*(عقيدة الصدمة رأسمالية الكوارث -2- في تونس)مراحل دخول مبدأ العلاج بالصدمة الاقتصا - سياسي لتونس
- zaratimoukhi
- 22 mai 2020
- 7 min de lecture

بقلم المختار المختاري الزاراتي

*لم يكن النهج الرأسمالي خيارا اقتصاديا تونسيّ بحت نابع من اختيار شعبيّ وقرار وطنيّ. بل هو في جزئه الأهم موروث من السلطنة وكرسه الاستعمار. كما أنّ رأس الحكم (زمن الاستقلال الأول ونعني به شخصية بورقيبة الذي كان يحكم بفردانيّة مطلقة لا شريك له في الرأي والقرار النهائيّ وإن فسح المجال للمبادرة فإنه إذا ما نجحت تكون عائدة إليه ولشخصه على انه صاحب الرأي والقرار فيها وإن ترنحت أو ظهر لها ثغرة ألغاها وعاقب صاحبها ليبرز على أنه رافض لها ولم يكن سوى الداعم للمبادرات وديمقراطي النزعة محاولا بذلك ضرب الألسن المنادية بالانفتاح السياسي والحريات من جهة ومن جهة أخرى الحفاظ على موقعه كزعيم أوحد والمجاهد الأكبر وغيرها من الألقاب الدالة على مرض العظمة الذي تملكه وتمكن منه)
*لم يكن بورقيبة من ذوي الميول أو التكوين أو الخبرة في ميدان الاقتصاد وإنما كان سياسيا مسلّحا بالخطابة والإقناع الخطابي لا يرتكز في مجمله على الفكر والمنطق العلمي فهو يراوح بين المنطق العقلي والوجدان الروحي والتعبير اللغوي الشعبي الذي يترك في المنطق الحسّي بصمته الثابتة. وبهما تمكن (ليس فقط من السيطرة بل والاهم من ذلك الإيهام إقناع الشعب بما يرد عليه من أفكار في شكل مشاريع ومخططات اقتصاديّة. كان يرى فيها "حسب فهمه وتوجهاته السياسية التي ينتهجها والمتمثلة في فكرة سياسة المراحل" لتبرير المعبر الاقتصادي المتوازن الذي يسانده بتوقيعه السلطويّ وتبنيه شخصيا والدفاع عليه. وهو الذي يرى فيها المكمل لنهجه وخياراته الشخصيّة. والتي اتسمت بفعل فقدانه للعقل والرؤيا الاقتصادية العلمية وانتهازيّة المحيطين به. والعوامل الخارجية المحيطة. وحتى تدخّل العامل الشخصي في الحفاظ والتشبث بالسلطة حتى آخر رمق. قدام ما كان يدور في بلاط قرطاج من تناحر على الخلافة 'خصوصا اثر بداية مرضه المزمن وتدهور كبير في حالته الصحيّة الذي رافقها تخلّ عن جزء مهم من مهامه ليسيطر عليها الحالمين بخلافته.
*مثل تشريع منصب رئيس الحكومة 'رئيس الوزراء' والذي كان بمثابة ذرّ رماد على عيون من استغفلهم. اذ انه اسس لديمومة سلطانه يوم اتخذ من النظام الشمولي الكلياني (مقرون بنظام الحزب الواحد الذي يحكم المراقبة الدائمة على كامل تفاصيل الحياة الاجتماعية قبل السياسية وغيرها بآلية ومفاهيم وأساليب أمنيّة تجسسية). امّا من خلال الشعب المهنيّة والترابية أو اللجان المحليّة والمركزية وغيرها من أجزء الرقابة اللصيقة.
*وبالتالي ربط الحزب بالدولة واستثمر في شعار "الوحدة القوميّة" غطاء يبرر به نهجه الذي يجعله منفردا بالحكم وسلطة القرار والإمساك بكلّ دواليب السلطة والدولة. بعد بروز بدايات التململ والحراك الاجتماعي الناتج عن السياسات الاقتصاديّة والمترجمة من خلال تركيز الفاعلين فيها على نقاط حسيّة تمس من العقيدة الاجتماعية وأخلاقياتها المستمدة من الدين. مثل الذي حصل بالقيروان 17 فيفري 1961 على اثر الخطاب الشهير الذي اباح فيه بورقيبة افطار رمضان.
والذي تلته المحاولة الانقلابية 24 ديسمبر 1962 للزهر الشرايطي وجماعته والتي كانت افرازة واضحة لمعارضة سياسات بورقيبة الداخلية والخارجية وتفطن شريحة مهمة من الشعب لتقود قاطرتها نخبة وطنيّة لم ترتكز على هذا المخزون بل تعاملت بشكل فردي سرّي الشيء الذي سهل على بورقيبة اصطيادها والإيقاع بها والتنكيل بعناصرها.
