بلاد كانت ووطن كان وضاع في الزمان
- zaratimoukhi
- 25 mai 2020
- 5 min de lecture

بقلم المختار المختاري الزاراتي
في أوّل انعطاف لانقلاب مسنود بانتفاضة مبرمج سلفا وقرن بتثوير الشارع من خلال الآليات الحديثة لوسائط الاتصال الاجتماعي ومحطات اعلاميّة مخصصة ومزودة بكلّ آليات التثوير المبتغى. بالاستناد إلى الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي تعيشه تونس أيام بن علي وتغول عائلة الحكم وبطانتها وخدمها وإدارتها وأذرعها الأمنية والحزبية الأمنية المتقدمة وغيرها من وسائل فرض الدكتاتورية في شكلها المرتكز على البوليس والمتعاونون معه من التشكيلات الحزبية والوصولية الانتهازية. التي تطال أقصى ما في البلاد من عناصر تحمل في عمقها العقل والفكر والطموح نحو بلاد تشعّ ووطن يضوع عطر الحريّة والانسانية والكرامة. وبدفع الجهات الخارجيّة التي أسست لنفسها لوبيات قبل الانقلاب بزمن بعيد (أي منذ ما قبل بورقيبة) وبعده حسب مخطط لشراء ذمم سياسويّة "مناضلة مثلما يطلق عليها تارة وأخرى ثوريّة في تزيف مبرمج وتصعيد لأسماء ربما احتاجوا لحضورها وهو فعلا ما حصل اليوم".
وذلك ضمن مسرحية دمقرطة بلاد تغط في جهل عظيم كرسته عوامل متضافرة من رغبة استعماريّة إلى رغبة الحاكم بغاية احكام السيطرة على الثروة والبلاد برمتها. بعد ما قام به رجلين من رجالاتها الكبار (استغلت مرض بورقيبة العضوي والنفسي لتوهمه بأن المتربصين بكرسيه هم المعارضة في الوقت الذي كان المتربصون في بلاطه وقصره فكانت ردة فعله اليتيمة التي دسها له المستعمر ومن ورائه الصهيونية العالمية. هي ضرب المعارضة والأفكار من خلال استخدام مؤسسة الأمن من جهة ومؤسسة التعليم التي خربت برامجها وتحديدا ما كان من تمرين للأفكار والاطلاع على أهمها مما يشيع الفكر بين الشباب ويفتح بصيرتهم على مهمة العقل المواطني. في عملية أقذر ما يمكن أن يشهد التاريخ مثله إذ أنّ المادة موجودة والأمر الداخلي يمنع تدريسها وتحليلها بل يمنع حتى الاشارة اليها في مختلف مراحل التعلم وذلك (لإيهام) اليونيسكو وغيرها من المؤسسات العالمية المتابعة وذات الشأن (إن لم تكن مساهمة من خلال شخصيات بعينها خدمت رغبات وشروط الدول المانحة والداعمة الاستعماريّة والصهيونية) وفي حالة البراءة القصوى كان صمت ممثليها مشبوها وخادما لمصالح ها نحن نعيش فصلا من فصولها اذ هي التي أسست للجهل الذي يعيشه شعب موهوم بثورة ليست من صنعه بل دفع للخروج الى الشارع في انتفاضة أخفت عملية انقلابية تامة الشروط.
وبعد انتهاء دور بورقيبة الذي انتهت سيطرته وقدرته على تنفيذ أي برنامج أو حتى فاصلة منه كان انقلاب 'التغيير المبارك' الذي اتمّ عملية قبر العقل والفكر والشخصية والتاريخ الوطني والتي تعتبر عناصر رئيسية في تركيز ديمقراطية مواطنيّة فاعلة ومساهمة وبناءة تكون ضلعا يحمي التعليم والصحة والدعم الاجتماعي والثقافة المدفوعة الثمن من طرف الشعب الكادح من خلال الضرائب ليكفل المجانية وتعميمها على عموم الوطن.
