top of page
Rechercher

في تشريح 'عقيدة الصدمة (رأسمالية الكوارث)''نظريّة المؤامرة الحقيقية' على العالم ومنها تونس *المختار

  • Photo du rédacteur: zaratimoukhi
    zaratimoukhi
  • 18 nov. 2020
  • 20 min de lecture

* يقول فريدمان: { وحدها الأزمة. سواء كانت الواقعة أو المنظورة. هي التي تحدث التغيير الحقيقي. فعند حدوث الأزمة تكون الإجراءات المتخذة منوط بالأفكار السائدة. وهنا تأتي 'على حد اعتقادي' وظيفتنا الأساسيّة. هي أن نطور البدائل للسياسات الموجودة. وأن نبقيها حيّة ومتوفرة إلى حين يصبح مستحيل في السياسة حتميّة سياسيّة }.

- النشأة والتجريب الأول:

* بتمويل من دائر الاستخبارات الأمريكية cia قام الطبيب الكندي دونالد أيون كاميرون المختص في علم النفس بأبحاث وتجارب ترمي إلى تفسيخ مكونات شخص ما من خلال فسخ كامل معطياته الدماغيّة المكتسبة. وتركيب شخصية جديدة في جسد قديم. تختلف اختلافا كليا فكريا وحسيا عن شخصيته الاصلية التي وقع محوها من خلال تعريض الصدمة الكهربائيّة الشديدة القوّة على الدماغ. وتدميره خلايا ذاكرته بعقاقير الهلوسة القوية التأثير. وإبقائه في أماكن مظلمة وفي صمت مطبق لفترات زمنية طويلة حتى يخلص الى قبول أملاءات الطبيب كامرون ويجعله ملك له ولأفكاره وقراراته. بعد أن حوّله إلى صفحة بيضاء. سيحدد رسم الشخصية الجديدة فيها شروط القائم بالعمليّة (طبيبا كان أو جهاز مخابرات أو غيره ممن سيشتري الطريقة ليستخدمها لأغراضه).

* وهذا ما كانت وكالة الاستخبارات الأمريكية تطوّره من خلال هذه الأبحاث. لنجد نتائجها في ما قامت به مع معتقلي 'غوانتنامو' وسجن 'أبو غريب' الشهير بالعراق مثلا.

* وهذه مبادئ الرأسمالية التي لا تعترف بالإنسان بل بمنطق السوق والربح فقط لذلك يصبح الإنسان لديها رقما وسلعة مبرمجة العقل والشخصيّة. خادمة طيعة لأصحاب رأسا لمال وهم اللذين يمكن لهم شراء كلّ شيء بما فيها العلوم والاختراعات ذات الطبيعة الإنسانية وتحويلها إلى سلع استثمارية كالأدوية والطبّ والتعليم والفلاحة وكل الأبحاث التي تختبر أساليب تطوير الإنتاج بما يتناسب وتطور عدد سكان العالم. وكل ما له صلة بالإنسان وحتى الحيوان وغيره.

- التطبيقات على أرض الواقع وبداية الانتشار:

* وليس مصادفة أن يظهر في نفس الفترة في جامعة شيكاغو أحد اهم مفكري الاقتصاد الرأسمالي في زمننا.

المدعو ميلتون فريدمان. والذي تولى عديد المهام كمستشار اقتصادي في عديد الدول علاوة على عديد الاسماء التي تتلمذت على يديه في جامعة شيكاغو والتي هي اليوم قيادات في تخطيط والتنظير لاقتصاد الرأسمالي الحديث. وبروز افكارهم من خلال جملة عناصر عناوين وهي (الخصخصة) (تحرير التجارة) (خفض الإنفاق الاجتماعي) وتؤدّي بالنهاية إلى الكساد وتفاقم الفقر وتسهيل النهب الذي تقوم به الشركات الخاصة للمال العام وبالتالي الاستثمار في حالات الصدمة والاضطراب الناتجة عن الكوارث الطبيعية كالزلازل المدمرة والفيضانات والأعاصير وغيرها. وأيضا الاضطرابات السياسية كالانتفاضات والثورات وحالات الحرب وغيرها من حالات الانغماس الاجتماعي امّا افراح قويّة أو كارثة مدمرة ترجّ المجتمع وتجعله في غيبوبة تامة من وطئ الصدمة وهي كلها ذرائع تستخدم لتمرير ما يسمونه 'إصلاحات اقتصاديه' وهو في الحقيقة اقتصاد الكارثة والاستعمار الاقتصادي الجديد.

* وهي التي ترجع اساسا لمدرسة شيكاغو بقيادة ميلتون فريدمان الصهيوني الأصل والفكر والتوجه. والتي يشتقها أصلا من نصيحة ميكيافيلي التي قال فيها: "بوجوب ايقاع الأضرار كلها مرة واحدة" لتأسيس الصدمة.

وقد أسس ميلتون فريدمان كلّ أفكاره النابعة من نظرية الصدمة على عنصر اساسي وهو تمكين الشركات الامريكيّة العابرة للقارات من السيطرة الكليّة والتحكم في اقتصاد بلدان العالم الفقيرة أو النامية بلوغا المتقدمة المخالفة بحسب توفّر شروط الصدمة أو افتعالها. وبالتالي الاتجاه نحو السيطرة الكليّة وقيادة اقتصاد العالم وتوجيهه نحو الوجهة الرأسمالية وربطه بها.

أمّا في الداخل "وكما في الخارج" فكان يؤسس إلى ابعاد الدولة عن الاقتصاد حيث يقتصر دورها على الحماية في جزئيها الامني الداخلي والعسكري الخارجي. بينما تفتح السوق كليا وتخصخص بشكل كامل ليفوز بها رجال الأعمال والشركات. وبالتالي يكون موت الفكر الكينزي وأفكار أدام سميث وكل تأثيرات الفكر الاقتصادي الاشتراكي ومنها التعليم الحكومي كما سنرى في تجربته الأولى لنظريته الاقتصادية المرتكزة على نظرية الصدمة.

فعلى اثر إعصار كاترين الكارثي الذي ضرب مقاطعة لويزيانا الامريكيّة وحين كان شعب لويزيانا تحت تأثير الصدمة نتيجة قوّة الاعصار الشديدة ومخلفاته من فيضانات ودمار شامل ليستغلّ الفرصة في اتجاه خصخصة التعليم كليّا ورفع يد الحكومة عن نفقات 123 مدرسة رسمية فيها نحو 4700 مدرّس وإطار تربوي وفي غفلة الشعب المصدوم بالكارثة مرّر المشروع ورفعت الحكومة يدها عن التعليم ليخوصص ويصبح في لويزيانا 31 مدرسة فقط لتعليم من له القدرة على الدفع وليقع إعفاء عدد كبير من الاطار التربوي عامة. مستغلين الشلل الفكري والحسي بالواقع لدى افراد الشعب وغيابه الكلّي عن الاحداث في محيطه بحكم تركيزه الكلّي وتأثره حدّ الصدمة بالكارثة وتفاصيلها المؤثرة على حياته. التي تعيقه عن ردت الفعل تجاه قرارات غابت أو غيبت عن إدراكه ومتابعته للشأن العام تماما.

