بعض من حقيقة بورقيبة والبورقيبيين الجدد
- zaratimoukhi
- 25 mai 2020
- 36 min de lecture

بقلم المختار المختاري الزاراتي
لكلّ دارس للتاريخ رأي ينهي به سرد الوقائع مستخلصا درس المرحلة وللشخصيات مقامات محفوظة مهما كان مسار أفعالها وتطور حركنها تفاعلا مع الزمن والإحداث الخاصة والعامة.
فلا يمكن لنا دراسة شخصيّة تاريخية حكمت بلاد ما اجتثاثها من بيئتها ونشأته الفكريّة وفكر مستعمر بلادها الذي نقل إليه ومن ثمة يقع التضاد وفيه من الاتفاق ما هو نتاج للتأثير والتأثر والاهم من ذلك الحراك العالمي في مرحلة حكمه على المستويين الاقتصادي والسياسي أو ما يعبر عنه بالاقتصاد السياسي عامة وتأثير ذلك على بلاده وتحولاته الفكرية التي تشكل المبدأ المتحوّل الذي يتخذه رمز حركته السياسية الاقتصاديّة للمرحلة.
ولأننا لسنا من هواة الهواية السياسوية أو يمسنا مسّ من الجهل والجهالة أو اللذين ينكرون أن للتاريخ أحكام وشروط أولها علميّ وآخرها وأصله وطن وآخره أمانة وشرف القلم الذي هو التاريخ في رمزيته الأولى نشأة ومنتهى.
لكن ما دفعنا لمزيد الشرح والتوضيح في خصوص بورقيبة وبورقيبي هذه الأيام الغبراء هو عملية سطو وتحويل وجهة نص كنّا نشرناه قبلا حول بورقيبة وتفطننا أن جهة معروفة بالتخلف والجهل في أبهى رمزية وأدق معنى وجاهليّة نجابهها بجاهلية ونحن لها حين يتعلّق الأمر بتزوير الحقيقة وسرقة الفكر الذي يعجزون عن الإتيان بمثله لقصور وجهل وأمية بدائيّة ونذالة الشخصيّة والهمّة التي إذا تخون الفكر تخون الوطن بقدرة من دفع لها لتأسس موقعا إعلاميا وإخباريا على الانترانت وهو من شغل العقل الكافر كما يروق لهم نعته وزادوا شريط فيديو من اليوتيوب لمشاهد تعذيب قواعدهم على يد امن دولة بن علي ولفقوه على انه امن دولة بورقيبة.
فنحن حين نناقش المسألة والتاريخ البورقيبي نفعل ذلك من منطلق علميّ وطنيّ وليس من منطلق الشماتة والتشفّي أو الإبادة التاريخيّة لتاريخ وطن وليس شخص بورقيبة الذي بهمنا الكشف عن أخطاءه قبل الغريب الذي ينافق ويدفع بسخاء للجهتين لتأجيج الصراع الهرطقي والدجل السياسوي وهو يغنم ويغتنم الزمن لمزيد التغلغل في ثروات وخيرات البلاد التي لم يترك منها حتى الآن ما يعيل الأغنياء فما بالك بالفقراء.
لذلك نباشر الموضوع منطلقين من البداية التي يتجاهلها ويتناساها أحياء المرحلة محاولين التجاوز إمّا لمصلحة أو بكثير من البراءة والحماسة التجاوز بحثا عن وحدة صفّ مبنية على وهم المصالحة مع التاريخ وهذا ما سيجعل الباب مفتوحا للعود إلى بدأ مع أول منعطف يكشف عن زيف ما يحاولون تجاوزه (حتى لا أقول التستّر عليه) حفاظا على ما يسمونه الصالح العام.
في مؤتمر سوسة عام 1959 خطب بورڤيبة قائلا
: " الفلاڤة ببنادقهم الصدئة يقولون أننا حرّرنا تونس ...
تونس حرّرتها أنا بعقليّتي و ديبلوماسيّتي !! "
من هنا بدأ تزوير التاريخ
-1- تاريخ تونس لا يخرج عن تاريخ صراع القوى العالمي:
إن تاريخ تونس كغيرها من دول العالم الثالث(أو النامي) مرتبط شديد الارتباط. بما تفرزه مراحل الصراع العالمي لموازين القوى. سواء في الداخل. كما في ما يخصّ سياستنا الخارجيّة. وأيضا صراعا آخر لابدّ من الإشارة إلى وجوده لم يظهر إثر تفكّك الاتحاد السوفيتي بل حتى خلال ذلك الصراع. هو صراع رأس المال في ذاته وفي صلبه. وهو صراع الريادية والقيادة. وتشكّل الأحزمة أو قيادة الأحزمة. حسب القرب من سلطة القرار التي تمتلكها القوّة المسيّرة والمشكّلة لرقعة الصراع ذاته والتي تجمع بين الثروة والقوّة. وخصوصا قوّة الجذب.وقيادات الأحزمة تتشكّل بقدر توفّر الثروة اللازمة من جهة وتوفّر قوّة ردعيّة أو غطاء حماية قادرة على التحرك بسرعة كبيرة متمثّلة في(قواعد أحلاف) إذا ما غابت القدرة على إنتاج هذه القوّة تاريخيّا كبعض قوى أوروبا الاستعمارية مثلا. وحتى ما يدعى بالشرعيّة التاريخيّة أثبت الواقع الحالي أنها ليست شرط قيادة. فشرعيّة الثروة والقوّة هي أصل فرض الوجود. وهي أيضا تقاس بالجدوى المرحليّة من وجودها على رأس الحزام. وطبعا درجة وطبيعة تكوين قياداتها وتوجهاتهم السياسية التي تمليه القاعدة الاقتصاديّة التي تبني الوجهة السياسية المتبعة ودرجة تماهيها مع القيادة المركزيّة أو العامة.والمتمثّلة حاليّا في أمريكا.وقوّة رأس المال اليهودي الصهيوني. في داخل مكوناتها وخلاياها وشرايينها الحياتيّة على جميع الأصعدة وخلف كلّ الواجهات. وجملة هذه الصراعات هي المؤثّر في التركيبة الحاكمة.
لا في الوطن العربي وحسب. بل في كلّ دول العالم الثالث(النامي) عدى من رحمهم التاريخ الثوري. وأعني تحديدا (بلدان من أمريكا اللاتينيّة).التي استفادت قياداتها من تضامن الشعب معها. ووقوفه إلى جانب أطروحاتها الثوريّة. في مراحل التحرير الوطني. بينما نجحت الامبرياليّة والصهيونيّة لتركيزها الشبه كلّي على المنطقة في بثّ الفرقة بين الشعب وقياداته في المحيط العربي. وساهم الطرفان كثيرا في هذه الفرقة من خلال هوّة زرعها وهم التفوّق والقوّة(متناسين أن هذه القوّة لم تكن لتكون لولا خيانات سجّلها التاريخ بين قياداتنا العربيّة. إمّا رغبة أنانيّة في القيادة والريادية. أو رغبة في التشفّي وبدافع الحسد الذي ولّد حقد تاريخيّ تحمّل تبعاته الشعب العربي. حتى في تفاصيل حياته اليوميّة. وحرّك وجنّد لهذا الغرض معطى التاريخ لفرض أفضليّة هي في أساسها دعوة صريحة للتمييز وتحقير أو استنقاص الجدوى من طرف على حساب طرف آخر. مرجعهم في أصله هو واحد في كلّ الحالات وهويتهم التي يدّعون فيها أفضليّة على العالمين. هي واحدة الأصل. ولم تكن أدواة المستعمر سوى ما غرّ هؤلاء وغيرهم من أنها مصدر قوّة ومهد تطوّر.
وهنا أكون قد مهّدت لألج التجربة الاستعماريّة في تونس ومنطلق تمدّدها في المساحة. وأسلحتها الميدانيّة الفاعلة.مع الملاحظة أن ترتيب العناصر اعتباطي لكنه يمسّ أهم القواعد حسب تحليلي.