وهذه العناصر التي كانت أهمّ شروط توليته البلاد منها ما يخصّ ثروة البلاد التي مكنهم من أهمّ ما يطمحون له وزاد هبة. ومنها ما يخصّ سياسة البلاد وأهمها التطبيع الذي مشى على حبل ناري كان أهمّ سبب في الاطاحة به فهو من جهة يولي سفيرا ومن جهة غير قادر على تغيير مواقف شعبه بالفرض عنوة أو بالحوار والدسّ باستخدام آلته التي وفروها له وهي الإعلام على رأس الأسلحة التي منحوه عناصر التحكم فيها خلفا لسيدها بورقيبة.
إذن لم يكن بن علي قادر على تنفيذها اذ أنّ الصراع العالمي كان يمنع حتى ملامسة هذه الملفات خصوصا أنّ المسيسين أو الواجهة التي تحمل بطاقة مسيس محترف (والزعامات التاريخية المقدسة من يمين ويسار) والتي كان مدعومة من سفارات معينة ومحددة وبالتالي دول بعينها تمسك باقتصاد البلاد المستعمرة اقتصاديا. وعناصر عائلية فضحت جيش اللقطاء الجشعين السراق. ما كان القشة التي قسمت ظهره الشيء الذي حدّ من امكانية تنفيذ بن علي للبرامج المرسومة له بطانته وحاشيته والإدارة من مركز إلى أطراف والذين اطلقت أيديهم بلا حسيب ولا رقيب تسرح في البلاد كما الجراد والسوس ينخر حتى نخر كلّ الدولة وهو ما ورثناه اليوم. الى درجة أنّ الادارة أصبحت مصدر وبوابة ولوج الاستعمار. ومفتاح فتح كلّ البلاد بمقابل يعتبر فتات ما يدخل جيوب (الطرابلسية من جهة وعائلة بن علي واصهاره من جهة ثانية فهما بارونات كل المعاملات والمفتاح الرئيسي للأمر بالتنفيذ والادارة تقبض وتنفذ فقط اذ أن عقاب الرفض هو العود الى ثلاجة الادارة وذلك أبسط وأقل ما يمكن ان يطال الرافض إن لم يكن مصيره أقبية السجون والتعذيب بتهمة كيديّة ملفقة وبدون أن ننسى دور جيش الحزب الموظف بالإدارة في رفع التقارير واصطياد فرائس كوادر الغد من سارقي البيض والخبز على رأي جون فالجون).
وهنا لابد من ذكر الدور منظمة الأعراف الذي لم تحيد عنه منذ ايام الاستعمار ومنذ التأسيس والتي تعتبر خلية تفريخ الوجهة والمسار الاقتصادي للبلاد في الظلّ فهي الجهة التي عوّل عليها ويعول حتى اللحظة في حكم البلاد في الظلّ والسريّة المفضوحة في الآونة الأخيرة. من خلال العنصر الرئيسي وعصب الحياة وهو الاقتصاد والمال والاعمال ومنها ومن خلالها يتمّ غربلة الأسماء القادرة على تنفيذ التوسع الاستعماري باعتماد قانون 72 وغيره من قوانين الاستثمار في تونس الذي يعتمد الشريك الوطني. وهذا الأخير هو العامل الذي ينتدب بإحكام حتى يتسنى تغليف النار بالماء الآسن. ويمكن للاستعمار وضع اليدّ على اقتصاد رعوي الأسس فأعراف هذي البلاد من أتباع الربح السهل والسريع لا وقت لهم لإنجاز مشاريع اقتصادية يطول مدى انتظار ارباحها لذلك نشهد اليوم ذهاب كمّ منهم يكبر يوما بعد يوم الى الاتجار في السوق السوداء من خلال ضخّ سيولة مالية كبيرة متحركة عبر الحدود عبر ومن خلال شبكة علاقات مافيوزيةتختصّ في كلّ ممنوعات أخلاقية وقانونية وصحيّة انسانية. ويتسترون بكل اللافتات الشعبيّة لاكتساب مشروعية وجود أهمها الرياضة 'كرة القدم' ومن خلالها يمكن لهم دخول معترك السياسة (وأي سياسة وأي سياسي وأي فكر وأي عمل ينتخبه المال القذر الذي تجد فيه الدول المستعمرة الشخص المناسب لمزيد تعميق وتكريس وتجذير استعمارها الغير مباشر الاقتصادي في انتظار وضع اليد المباشر).