* ومن خلال استخدام ميلتون فريدمان آلية حربيّة من غير الآلة العسكريّة وهي التي قادها بنفسه في أولى التطبيقات لنظرية الصدمة الاقتصاديّة في ميدان خارج امريكا. كانت 'الشيلي' البلد الشيوعي الذي دبّر له انقلاب عسكريّ قاده الدكتاتور العسكري بينوشي وكان ميلتون المستشار الاقتصادي للدكتاتور العسكري الانقلابي. ليتمّ ربط كلّي لاقتصاد الشيلي بالرأسمالية العالمية ومركز قيادتها وتسييرها. وليكون بينوشي مجرّد آلة لترويض الشعب عن طريق الإخضاع مستخدما آلته الاستخباراتية الأمنية والعسكريّة لتعذيب والتنكيل وخطف المعارضين في وضح النهار. حتى إتمام تنفيذ مشروع ميلتون.

* ثمّ كانت تجربة غيرت وجه العالم بأسره من خلال اعتماد نظرية الصدمة الميلتونية والتي ستكون نقطة تحوّل كبيرة في العالم العربي الغنيّ بالثروات الطبيعية والمتميز بموقعه الجغرا سياسي واقتصادي وعسكري. وهي تدبير حادثة 11 سبتمبر وتفجير برجي أمريكا (المسترابة الفاعل)

* التي على إثرها وقع الشعب الأمريكي الذي تحوّل بفعل الصدمة الى صفحة بيضاء تماما خطّ عليها مصيره ومصير كل من يرتبط به وباقتصاده في العالم. بعد أن وقع تدوّين على هذه الورقة البيضاء لشعارات المرحلة (صراع الحضارات) (محور الشرّ) (الأصولية الإسلامية) (الأمن القومي) '

* وتمّ بالفعل تأسيس العنصر الواقعي لتكريس الصدمة مستخدمين بقايا فلول القاعدة وتأسيس خوارج العصر هذه الظواهر الاسلاموية الظاهر والتي باطنها فارغ فراغ قرب ام موسى. والتي مكنها الأمريكان من موقع على خارطة الدول المستهدفة والخارجة جزئيا عن نظامها العالمي الجديد بحكم وجود جزء مهم من اقتصادها المحلّي تحت سيطرة الدولة. أو التي لها موقع استراتيجي ضمن الخارطة العسكريّة والاقتصاديّة للمشروع. وأثثها بالسلاح والمال اللازم لتكون عنصر الصدم المباشر وزودها بطرق جهنمية للغرض كمشاهد الذبح والسحل والحرق وغيره من فيديوهات تنتشر كانتشار النار في الهشيم منن شأنها ان تخلق الصدمة التي تمثّل المنفذ والفرصة للنفاذ الى عمق المكان المرغوب.

*{التحكّم في إرادة العدوّ، وبصيرته وإدراكه، فتجعله عاجزا على الفعل وردّة الفعل}

* وكان الإعلام الخاص الذي مثّل مقدمة الحرب بترويجه الظواهر الهدامة لكل بنية الشخصية والتميز في أوساط الشباب المهمش والمقصي والعاطل بعد أن أجبرت حكومات دولهم "الفاسدة بطبيعتها" على اعتماد نهج اقتصادي دمّر كلّ كيانها واستقلال قرارها. وأصبحت تابعة لإملاء الصناديق والجهات الدائنة وشروطها وأهمها ما سنراه في تجاربهم اللاحقة الذكر.

* كما لدور المصانع الأمريكية بدون أن نغفل عن المال الفاسد المبيض الذي أصبح يمثل رقما رهيبا ضمن اقتصاد العالم الجديد. واللذان يمثلان الذراع الضارب لتمثيل وإنفاذ الصورة السلسة للترغيب و الترهيب في آن للمشروع و الموزع الرسمي واللاعب الاصلي فيها بعد استقدام جيش من الخبراء الجدد منتمين إلى مدرسة ميلتون "عقيدة الصدمة والعلاج بالصدمة".

* ثمّ انتقلت التجربة من محيط الى محيط ومن قارة لقارة في عمليّة ربط لشبكة كبيرة موزعة على خارطة العالم بالارتكاز على كلّ صدمة تتوفّر أو صدمة تصنع للغرض من خلال حاجة الدول التي كانت في طريق النمو الى المال والقروض واعتمادها على المساعدات التي عند انقضاء فترتها تتحوّل الى عبئ اضافيّ لا تقدر عليه الدولة المفلسة والمدينة لتزيد خلق الصدمات من خلال مساعدة منقطعة النظير للفاسدين لتولّي الحكم ليكونوا الجهة السهلة التعامل والقابلة لتنفيذ القرارات في توقيتها المناسب مقابل إطلاق الأيدي للنهب وسرقة المال العام للذهاب نحو إفلاس أكبر عدد ممكن من المصالح العمومية ومن ثمة يقبل الشعب بخصخصتها بعد أن تحولت إلى عبئ ثقيل على كاهلها. أو ليتحوّل الغضب الشعبي إلى فرصة لاستثمارها كصدمة اجتماعية من خلال العنف التصعيدي الذي سيمارس على الغاضبين.

* ولتصل عقيدة الصدمة في أوضح تجلياتها على ايامنا في العراق المحتل. المستخدم فيها القوّة العسكريّة لخلق الصدمة. والذي يمثّل مخزونا نفطيا هائلا من الاحتياطي العالمي. هذا بمعزل عن القدرات العلمية المكتسبة وغيرها من العناصر التي يستوجب ترويضها وتركيعها وضمها إلى الصفّ الرأسمالي بأي طريقة وتحويلها الى سوق استهلاكية كبقية مثيلاتها في الخليج.

* وبينما كان الشعب العراقي بين ابتهاج فئة بسقوط صدام وبين مقاوم للاستعمار الامريكي وبين الغارقين في حزن وصدمة عميقة للقتلى والدمار والخسائر بكافة انواعها. كان يؤسس العراق جديد. عراق ما بعد الصدمة التي لم تترك للشعب العراقي فرصة التفطن لما يؤسس له بريمير والإدارة الأمريكية لمستقبله ومستقبل وطنه وثرواته وشخصيته وكل مكتسباته ومقوماته. إذ أنه وهو في خضمّ المعركة كانت قد اقتسمت الشركات الامريكية والأوروبية كعكته ونفطه وأمواله لسنين طويلة قادمة ولا يسعنا الاّ أن نذكّر بما صرّح به. "مايك باتلر" المجنّد السابق لدى وكالة الاستخبارات الامريكية وصاحب شركة امنية خاصة عديمة الشهرة والخبرة. لكنها فازت بعقد عمل في المنطقة الخضراء. صرّح قائلا: "قدّم الخوف والفوضى إلينا فرصة ذهبيّة" هذه الفرصة أكسبته وشركته ربحا قيمته مليون دولار امريكي.