- ضرب قاعدة الكينونة (الآلة وعقلها):
منذ عجز بورقيبة عن إدارة البلاد تحديدا منذ نهايات الستينات. رغم وجوده في هرم السلطة(أي مرضه وكبره). وبروز الصراع على السلطة. الذي سبقه نجاح في كسر حاجز وجدار الفكر اليساري في تونس إثر تفكك تنظيم أفاق. وتفرّق رفاق الأمس. متجهين إلى صراع شرعيّة القيادة التي غلبت عليها الشخصانيّة (وما سبقها تاريخيّا من قمع لليسار والفكر القومي اليساري منذ ما قبل الاستقلال بتعاون بين الحزب الحرّ الدستوري والمستعمر. وحتى بعد وصول هذا الأخير لحكم تونس بعد ما سمي باستقلال تونس وهو استقلال صوري إذ أن البلاد رهنت اقتصاديا وبالتالي سياسيا بتوزيع الأدوار بين المستعمر المباشر فرنسا والغير مباشر أمريكا خصوصا اعتمادا على تاريخيّة العلاقات منذ البايات ) والذي استغلته أطراف خارجيّة لإثبات وجودها في صراعها على الحكم. والجدوى منها للقيادة في بلادها (أعني فرنسا بطريق المباشرة.من اليمين واليسار المخصي. ثمّ تأتي على القائمة أطراف أخرى كانت في تلك المرحلة ذات تأثير أقلّ على الساحة التونسيّة بشقيها الحاكم والمعارض.)وحتى الأطراف العروبية التوجّه ورغم السند الذي مثّله مصادر الفكر القومي إلاّ أنهم لعبوا ذات الورقة ظنّا منهم أنهم يساهمون في الانفتاح والتمدّد بما مثّلته بريطانيا في مرحلة ما من حاضنة وأرضيّة(حرّة)وساحة خلفيّة لنضالهم.(رغم أنّ اجتماع التأسيسي كان في باريس) قبل أن تتحوّل بريطانيا إلى مساندة ورعاية ميراث لورنس العرب من وهابيي الخليج وأذيالهم وأذنابهم على الخارطة العربيّة التي تقوّى فيها الفكر القومي الشوفيني الذي اتصف ببعض وطنيّة صادقة في أحيان ومواقف تاريخيّة كادت أن تشكّل لبنة لثورة لولا الخيانات والمؤامرات الداخليّة والخارجيّة لإعاقة أي تقارب مع الشقّ اليساري الشيوعي العروبي.
ولم يفت زعامات الحزب الحاكم وقتها أن يبحثوا عن شرعيتهم(التاريخية) في الحكم من مصادر خارجيّة قبل الاعتماد على الشعب وتطلعاته ومطالبه وما يمكن أن يكون أرضيّة تأسيس لمرحلة جديدة(لما بعد بورقيبة) أرضيّة وطنيّة.وهذه هي رغبة المستعمر الأصلية في أن يبق البحث عن الشرعيّة لا يخرج عن أروقة وزارت خارجيته والداخليّة على وجه الخصوص بجناحها ألمخابراتي ووزارة دفاعه أيضا بجناحها ألمخابراتي العسكري.أولا و بالأساس. لذلك شهدنا وقبل تقريبا أسبوعين عن انقلاب 7نوفمبر اجتماع بورقيبة بقائد الأسطول السادس الأمريكي ومبعوث من الكونغرس وفي ذات الوقت كانت الملفات تطبخ في صالونات بارونات المال والأعمال الملوث بالعمالة.
وقبل الخوض في أرضيّة ولادة (الثورة) كان لزاما عليّ أن أمرّ بالمؤسس لأرضيّة الدكتاتوريّة التي استثمرها وطوّر عملها خلفه(زين العرب).هو بورقيبة الذي أطبق على الإدارة بحزبه.بعد أن تمكّن من السيطرة على عموم مفاصل البلاد من خلال تغوّل الحزب والأمن السياسي مع وفي تشكيل واحد متداخل الأطراف. في دواخل البلاد. وبعد السيطرة على الموهوبين في استثمار واقع التونسي البسيط من فلاّح ومزارع وعامل وصاحب مشروع بسيط. وأنشأ سلاح الأمن السياسي حين عرف أن نهايته باتت أكيدة منذ انقلاب لزهر الشرايطي وجماعته خصوصا. وخصوصا حين شعر بأنه رئيس صوريّ مدى الحياة.فالساحة السياسية لم يعد لديه فيها سوى أتباعه من يتامى الدهر و(أطفال بورقيبة)الذين كانوا يحاولون الاحتماء به ليجدوا لهم مكانا آمنا في قادم الأيام ظنّا منهم أنّه سيسندهم ويرشح خليفتهم من بينهم.
وهاهم يطلّون علينا اليوم محاولين إيهامنا بأنه باني تونس الحديثة ومؤسس الحياة في تونس لذلك أورد مقالي الذي نشر بجريدة الشعب لسان الإتحاد العام التونسي للشغل في الرد عليهم وعلى مهزلة من أللهوه في حياته (مدى الحياة)ويريدون أن يكون شبح تونس (الثورة)مضيفا إليها ما تيسّر مما أسعفتني ذاكرتي به والذي تغافلت عنه في مقالي لضيق المجال الصحفي. كما أورد تباعا ما أسس له من تفقير للشعب وتجويعه وتجهيله الشيء الذي أخصب أرض الاستعمار في تونس وأفرز جاهلا كبن علي يحكمنا لمدّة 23 سنة بذات آليات السلف لاقتناعه بجهله من جهة واستثمار ما بقي من روّاد الفكر الإصلاحي الناقل للتجارب وليس باني التجربة التونسيّة الحديثة في تونس .
*بورقيبة الذي يخفيه البورقيبيون الجدد:
جاد الزمان علينا أخيرا بمن يزعمون في التاريخ البورقيبي فلسفة فنزّهوا وطهّروا الشخص. بفكر الشخصنه والزعامة الوهميّة من جديد لإنقاذ حصة الساحل من غنائم الكادحين.وهم يصورونه على أنه الزعيم الفذّ والمنزّه والقائد الرّمز القدوة مع علمهم "هم أولا وبالذات". بجملة الجرائم التي ارتكبها قبل حتى تولّيه زمام البلاد وفي حقّ الفكر الحرّ والمسئول الباني للبلاد فعلا.
فما الغاية من هذه البورقيبية الجديدة؟ وبالضبط أهي العودة إلى فكر ؟ والرجل لم ينتج فكرا في أي مرحلة من حياته الشخصيّة والسياسية. ولا حتّى صرّح أو لمّح. لكنه يمثل تجربة تعتمد على عنصر وحيد متمثّل في مبدأ سياسة المراحل 'وهي ذات شعاره خذ وطالب' هذه التي أغرقت البلاد في دوامة من الرعب والعنف مع تزايد وتفاقم أزمتين الاقتصادية بتأثيراتها السياسية وأزمته الشخصيّة المتمثّلة في تفاقم أمراضه وتطوّرها نحو النفسي والعضوي في آن.
وكلّنا يذكر جانفي الأسود وأحداث الخبز وغيرها كثير مما لم يصل إلى مسامع الشعب المغيب وقتها وألان أيضا. وهذه السياسة (ونقولها جزافا) يهواها ليس فقط مجموعة شيوخ بل وحتى المغرّر بهم من بعض الشباب اللذين لم يواكبوا في يوم مآسي العهد البورقيبي . ولكن دوائر معلومة تحاول جاهدة تكريس هذه الوجهة لكسر الأقطاب الصاعدة وبقوّة (رغم خلافاتها واختلافاتها العقلانيّة والموضوعيّة من اليسار التونسي عموما).
وسطوة هؤلاء اللذين يرغبون العودة لسدة الدولة من خلال جبّة بورقيبة وبمباركة من البورقيبين الموجودين في الحكومة المؤقّتة"أيام السبسي"(نمط تفكير على الأقل) .وحتى خارجها من المحتمين بجهاتهم. وسلطة تاريخيّة معنويّة على أطر المال والأعمال.الذين يرون فيهم استمراريّة سرقة الجهد الوطني وعرق الكادحين بشكل يثري ثرواتهم ويكدسها على حساب الشعب.
