الذي وزعته الشاعرة بين قافية ظاهرة وإيقاع باطني يعتمد على اللغة السلسة المجرجرة للذهن والحسّ بما اكتنزت من احرف رقيقة الوقع في اذن المتلقي.

وهذا ما يأسر الى درجة ان الشاعرة تتمكن من خلال ذلك ان تلزم القارئ باقتفاء اثرها حيثما وطئ حبرها وقلبها وكلماتها ومعاني الغازها وألغامها.

ولنا في قصيدة (مراودة) = ص/137 = مثال: تقول الشاعرة لمياء.

تغازلها الحروف

تراودها اللغة عن نفسها

تتعرى...

يحتضنها دفء الكلم

وأنامل النجم

تمرّر الزمن فوق شواطئها

السّواد ينبت في الأرض

ومن صمت تأتي مفاتنها...

تتعثّر المعاني

تذوب تحت نعالها

تملّكتك...

دعك تسبح في عطر ملمسها

حرير رغبتها

الكون يكفي

لاحتضان عشقها...

حتى القصيدة

تخونها الكلمات.../...

*فهل فعلا خانت الكلمات الشاعرة أم هو خلاصة طموح الشاعر نحو افق غير معروف وتميز جدي لا يدركه الآخرون من اللاعبين بالرسوم الناطقة؟

* كتب محمد لطفي اليوسفي في كتابه {بنية الشعر العربي المعاصر}:

*(إن تلك القوانين وكيفيات تعالقها وتشابكها هي التي تجعل النصّ غامضا ومطالبة النصّ بالوضوح هي بشكل ما مطالبته بإبعاد تلك القوانين الحاضنة لماهيته (شعريته) بل انّ المطالبة بالوضوح جريمة لأنها تطلب من النصّ حتفه )*

من هنا يمكننا العود الى بدأ. الأول المهمل حتى الآن هو الجانب الفني والتقني الإخراجي وهو وإن كان مهما في ناحية الجذب فإن ما يهمني كقارئ هو عمليّة الترتيب التي في هذا العنصر تصبح من الأهميّة بمكان التعرف اليها.

أنّ المجموعة جاءت في 196 صفحة ختمت بلمحات من إضاءات لبعض النقاد من تونس مرورا بالأردن في اتجاه العراق..

وأهمّ النقاط بالنسبة اليّ كقارئ في هذا المسح هو التقسيم الذي فرضته الشاعرة على نفسها وهو تقسيم دلاليّ من حيث العناوين المفاتيح.

1* الباب الأول. موجات زفيري (أكثر من 52 نص)

2* الباب الثاني. من عمق البحر تأتي طقوسي (22 نص)

3* الباب الثالث والأخير. بين الماء والنار (23 نصّ)

نلاحظ أولا فعل البحر والماء في العناوين الثلاثة (الموج) + (البحر) + (الماء) وهي اتحاد العناصر في رمز البراءة والصفاء والعفوية وأيضا الغضب الجهنمي والهيجاء والقوّة والصخب العنيف. وهي تحمل ابعاد ثلاث ايضا فهي احالة للحالة النفسيّة والحسيّة والذهنيّة في كلّ هذه المراحل المذكورة.

وإذا ما اضفنا عنصر الطقوس المشفوع بياء التنسيب ورمز الذاتيّة والزفير الذي ينتهي عند حدود الحالة النفسيّة بعد شدّ ما امّا فرح أو حزن أو فجيعة أو وجع.

كلّ هذه العناصر متحدة تشكّل باب الولوج الى قصيدة لمياء المجيد فهي البسيطة العفوية وهي الرقيقة الساحرة وهي الآسرة بما تمتلك من جدّية البحث وندرة اللغة ان لم نقل تفردها وهي ايضا الصاخبة الغاضبة بجنون الغضب عند المحبّ العاشق لأوضاع انسانية بين ذاتية عند استخدامها لأنا أو للمحيط من محبّ هو الى هم الجماعة.

وربما تلك المراوحة بين التفعيلة والنثر هو احد اهم السيمات التي جعلت من المجموعة ذات اهميّة بالغة. فهي تمثل مستندا يمكن للدارس ان يكتشف منه الكثير من العناصر بداية بالحالة النفسية للعصر والمصر وانتهاء بالعلاقات الاجتماعية مرورا بأوضاع الانسان اليومية بكامل تفاصيلها الكبيرة وخطوتها المشتركة.

ولنا في قضية الحبّ مثالا نتلوه عليكم حيث كتبت الشاعرة قصيدتها {طلب مستحيل} (ص / 170 ) التي جاء فيها:

أحبك

وأعرف أنّك بارد

وأنّ الشتاء وأنت سواء

وأنّ بحارك دوما هائجة

وأنّ سماءك غيم ورد

وأنّي أحبك دون ابتداء

ودون انتهاء

أحبّك حدّ الجنون

حدّ الفناء

وأدرك أيضا أنّي أعبّ الهواء

وأنّي كمن يجري خلف النجوم

وأنني في حبّك أطلب المستحيل

وأدرك جيدا أنني كسرت نواميس العباد

كلّ الحدود الحمراء

وصرنا في الحبّ سوااااء.../...