وعناصر الخوف والفوضى احدا اهمّ العناصر التي ترتكز عليها عقيدة الصدمة حيث يكونان محفزان ضروريان لتطوير عناصر التغلغل وتنفيذ القرارات في غفلة من الشعب. باعتماد الاعلام الخاص ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة التي تشيع المعلومات بشكل سريع (مثلا عن وقوع عمليات ارهابية او التخطيط لها. أو عن افلاس خزينة الدولة أو عن نقص فادح في اساسيات وضروريات الحياة ... إلخ) لتلهي الشعب عن مؤامرة تحاك ضدّه وضدّ استقلال قراره وحدوده ووطنه عموما. وكمثال واضح من ثمانينات القرن وفي قارتي أمريكا اللاتينية وإفريقيا كانت أزمة الدين تقودهما الى واحدة من حتميتين "إمّا الخصخصة أو الموت" وهو تعبير مأخوذ عن مدير سابق في صندوق النقد الدولي. الذي يمثّل أحد مكونات اللعبة حيث تكون البلدان المساهمة في رأسماله هي المقررة اللفعلية لسياسته وتوجهاته وامتلاءاته التي يفرضها على الدول المدينة قسرا وأمرا لا مجال للاختيار فيه أو مناقشته عند الغفل والجهلة من الحكام. وفعلا وافقت حكومات القارتين المدينة للصندوق بتسريع وتيرة وتطبيق "العلاج الاقتصادي بالصدمة". مخافة الوقوع في أزمات وتطورات كارثية تذهب برؤوس حكامها. اللذين آخر همهم شعوبهم مقابل ديمومة وتوريث عرش الحكم في بلدانهم.

* وبعد تصريح وزير التجارة العراقي السابق 'علي عبد الأمير علاّوي' الذي قال فيه أنّ : " إخوانه المواطنين قد سئموا من تشكيلهم حقل للتجارب. إذ أنّ النظام قد اختبر ما يكفي من الصدمات. ولم تكن ثمّة حاجة إلى المعالجة بالصدمة الاقتصاديّة" وخروج الشعب العراقي للمقاومة والتشبث بآخر ما تبق ممّا يسدّ رمقه من الرغيف. فتحت في وجهه النيران ومن لم يسقط على الميدان كان أمامه 'أبو غريب'

* وكما أسلفنا كانت صدمة تسريبات "أبو غريب" جزء يسير وبسيط لما كان يدور في كواليس العراق لاستعماره اقتصاديا وضمه الى خارطة الرأسمالية عنوة وغصبا. وبالتالي محو كلّ أثر لتدخّل الدولة. في المجال الاجتماعي ولم يكن الفائز بسوق إعادة الاعمار سوى الشركات الأمريكية ثمّ الأوربية وبعض ممن نالهم فتات الصفقات نتاج ولائهم وخدمتهم لمشروع الحاكم بريمر ومن خلفه. ممن كان يسميهم العراق بالرأسمال الوطني.

* ولنشهد منذ تلك التجربة عصر اختصرته الكاتبة الكنديّة ناعومي كلاين لتضعه عنوان كتابها الاشهر في عالم السياسة والاقتصاد على ايامنا 'عقيدة ألصدمة صعود رأسمالية ألكوارث'.

كتبت نعومي كلاين : { الصدم والترهيب: عمليتان تستتبعان مخاوف ومخاطر ودمار يتعذر على الشعب، بشكل عام، وعلى عناصر أو قطاعات محددة من المجتمع، أو على قيادة هذا المجتمع، أن تفهمها، كذلك يمكن للعناصر الطبيعية، على غرار الأعاصير والزلازل والفيضانات والحرائق ألمسعورة والمجاعة والمرض، أن تصدم البشر، وتزرع الرهبة في نفوسهم }

* وهذه قواعد وقوع فعل الصدمة الذي من خلاله يتمّ تبيض صفحة الشعوب وفقدان شخصيتهم وسلب كل مقوماتهم الفكرية والحسية ليتمّ فيما بعد فرض شخصية الامر الواقع الطيعة واللينة والخدومة لمشروع الرأسمالية (رأسمالية الكوارث).

* وحتى نوجز هذه المقالة التي تمثّل ورقة أولى من جملة ورقات تشمل ما يشمل بلادنا منذ ما لا يقل عن أربعين حولا من التجريب والتكريس لقرارات تمثّل التحولات الاقتصاديّة الكبرى والتي نتج عنها ما نعيشه اليوم. فبلادنا لم تكن يوما بمعزل عن العالم ولا هي غائبة عن أجندات من نسميهم بالدول العظمى ولو لم نسميهم كذلك لما كانوا كذلك وهي النظرة الدونية التي لم يغفلوا يوما عن تكريسها حتى يتمكنوا من السيطرة المطلقة على أذهان عديمي المعرفة والشخصية.

* وحتى نوضح نقطة مفصليّة فإنّ السياسة ليست سوى الخطاب التبريري للنهج الاقتصادي ور يمكن إطلاقا فصلهما عن بعضهما ومن يتقوّل بالفصل هو إمّا جاهل أو خبيث يحاول تعمية الناس عن دور يلعبه ضمن خارطة المؤامرة العالمية لربح ما. ونظرية العلاج بالصدمة الاقتصاديّة ليست سوى امتداد طبيعي لفعل المؤامرة التي تنتج بالضرورة الصدمة المرغوبة كما سنواصل التحاليل في مقالات لاحقة.