فمن علّم الخلف طرق الدكتره والإنفراد بالرأي والتسلّط واستخدام القوّة المفرطة لقمع كلّ تحرّك نخبويّ كان أو شعبيّ وللعلم فقط فإنّ من عاصر ثورة الخبز مثلا سيخبر الناس أجمعين أنها ثورة ماحقة وساحقة أكثر بكثير من ثورة 14 جانفي . لكنّها قمعت وعن طريق الشخص الذي تعلّم كيف يقتل الشعب وهو يحكمه "زين العابدين" وهو من أهم العنصر الأمنيّة ساعتها.الذي استقدمه بورقيبة لقمع هذه الثورة الشعبية(وليست المرّة الأولى ولا الأخيرة في زمن بورقيبة التي يستنجد فيها بخدمات بن علي رغم ما بلغ إلى علمه وتحديدا من ليبيا أيام مباحثات الوحدة من أنّ هذا العنصر الغير معلوم في تونس نهائيا وعند حتى المخابرات التونسيّة عدا من بلغهم أمره من صداقات خارجيّة كان مطروح اسمه لقيادة في صلب وزارات الوحدة الاندماجيّة الليبيّة التونسيّة).(ولتنزيه من وقّع على تقرير الترفيع في الأسعار الذي "بورقيبة ذاته" ألصقت التهم في شخصيات سياسية وإداريّة كزكريّة بن مصطفى وغيره على أنهم غرّروا به(وغلطوه) وأعطوه أخبارا زائفة عن الوضع ساعتها (ولا أنزههم لدورهم الكبير ساعتها في تمدد قبضة الحاكم وحتى من تصوّروا أنه خلفا لبورقيبة بمدهم بأخبار زائفة عن وضع الشعب المزري) .
ولنعد من البداية متتبّعين الوجه المخفيّ عن البورقيبيين الجدد و"البورقيبيّة" الذي يرغب من يرغب من سياسيي </st
ولنعد من البداية متتبّعين الوجه المخفيّ عن البورقيبيين الجدد و"البورقيبيّة" الذي يرغب من يرغب من سياسيي التجمّع و"الدساترة" القدامى من التجمعيين العودة للحياة السياسية من بابها الذي يخالون أنّه كبير ونموذجيّ وتاريخي .وبسند خارجي هو من يطرح عليهم ويملي هذه الرؤيا وهذا الباب للفوز بموقع يزيد في تشتيت الشعب وتقسيمه من ناحية ويبعدهم عن من يدافع عنهم بحياته ممن سيظلّون يقدمون دمائهم فدى الوطن.
ولن أتحدّث عن الشكوك التي تحوم عن دور بورقيبة في عمليّة اغتيال الزعيم الرمز فرحات حشّاد لغياب الإثبات(حتى الآن على الأقل) بل سأنطلق من عمليّة تصفية واغتيال صالح بن يوسف في ألمانية وهو الذي كان صديق جمال عبد الناصر والمحتمي بمصر من خطر بورقيبة الذي استغل رحلة هذا الأخير لألمانية. ليرسل بشير زرق العيون وعصابته. والكل يعرف القرابة التي تربط هذا الأخير ببن يوسف والتي لم تشفع لهذا الأخير ساعة اغتياله.وبمباركة من دوائر الاستخبارات الإمبرياليّة التي ساهمت في تغليب بورقيبة في معركته مع بن يوسف بصمتها إن لم أقل بتعاونها. وهنا نفهم تحرّك جمال عبد الناصر كرد فعل لمحاولة اغتيال بورقيبة التي تتحدّث عنها بعض صحفنا هذه الأيام(رغم أنها حقيقة يراد بها وهم) خصوصا إذا ما علمنا أن بن يوسف كان يميل نحو القوميّة العربية كنهج سياسي يعتمده .
وللسائل فإن الخلاف بين الشخصين كان سياسيا وليس كما يظنّ البعض أو يسرّب آخرون على أنه صراع زعامة وطلبا للكرسيّ فقط إذا فإنّ بورقيبة لم يستهلّ فقط حياته السياسية بالعنف المنظم بل معروف عليه أنه أزاح خصومه بطريقة أو بأخرى قبل وصوله للسلطة وإبّان غيابه الصوري الذي تزامن مع صعود نجم القوميّة العربية في الوطن العربي بعد أن نجح في تطويع وكسب عدد كبير من الزيتونيين وعلى رأسهم الطاهر بن عاشور الذي كان مؤهّلا بحكم توجهه الوطني حتى زمن الثورة الوطنيّة التحرّرية من المستعمر الفرنسي والذي أفرغه من محتواه مع الحفاظ على مركزه الاجتماعي لتاريخه الشخصي الثريّ ومصداقيته المكتسبة عند الشعب .كما كسب إلى صفّه شخصيات حداثيّة استغل معارفها ومهارتها ورؤاها كالمسعدي الذي اشرف وخطط كلّيا لتطوير منظومة التعليم (برؤيا إصلاحية نقليه عن النموذج الفرنسي مع إضافة الروح التونسيّة العربيّة في بعض مواده) وركّز مؤسساته على نهج إصلاحيّ حداثيّ يتماهى والتجارب المتطوّرة وأصّل مجانيته وتعميمه على خارطة تونس وركّز مسألة لها أهمّية كبيرة في تاريخ تونس وهو تعميم تعلّم المرأة وتمدرسها لتصل إلى ما بلغته هذه الأيام رغم معارضة المتشددين دينيّا ساعتها (والمراد الآن تقزيمها وتسليعها بمدّ إعلاميّ مركّز خصوصا على الجوانب الجمالية الجسديّة والتي تخلق نصفا استهلاكيّا بالضرورة بشكل عشوائي وهدّام إذ يرتكز استهلاكه على مكملات جمالية وغيرها من التي لا ضرورة لها في مجتمع يمرّ بأزمات وانهيارات اقتصاديّة خطيرة وقاتلة. بعد أن كانت الغاية من تحرير المرأة أن تكون السند والمكمّل الضروري للرجل بغير استنقاص لوجودها ككائن بشري له حقوق وواجبات كغيرها من كائنات البشر بلا تمييز وهو ما أسس له الراحل الطاهر الحداد وغيره ممن ساند ومنهم العالم الجليل الفاضل بن عاشور وغيره كثر.
أو في الجانب المقابل يصل جمع من مكونات الساحة إلى إعدامها والعودة بالمرأة التونسيّة المكافحة بعد كلّ مكتسباتها. إلى الحرف الأول في عالم الجهل. أي البيت مع علمهم بدور أمهات المسلمين في العلم والعمل أيام بعث الرسالة المحمّدية). وكان المسعدي يستدلّ ويستند على فكر الطاهر الحداد أساسا وغيره من المفكّرين العرب التقدّميين.وكان بورقيبة هو من جنى ثمرة عمل المسعدي والبروز على أنه هو من حرر وقرر.ويزيح بذلك ذكرى رجال هم من صنع تونس فعلا وليس قولا.والذي وجب الآن إعطائهم القليل من الوجود في ذاكرتنا الجمعيّة بإعطائهم حقّهم التاريخي فيما قاموا به. وابتلعه الطاغية المعبود آنذاك بورقيبة الذي يصنع من نفسه محرّر المرأة وباني العلم والتعليم ومجانيّة مستلزمات ومقوّمات الحياة لديمومة آلة العطاء والبناء فكرا وساعدا كالصحّة ايضا. (الشعب الكادح). وهو في الحقيقة موقّع على قرارات التطبيق لرأي غيره ممن كانوا محدّثين منذ المرحلة الاستعمارية والذين توافقوا مع برامج الدولة الحديثة التي كانت مطلبا واقعيّا وجدّيا لكلّ مكونات البلاد من مثقفيها ومتعلّميها إلى عمّالها وكادحيها.ولكنّه من خلال ذلك التوقيع يجني ثمرة غيره في صورة تقبّلها ويكون أوّل من يقضي عليه في صورة رفضها ولكم في بن صالح نموذجا وهو الذي تحمّل أعباء خمس وزارات كلّفه بها بورقيبة ذاته المقتنع بطرحه وفكره وأفكاره.