إن عملية التفكيك تبيح لنا وتتيح ان نبحر في صوت انثى تتقمص الجواب (أطلب المستحيل) وهي تعرف مسبقا انّ الحفر في عمق النفس ركوب للزلزال والذهني طقس اذا ما لبس لبوس الفضح والتعرية وحين يغوص في عمق ولج بحر المنطوق يقينا سيرى الشمس نارا وبالتالي فإن بقدر ما فضحت المعشوق بقدر الألم الذي يصارع الهواء والفراغ والحتميّ

وهذا عنصر فيه من المشترك الانسانيّ كغيره من العناصر التي ابتعدت في معظم هذه المجموعة الشاعرة على تنسيب مكان الفعل وإن بدا الزمان واضحا ومن هذا المنطلق يصبح للمجموعة شأن اذا ما قدّر له الخروج من ضيق المساحة واجتاز الحدود ولو خلسة.

إنّ أسئلة الوجود المغلفة بنفحات صوفيّة رمزية لها علاقة مباشرة برموز الصوفيّة كقولها في مستهل قصيدة {تقاسيم الحزن} (ص / 145 )

الناي حزين

يصدر الأنين

هي احالة على قصيدته التي تحمل عنوانها { أنين الناي } لرمز الصوفيّة مولانا جلال الدين الرومي في قوله :

أنصت إلى الناي يحكي حكايته ومن ألم الفراق يبث شكايته: مذ قطعت من الغاب، والرجال والنساء لأنيني يبكون أريد صدراً مِزَقاً مِزَقاً برَّحه الفراق لأبوح له بألم الاشتياق..

فكل من قطع عن أصله دائماً يحن إلى زمان وصله..

* وهنا نخلص أن الشاعرة استثمرت ايضا بمعرفة واضحة وتعمد بيّن عناصر رمزية ذات احالة صوفيّة روحيّة طقسية وهذا ما زاد في جمال هذه النقاط التي كانت في محلها على رأيينا.

كقولها في قصيدة {حلم خارج الوردة} (ص/20)

حلمت خارج الوردة

عن قلب يزهر

عن بيت يبني على ضفاف النهر من الطين...

عن سبل... أجنحة... تحلّق فوق الشّذا

تقيّأتك الأحلام...

صحراء تيه... أراك تخطو بلا قدمين

وعقل تحركه: حمّى الجسد

في كلّ اقتراب تسقط اللّذة تقيم جسر للدمار

والجرح الغائر ينزف

الجثّة على قيد المشاعر

فلا تطلب المستحيل

وحتى نختم لضيق المجال والتوقيت الممنوح. نوجز إنّ التجربة الشعريّة عند لمياء قائمة على السؤال واحتمال الجواب في جدل مستمرّ وهو ما عبّر عنه اليوسفي في قوله:

{هذا هو الصدام الذي يجعل النص طافحا بالحياة إنه الجدل. الجدل الذي لا يهدأ}

فالشاعرة اذ تبعثر اوراق المعنى تلخّص ذاتها في مفردة مفتاح على القارئ ان يتحد في

تركيز كلّي ليقع في شراك السؤال وينتهي الى احتمال قناعة او تأويل كأن يعود الى زمن الصمت قبل ولادة اللغة ليختلق حياة من القصيدة.

وأختم أردت ان تكون هذه الخاتمة الدلالية قصيدة من المجموعة جمعت حسب رأيينا المتواضع أغلب ما عددت من عناصر ايجابية استثمرتها الشاعرة لمياء المجيد في مجموعتها {موجات زفيري} التي ربما نقول في الختام كان بالامكان ان توزع على مجموعتين على الأقل ليس بالنظر لحجم الكتاب بقدر ما نظرت لمحتواه وأبوابه الثلاثة. ولكن رأينا هذا لا ينفي براعة الشاعرة في شدّ وجذب القارئ الى كتاباتها وأشعارها الجميلة.

كقولها في قصيدتها { ترفّق بقلبي } (ص / 154 )

عند الآذان:

قالت: أصلّي

قال: تقبّل الله منك

ومنّي

بعد الصلاة:

قال: أيّ النساء انت؟

في الشّعر... تقولين إنّي...

في العشق... تقولين إنّي...

في الحزن... تقولين إنّي...

في الغضب... في الثورة...

تقولين إنّي...

في الصلاة تقولين إنّي... وفي... وفي...

تقولين إنّي... وبين إنّي... وإنّي

ضعت كأنّي

بين شجو وحزن

بين خشوع وعزف وفنّ

إليك أحنّ.. وما كلّ النساء

دين... وعقل... ذوق... وفنّ

فأي النساء أنت؟

سرقت قلبي

إليك آنعطفت

ماذا جرى لي؟

أصرت متيما بين الرّجال؟

وأوصدت بابا دونه بابي...

ترفّق بحالي

فإنّي أموت دون وصال.../...

· شكرا على الإنصات والتفاعل

تونس 12/12/2019

المختار المختاري الزاراتي

 
 
 

Комментарии


Post: Blog2_Post

Subscribe Form

Thanks for submitting!

  • Facebook
  • Twitter

©2020 par موقع المختار المختاري الزاراتي. Créé avec Wix.com

bottom of page