في الفرق بين الفقير و(الجائع) بقلم المختار المختاري الزاراتي
- zaratimoukhi
- 18 nov. 2020
- 4 min de lecture

*الفقر.
أن تكون فقيرا ليس ضرورة وأساسا أن تكون (جائعا) بالمفهوم والتعبير المجازي. يعني من اللذين لا يشبع لهم لا بصر ولا بصيرة ولا معدة ولا كنز من حلالك وحرامك.
بالتالي أن تكون فقيرا يعني أنّ لا الحاجة ولا قلة ذات اليد أو الحيلة لتلبية الحاجة تحني جبينك وترخصك كرامتك ولا تذلك. لأنّ الفقر عند عزيز النفس ومن تربى على قواعد سليمة بين ذاتية واجتماعية ودينية أخلاقيّة. فهي لا تبيح له أن يذلّ أو يهان أو يرخص لأجل منة أو مكرمة أو هبة مشروطة كانت أم غير مشروطة لكنها تعطى وتمنح لغاية ما في نفس معطيها غير الغاية الإنسانية والأخلاقية والدينية التي تلزم صاحبها بشروط السرية أولا وأساسا وأصلا ومن ثمة باقي شروط منحها. سواء الاجتماعيّة الموروثة وعاداتنا وتقاليدنا في هذا الباب والتي في مغلبها الأعم نابعة من اعتقادنا في دين الإسلام الذي يشترط فيها شروط معينة معروفة لدى الخاص قبل العام والعام قبل الخاص منذ قرون خلت.
*وأمّا (الجوع).
فهو ما يتصف به واقعنا اليوم على كل الواجهات وعلى جميع الأصعدة وشرائح المجتمع في غالبته العظمى.
والمقصود (بالجوع) هو الطمع المفضوح والسطو على رزق الغير وجمع المال بغير وجه حقّ من نهب وسرقة المال الخاص والعام على السواء وباستخدام الحيلة الخبيثة وبنفسية وتفكير دنيء ورخيص وذليل وباستعمال كل الوسائل من مشروعة مقننة إلى غير مشروعة ومقننة ومن خلال التحايل على القانون أو الإيهام والتمثيل وغيره من الأساليب التي تبتكر في كلّ مرحلة وعند كل استفاقة للعبة ما مبتكرة للغرض ذاته.
كما بيننا في مقالة سابقة عن (التسوّل والتسوّل السياسي) للراهن الوطني. والذي شرّحنا فيه أهم مراحل تطوره من حيث نشأ التسوّل لإشباع حاجة بطلبها مباشرة وهي أساسا الطعام وكيف تطورت بالدفع والخبث إلى طلب المال ومن ثمة أصبحت حرفة ومهنة تمتهن على أيامنها حتى ضاقت المدن بهؤلاء اللذين لا يكفيهم ما يجنونه ويكتفون ليتركوا مجالا للفقراء الحقيقيين بل أصبحوا مشكلين في عصابات موزعة حسب خارطة محددة لكل عصابة. الشيء الذي دفع بالكثيرين إلى الارتكاز على نقطة كهذه لبعث صناديق للزكاة والرب وحده يعلم غاياتهم من هذه الصناديق التي تظهر على أنها رسميّة والحال أنّ أصلها وكما يسمي الأشياء اللسان الشعبي الوطني في قوله (كل شيء له مأتى. والشيء من مأتاه لا يستغرب).
وحين نعلم أنّ كم من أموال رصدت للزكاة وتحوّلت إلى حسابات لتمويل الإرهاب أو لحسابات شخصية أو لحشد جمهور المحتاجين خلف راية يصطفون خلفها (بتمويل من يخالفهم طبعا لأنّ الزكاة عامة وليست خاصة ومخصصة لطائفة أو لتبّع حزب معين).
وبالتالي ضرورة سنجد أن السفهاء يقودون سفينة الارتزاق والأمثلة بينة وواضحة منذ زمان. لكنها اليوم اتخذت أشكال أقل ما يقال فيها أنها حقيرة مكشوفة وبصلف خطير.
فلئن كان السياسي يختفي خلف الاجتماعي المغلف بغلاف الديني الأخلاقي. فحتما سنجد الخلاصة فساد لأنّ التغليف هو شبهة في مجتمع يعي جيدا ومنذ أول صرخة في حياة الفرد (أي منذ ميلاده) (فأبويه إما ينصرانه أو يهودانه أو ...إلخ) وكل الديانات السماوية أجمعت على قداسة الزكاة والتصدّق للفقير والمحتاج. وبالتالي لا يحتاج الأمر لحزب أو طائفة لكي توجه التونسي نحو الزكاة إلا إذا كان في الأمر غاية. والذي تعلمانه في هذه السنين القصار الطوال منذ قيام (انتفاضة 14/17) كثير لا يكشف لنا على غير وجهة واحدة.