ولم يكن المسعدي الذي نستدلّ به على ما ذهبنا إليه من رأي وتحليل سوى حلقة معروفة ومكشوفة ولكن غيره أيضا ممن نعرفهم من بينهم الشاذلي القليبي وبن ضياء وحتى المزالي وعلى تنوع توجهاتهم الفكرية البرجوازية التقليدية لكنها تتميز بأخلاقيات المحارب في غالب الأحيان كما وجب أن نذكّر بأن الساحة العلمية والثقافية الوطنيّة في حينه كانت من أغنى الساحات وأكثرها إشعاعا الشيء الذي دمّره من داخله قبل أن يتحوّل إلى سلاح ضده وضدّ كرسييه الحاكم بأمره. وكذلك فعل مع معارضيه منذ الستينات من دوي التوجه الاشتراكي من جماعة جمعيّة الدراسات أفاق. وبرج الرومي يخبر الناسي أو المتناسي وبعده ريجيم معتوق وغيره.
كثر من تحملوا مسؤوليات وطنية إبان حكم بورقيبة وقدّموا الأفكار وسطروا الخيارات. وعلى عادته في السطو على أفكار الآخرين (قبل أن يحيلهم إلى مهام أخرى) هي في الأصل خطط وظيفية تفرغ ما بقي من أفكارهم بدون أن يكونوا أسماء قابلة للمزاحمة لزعامته الربّانية. التي انتهت بالانتخاب لمدى الحياة.
ولم يكتفي بالسطو على الفكر و التصفية للخصوم (أمثال صالح بن يوسف على قاعدة واحدة ويتيمة وهي تدلّ على بدايات مرض بورقيبة النفسي والذي ربما كان الحافز لظهور أمراضه العضوية وكلنا نعلم أزمته العصبية الحادة التي منعت عنه النوم لمرحلة وفترة هامة ونتج عنها ما نتج من إمراض كرست عنصر الخوف لديه من المصير الذي قد يلقاه وهو الذي ككل رئيس في العالم العربي قام بما يكفي من محظورات وأخطاء جسام تكلفه الكثير من العواقب عند رحيل السلطة) .
لذلك صنع لهم محاكم عسكريّة ثم محاكم أمن الدولة وشرطة أمن الدولة (هذا الجناح الأمني الذي له الدور الرئيسي في حماية الدولة من كل المؤامرات الخارجيّة لكن بورقيبة عوّض هذا العنصر بتكريس كل طاقات وخبرات من كونتهم أموال الشعب في الخارج ليستخدموا مهاراتهم تجاه النخب وكلّ صاحب رأي ومشروع مخالف لإرادة الزعيم الشيء الذي زاد في تصحير العقل الوطني وتجهيله واستقالة الخيرين الحقيقيين من أصحاب المشاريع الوطنيّة البديلة الجادة والواعية والواقعيّة ولم يكن بورقيبة سوى الشخص المريض الذي لعب به من خلال بطانة القصر ليبق حكمهم وليس حكمه هو الذي يسيطر إلى حين وفاته لكن زرع شخص من خارج الإرادة الاستعمارية الفرنسيّة حتى ومن أيام اتفاقية الوحدة مع ليبيا أو ما يسمى ببيان جربة فكلنا يعلم أن اسم الزين أول ما جاء ذكره كان في مقررات وتشكيلة الحكم الذي اقترح لوحدة جربة بين ليبيا وتونس)
قادته إلى فكرة السيطرة على القضاء فيما بعد بترؤسه. وبعد ذلك ترؤس الجيش الذي قام بأول تحرّك فعلي ضدّه في المحاولة الانقلابية التي كانت تحمل في باطنها تحرّك سياسيا قوميّا والتي تزعّمها في الستينات لزهر الشرايطي ومجموعة من رجالات تونس وكان مصيرهم الإعدام طبعا بالنسبة للقادة والمؤبّد وغيره ممن قضوا ما قضّوه في "برج الرومي" الشهير بالأشغال الشاقة المهينة جسديا وإنسانيا.هذا المعتقل الذي أمّه في نهاية الستينات والسبعينات
ولن أتحدّث عن صاحب "تونس الشهيدة" الذي انقلب عليه بورقيبة لتأسيس الحزب الحرّ الدستوري وأقصد الثعالبي . أو إبراهيم طوبال الذي هرب إلى الجزائر ليعيش هناك بعيدا عن بطش بورقيبة ويدون كتابه "البديل الثوري".
كلّ ذلك وغيره كثير هو لا يقاس إلى جانب إعاقة صعود نجوم وطنيّة على كثرتها في زمانه وهم طليعة الاستقلال والنموذج الإصلاحي والتحديثي التونسي الذي كان مغرما به شخصيّا.ولا أتحدّث عمّا فعله باليسار الماركسي واليسار العربي على السواء من سحل ونفي وتشريد وتعذيب وحبس لسنين سمّاها رجالها بسنين الجمر وخصوصا عزلهم عن القاعدة الشعبيّة حتى أصبحوا نكرات لا ظلّ لهم على أرضهم سوى قلّة ممن لحقهم مس جنون السياسة لقرابة دمويّة أو نقابيّة أو جامعيّة.ومنها محاكمة "بن جنّات" التي انتهت بالحكم عليه بعشرين سنة أشغال شاقة سنة1967.و بعدها بسنة1968 محاكمات 83 من أبناء اليسار بين طلبة وشغّالين ومثقّفين. ومحاكمات العامل التونسي سنة 1975 وقبلها انقلاب قربة(أي الانقلاب الحاصل على المنظمة الطلابيّة التونسيّة "الإتحاد العام لطلبة تونس"والذي أشرف على الجوسسة على أشغاله وكل تفاصيل اجتماعاته حتى الجانبيّة عبر أجهزة تنصّت زرعت في كلّ ركن يؤمّه المؤتمرون. وتوجيه الطلبة "الدساترة"نسبة للحزب الاشتراكي الدستوري (حزب بورقيبة) بورقيبة شخصيا وما تلا ذلك من إيقافات ومحاكمات وهذا غيض من فيض يبيّن أسلوب بورقيبة في العمل السياسي الأمني وما تأسيس ثمّ توجيه مؤسسة أمن الدولة والتي تمثّل استخبارات الدولة التي في الأصل تراقب أمن الدولة من المؤامرات الخارجيّة نحو أمن بورقيبة من الفكر الحرّ ومن التوجهات السياسيّة المخالفة له خصوصا بعد حضر نشاط الحزب الشيوعي التونسي 1963.
وبعد فترة من المدّ والجزر أهدى تونس.وذلك بعد مشورة خارجيّة.الجناح الوهابي المتأسلم من الإخوان المسلمين.ليكونوا سلاحه ضدّ المد اليساري والشيوعي على الميدان.فصار يضرب هذا بذاك والمنتصر يكون ضيف شرف السجون والمنافي.لكن وبعد تعلّم آليات التنظيم من خلال التجربة اليسارية والشيوعيّة تطوّر فعل وردّة فعل الإخوان وقبلوا ما رفضه تنظيم أفاق في نهاية الستينات من فكرة الاندساس داخل الحزب الحاكم وتوجيهه من الداخل وكان هذا الرأي تقدّم به ساعاتها أحد القيادات التروتسكيّة (وعلى رأسهم جلبار النقّاش وعزالدين مبارك وصلاح الدين العمامي) التي رأت في هشاشة الحزب الحاكم وضعفه النظري والفكري المعدوم أصلا مدخلا.وأرضيّة يمكن أن تستغلّ لكسب القاعدة من داخله. وعلى قاعدة ما آل أليه الاقتصاد التونسي ساعتها من انتكاسة وتراجع خطير أدى إلى تراجع قيمة الدينار التونسي سنة 1964 التي ساهمت فيها اعتماد البلاد على المساعدات الخارجيّة والاعتماد على القروض والمساعدات الأمريكيّة وتلاها فشل سياسة التعاضد.