تونس في 29/02/2020

*(عقيدة الصدمة رأسمالية الكوارث -2- في تونس)

مراحل دخول مبدأ العلاج بالصدمة الاقتصا-سياسي لتونس

*لم يكن النهج الرأسمالي خيارا اقتصاديا تونسيّ بحت نابع من اختيار شعبيّ وقرار وطنيّ. بل هو في جزئه الأهم موروث من السلطنة وكرسه الاستعمار. كما أنّ رأس الحكم (زمن الاستقلال الأول ونعني به شخصية بورقيبة الذي كان يحكم بفردانيّة مطلقة لا شريك له في الرأي والقرار النهائيّ وإن فسح المجال للمبادرة فإنه إذا ما نجحت تكون عائدة إليه ولشخصه على انه صاحب الرأي والقرار فيها وإن ترنحت أو ظهر لها ثغرة ألغاها وعاقب صاحبها ليبرز على أنه رافض لها ولم يكن سوى الداعم للمبادرات وديمقراطي النزعة محاولا بذلك ضرب الألسن المنادية بالانفتاح السياسي والحريات من جهة ومن جهة أخرى الحفاظ على موقعه كزعيم أوحد والمجاهد الأكبر وغيرها من الألقاب الدالة على مرض العظمة الذي تملكه وتمكن منه)

*لم يكن بورقيبة من ذوي الميول أو التكوين أو الخبرة في ميدان الاقتصاد وإنما كان سياسيا مسلّحا بالخطابة والإقناع الخطابي لا يرتكز في مجمله على الفكر والمنطق العلمي فهو يراوح بين المنطق العقلي والوجدان الروحي والتعبير اللغوي الشعبي الذي يترك في المنطق الحسّي بصمته الثابتة. وبهما تمكن (ليس فقط من السيطرة بل والاهم من ذلك الإيهام إقناع الشعب بما يرد عليه من أفكار في شكل مشاريع ومخططات اقتصاديّة. كان يرى فيها "حسب فهمه وتوجهاته السياسية التي ينتهجها والمتمثلة في فكرة سياسة المراحل" لتبرير المعبر الاقتصادي المتوازن الذي يسانده بتوقيعه السلطويّ وتبنيه شخصيا والدفاع عليه. وهو الذي يرى فيها المكمل لنهجه وخياراته الشخصيّة. والتي اتسمت بفعل فقدانه للعقل والرؤيا الاقتصادية العلمية وانتهازيّة المحيطين به. والعوامل الخارجية المحيطة. وحتى تدخّل العامل الشخصي في الحفاظ والتشبث بالسلطة حتى آخر رمق. قدام ما كان يدور في بلاط قرطاج من تناحر على الخلافة 'خصوصا اثر بداية مرضه المزمن وتدهور كبير في حالته الصحيّة الذي رافقها تخلّ عن جزء مهم من مهامه ليسيطر عليها الحالمين بخلافته.

*مثل تشريع منصب رئيس الحكومة 'رئيس الوزراء' والذي كان بمثابة ذرّ رماد على عيون من استغفلهم. اذ انه اسس لديمومة سلطانه يوم اتخذ من النظام الشمولي الكلياني (مقرون بنظام الحزب الواحد الذي يحكم المراقبة الدائمة على كامل تفاصيل الحياة الاجتماعية قبل السياسية وغيرها بآلية ومفاهيم وأساليب أمنيّة تجسسية). امّا من خلال الشعب المهنيّة والترابية أو اللجان المحليّة والمركزية وغيرها من أجزء الرقابة اللصيقة.

*وبالتالي ربط الحزب بالدولة واستثمر في شعار "الوحدة القوميّة" غطاء يبرر به نهجه الذي يجعله منفردا بالحكم وسلطة القرار والإمساك بكلّ دواليب السلطة والدولة. بعد بروز بدايات التململ والحراك الاجتماعي الناتج عن السياسات الاقتصاديّة والمترجمة من خلال تركيز الفاعلين فيها على نقاط حسيّة تمس من العقيدة الاجتماعية وأخلاقياتها المستمدة من الدين. مثل الذي حصل بالقيروان 17 فيفري 1961 على اثر الخطاب الشهير الذي اباح فيه بورقيبة افطار رمضان.

والذي تلته المحاولة الانقلابية 24 ديسمبر 1962 للزهر الشرايطي وجماعته والتي كانت افرازة واضحة لمعارضة سياسات بورقيبة الداخلية والخارجية وتفطن شريحة مهمة من الشعب لتقود قاطرتها نخبة وطنيّة لم ترتكز على هذا المخزون بل تعاملت بشكل فردي سرّي الشيء الذي سهل على بورقيبة اصطيادها والإيقاع بها والتنكيل بعناصرها.

*وبعد تبنيه للاشتراكيّة في مؤتمر بنزرت مارس 1963 والذي سبقه اعلان المجلس الملّي للحزب تبنيه رؤية النقابي القديم. الذي أصبح وزير جديد 'الوزير أحمد بن صالح' ورؤيته الاقتصاديّة التي تمثّل اللحظة الفارقة في الحياة الاقتصاديّة بتونس وإتباعها النهج العلمي والفكري الاقتصادي الاشتراكي وبرؤيا علمية واضحة على أيامها. (ولو بعناصر اقتصر على تناولها وتفعيلها مقابل إهمال عناصر رئيسية أخرى مما ساهم بشكل كبير في عدم فاعلية فكرته وفشلها). والتي ضمنها في تقري اسماه (تقرير الآفاق العشرية) سنة 1960. ليصادق عليه الديوان السياسي للحزب الحر الدستوري في 3 جانفي 1961 ويحدث خطة كاتب دولة للتصميم "أي التخطيط").

*هذه الاشتراكية التي يعرفها بورقيبة ساعتها. انها بالنسبة اليه لا تعدوا ان تكون سوى حدّ للملكية الخاصة مع امكانية إلغائها في أي وقت وتحت اي ظرف بقدر ما تفرضه المصلحة العامة.

*ولكن الصراع مع القوى المحافظة وقوى الردّة الرأسمالية التي تزعمها كلّ من محافظ البنك المركزي الهادي نويرة وكاتب الدولة للدفاع الوطني أحمد المستيري ومحمد المصمودي سفير تونس بباريس وهم أعضاء الديوان السياسي للحزب وبقيادة وسييلة بورقيبة من داخل القصر. دعمهم في ذلك الوضع المناخي أيامها لينتصر المطر على الفكر. ليس لأنّ المطر هبة سماوية إذا ما غابت يعاقب الفكر وصاحب الفكر لأنّ الربّ غاضب منها ومن صاحبها. ولكن لغياب الصناعة العصرية والمكننة اللازمة والتعصير الفكري والثقافي وتهيئة المناخ الاجتماعي بشكل علمي لاستيعاب التحوّل من نهج ومسلك قديم قدم تاريخ البلاد الى نهج وخطّ جديد (حتى على المستوى العالمي) رغم محاولة بن صالح الجادة في هذا المجال لتطويره واستثماره في ارساء اسس فكرته. التي لم تكن سوى مزاوجة بين اشتراكية الدولة وسيطرتها على جزء من السوق يحمي الشعب الكادح وترك المبادرة الفرديّة للرأسمال (الوطني).

*لتعود تونس وبقوّة للخيار الرأسمالي الليبرالي بقوّة وتسريع الوتيرة حتى لا تعود إلى هذا الخطّ والنهج المرفوض. ومن ثمة نحصد اليوم نتائج هذا التوجه الاقتصادي (اقتصاديا) واجتماعيا وسياسيا وامنيا وإداريا وغيره من اوجه حياة الوطن برمته. وليكون يوم 8 جوان 1970 'مع خطاب بورقيبة الذي دعي فيه' لمشروع حكم القصبة وذلك بدعوة لتحوير الدستور لجعل الحكومة مسؤولة لدى رئيس الدولة وبالتالي التنصل من دعم وخيارات وزراء بورقيبة من طرف بورقيبة ذاته وليكون وحده الحاكم المطلق الذي لا تشوهه ازمات ولا تمس من صورته وهيبته وحكمه الأوحد أخطاء وكوارث الحكومات.

