قتل آخر متنفس لولاية قابس بتدمير منطقة الزارات بقلم المختار المختاري 'الزاراتي'
- zaratimoukhi
- 18 nov. 2020
- 6 min de lecture

بعد غياب دام زهاء النصف قرن (منذ انشاء ميناء الصيد البحري بالزارات والذي هو اليوم في أسوء حال وأقرب ما يكون للإنهيار والاغلاق لغياب المتابعة والمراقبة الخاصة بالتجهيز والبناء الذي تقادم واهترأ أضف الى ذلك عدم مواكبة تطوّر الرصيد الفلاحي البحري من مراكب الصيد وغير ذلك من المشاكل الكبيرة التي يعيشها الميناء) وبعد أن استبشر أهالينا بولاية قابس عموما وباقي ولايات الجنوب التي يمسها المشروع في عمق والتي لا يمسها ويشملها لكنها رأت فيه بشرى التفاتة جدية للدولة نحو جنوب منسي ومهمش ومفقّر ومتروك لرعاية الربّ منذ بورقيبة وحتى يوم الناس هذا رغم أنّ هذا الجنوب هو أهم مصدر للثروات الباطنية من نفط وغاز وغيره. وفي 25/06/2015 وبعد التفاتة لما تركه (بن علي) من مشاريع أقرّ مشروع تحلية مياه البحر بالزارات والذي يمدّ ثلاثة من أهمّ مناطق الجنوب بالمياه وهم (ولاية قابس ومدنين وتطاوين) وهذه الولايات الثلاثة تمثّل أكبر ما في الجنوب من أرض وشعب.
* فما الذي يحصل اليوم ولماذا انقلب المشروع الى كابوس مرعب حقيقي؟
وفي متابعة للأحداث تكشف لنا مدى استهتار الدولة ممثلة في الشركة الوطنيّة لاستغلال وتوزيع المياه وممثل الدولة بالولاية ونعني به الوالي ويصل الأمر إلى وزراء تمت مراسلتهم وكشف الحقائق الميدانية من خروق قانونية وتسلّط بمنطق الغنيمة والقوّة المستمدّة من قوة الدولة الأمنية على غرار ما يقع مع دول الدكتاتوريات القديمة (من بورقيبة الى بن علي).
ففي 15/07/2019 تقدمت الشركة الوطنيّة لاستغلال وتوزيع المياه وبعد جلسات محمومة سواء بالولاية أو في دوائر الاختصاص. بملف المشروع لمصالح بلدية الزارات المعنية مباشرة بالمشروع. وبالفعل أحالت البلديّة في سرعة السعيد بالمشروع 16/07/2019 إلى إدارة التجهيز بالولاية مرجع نظر اسناد التراخيص في ظلّ فراغ تشريعي يمنح البلدية أهلية دراسة الملفات واسناد التراخيص القانونية. وفي تاريخ 01/11/2019 كان ردّ اللجنة الدارسة للملف للترخيص سلبيا ومرفوضا لغياب وثائق من الأهميّة بمكان وتخصّ المشروع في عمقه. وأهمها على الاطلاق ملف دراسة المؤثرات البيئيّة للمشروع الذي تسنده الوكالة الوطنيّة لحماية المحيط. والذي تقدمت الشركة بنسخة منه يوم 12/12/2019 غير مصادق عليه. خصوصا وأنّ منطقة الزارات هي منطقة فلاحية برية وبحريّة وأيضا هي اليوم المتنفس الوحيد تقريبا لولاية قابس بعد أن دمرت بشكل كلّي بيئيا وصحيا واقتصاديا وسياحيا نتيجة المجمع الكيمياوي وهذه اليوم حلقة أخرى من حلقات تدمير ما بقي من قابس جنة الجنوب وبوابته عاصمته الحقيقية. فمنطقة الزارات تمثّل مرفقا سياحيا ليس لأهالي قابس بل ولولايات ومعتمديات جنوبيّة وبلغ الأمر في السنوات الأخيرة أن تكون مزارا سياحيا صيفيا لأشقاء من ليبيا والجزائر. الشيء الذي اجبر دائرة الملك العمومي البحري الى تقديم شكوى حول تجاوز خطير وهو تقدّم الاشغال ودخولها الى مساحة وخارطة الملك العمومي البحري بغير اتفاق ولا اذن لا شفاهي ولا كتابي وبالتالي استغلال البحر الراجع بالنظر للملك العمومي البحري. ومنها عملية هدم المصيف المخصص للمصطافين والراجع بالنظر لبلدية المكان وهو من أندر ما يمثّل مصدرا لتمويل اعمالها واشغالها والذي يكترى من خلال بتة سنوية يستفيد منها عائلات وهو رزقهم وقوتهم الموسمي. والذي في تجاوز خطير يتمّ هدمه والتعدي عليه بغير سند قانوني.