ولا يفوتنا التذكير بالخميس الأسود 26جانفي وانتفاضة الخبز والتي تثبت النجاح السلطوي البورقيبي المعتمد على عصى الأمن لضرب الشعب الغاضب على تمشيه وخياراته العشوائيّة السياسية والاقتصاديّة التي هي في الأصل حلول يدّعي أنها إصلاحية والحال أنها ترقيعيّة في أفضل الحالات.
ومن هذا المنطلق كان للزين بن علي أرضيّة مهيأة وكاملة لقيادة البلاد بذات النفس الدكتاتوري البورقيبي.بما أنّ البلاد كلّها كانت معسكرا جاهز للتسيير من قبل أيّ دكتاتور تربّا جيّدا في بلاط الدكتاتور الأكبر وخبر مؤامراته على كلّ الخصوم حتى الافتراضيين منهم.
وهذا ما أثّر شديد الأثر على تفاعلات الساحة السياسية بعد "انتفاضة" 14جانفي. وجعل منها مرتعا للدخلاء. من ناحية والمزروعين من أدوات الاستخبارات العالميّة. وغير ذلك من أمراض كان سببها ممارسات بورقيبة كما بيننا.من خلال بعض النماذج. ومن بعده تلميذه النجيب بن علي.لذلك هو امتص جملة أفكارهم وآرائهم كما أسلفنا. ومن ثمّة عزلهم أو ومحاكمتهم والحكم عليهم بالغياب القاتل وهذا بالنسبة لمن هم وطنيون. أمّا من باع ضميره وذمته. فهو السلاح الذي يسلّه الدكتاتور ليحز به رقاب طليعة الشعب. والشعب ذاته. إن لم يستسلم للأمر الواقع.ويرضخ لإرادته طواعية.
حتى أن دوائر القرار ألمخابراتي لم تجد خلفا لبورقيبة سوى بن علي بمستواه التعليمي. وما هو عليه من تكوين أكاديمي وسياسي وغيره من مستلزمات القيادة.رغم كثرة المرشّحين للخلافة أيامها لكن تغيير المستعمر المباشر وخططه تقتضي وجود من لا علاقة لهم بفرنسا وتاريخها.
لذلك كان بن علي تلميذا متمكّنا من الأسلوب البورقيبي في امتصاص عصارة الرجال ثمّ وفي أفضل الحالات عزلهم عن الساحة السياسية والوطنيّة بشكل قاتل حتى لا يبرز مزاحما له يخلفه على سدّة الحكم وبالتالي يكون الرئيس مدى الحياة وهو في ذلك (أحسن خلف لأحسن سلف). وهو أيضا الخبير المخبر الذي فرضته الإرادة الأمريكية على فرنسا التي لم تعترف به إلاّ بعد ضمانات أمريكيّة كلفته الانتظار لمدة تزيد عن عشرة أيام من تاريخ انقلابه حتى تعترف به فرنسا مكرهة كرئيس لتونس.
ونكتفي وإن لم نكتفي لضيق المجال في حصر الضحايا الذين نسيهم التاريخ حتى الآن على الأقل من أبناء تونس الحقيقيين الذين غدر بهم بورقيبة فقط ليبقى على كرسيّه. كما لن أتحدّث عن حصار المعرفة وقمع حرّية الرأي المخالف لرأي الزعيم صاحب توجيهات السيد الرئيس اليوميّة. وقمعه للأحزاب التي كانت سابقة لوجوده كالحزب الشيوعي والأحزاب القوميّة التي دخلت إلى مرحلة السرّية مثل غيرها من الأحزاب اليسارية الأخرى وعلى رأسها تنظيم "أفاق" الذي قاسى منتسبوه وحتى المتعاطفين معه السجون والعذاب اليوميّ حتى "انقلاب قربة"1972 على المنظمة الطلابية الإتحاد العام لطلبة تونس وبعدها كانت محاكمات العامل التونسي 1975 ومن ذلك التاريخ تفطن بورقيبة إلى وجوب قتل الزعامات البديلة.
وتفري
وتفريغ الساحة من مشاريع خلفاء له في تونس وحتى من حزبه الذي أصبح متغلغلا في كلّ نواحي الحياة الإدارية والجمعياتيّه والأمنيّة وكل النواحي الشعبيّة إلى درجة أن اسمه الذي كان جزءا من النشيد الرسمي للبلاد "بروح الحبيب زعيم الوطن" تأشيرة عبور إما للعالي أو للسجن بقدر ما تشحن هذا الاسم من شحنة سلبية أو إيجابية . وكان لكل جانفي بعد رمزيّ للعمل الثوري وكلنا يتذكّر 26و4من جانفي "الأسودين" وغيرهما من تواريخ هذا الشهر الثوريّ التي قادته إلى محاولة كسر شوكة الرمز الثوريّ للشعب وهو الإتحاد العام للشغل وفي كلّ مرّة يفشل فشلا ذريعا . وهنا أذكّر بمحاولة إنشاء ما سمّي إتحاد الشرفاء "الدساترة" وعلى رأسهم "عبيد" محاولة منه لبث الانشقاق ولكنّه إنهزم أيضا في تكريسه وتركيزه كعنصر موازي للاتحاد العام التونسي للشغل التاريخي .
وبعد وصول الفكر الوصولي لتونس ضربا لليسار المتفاقم في التمدد على الساحة وبمباركة فرنسية أمريكية ودعم سعوديّ في البداية. وبعد نجاح الفكرة إثر تناحر أبناء الوطن كل في سبيل فكره الذي يتبنّاه حتى بلغت الحالة حدّ العنف وإضعاف اليسار بالتشجيع على الانقسام ودس العناصر التي دفعت نحو شرذمة اليسار. بقي اليمين طليقا حدّ ما اعتبره "الدساترة" تطاولا على الشرعية التاريخية للحزب الاشتراكي الدستوري في الانتخابات التي قارب الإخوان المتأسلمون الفوز فيها بأغلبية مبرمجة سلفا (ولا أنزههم لدورهم الكبير ساعتها في تمديد قبضة الحاكم وحتى من خالوه خلفا له) وبذلك فضحت قيمة ما تبق من الحزب الحاكم على الساحة السياسية وخصوصا بعد نفي القيادات التاريخية لليسار التونسي
واكتفاء القوميين بالعمل داخل صلب الحزب الحاكم كحل لاختراقه من الداخل وتعلّم عنهم الإسلاميين الذين بعد شنّ الحرب عليهم توخوا نفس المنهاج وتستّروا برداء الحزب الدستوري(ثم التجمّع) حتى كان الوهن والكبر والعجز المقرون بمرض العظمة الذي وفّر للاعبين المعتمدين على الداعم الفرنسي الجو الملائم لكن حساباتهم خاطئة هذه المرّة لأنّ المد الأمريكي كان هو الحاكم في العالم لذلك لم تنجح محاولة المزالي ولا الصياح ولا غيرهما. بالفوز بالسلطة بينما وفّرت ليلى الطرابلسي لبن علي، مقرّ الاجتماع بالمخابرات الأمريكية التي دربته لزمن طويل بعد تلقيه دروس عسكرية مخابرتيه في أمريكا بعد سنسير في فرنسا وبعد عمله في هذا المجال لمدّة طويلة طول مدّة نضال الشباب وأطياف من الشعب ضد بورقيبة والبورقيبية. لزمن طويل وعسير ومؤلم لمن لا يعلم عن صنوف التعذيب والقتل المنظّم على يد البوليس السياسي وكل أنواع البوليس والميليشيات "كميليشيا الصياح" وغيره . وكان وقتها (زين العابدين) الذراع البوليسي الضارب الذي يقتل الشعب ببرودة كانت طريقه نحو الانقلاب وما كان منه مما كشف ما ستره بحجاب الطاغوت ومما ستكشفه الأيام القادمة. فكفّوا يا "أطفال بورقيبة" عن تنزيه ما لن ينزّه واليكن ذكرنا له بطلب الرحمة فقط . وليعلم الجميع أن بورقيبة لم يكن وحده قادرا على فعل كلّ المآسي بل بمعيّة ومباركة "أطفاله" الذين يطلّ علينا اليوم البعض منهم ليذكرونا بوجودهم بيننا حتى الآن وأنهم لم يحاسبوا بعد على ما اقترفوه في حقّ الشعب قبل ثورة الخبز وبعد وقبلها. فكونوا جريئين واصمتوا ففي الصمت جرأة عند المذنب التائب.