*1* التاريخ لا يرحم ولا يهمل.

على اثر امضاء وثيقة الاستقلال الداخلي حاول عدد من الوطنيين ممن تولوا قيادة وزارات ودوائر رسميّة. القيام بعديد الاصلاحات من بينها على سبيل الذكر لا الحصر ما اقترن باسم الوزير محمود المسعدي عند سنه لقوانين مثل قانون 4 نوفمبر 1958 حول انشاء مدرسة جديدة عصرية موحدة ومجانية وتعمّ كامل تراب الجمهورية بدون تمييز ليبلغ نسبة التمدرس بعد عشر سنوات من الاصدار اي 1968 البلاد كاملة بعد ان كانت نسبة الامية عند الاستقلال تقدّر ب: 847 في الألف.

كما وقع بين سنوات 56 و 58 بلوغا 60 تمّ تأميم الجزء الأكبر من مقدرات تونس ومؤسساتها الهامة اقتصاديا. كالثروة الزراعيّة والباطنيّة المتمثلة في الفسفاط والمعادن وصناعات مهمة كالصناعة الكيميائية والمعدنية وشركات الملاحة ومنها الجويّة والكهرباء والماء والغاز الطبيعي. وتأميم ادارة القطاع المصرفي وإنشاء معهد تونس للإصدار (البنك المركزي) ليصبح الدينار التونسي بموجب قانون صدر بتاريخ 18 اكتوبر 1958 العملة الرسميّة للبلاد.

وكان ذلك يمثل استرداد جزء مهم من السيادة الوطنيّة في حينه. لكن الاقتصاد التونسي لم يتحرّر من الرابط العضوي الذي اسست له وثيقة الاستقلال الاصليّة وملحقاتها (خصوصا منها ما يمس الاتفاقات في شأن الاقتصاد والمعاملات التجارية والصفقات وغيرها مما يمثّل عصب الاقتصاد في أي بلاد).

الشيء الذي كرّس موروثا يمثل النهج الرئيسي للاقتصاد التونسي منذ ما قبل البيات وهو الخطّ الرأسمالي. ومنه ذهبنا الى الليبرالية بأوجهها العامة الاقتصاديّة والتي تمثّل منبع الخيارات الاجتماعيّة والثقافية والسياسيّة عموما. بتجاوز وكسر وتحطيم غير مدروس ومسقط بقرار وقانون وليس رغبة اجتماعيّة عامة وخيار وطنيّ ينبع من الاسفل نحو الاعلى وإنما كانت كلّ تلك الحزمة من القرارات والقوانين مفروضة من فوق الشيء الذي جعلها محصورة في نخبة الحكم ومن اتبع هديها ولم تكن يوما ضمن اطار قناعات شعبية وطنيّة. مما يجعلها محصنة ضدّ كل ردّة أو ردت فعل عكسيّة تظهر مع الازمات التي رأسها يطلّ من خلال الازمات الاقتصاديّة أساسا. متخذين من ما اسموه رؤية اصلاحيّة عنصرا لتبرير تحولاتهم وأفكارهم التي بالنهاية تصبّ في جيب وأرقام حساب فئة ومجموعة مجهريّة في البداية لكنها ستطور بشكل سريع لتصبح فئة مسيطرة بحكم تراكم راس المال بيدها. وليبق عامة الشعب في خصاصة وفقر يتطور مع كل مشروع رؤية مسقطة ومنقولة ومنفّذة بالقوّة وبتدخّل وسائل منها الاعلام. بشكل عشوائيّ جديد ومتجدد بتجدد وتطوّر وسائل الدعم والتسلّط.

*2* هل كان الخارج خارج ازمات وخيارات تونس؟

*تاريخ اهتمام أمريكا بتونس.

وفي وقت مبكر اهتمت أمريكا الناشئة بربط علاقاتها مع السلطة في الايالة التونسية منذ 1778 حيث دون جون أدامس الذي أصبح فيما بعد ثاني رئيسا لأمريكا (هناك أمم أخرى التي يجب الإسراع بتحصيل اتفاقات معها(...)ومنها المغرب و الجزائر وتونس وطرابلس).

وكان أوّل ربط للعلاقات الرسميّة حين سمي ممثل للقنصل الأمريكي لدى تونس يوم 28 مارس 1795 ليمنح صلاحياته كقنصل وينتدب لها تاجر فرنسي مقيم في تونس جوزيف إيتيان فامان طيلة (1796 وحتى 1806) وكممثل رسمي له توصل فامان لتحقيق اتفاقية رسمية للسلم والأخوّة والتبادل التجاري مع الباي التونسي وتخصّ الجانب الأمريكي ليقدم لتوقيع الاتفاقية رسميا بعد تعديل أدخل على البنود 11و12و14 منها وكان ذلك يوم 26 مارس 1799.فعوض فامان في مهمته ويليام إياتون الذي قدم رسالة اعتماده للباي حمودة باشا يوم 15 مارس 1978 في غمرة فتحت أمريكا قنصليتها وكان تاريخ تولّي أول ممثل رسمي لها 20 جانفي 1800 وكان مقرّه (ساحة العملة) في باب المدينة.

وكان بالمقابل هناك مبعوث رسمي للباشا التونسي لدى أمريكا سنتي 1805و1806. رغم أن العلاقة لم تكن متواصلة بشكل واضح بل كانت متقطعة إلاّ أنها تنبؤ بأهمية تونس لدى الجانب الأمريكي خصوصا بعد تواتر أخبارها من خلال فرنسا وعيونها ثم حضورها كمستعمر. حيث ستطور العلاقة إلى ودّ وانسجام.

*نسخة من اتفاقية الاخوة والتبادل التجاري الموقعة مع الباي1787.

*نسخة من اتفاقية الاخوة والتبادل التجاري الموقعة مع الباي1787.