*وبعد تبنيه للاشتراكيّة في مؤتمر بنزرت مارس 1963 والذي سبقه اعلان المجلس الملّي للحزب تبنيه رؤية النقابي القديم. الذي أصبح وزير جديد 'الوزير أحمد بن صالح' ورؤيته الاقتصاديّة التي تمثّل اللحظة الفارقة في الحياة الاقتصاديّة بتونس وإتباعها النهج العلمي والفكري الاقتصادي الاشتراكي وبرؤيا علمية واضحة على أيامها. (ولو بعناصر اقتصر على تناولها وتفعيلها مقابل إهمال عناصر رئيسية أخرى مما ساهم بشكل كبير في عدم فاعلية فكرته وفشلها). والتي ضمنها في تقري اسماه (تقرير الآفاق العشرية) سنة 1960. ليصادق عليه الديوان السياسي للحزب الحر الدستوري في 3 جانفي 1961 ويحدث خطة كاتب دولة للتصميم "أي التخطيط").
*هذه الاشتراكية التي يعرفها بورقيبة ساعتها. انها بالنسبة اليه لا تعدوا ان تكون سوى حدّ للملكية الخاصة مع امكانية إلغائها في أي وقت وتحت اي ظرف بقدر ما تفرضه المصلحة العامة.
*ولكن الصراع مع القوى المحافظة وقوى الردّة الرأسمالية التي تزعمها كلّ من محافظ البنك المركزي الهادي نويرة وكاتب الدولة للدفاع الوطني أحمد المستيري ومحمد المصمودي سفير تونس بباريس وهم أعضاء الديوان السياسي للحزب وبقيادة وسييلة بورقيبة من داخل القصر. دعمهم في ذلك الوضع المناخي أيامها لينتصر المطر على الفكر. ليس لأنّ المطر هبة سماوية إذا ما غابت يعاقب الفكر وصاحب الفكر لأنّ الربّ غاضب منها ومن صاحبها. ولكن لغياب الصناعة العصرية والمكننة اللازمة والتعصير الفكري والثقافي وتهيئة المناخ الاجتماعي بشكل علمي لاستيعاب التحوّل من نهج ومسلك قديم قدم تاريخ البلاد الى نهج وخطّ جديد (حتى على المستوى العالمي) رغم محاولة بن صالح الجادة في هذا المجال لتطويره واستثماره في ارساء اسس فكرته. التي لم تكن سوى مزاوجة بين اشتراكية الدولة وسيطرتها على جزء من السوق يحمي الشعب الكادح وترك المبادرة الفرديّة للرأسمال (الوطني).
*لتعود تونس وبقوّة للخيار الرأسمالي الليبرالي بقوّة وتسريع الوتيرة حتى لا تعود إلى هذا الخطّ والنهج المرفوض. ومن ثمة نحصد اليوم نتائج هذا التوجه الاقتصادي (اقتصاديا) واجتماعيا وسياسيا وامنيا وإداريا وغيره من اوجه حياة الوطن برمته. وليكون يوم 8 جوان 1970 'مع خطاب بورقيبة الذي دعي فيه' لمشروع حكم القصبة وذلك بدعوة لتحوير الدستور لجعل الحكومة مسؤولة لدى رئيس الدولة وبالتالي التنصل من دعم وخيارات وزراء بورقيبة من طرف بورقيبة ذاته وليكون وحده الحاكم المطلق الذي لا تشوهه ازمات ولا تمس من صورته وهيبته وحكمه الأوحد أخطاء وكوارث الحكومات.
*1* التاريخ لا يرحم ولا يهمل.
على اثر امضاء وثيقة الاستقلال الداخلي حاول عدد من الوطنيين ممن تولوا قيادة وزارات ودوائر رسميّة. القيام بعديد الاصلاحات من بينها على سبيل الذكر لا الحصر ما اقترن باسم الوزير محمود المسعدي عند سنه لقوانين مثل قانون 4 نوفمبر 1958 حول انشاء مدرسة جديدة عصرية موحدة ومجانية وتعمّ كامل تراب الجمهورية بدون تمييز ليبلغ نسبة التمدرس بعد عشر سنوات من الاصدار اي 1968 البلاد كاملة بعد ان كانت نسبة الامية عند الاستقلال تقدّر ب: 847 في الألف.