ومن جملة العناصر التي قام بورقيبة ومعاونوه بإفسادها وتكريس تبعيتنا للمستعمر من خلالها والتي استثمر هذه الأخطاء الكبيرة زين العرب لقتل الشعب. عناصر نوردها كأمثلة على الانحراف السياسي و الأهم هو الاقتصادي. عن شعارات الوطنيّة. وبيع تونس جملة وتفصيلا للمستعمر الإمبريالي الصهيوني. وها نحن نورد على التوالي بعض ما جادت به قرائح البورقيبيين وما تبناه من إنجازات(كما يسمونها)والتي أسهمت إسهاما كبيرا في ما هو عليه حال تونس اليوم.شأو أم أبو أيتام (ما يسمى البورقيبيّة التي يلخّصها صاحبها بسياسة المراحل.وهذه المراحل هي سبب من جملة أسباب انهيار تونس اليوم).وأنطلق من أهم عنصر وأكثره حساسية الفلاحة:
ومن أهم العناصر التي قام بورقيبة ومن بعد خلفه بتدميرها بشكل هستيريّ. "الفلاحة" الذي كان يكوّن أول ما يقوم عليه اقتصاد تونس(مطمور الرومان) هذا الميدان الذي دمّر حتى يكون سهلا ابتلاعه من طرف خاصتهم على أنه مريض ويجب أن يخوصص. رغم أنه كان المزاحم الذي يخلق توازنا في قفّة المواطن.هي أراضي الدولة(أي أراضي الشعب الفلاحية التي استعادتها الدولة من المعمّرين المستعمرين)وكما دمّر الفلاّحين الصغار وكبّلهم في قروض ما فتأت تزداد وطئتها ووطأة نسب فائدتها و من خلال إعادة جدولتها لأن الفلاح الصغير عاجز عن الدفع في ظلّ معطيات وتبعات عالميّة خصّنا بها هذا الزمن المبني على القوّة فالدول المصنّعة هي من ثقب طبقة الأوزون ليتغيّر كلّ ما بنته الطبيعة في جزءها الكليماتولوجي العام والذي كانت تتأسس عليه خارطة الفلاحة خصوصا عند صغار الفلاحين مقابل توصل نفوذهم من خلال بيع ما أهدوه في البداية من أسمدة ومواد أساسيّة للفلاحة وبأثمان بدأ يعجز الفلاح الصغير عن سدادها مما اضطره للاقتراض والتدين بلوغا مرحلة بيعه للأرض والخروج منها نحو العاصمة. وهي أمل الحالمين بلقمة عيش كريمة عبر النزوح أو الهجرة. ولكن في أفضل الأحوال سيجد نفسه في فقر وجوع وتشرّد هو وعائلته ويكون قوت يومه مصدر تجارة رابحة للدكتاتور. و الدكتاتوريّة هي التي قامت أولا بأهم أدوارها وهو تحطيم البنية القاعدية لشبه الاستقلال ألفلاحي الذي كان يمثّل أهم مصادر للغذاء بنسبته العالية جدا في تغطية الساحة الوطنيّة وهي أيضا مصدرا من أهم مصادر العملة الصعبة التي كانت تدرّ خيرا على الوطن عموما.
-الاستعمار ألفلاحي وتحطيم البنية الجسديّة للآلة الوطنيّة. الكنز والثروة.(الشعب الكادح):
لا ننكر ما للعلوم من فوائد على حياة الإنسان عموما وما لها من تطويرات مسّت أهم نواح ومفاصل وحتى تفاصيل يومه. وعلى رأسها الطب وغيره مما أكسب الإنسان قدرة على العيش أطول زمن ممكن مقارنة بما كان عليه الإنسان قبلها.لكن ما تفطّننا إليه أن ما يصلنا منه ليس سوى ذرّة في بحر وبالتالي هو متجاوز الصلاحية وفيه من النقائص ما أضر بنواحي أخرى.وندفع ثمنها غاليا. ولعصر الصراع بين القطبين(أعني الرأسمالي الأمريكي والأوروبي الغربي والاشتراكي في صورته التي تجسّدت في الاتحاد السوفيتي رغم الانزياح والانحرافات النظريّة ) والمزاحمة في إقناع محيطاتها بقربها واهتمامها به وبصحّته لما بلغنا ما بلغنا.ولن أتحدث عن ماضي هو مضى من أيام أنتجنا فيها المادة الأولية للعلم أيام كانوا في عصر الظلمات ولم نكن حسبما بلغني من التاريخ نبخل عليهم بجديده رغم الاختلافات الدينيّة التي كانت تمييز حتى العرقي.لكن وبعد تفوّقهم وفي زمن قياسي نتيجة اهتمامهم الكبير بالعلم ومنتجاته واهتمامنا نحن بالمقابل بترهات وهرطقيات مغلّفة بالدين من أجل اعتلاء الكراسي وصراعات العائلات المتهافتة على الحكم بأي شكل وتحت أي ذريعة وعلى حساب دم الشعب المفقّر الكادح. وبعد أن اكتشفت الرأسماليّة الجدوى من تصنيع وتسليع العلم في كلّ مجلاته (حتى أننا نعيش عصر صناعة وتجارة الأدوية)وغيرها من ضروريات ديمومة الآلة التي هي جسد الكادح أطول فترة من الزمن ممكنة وليستثمر جهده وعرقه أطول فترة ممكنة(خصوصا بعد تراجع نسب الولادات مقارنة بالوافيات خصوصا في محيطات جغرافيّة حاسمة وأعني أوروبا وأمريكا خصوصا).