ولتتدعّم العلاقات خصوصا بعد الاكتشاف الميداني لأهميّة الموقع الجغرا-سياسي وعسكري على اثر الحرب العالمية الثانية والتي كانت تونس بكامل خارطتها ساحة المعارك الحاسمة وكان خطّ مارث الفيصل في ايقاف اطماع وسيطرة الجيشين الالماني النازي والايطالي الفاشي. وبعد دراسات علمية عن طبيعة المجتمع واقتصاد وتعليم وثقافة وخصوصية المكان (تونس) والذي سطر ويسطر التعامل وشكل ويشكل نواة المبادئ الرئيسية للتعامل الامريكي مع الملف التونسي سياسيا واقتصاديا... الخ. لنصل الى الحلقة الاهم وهي زيارة بورقيبة لواشنطن والتي كانت اللحظة الفارقة في العلاقات المبنية على قاعدة دولة فقيرة تطلب المساعدة ولكن في الفكر لباطني لسياسي امريكا فالعنصر يكون مكتوبا بهذه الطريقة التي يقابلها في اللسان الدارج التونسي (جيت بساقيك ولا من ضربك على ايديك). خصوصا وانّ نظرية الصدمة الاقتصادية كانت تؤسس في تلك الفترة لكامل توجهات امريكا الاستعمارية الاقتصادية وحتى العسكريّة لتؤسس للمشهد الحالي والراهن العالمي.

*أمّا فرنسا والبلدان التي كان لها اطماع ورغبة في استعمار تونس سنوات 1800 وما بعدها أي بعد ان تفطنت من خلال (شعبها الذي كان يركب البحر في قوارب الموت متجها نحو تونس الارض التي تقيهم شر الفقر والجوع والجهل والافات والكوارث وخصوصا الأوبئة مثل الطاعون وغيره وهي نتيجة لاتجاهات الدولة الاقتصادية السياسية الاقطاعية والبرجوازية. وأغلبهم من ايطاليا الى مالطة واسبانيا. "مثلما هو الحال عكسيا اليوم اذ يركب التونسي البحر 'حارقا' ومعه حلم وحيد ان يعيش كما انسان الاسباب تتشابه رغم تباعد الزمن فالعناصر الرئيسية هي الفقر وانعدام الحريات وسد الطرق امام المبادرة وغيرها وهي نتيجة لاتجاهات الدولة الاقتصادية السياسية والتي يقف خلفها الدعم المالي لرؤس المال من عائلات بورجوازية قديمة إلى اثرياء الوساطة والنهب من مدة حكم بورقيبة الى اثرياء الكوارث وخصوصا السوق السوداء وعنصر اهم يخفيه سياسيو البلاد برمتهم وهو المال المتأتي من تجارة المخدرات المتفشية في عموم البلاد".

*ورغما ما كان عليه شعب تونس من فقر وتعاسة الا انّ عنصر المدخل الرئيسي لوجودهم كان الثغرة التي تمثّل تخلف وجهل وتقهقر حكام تونس وقتها وهي التجارة المعاصرة لحظتها والحرف المدنية الصغرى. وبدايات تشكل الرؤى الاقتصادية السياسية الفكرية.). ونعني بهم ايطاليا وبريطانيا والصراع الكبير بين ثلاثتهم (مع اضافة فرنسا) والتي بالنهاية كانت الجغرافيا اهم اسباب دخول تونس من الجزائر بينما جيش ايطاليا الذي كان تقريبا جاهزا على المرفئ البحري بايطاليا لم يكفيه الوقا للوصول قبل الجيش الفرنسي. ومن دون ذكر اطماع تركيا العثمانية في استرداد موقعها على ارض وحكم تونس.

*وهذه البسطة التاريخية (على اختصارها المجحف لكونها مقالة صحفية) هي التي تمثل المدخل الرئيسي لفهم الادوار التي تلعب على الارض اليوم. والعناصر التي منها نتعرف على ما تمثله تونس لدى هذه الدول المستعمرة. والان الاستعمار اختلفت آلياته بين الامس واليوم فان العملية الاستعمارية لا يكون فيها التدخل العسكري الاّ في مرحلة انسداد الافق الاستعماري الثقافي والتربوي والاستيلاب الكلي للشخصية الوطنية ومن ثمة الاقتصادي وبطبيعة الحال المواقف والقرالارات وكل الطار السياسي.

وهي ايضا تمثّل مدخلا للمقالة القادمة من سلسلة مقالات (عقيدة الصدمة رأسمالية الكوارث في تونس) وفي المقالة القادمة سنكتشف معا تطورات الاقتصاد والسياسة منذ الوزير (الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل السابق) احمد بن صالح وصولا الى مرحلة بن علي.

تونس 14/03/2020

الاستثمار في الصدمة الشعبيّة

مجول منظمة الأعراف وحضر التجوال

بتاريخ 20 مارس 2020 استمع الشعب المجبر على الاستماع بحكم سريان حضر التجوال إلى السيّد مجول رأس اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (نقابة الأعراف) في المحطة التلفزية الخاصة (الحوار التونسي). ولطرحه الذي كنا بتاريخ 05/03/2020 ومن خلال مقالنا (في تشريح عقيدة الصدمة 'رأسمالية الكوارث') وكيف تستثمر الصدمات وتحوّل وجهة الرأي العام غصبا إلى قبول الحلول الكارثية على الشعب ذاته بعد إيهامه بانّ لا حلّ له للإنقاذ سوى إتباع آراءهم السديدة والرشيدة والعلمية لصالح الشعب البائس وليس لحسابهم المصرفي الخاص وحلولهم وأفكارهم التي لا مناص ولا مفرّ من تطبيقها.

ولن نتحدث عن الشكليات وأهمها اعتماد لغة غير لغة الشعب كوسيلة للتخاطب المتعالي للتدليل على القيمة العلمية والفكرية (الكارثية) من جهة. ولإسماع الجهات التي يستوجب وقوفها إلى صفهم بموازاة وقوفها إلى صفّ رأسماليي أوطانها. وربما للضغط من طرفهم لتنفيذ الأجندة الرأسمالية العالمية الجديدة (القديمة) وأعمها ربط كل الأحزمة باقتصاد القاطرة نهائيا.

ويقترح (في لغة التباكي والتشكّي من جهة ومن جهة أخرى الظهور بمظهر القويّ. وهي لغة لا تمت للاقتراح بقدر ما تشكل حزمة قرارات موجهة ومرسلة. ليس للشعب فقط. وإنما رأسا إلى الحكومة وللتعجيل باتخاذها قبيل تفطن جهات أو أفراد أو منظمات وطنيّة ستقف حتما ضدّ استغلالهم للازمة والكارثة والصدمة.

ففي البداية وقبل الذهاب إلى تشريح الواقع بتعريته ومن منطلقاته التاريخية مواصلا تقصّي حلقات توريط تونس في حلقة رأسمالية الكوارث أو الطرح الرأسمالي الاستعماري العالمي ضمن سلسلة حلقات رأسمالية الكوارث نظرية الصدمة في تونس. والتي تصدر بجريدة الشعب على حلقات.

أسوق بعض الردود الفورية في عناصر. إذ أنّ السيد مجول الذي أشاد بما تقوم به المؤسسات الخاصة من إسناد كبير للاقتصاد الوطني في ظل غياب الدولة التي أصبحت بعجزها وبقراراتها التي تبتزّ وتشرذم الرأسمال الوطني وبتلاعب النهب السياسية وابتزاز رجال الأعمال.