وهذه المنطقة السياحية كانت العنوان الأبرز الذي جذب اهتمام السيد وزير السياحة الأسبق (روني الطرابلسي) لزيارتها ميدانيا واسناده وعودا قيل جدّية في حينه ولكن على عادة دولتنا لا يمثّل الاستمرار والتداول على الكراسي والحكم سوى التداول على الاسم (وزير) فقط والباقي لا علاقة له بالاستمرار بل لكلّ وزير نسمع جعجعة تعلن عن مشروع خاص به وعلى الأرض لا نرى سوى الدمار والخراب وتعطيل واجرام في حقّ الناس وأرزاقهم وقوتهم وكرامتهم والتي تجابهها الدولة كعادتها المستمدة من تاريخها السيء بالامنيات والملاحقات القضائيّة والابحاث والتهم وعلى رأسها الشغب.
ففي نظر الحكومة وممثلها على الأرض مطلبتك بحقوقك وفي ظلّ غياب الردّ من الوزراء والمصالح المختصة وصمتها وغيابها التام يصبح جرما وسشغبا. وهذا ما حصل مع اهالينا بمنطقة الزارات وفي غياب وسائل الاعلام الكاشفة للحقيقة. حقيقة الفساد وشبهته التي نواصل تعريتها في هذه المقالة.
فالشركة لم تكتفي بتغييب وثائق مهمة عن ملفها بل وحتى بعد مطالبتها وإبلاغها بامكانية ايقاف الاشغال لأكثر من مرة ومراسلة وزارة الفلاحة وغيرها من الوزارات والدوائر الرسمية ذات الصلة من طرف بلدية الزارات بعد ضغط من أهالي المنطقة المتضررين والمتمثل ضررهم في تجاوز خطير قامت به الشركة في مدّها لأنابيب المياه نحو ولايتي مدنين وتطاوين ومركز ولاية قابس حيث نالت من اراضي وممتلكات الأهالي. وإذا ما علمنا أنها قامت بالتجاوز ذاته لأراضي مملوكة للشركة الوطنية للسكك الحديدية التي لها أراضي خطّ السكك الحديدية الراجعة لمشروع مدّ الخطّ الحديدي نحو مدنين وجربة. أضف الى شكاية مجمع المحار بعد تجاوز الشركة (ومقاول التنفيذ) لأراضي تربية وصيد المحار. مع العلم أنّ منطقة الزارات تمثّل أهمّ مناطق صيد وجمع وتربية (بطرق طبيعية) للمحار في منطقة الجنوب والبلاد عموما.
أضف الى ما يمسه المشروع المجاور واللصيق لواحدة من أندر الواحات البحرية في العالم والذي وفرت له أمريكا (في ظلّ غياب الدولة وعدم معرفتها بكنوزها وما تحتويه اراضي الجنوب وكأنّ لا يوجد في خارطتها سوى مناطق وشعب بعينه محدد بخارطة محددة ليس اكثر منها والباقي ربما يتصورون أنهم من بلد انفصالي أو اشقاء راجعين بالنظر لدول الجوار وليسوا مواطنيها أو هم مواطنون درجة صفر).
الشيء الذي دفع بالمجتمع المدني ممثل في جمعيات لمراسلة الوالي ونواب الجهة و'ر.م.ع' شركة 'الصوناد' والوزارات وعلى رأسهم السيد وزير الفلاحة والجهات ذات الاختصاص لتجابه مراسلاتهم بالصمت والاهمال واغفال الأمر لتطلق يد الشركة و(المقاول الذي رصدت له عملية تنفيذ المشروع) وبعد أن نظمت البلدية طرق وطريق عبور شاحنات المقاول التي أضرت ببنية تحتية للمنطقة أضف الى الضجيج المجرم قانونا إذا ما تجاوز الحدّ فإنّ التجاوزارات في هذا الباب دفعت بالبلدية إلى اصدار قرارين جريئين ولو أنهما جاءا متأخرين جدا. وهذا التأخير تعلله البلدية بمحاولاتها الجادة لإيجاد حلول تضمن مواصلة المشروع الوطني. وأنها حريصة على مثل هذه إقامة وتنفيذ المشاريع الوطنيّة التي لا تتوفر الاّ بعد نصف قرن من الغياب التام. وأنها حاولت الوقوف ضدّ كل التجاوزات بطرق سلمية وودية لكن تعنت الشركة واستهتارها واستقوائها ومحاولاتها فرض امر واقع هو مثار لشبهة فساد كبير في مشروع تفوق ميزانيته ال200 مليار من المال العام. وبالفعل قامت البلدية بتاريخ وبعد جلسة متابعة فنية مخصصة لمتابعة مشروع محطة تحلية مياه بحر الزارات. مع السيدة لبنى عبيد الكاتبة العامة للولاية (قابس) يوم 29/05/2020 وفي تاريخ 12/06/2020 صدر القرارين بمنع مرور الشاحنات الثقيلة الناقلة للمعدات والآليات والمواد