ومن أهم العناصر الحيويّة لديمومة الآلة(الجسم الإنساني الكادح)هي التغذية وأساسها الفلاحة.هذا الميدان الذي كان يميّز تونس حتى نعتت(بالخضراء)ولم يكن الناس وقتها لا يعرفون لاأمونيتر ولا أزوت ولا غيره بل سماد و فلاحة بعليّة وأخرى سقويّة. وكان من تحوّلات البلاد أن أدخلت على الفلاحة برامج قتلت الأساس الطبيعي الصحّي لمنتجنا وقتلت استقلالية الفلاّح الذي حتى وقت متأخر كان يرمز به للثراء والبساطة. وبعد أن كان الفلاح لا يشتكي سوى من الأثر الطبيعي(الأمطار والمياه عموما)وكانت بذرته تنتج من ذات غلّته.أدخل عليه المواد الكيميائيّة مبشريه بزيادة الإنتاج وبالبذر الهجينة الوافدة من مخابر الغرب والتي أصبحنا لا يمكن أن تكون لدينا فلاحة ولا محاصيل بدون أن نشتريها من المصدر أو من المصانع التي ركّزت على عين المكان والتي نشتري في كلّ الحالات موادها الأوليّة.هذه الوفرة في الإنتاج المأمولة ظنّوا أنها ستزيد في تصدير موادنا الفلاحة والحال أنّنا نسينا أنّ صاحب الشأن هو من يملك أيضا أراضي وفلاحة ولولا شكّه الكبير في صلاحية مواده الكيميائيّة ومخابر التهجين العلميّة لما كان يشتري منّا فلاحتنا الطبيعيّة(التي مؤخّرا عادوا بعد أن عدّلوا في برامجهم إلى المنتج الطبيعي ويوفّرونه على قلّته إلى الخاص القادر على شراءه)وفي لفتة بسيطة بخصوص المواد الفلاحيّة التي يشتروها منّا سنجد على رأس القائمة وفي ذيلها موادنا التي بقيت على طبيعتها(زيت الزيتون القوارص الغلال).أمّا الباقي فهو يروّج في السوق الداخليّة بما يحتويه من أمراض وتأثيرات باتت كارثيّة على صحّة الإنسان وحتى تواصل سلالته فالتغذية السويّة هي أحد العوامل الرئيسيّة في إنتاج السلالة.ففي زمن قصير تراجع مستوى الإنجاب إلى حدود قالوا لنا أنها معقولة والحال أنّ الآلة(الجسم الكادح)لا يقوى على المزيد لما يحتويه من نقص في مواد رئيسيّة نتيجة التغذية وعوامل أخرى كالضغط النفسي الناتج عن ضعف البنية الجسديّة عن تحمّل الضغط العالي لدكتاتورياتنا.وليس هذا وحسب وإنما ولغياب هذا المعطى ألفلاحي المهم نتجت أمراض ومنها المزمنة التي لم نكن نسمع بها في السابق إلاّ حين تصلنا أخبار العالم.زد على ذلك ما يحرمونا منه من وسائل وأدوية استنبطوها حلولا لهذه المشاكل والأمراض في بلدانهم(وإن وصل فهو متأخّر عن
ظهور العلل)ويبيعوننا إياه بأسعار تترجم على أرض واقعنا بما برز من تجارة الدواء(أو تقسيمه إلى ضروريّ ويكون شبه في المتناول(المدعوم) وغيره تجاريّ ويباع حسب السوق)مع قلّة موارد البلاد التي تعجز من خلال عوامل عدّة عن التفاعل والمستحدثات الطبيّة الجديدة الابتكار والضروريّة للنسب المرتفعة من المرضى. نكون قد خلقنا بمسارنا هذا مجتمعا وشعبا أسير آلة لا تتم إدامتها بغير الأدوية.زد على ذلك أن هذا المشروع هو أساس تورّط الفلاح الذي وجد نفسه بين حلّين إمّا الاقتراض من البنوك ليواصل وجوده في ملكه أو بيعه والنزوح إلى ما يتخيّلها الجنّة.تلك التي كان ينزل إليها عند كلّ بيع )لصابة( ليترفّه ففضائه لا يحتوي على ما يمكن أن يؤسس له حياة متكاملة بين العمل والترفيه ومع ما ندّعيه منذ زمن بورقيبة من لا مركزيّة الإدارة نجد الحالة أن بلا عاصمة لا وجود لاستمرارية العمل الفعلي للإدارة في النسبة الأعظم من خدماتها. والرابح الأكبر هو من كان مدعوما من جهة ما ليواصل عمله وشراء ما يبيعه غيره(حتى أن مافيا الحكم أصبحوا يفقهون في الفلاحة ويفتكون الأراضي ويشترونها ببخس الأثمان.والفقراء الكادحين هم حطب نار تلك الأرض وعمّالها الذين زاد فقرهم فقرا حين حوصرت قراهم وأريافهم حتى لا يعرف القاصي والداني من خلف فقرهم ونزوح العدد الأكبر منهم إلى عاصمة لم يكن يمتدّ شعاعها إلى أكثر من 30كلم وأصبح الآن يبعد عن60كلم بقليل ومازال التمدّد متواصلا فالفقر لا ينتج سوى فقرا مزمنا. وحين يدمن الناس الفقر تكون النتيجة نار موقدة في صدور تمّ توجيهها بطرق شتّى تهيأت أخيرا لتكون ثورة. ولكن هل تنجح في تأسيس ما يرغبه هؤلاء من مستقبل حرّ كريم مستقلّ وفاعل وسط الضغوط ومؤامرات المستعمر؟ثمّ كان دور التعليم كسلاح من أسلحة الشعوب المستعمرة للتنوير والتطوير والتقدّم.ولأنّ الحركة التعليميّة نجحت في تونس بفضل تعطّش أبناء الشعب للعلم واحتداد صراع القوّتين من خلال عوامل الوعي عند فريق والتبعيّة الفكريّة عند الآخر.مما فتح المجال لظهور طاقات وطنيّة هي كانت مفخرة بارزنا بها الأمم وأسسنا من خلالها ما هو اليوم سلاحنا الوحيد تجاه التآمر رغم قوّة الصراع وكان هذا العقاب السريع مدمّرا للخلف وإليكم وسائله ونتائجه:
*العقاب الصهيوني الإمبريالي للشعب التونسي بعصي التربية و التعليم ...
إنّ عمليّة التجهيل المتعمّد ، وتكريس التخلّف العلمي قي تونس ، انطلقت منذ زمن وقبل حتى رفع شعار مدرسة الغدّ من خلال الحثّ نحو خوصصتها بدوافع عدم الجدوى والجودة فيها كنظام تعليمي مجاني ضمنه الدستور لكلّ أبناء الوطن على حدّ السواء وتوجيهها نحو غايات تسرّع من تدهور حالتها إلى درجة يمكن أن نطلق عليها مدارس محو الأمية في أفضل الحالات . من خلال منح القدرة لرئس المال لفتح والاستثمار في ميدان التعليم من جهة وتحطيم القدرة والذكاء والمناهج والبرامج التعليميّة في المدارس العمومية بتعلله التطوير و مسايرة العصر حسب ما هو موجود في الغرب وكأنّ النموذج الغربي هو بالضرورة قدوة لابدّ أن نقتدي بها . بدون دراسة سوسيولوجيا ونفسية بسيكولوجيّة لقدرات الطفل والشاب التونسي وما يصلح لتطوّره معرفيّا وبيداغوجيّا تختصّ في وضع البرامج المناسبة لقدرة الذكاء والعقليّة للتونسي شابا وطفلا على حدّ السواء ومدى تأثير البرنامج على قدراته الإدراكيّة من ناحية والإبداعيّة الخلاّقة المستنبطة من ناحية أخرى .لذلك أفرغ البرنامج من محتواه وبقي جملة عناوين شحّت منابعها بقصد تضليل الرأي العام الداخلي والمنظّمات الدولية التي تسهر على مستوى التعلّم في العالم كمنظمة اليونسكو والألكسو وغيرهما حتى وصلت بنا الحال في السنة الماضية وفي قائمة 500 جامعة الأولى في العالم لا نجد ولا حتى جامعة على كثرتها في تونس مثبتة ضمنهم وموجودة كدليل على وجودنا كمتعلّمين ووجود منارة علميّة تهب المعرفة للمتعلّمين و لا أقول مبدعين ومبتكرين وحتى على سبيل التعاضد والدعم السياسي بين المستعمر والمستعمر لم نطال حتى المراتب الأخيرة لنكون أضحوكة مثاليّة وأمثولة لمجتمع المعرفة . وهذا الغياب كان مصدره الأول والأساس ما مرّ على التعليم التونسي من مصائب جمّة منذ زمن اعتلاء الصهيونيّة والإمبريالية العالميّة سدّة الحكم في تونس من خلال موظّفها الألمعيّ المتعلّم والمثقّف والعارف "إلى درجة لا يطاولها إدراك المعارضين من أمثالي". زين العرب ومهّد للأمر من قبله رغم ما كان من أمر وموقع الجامعة التونسيّة على قلّة فظاءاتها في زمن المسعدي . فالقرارات التي اتخذت منذ زمن تولّي زين العرب الحكم كانت تحطيميّة للقدرة التي أثبتتها المدرسة التونسية في إنشاء أجيال متعلّمة ومثقّفة ومبدعة رغم توسطها(أي تعتمد على وسطيّة القدرات والمهارات والمعلومات التي تكسبها لعموم المتعلمين وهذه الوسطيّة هي الممهدة للاختصاص في مراحل متقدمة بحيث تتيح للمتعلم حرّية الاختيار في سنّ معقولة تتميز بالوعي وبذلك تضمن الحدّ الأدنى من النجاح بما يكفي للبروز كقدرة) في قدرة الذكاء والإبداع لغياب الوسائل كالمخابر والدعم المالي الكافي.على وجهه العام في غالبيّة زمن التمدرس وما بعد نتيجة عدم ثقة رأس المال في القدرة الإبداعيّة المحلّية وهذا ما كرّسته دوائر مشبوهة منها محلّية.