يمثّل هذا المشهد عبأ ثقيلا على المؤسسات الخاصة وعائق من أهم عوائق تطورها وفي المقابل ثمة أصوات مغرضة ومدسوسة ومأجورة. (تفضح وتتابع لتكشف وتعري الواقع الحقيقي) بينما يقول السيد مجول أنها تتجنى على القطاع الخاص وتكيد له شعبيا وجماهيريا. من خلال حملات (تشويه).

نقول بما أنك صرحت أن شركاتنا ومؤسساتنا الوطنيّة رابحة ومربحة فما عليك وعليها سوى الإسراع بدفع معاليم الصندوق الاجتماعي. وسداد القروض المستوجبة. والتخلّي نهائيا عن مطالبة الدولة بدعم والوقوف ماليا لإسناد الشركات والمؤسسات المفلسة. أو التي في طريق الإفلاس. باعتماد عنصر الأزمات (على عادتهم الدائمة ومن أمد). ويستوجب أيضا إرجاع الحقّ إلى أصحابه. أفي دولة كتونس يمكن أن نجد من يملك ويتصرف في إبرام العقود مع الشركات الخارجيّة في ملف الثروات الباطنية الوطنية. مثلا ملف آبار نفط والغاز. لتسأل عائلة البوشماوي مثلا عن ملف الآبار النفطية ومنها ملف بئر الزارات النفطي. وليس هذه العائلة وحسب بل عديدة هي الأسماء على شاكلتها والتي يجب أن تسأل كيف تحصلت على التراخيص للقيام بهذه الأدوار برا وبحرا. بدل الدولة التي بقوانينها هي تمثّل مرجع النظر الوحيد والمالك باسم الشعب للثروات.).

وخصوصا أيضا الابتعاد نهائيا عن لعب الدور السياسي في الدعم المالي السخيّ والضغط السياسي والاقتصادي لتولية من ترغبونه على سدّ الحكم. والكفّ عن التلاعب بالسوق. من الاحتكار وإلى الزيادة في الأسعار بغير الرجوع إلى السلطة المعنيّة. وخبراء البلاد لموازنة جيب المواطن مع العرض والطلب. قبل اتهام اتحاد الشغل عند مطلبته بالزيادة في الأجور بما يتناسب والسوق وحاجيات الناس الأساسية، بأنه المتسبب في التضخم وتدهور الاقتصاد الوطني. بينما تخفون رؤؤسكم تحت التراب مختفين ومستغلين الأزمات بكلّ الأشكال والحلول الشيطانيّة.

ربما تقول أنها حالات شاذة أو استثنائيّة أو حتى غلاء أسعار المواد الأساسيّة وغيرها مما كشف سره ومن الذي يجرّكم ويجرّ البلاد إلى مزيد من تكريس استعماره واستحماره للبلاد برمتها. من خلال تلاعبه الخارجي. ومادمت صرحت أنكم قادرون فلما لا توقفون هذا النزيف. ولما أنتم غير قادرين على السيطرة على من شذّ وانتم راعيه الرسمي وممثله الرئيسي في البلاد؟

أمّ أنكم لا تظهرون إلا في الأزمات لتكرسوا سلطتكم وسلطانكم وتعمقون الجراح بالاتجاه نحو تحرير السوق وضمان تدفق دعم الدولة الذي هو مال الشعب المستخلص من الضرائب المستقطعة من المصدر؟ وأيضا نزيد التعرية. في رفع اليدّ المستترة والمستهترة التي تهدم مؤسسات الدولة (الشعب) الضامنة لموازنة السوق والسعي إلى (تفليسها) بقصد السيطرة عليها ومن ثمة خوصصتها. ولن أكثر الحديث فيما يخصّ الأجور وموافقتها مع السوق ومع الإنتاج والعرض والطلب.

هل يمكن أن تفعلوا وتنفذوا هذه البرامج؟ (أتحداكم فانتم بلا أموال الشعب لن تمكثوا في الأرض سوى بعض ساعة فالارتباط والارتهان إلى السوق الخارجي الذي تحكمه الأزمات المتتالية لن تبقي منكم ولن تذر ولن ترحم) وان كان وذهبتم في هذا الاتجاه (وأشكّ شكّ الأنبياء في شعوبهم) ساعتها سنكون من الداعمين لمشاريعكم التي تختار فقط زمن الكارثة والصدمة لتمرر إحكام قبضتها على البلاد نهائيا.

ومن مصائب الدهر أن ترتبط الحلول في كلّ أزمة بتسريح عدد كبير (اضطراريا) لليد العاملة. وطلب الدعم

والتعويض من مال الشعب. وتأجيل دفع القروض لمرة أخرى (من خلال الإيهام بإعادة الجدولة التي لن تطبق فحين يجيء الأجل تكون الأزمات جاهزة إما محليا بعملية إرهابية أو عالميا كالتي نحن بصددها).

وبعد الإعفاءات الضريبية والتأجيلات السابقة بسبب عملية سوسة (الإرهابية) بين معقوفين. والتي طالت حتى الديون المستوجبة على خدمات عمومية لم يستثنى منها المواطن في عزّ أزماته الخانقة. وفي زمن لا يتعدى سنتين نشهد حملة جديدة متجددة للمطالبة بإجراءات وسن قوانين لفائدة من (رأسمال يقول انه وطني).

هل تبادر إلى ذهنكم وانتم تتحدثون عن صندوق الدعم أن عملية التفقير التي كنتم أهم لاعب فيها انحدرت بمن كانوا الشريحة الوسطى إلى الحضيض والى مصاف الفقراء؟ وأنها احد أهم العناصر الممولة لصندوق التعويض وكافة الصناديق التي تمولكم أيام الأزمات؟

وأنها يقع على عاتقها وحدها أعالتكم والدولة معا؟ ولا يعود عليها بالنفع سوى رغيف خبز وبعض السكر وقهوة وزيت السوجا وكلها سلع يتمّ الاحتكار والاتجار بها في الأسواق السوداء كأنها سلع صينية مهربة ومن يقوم بهذا الصنيع أليس راجع إليكم بالنظر ويحتمي بحماكم وبمنظمتكم وهل انتم قادرين على التدخل وإيقاف مهازلهم؟ (حتما لا وستقولون نحن غير مخولين ولا مكلفين ولا قانون يمنحنا حقّ الفضح والتعرية والكشف عن الفاسدين). وأقول أنّ ما كشفته الأحداث منذ انتفاضة الشعب (17/14) جانفي 2010. من أسماء أجرمت في حقّ قوت الشعب ووجب القضاء عليها ومحاكمتها وحتى إرجاع المال المنهوب منها بالقوة النظامية. واجب وطني صرف فهل تقفون مع هذه المطالب بقوة كما تقفون ألان مع مطالب ليس لكم الحقّ فيها فالذي دفع المال لكي تحكم هذه الطبقة والشريحة هم انتم رجال الأعمال بالدرجة الأولى ومن يقف وراء ملف الابتزاز والدفع بالصراع إلى أقصاه هم انتم ومن بين صفوفكم المتناحرة على الثروة الوطنيّة ومنها المكتشفات الجديدة من أبار (اللاقمي) إلى أبار (غاز البطون) كما يشيع من وليتموهم لخدمة أجنداتكم ثمّ تأتي اليوم لتقول أنهم لا يمثلونكم ويبتزونكم؟