كما وقع بين سنوات 56 و 58 بلوغا 60 تمّ تأميم الجزء الأكبر من مقدرات تونس ومؤسساتها الهامة اقتصاديا. كالثروة الزراعيّة والباطنيّة المتمثلة في الفسفاط والمعادن وصناعات مهمة كالصناعة الكيميائية والمعدنية وشركات الملاحة ومنها الجويّة والكهرباء والماء والغاز الطبيعي. وتأميم ادارة القطاع المصرفي وإنشاء معهد تونس للإصدار (البنك المركزي) ليصبح الدينار التونسي بموجب قانون صدر بتاريخ 18 اكتوبر 1958 العملة الرسميّة للبلاد.
وكان ذلك يمثل استرداد جزء مهم من السيادة الوطنيّة في حينه. لكن الاقتصاد التونسي لم يتحرّر من الرابط العضوي الذي اسست له وثيقة الاستقلال الاصليّة وملحقاتها (خصوصا منها ما يمس الاتفاقات في شأن الاقتصاد والمعاملات التجارية والصفقات وغيرها مما يمثّل عصب الاقتصاد في أي بلاد).
الشيء الذي كرّس موروثا يمثل النهج الرئيسي للاقتصاد التونسي منذ ما قبل البيات وهو الخطّ الرأسمالي. ومنه ذهبنا الى الليبرالية بأوجهها العامة الاقتصاديّة والتي تمثّل منبع الخيارات الاجتماعيّة والثقافية والسياسيّة عموما. بتجاوز وكسر وتحطيم غير مدروس ومسقط بقرار وقانون وليس رغبة اجتماعيّة عامة وخيار وطنيّ ينبع من الاسفل نحو الاعلى وإنما كانت كلّ تلك الحزمة من القرارات والقوانين مفروضة من فوق الشيء الذي جعلها محصورة في نخبة الحكم ومن اتبع هديها ولم تكن يوما ضمن اطار قناعات شعبية وطنيّة. مما يجعلها محصنة ضدّ كل ردّة أو ردت فعل عكسيّة تظهر مع الازمات التي رأسها يطلّ من خلال الازمات الاقتصاديّة أساسا. متخذين من ما اسموه رؤية اصلاحيّة عنصرا لتبرير تحولاتهم وأفكارهم التي بالنهاية تصبّ في جيب وأرقام حساب فئة ومجموعة مجهريّة في البداية لكنها ستطور بشكل سريع لتصبح فئة مسيطرة بحكم تراكم راس المال بيدها. وليبق عامة الشعب في خصاصة وفقر يتطور مع كل مشروع رؤية مسقطة ومنقولة ومنفّذة بالقوّة وبتدخّل وسائل منها الاعلام. بشكل عشوائيّ جديد ومتجدد بتجدد وتطوّر وسائل الدعم والتسلّط.
*2* هل كان الخارج خارج ازمات وخيارات تونس؟
*تاريخ اهتمام أمريكا بتونس.
وفي وقت مبكر اهتمت أمريكا الناشئة بربط علاقاتها مع السلطة في الايالة التونسية منذ 1778 حيث دون جون أدامس الذي أصبح فيما بعد ثاني رئيسا لأمريكا (هناك أمم أخرى التي يجب الإسراع بتحصيل اتفاقات معها(...)ومنها المغرب و الجزائر وتونس وطرابلس).
وكان أوّل ربط للعلاقات الرسميّة حين سمي ممثل للقنصل الأمريكي لدى تونس يوم 28 مارس 1795 ليمنح صلاحياته كقنصل وينتدب لها تاجر فرنسي مقيم في تونس جوزيف إيتيان فامان طيلة (1796 وحتى 1806) وكممثل رسمي له توصل فامان لتحقيق اتفاقية رسمية للسلم والأخوّة والتبادل التجاري مع الباي التونسي وتخصّ الجانب الأمريكي ليقدم لتوقيع الاتفاقية رسميا بعد تعديل أدخل على البنود 11و12و14 منها وكان ذلك يوم 26 مارس 1799.فعوض فامان في مهمته ويليام إياتون الذي قدم رسالة اعتماده للباي حمودة باشا يوم 15 مارس 1978 في غمرة فتحت أمريكا قنصليتها وكان تاريخ تولّي أول ممثل رسمي لها 20 جانفي 1800 وكان مقرّه (ساحة العملة) في باب المدينة.
وكان بالمقابل هناك مبعوث رسمي للباشا التونسي لدى أمريكا سنتي 1805و1806. رغم أن العلاقة لم تكن متواصلة بشكل واضح بل كانت متقطعة إلاّ أنها تنبؤ بأهمية تونس لدى الجانب الأمريكي خصوصا بعد تواتر أخبارها من خلال فرنسا وعيونها ثم حضورها كمستعمر. حيث ستطور العلاقة إلى ودّ وانسجام.
*نسخة من اتفاقية الاخوة والتبادل التجاري الموقعة مع الباي1787.