المتعلقة بأشغال إحداث المحطة والسيد رئيس البلدية ورئيس فرقة الحرس البلدي بمارث ورئيس مركز الحرس الوطني بالزارات مكلفون كل فيما يخصه بتنفيذ القرار لكن ما وقع على الميدان هو مرافقة شرطة المرور لهذه الشاحنات التي منعت واوقف عملها بمقتضى القرار الثاني الصادر بذات التاريخ السابق الذكر والقاضي بايقاف الأشغال وانجاز المشروع بما في ذلك مد القنوات (حتى استكمال الملف القانوني). لكن الواقع على الأرض هو عكس ما أقره القرارين بما أنّ الالتجاء الى فرض أمر هو سيؤدّي في نهاية المطاف الى صدام وشيك ومنطقي مع المتضررين في ظلّ غياب وصمت وتعمّد التجاهل من طرف الدولة وترك الأمر بيد استعمال واستخدام الملف الأمني لفرض أمر واقع غصبا عن الكلّ. وهو ما ينجرّ عليه تبعات لا أحد يرغبها ولا حتى يضعها في عناصره والدليل واضح من خلال صبر وانفتاح وتفهّم وتعاون البلدية الممثلة للأهالي وتعاونها الذي عبرت عنه بجلاء حين مكنت الشركة من أكثر من فرصة لإستكمال ملفها القانوني ومواصلة انشاء وتنفيذ المشروع. وربما كان هذا التعاون والتساهل وعدم التوقيف المبكر من طرف البلدية للاشغال كان سببا في تصوّر الشركة أنها يمكنها التجاوز والخرق للقانون والمواصلة في التنفيذ بالقوّة. وهو ما يزيد تكريس الشبهات في اذهان الجميع.
* فهل هي الدولة تفقد كامل آلياتها للمتابعة والرقابة أم هو تجاوز وتخريب مقصود ومتعمد لولاية قابس عامة ومنها المنطقة البلدية الزارات؟ وهل أنّ والي المدينة والذي منذ سنين والأهالي في كامل الولاية تتذمّر وتصرّح بعدم أهليته لقيادة ولاية كقابس؟ أم أنه وضع في مكانه لغايات محددة وخدمة واضحة المعالم؟
فمن الواضح أنّ الحالة العامة في قابس من سيء إلى أسوء وفي تدهور رهيب ومرعب منذ توليه الولاية. وعلى جميع الواجهات وأهمها وأولها الصحيّة فولاية قابس أصبحت ولاية منكوبة صحيا ولا يجد الناس سوى الصمت المطبق والغياب الكامل وبعض وعود للإسكات والتكميم أو اللجوء الى القوة العامة أضف اليه غياب كامل وشامل لوسائل الاعلام ومنها الاستقصائيون. وهذه حلقة جديدة من حلقات تدمير وتخريب ولاية قابس يمثلها هذا المشروع الذي في غياب رقابة الدولة الميدانية (واليومية ان لزم الامر). يشوبه الكثير من الشبهات ويحوم حوله الكثير من التخريب والتجاوز المتعمد مما اضرّ بشكل كبير وخطير بلقمة عيش الناس وبالتالي كرامتهم وحياتهم وأمنهم الصحي. والدولة تسكت وتتغافل وتتجاهل وهو أسلوبها الذي ينتهي الى أمني وقضائي في وقت كان بالامكان إيجاد حلول ميدانية تحمي الحقوق وتحفظ الكرامة. وهذا اسلوب الحكم الحقيقي الذي يغيب حتى اليوم عن حكامنا الذين لا نسمع مههم سوى الشعارات والشعبويات ووقت الجد لا نسمع لهم رأي ولا نجد لهم صورة ويتقدم بأمرهم الأمن لأداء مهمة تعيده لمربع ما كان عليه أيام بن علي.
فهل ستبق الدولة تجابه مواطنيها بذات الاسلوب التقليدي للدكتاتوريات أم أنها ستصغي لتفاعلات الميدان وتفتح اذانها وأعينها للشعب الذي هو في الأصل ليس ضدّ مشاريعها بل هو يستبشر ويسعد لها لكن على أن لا تكون وبالا عليهم وأن لا تكون كالمثل القائل (جبتك يا عبد المعين تعين لقيتك يا عبد المعين........)؟
أليس الوقت حان ليكون للشعب صوته الميداني الذي يعري ويكشف كلّ ما يشوب مشاريع الدولة من اهمال وتجاوزات في حقّ المواطنين والبيئة والصحة العامة وغيرها من الاخطار الميدانية اضف اليه تعرية كل شبهة وكلّ تلاعب وأخطار تتكبّد الدولة فيما بعد تبعاتها بالكامل وتزيد الصرف من المال العام لإصلاح ما أفسد بتعمد وتقصّد أو باهمال وتغافل؟ ألم يحن وقت الاستماع للمواطنين فهم المرايا والعين الكاشفة يا حكومة؟
تونس في 21/06/2020
コメント