ونذكر منها على السبيل التذكير لا الإحصاء والتعديد. أولها على أيام (الانتفاضة + الانقلاب) 'التي يسمونها ثورة' "وهذا موقف مسنود بالأدلة والبينة ولا نحتاج للتذكير لمن يستغفل نفسه وليس غيره حتى يعرف حقيقة ما جرى في أيام قليلة قبل وبعد 14 جانفي في القصر وخارجه. وما كان من أدوار سبقته منذ تركيز محطات إعلامية خليجية موجهة ومدعومة من الأمريكي الصهيوني ومن تبعه بإحسان من المستعمرين لمن يطعمهم منذ قرون من أرضه وخيراته برضاه وبغير رضاه.
ولأنّ طائفة الساسة هم في الأصل مسخ وأشباه وأشباح لا صلة ولا علاقة لها لا بعلم السياسة والاقتصاد ولا صلة لها بهما وليست تصلح لغير التآمر والبيع الرخيص (كبيع السارق للمسروق).
وهي تشكّل الواجهة المتقدمة للمتسولين الكبار في ثنائية فعلهم بين النهب والتسول. فهي دائمة الرحلة في اتجاه من يرحمهم بقرض يكثرون البكاء والنحيب والتذلل متخذين اسم وصفة الشعب لذلك متقولين على لسانه أننا شعب فقير معدم فإمّا نبيعهم من رزقنا أو يقرضونا بشروط تكون نهايتها تسليم بالتنازل عن رزقنا. ومن ثمة يكون مآل القرض الذي تسولوه مقسم إلى محفظة للحزب وحقيبة لصاحب السلطة وتبّعه من كوادر عمالته.
ولا ينال الشعب سوى تراكم الضرائب وخلاص الديون والاستقطاع من الرواتب وغيره من الحلول التي تستثني هؤلاء وتبعهم من أهل الملة واللذين التحق بهم داعوهم من أصحاب المال والأعمال (وهم طائفة مفلسة عقلا وتفكير وخلقا وإبداعا) لذلك هي في أصلها تقوم على قاعدة واحدة النهب والسرقة والرشوة وخرق القوانين بفرض قانون الغاب مستقوين بالساسة السابقين الذكر لتسريح أياديهم التي تنهب الجيوب وعرق الناس بلا هوادة وبسرعة كبيرة حتى لا يتركوا مجالا لتسوية الوضع أو تصحيح مساره لبعض تصليح حتى.
لذلك من أول أولويات كلّ حكومة تعتلي منصة الحكم هي تخصيص الجزء الأكبر من ميزانية البلاد ليس لإنقاذ الشعب الذي منحها الوجود بل للحزب ولجيش المرتزقة من أصحاب الواجهة (رجال أعمال) والأصل فيه ناهب برتبة رجل أعمال. لأنّ الحزب الذي يدعمها لا يمكن له الاستمرار في الدعم الاّ بسلطة وسلطان التشارك مع هؤلاء من خلال قاعدة خذ وهات. وإن تأخذ القليل اللازم فهات تكون أثقل مادام الدافع هو الشعب وليس الحزب في النهاية. أضف إليهم كلهم ما خلفته سياسة المصالحة الاعتباطية التي منحت حيتان الإدارة قوّة أكبر من خلال الاطمئنان للتاريخ وللحاضر والقادم بمباركة الأحزاب والوهم الذي زرع في أدمغة بسطاء القوم أنّ بغياب هؤلاء ستنتكس الإدارة وتتدهور البلاد فهم الخبرة والدربة والدراية وليس مثلهم في البرّ مثيل ولا شبيه.
الشيء الذي أعاد تشكيل الصفوف ومنح المرتشين ثقة جديدة وأدوار أكبر في تقسيم الغنيمة. إذ لم يعد ثمة شريك كبير ولا صغير هناك مدير ووسيط ميداني. وهذه الطائفة التي تسمى وسطاء هي أكبر من يسيّر الدولة بطريقة لا مباشرة فهم من يحتكر ويسطر التوزيع ويخطط للترويج ويحدد التسعيرة النهائية وبالتالي لا حاجة للشعب بوزارة للتجارة والاقتصاد والتصرف والتخطيط والرقابة والمالية كلّ هذه الوزارة جملة وتفصيلا وجب أن تلغى وأولها السلطة الرقابية والبلدية وغيرها.
مادام الوسطاء هم من يمتلك الميدان ويدهم طائلة بين المنتج والمستهلك وبغير رقيب ولا متحكم ولا سلطة قرار نهائي. ولا حتى منظم يحدد ويسطر ويخطط لا للتسعير فقط بل وللجباية من هؤلاء ما يستوجب لقيامهم بعملهم.
وهذه أمثلة بسيطة يمكن إيرادها في مقالة ولكنها تصلح لمجلدات تؤرّخ لمرحلة من أهمّ مراحل بناء دولة ما بعد دولة الفساد النوفمبرية وما قبلها التي أسست ووضعت الأسس لوجودها.
سيقول البعض أنني أعمم الحديث لكن من البديهي أنّ البلاد والعباد ليست كلها متشابهة لكن الأغلبية هي التي تسود اليوم ولهذا يصبح الخطاب شبه معمم لكن في أصله وعمقه يحمل الاستثناء لمن لا يزال في شخصهم وشخصيتهم (ماء وملح) البلاد والأخوة الشعبية والأخلاق الوطنيّة.
06/06/2020
Commentaires