ولتتدعّم العلاقات خصوصا بعد الاكتشاف الميداني لأهميّة الموقع الجغرا-سياسي وعسكري على اثر الحرب العالمية الثانية والتي كانت تونس بكامل خارطتها ساحة المعارك الحاسمة وكان خطّ مارث الفيصل في ايقاف اطماع وسيطرة الجيشين الالماني النازي والايطالي الفاشي. وبعد دراسات علمية عن طبيعة المجتمع واقتصاد وتعليم وثقافة وخصوصية المكان (تونس) والذي سطر ويسطر التعامل وشكل ويشكل نواة المبادئ الرئيسية للتعامل الامريكي مع الملف التونسي سياسيا واقتصاديا... الخ. لنصل الى الحلقة الاهم وهي زيارة بورقيبة لواشنطن والتي كانت اللحظة الفارقة في العلاقات المبنية على قاعدة دولة فقيرة تطلب المساعدة ولكن في الفكر لباطني لسياسي امريكا فالعنصر يكون مكتوبا بهذه الطريقة التي يقابلها في اللسان الدارج التونسي (جيت بساقيك ولا من ضربك على ايديك). خصوصا وانّ نظرية الصدمة الاقتصادية كانت تؤسس في تلك الفترة لكامل توجهات امريكا الاستعمارية الاقتصادية وحتى العسكريّة لتؤسس للمشهد الحالي والراهن العالمي.
*أمّا فرنسا والبلدان التي كان لها اطماع ورغبة في استعمار تونس سنوات 1800 وما بعدها أي بعد ان تفطنت من خلال (شعبها الذي كان يركب البحر في قوارب الموت متجها نحو تونس الارض التي تقيهم شر الفقر والجوع والجهل والافات والكوارث وخصوصا الأوبئة مثل الطاعون وغيره وهي نتيجة لاتجاهات الدولة الاقتصادية السياسية الاقطاعية والبرجوازية. وأغلبهم من ايطاليا الى مالطة واسبانيا. "مثلما هو الحال عكسيا اليوم اذ يركب التونسي البحر 'حارقا' ومعه حلم وحيد ان يعيش كما انسان الاسباب تتشابه رغم تباعد الزمن فالعناصر الرئيسية هي الفقر وانعدام الحريات وسد الطرق امام المبادرة وغيرها وهي نتيجة لاتجاهات الدولة الاقتصادية السياسية والتي يقف خلفها الدعم المالي لرؤس المال من عائلات بورجوازية قديمة إلى اثرياء الوساطة والنهب من مدة حكم بورقيبة الى اثرياء الكوارث وخصوصا السوق السوداء وعنصر اهم يخفيه سياسيو البلاد برمتهم وهو المال المتأتي من تجارة المخدرات المتفشية في عموم البلاد".
*ورغما ما كان عليه شعب تونس من فقر وتعاسة الا انّ عنصر المدخل الرئيسي لوجودهم كان الثغرة التي تمثّل تخلف وجهل وتقهقر حكام تونس وقتها وهي التجارة المعاصرة لحظتها والحرف المدنية الصغرى. وبدايات تشكل الرؤى الاقتصادية السياسية الفكرية.). ونعني بهم ايطاليا وبريطانيا والصراع الكبير بين ثلاثتهم (مع اضافة فرنسا) والتي بالنهاية كانت الجغرافيا اهم اسباب دخول تونس من الجزائر بينما جيش ايطاليا الذي كان تقريبا جاهزا على المرفئ البحري بايطاليا لم يكفيه الوقا للوصول قبل الجيش الفرنسي. ومن دون ذكر اطماع تركيا العثمانية في استرداد موقعها على ارض وحكم تونس.
*وهذه البسطة التاريخية (على اختصارها المجحف لكونها مقالة صحفية) هي التي تمثل المدخل الرئيسي لفهم الادوار التي تلعب على الارض اليوم. والعناصر التي منها نتعرف على ما تمثله تونس لدى هذه الدول المستعمرة. والان الاستعمار اختلفت آلياته بين الامس واليوم فان العملية الاستعمارية لا يكون فيها التدخل العسكري الاّ في مرحلة انسداد الافق الاستعماري الثقافي والتربوي والاستيلاب الكلي للشخصية الوطنية ومن ثمة الاقتصادي وبطبيعة الحال المواقف والقرالارات وكل الطار السياسي.
وهي ايضا تمثّل مدخلا للمقالة القادمة من سلسلة مقالات (عقيدة الصدمة رأسمالية الكوارث في تونس) وفي المقالة القادمة سنكتشف معا تطورات الاقتصاد والسياسة منذ الوزير (الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل السابق) احمد بن صالح وصولا الى مرحلة بن علي.
تونس 14/03/2020
لتحميل كتاب عقيدة الصدمة راسمالية الكوارث هذا الرابط

Komentáře