وهذه الطائفة هي العنصر والاعب الرئيسي في يومنا الحاضر فهي المتحكمة الرئيسية والسلطة الحقيقية فبمالها القذر (50 دينارا وباكو شوكوتوم) يمكن لها شراء مليارات يدفعها قابض ال(50 دينارا وباكو شوكوتوم) من عرقه وعرق إخوانه وهذه ضريبة التجهيل واسقاط لعبة الديمقراطية في محيط وشعب غالبيته جاهلة لا تعي حقيقة دورها وتنتظر من ينطق باسمها فتكون التابع والقطيع الذي يقول فقط (باع) عوض التصفيق أيام بورقيبة وبن علي.
ومن رحم ربّ الخلق من الحاملين لهموم الناس الحقيقين ونخبته الشعبية الحقيقية أزيحت من المشهد بأشكال قذرة إمّا بالتشويه أو التشويش الاعلامي بعد فتح دكاكين الارتزاق الاعلامي الخاص التي ليس فقط لعبت دورها في اسقاط بن علي والتآمر عليه معية جبهة الانقلاب بل وتساهم بشتى الوسائل في تكريس أولياء نعمتها ومموليها وفارضيها على الساحة مقابل تجفيف منابع تمويل صحافة حقيقية حرة ومسؤولة وصادقة وشفافة. ومحاربة من لايزال يحلم مستندا الى مبادئ تعتبر بالنسبة للحاكم هدامة ومخربة وعميلة ودساسة فهي لا تخدم مصالحه بل تكشف زيفه وعمالته وتعميق جراح وطن بيع حتى الآن أكثر من 70% من ثروته وقوته وقوّته. ليكون لقمة سائغة للصهيونية تدخله متى شاءت وتكون طرامته مستباحة من الدائنين سواء كانوا صناديق ممولة من دول الاستعمار والاستحمار أو مباشرة من هذه الدول التي تتصارع فيما بينها لوضع اليد وهذا ليس بجديد اذا ما نظرنا لتاريخ البلاد الذي يحاولوا جاهدين طمسه وتغييبه لهذا نسأل:
ألم تكن بريطانيا وايطاليا وفرنسا وتركيا المتصارعين المباشرين لاستعمار تونس قبل ان تدخل فرنسا من الجزائر فارضة معاهدة الحماية بعد ما بلغ امر افلاس إيالة البايات وهرب ثلاثة (خزندارات) بأموال الخزينة الوطنية لفرنسا ومنحهم الجنسية والحماية وخلفهم مصطفى خزندار 'القريقي' 'ترك البلاد وذهب بها الى الافلاس التام بعد الاستدانة لدفع فواتير "القصر وحرس القصر وجواريه والمدحون"؟
فكيف حال اليوم يا ثوار الصالونات والفنادق الفاخرة والعلب الليلية والسيارات الفارهة والفلل والشقق المفروشة وغيره كثير مما يمكن تعداده. كيف حال شعبكم يا مناضلين يا حالمين بالحرية والديمقراطية والكرامة الوطنية ونسب الفقر تحت تحت الصفر والبطالة في أبهى أرقامها والفارين من جحيمكم من الكوادر الوطنية التي صرف عليها من مال الشعب الذي تبيعوه لتمنحوا فتاته منه من ولي امركم الخارجي وقفة المواطن التي أصبحت 'ساشيات مثقوبة) مملوءة بالخطب والوعود فقط بينما يبيت على طواء؟
المختار المختاري الزاراتي
18/11/2018
Comments