ومع هذا كنت شخصيا كتبت ونشرت بجريدة الشعب سنة 2015 مقالا وكان مخصصا لمقترح قدمته لفضّ إشكالية صندوق الدعم وتوجيهه إلى مستحقيه الحقيقيين. وأخذ بفكرة جزء منه وهو البطاقة الذكية الشعبية التي تمنح لكل منتفع حسب درجات التمتع والتي تقاس بالدخل الشهري. لكنه لم يفعّل حتى اليوم لأنّ السياسيين الذين تدعمونهم وتولونهم بأموالكم زمن الانتخابات وتوجهون الرأي العام من خلال وسائل الإعلام الراجعة إليكم بالنظر (الخاصة طبعا كالتي توجه خطابك من مشهدها اليوم) كانت ومازالت تقف خلف أجندة واحدة مع بعض ذرّ رماد وطنيّ على عيون الغفل.

ولن ننسى أن التاريخ الوطني كشف لنا زيف الكثير من البرامج والأجندات. ابتداء من حكومات الرأسمالية كحكومة شنيق والى قيادة بن عمار والمنجي سليم لمفاوضات الاستقلال (الاتفاقيات التونسية الفرنسية).

باريس 3 جوان 1955 وخصوصا الجزء المتعلق بالاتفاقيات الاقتصاديّة. ومن ثمة كلّ الأدوار التي تلتها حتى الساعة الراهنة من تاريخ شعب ووطن صنع فيه الجهل شريحة كبيرة وأمية ثقافية شريحة أخرى وأمية من النوع الجديد (شعب لا يقرأ) ومن هنا يكون المدخل الذي من خلاله تتسللون لكن مازال في الوادي حجر.

وحتى لا أثقل كاهلكم كمنظمة أقول أن هذه الفئة الغالبية من المتخفين والمتسترين بشخصية وهمية في أصلها إذ أن تسمية رجل أعمال ليست تسمية قانونية إذ لا تحدد الصفة ولا النوع بل هي معممة ومعومة. لذلك فإننا لا نجمع الكلّ في سلة واحدة ولكن الغالبية فرضت نوعية هذا الخطاب المعمم فكثرتهم جرت إلى اتهام الكلّ في غياب دوركم الرقابي والتطهيري الذي هو من صميم الفعل الوطني من خلال الفضح وكشف الملفات وإحالتها لمن يقوم بالدور وكفّ اليد عن التدخل لصالحهم من منطلق فضّ المشاكل العالقة سواء بعلم أو بغير علم بخفايا ملفاتهم.

وأختم ببعض العناصر التي لابد من ذكرها وفتح ملفها الآن ففي غفلة من الشعب يقع تمرير ليس فقط إجراءات وقرارات ليس بالضرورة في صالح الشعب الكادح. بل يزيد السياسيين المدعومين من المال الوطني والخارجي. تعميق الجراح وتكريس مفاهيم الاستثمار في الكارثة من خلال تبني إجراءات أو القيام بتدخلات خفية فهذا وزير الصحة وعوض الذهاب خلفا للسلف في الإجراءات الصحية ومزيد فرض وتطبيق قرارات السلف بإجبار المشتبه بإصابتهم بالكورونة في الحجر الصحي الإجباري في النزل وفرض المراقبة الأمنية اللصيقة حتى لا تقع خروق للقرار وبالتالي تفشي الوباء. فهو يمنح الوباء فرصة الانتشار من خلال الذهاب الى الحجر الصحي الذاتي في منازلهم وهو الإجراء المسقط بغير دراسة لواقع شخصية التونسي (فالفرنسي أو الأوربي عامة حين تطالبه بالحجر الصحي الذاتي هو يمتثل ويزيد تفاعلا ايجابيا من خلال الاتصال الدائم مع المرافق الصحية والأطباء ليعلم بتطور حالته الصحية بينما التونسي كيف كانت إجابة الفارين من الحجر الصحي الذاتي (قلقت) وهي الإجابة الواقعية التي تكشف عقلية وشخصية التونسي الغير منضبطة والغير ملتزمة والمستهترة نتيجة عوامل عديدة أهمها تفقير وتصحير العقول منذ أمد ليس ببعيد لمثل هذا اليوم. ومن يقف وراء ذلك ومن الذي يقف اليوم خلف تكريس خطاب إلغاء العقل والفكر مقابل خطاب (الحياة والموت بيد الله) ونحن مع هذا لكن قال الله تعالى (ولا تدفعوا بأنفسكم إلى التهلكة) وقال أيضا (اقرأ باسم ربك الذي علّم بالقلم). وغيرها من الدلائل التي تشير بوضوح الشمس على أن مصير الإنسان متروك بيده وعقله وليس فقط بالاتكال إلى الخرافة والتخريف.

وهو ما يرغبه العديد ومنهم نشتم رائحة أجندة لم يتمكنوا من تطبيقها بغير أزمة تمكنهم من تنفيذ تفريغ للمرتزقة في أراضي القتال التي جفف الروس منابعها ودحروهم إلى درجة أن هؤلاء المرتزقة استوجب إعادتهم إلى مواقعهم وربما ثمة انطلاقة لهم أخرى من هذه المواقع وأجندة جاهزة لتطورات ملفهم. ونقول قولنا هذا بعد تسأل الناس حول الذي يجري من تدخلات لتسريح وترك القادمين في مطار تونس قرطاج ومطارات البلاد الأخرى وعدم إجبارهم على الامتثال للحجر الصحي المستوجب على كلّ القادمين من بؤر الوباء ومنها تركيا وباقي أراضي أوربا.

ونترك مزيد التحاليل لمقالتنا التي تشرّح وتحفر في الرؤيا الاقتصادية العالمية الاستعمارية الجديدة (القديمة) حول نظرية الصدمة واستخدام الكارثة في الحرب الاقتصاديّة.

المختار المختاري الزاراتي

21/03/2020


 
 
 

Comments


Post: Blog2_Post

Subscribe Form

Thanks for submitting!

  • Facebook
  • Twitter

©2020 par موقع المختار المختاري الزاراتي. Créé avec Wix.com

bottom of page