وحتى لا يكون الحديث بلا دلائل أنطلق من الأساس أو ما سمي تضليلا المدرسة الأساسيّة: أو وبصراحة . قتل المخيّلة من مهدها "الطفل" حتى يكون مؤهّلا للتلاعب بشخصيّته وذاته وكينونته وحتى وطنيّته . ويكون التابع الطيّع والمستهلك المثالي لكلّ ما تنتجه دوائر الصهيونيّة العالميّة والغرب التابع للإمبريالية
إنّ التلميذ في الابتدائي . وأيضا في الإعدادي والثانوي (مع عدم إغفال تطور العقل المتعلّم والمتمدرس). كان وعلى مدى عقود يتعلّم كيفيّة إعمال العقل والخيال معا ويزاوج بين التعلّم وابتكار الذات الفاعلة في التعلم ذاته وبالتالي شخصيته الاجتماعية . من خلال استنباط الحلول للمسائل المطروحة عليه سواء في الخوارزميات الحساب ثم التجريد في الرياضيات أو اللغة أو القواعد اللغويّة أو العلوم الإنسانيّة كالتاريخ والجغرافية وفنون كالرسم ثم الموسيقى والمسرح . على بساطة وتدرّج ما يتعلم بحكم السنّ والقدرة النفسية والعقليّة. وكان المعلّم ومن بعده الأستاذ . يزاوج بين المحسوس والملموس في طرقه التعليميّة مثلا الأعواد والأقراص في الحساب ثم مخابر العلوم. الإلقاء على بدائيته المسرحيّة في المحفوظ من اللغة والصلصال في التشكيل الذي يتحوّل في ما بعد للفنون الإنسانيّة المهذّبة للشخصيّة.. وبما يسمح من اللعب الموجّه زمن التعلم الهادف والداعم للعملية التعليمية حيث تربط المتعلّم بالدرس عفويا وتفاعليّا ويقحم التلميذ في جدليّة تكبر وتقنن وتوظّف مع تقدّم السنّ والقدرة الإدراكيّة التفاعليّة وكم المعلومات التي خزّنها زمن التمدرس . وبتوفّر المعلومة وتكوّن الشخصيّة يدعم التنوع وتبعد النمطيّة المملة وكانت الحصّة التعليميّة أو ما يسمى زمن التمدرس ساعتين صباحا وساعتين بعد الظهيرة وفي المرحلتين الثانويّة حصص متباعدة ومتجانسة بيداغوجيّا ونفسيّا وعقليّا . وكانت كافية لخلق جيل يتحمّل مسؤوليّة البلاد الآن ويتحكم في أسس ثروتها وثورتها . لكن ماذا حدث لتنقلب أحوال المدرسة التونسية إلى مدرسة محو للأميّة .
كلّ الذي أتينا على سرده محي بجرّة قلم مغرض حاسد وحاقد وهدّام استعماري صهيوني وإمبريالي المؤسس. مقابل إيهام المستثمر بلغة المستعمر. (الوليّ العاجز عن فرض إرادته) بوجوب تكديس العلم الحديث وما حديثه الذي لا قديم له؟ . كأنّ العلم يقتصر على حديث يلغى قديمه لمسايرة الزمن قيل . (والحداثة) الكلمة التي مجّت من كثرة ركوبه مطيّة لتحطيم ما رأوه فيه معيق لربط هذا التونسي العنيد برأسمالهم ليكون ذلك التابع الذليل المستهلك بشراهة ونهم البلهاء (على وجميع الأصعدة). وهذا الربط يتمثّل في القروض المشروطة ومن شروطها "تحديث المدرسة والتعلّم لمواكبة العصر قيل" وهنا أتساءل هل تحديث المدرسة التونسية يفرضه قرض من صندوق النقد الدولي أم أنه حاجة تفرضها التطورات ومسايرة العصر ؟ وهل مدرستنا كانت معاقة من حيث عدم مسايرتها للعصر إلى درجة أن اقتصاديي صندوق النقد الدولي أي رأسمال متحرّك ومأمور من طرف المساهمين والقائمين عليه (أمريكا وجنودها الغربيين والصهيونية على رأس القائمة) لتوفير ما يرونه صالح لاسترجاع أموالهم من خلال اقتصاد تابع إلا ما لا نهاية وحدود تاريخية .و يوفّر لهم حتى الولاء المشبوه في الظروف المريبة كالحرب على غزّة التي قمعنا في الوقوف مع الواقفين سندا لإخواننا ورفاقنا هناك حتى وان اختلفنا معهم في الرأي . وهذا ما حصل في تونس . ومن أوجهه تدمير المعرفة والثقافة و التعليم .
فرغم الطاقة المحدودة والمحددة للطفل عموما والتونسي خصوصا بحكم نشأته في محيط شبه متكامل ومحافظ في البدء أي 1987 . كان أن كدّست له المواد حتى غدا حمّال أسفارا و أصفارا يحفظ ما يقدّم له ببلاهة لا توصف وبغير فهم لما تعلّم وكدّس من كم كتب وكراريس فلا تبيت في عقله معلومة اثر إفراغها على ورقة الامتحان وذلك في أفضل الحالات حفظا . وحتى أن جسده أصبح ينحني كلّ بداية موسم دراسي بما يكفي لينقلب إلى وجهه من ثقل الحقيبة المكدّس فيها العلم الذي لا علم له وفيه. وكم توالت عليه التجارب المنهجية قيل وأثقل بفروض لا دخل لها في تعلمه حتى أصبح فأر مخابر لا طائل من وراء ما يتعلّمه سوى التذبذب والهشاشة وتصل حدود البلاهة وفقدان أسس الشخصيّة الاجتماعية وغياب التركيز رغم محاولات الحشو التي أصبح يقوم بها بعض المدرّسين الذين بقي لديهم بعض ضمير مهني . فلا هو متعلّم حسب الإفهام والشموليّة القديم ولا هو من الحفظة الجدد. ولا حتى مراوحا بينهما كما كنّا من قبل. والمصيبة أنه يحرز على الامتياز نتيجة ما دفعه الوليّ خصوصا حصص ما سمي تدارك كأنّ الحصّة التي هي زمن التمدرس الحقيق لا تكفي لنظيف عليها ومن زمن راحة مفترضة للعقل حتى يشحن بالراحة اللازمة ليمتلئ في الغد بشراهة المتعلّم للمعلومة . التي لم تعد متوفّرة لنشاهد مظاهر الهروب المتعمّد من المدرسة وحتى الهرب في المدرسة من خلال حالات الشرود الذهني زمن التعلّم. والوليّ يدفع للجمعية التنموية ولحصص التدارك وللورق الذي يطبع عليه الدرس عدى الأدوات واللباس والأكل وغيره. فحتى بلغة رأس المال، الاستثمار في العقول والغد. فهي سلعة خاسرة في هذا الاتجاه ففي عمليّة حسابيّة بسيطة في أول كلّ شهر ولا أقول كلّ مستهلّ سنة دراسية كم يدفع الولي في استثماره هذا وما هو المردود الذي يعود عليه بالنفع فعلى الأقل قبل كنّا نفتخر حين نردد للجيران والأهل بأن أبنائنا نجحوا وهم الآن بالجامعة وسيكون لهم مستقبل والآن والجامعة أصبحت معهد في أفضل الحالات و في متناول حتى العديم المدارك العقليّة .إذ بحساب بسيط يكفي أن نبلغ المعدّل 50،7 من 10 وبإضافة ال25 بالمائة ينجح ويمرّ إلى الجامعة هذه التي كنت امتحانات ولوجها من قبيل المناظرة الوطنيّة التي تغربل الطاقات الوافدة عليها بما يضمن جودتها وجودة خرّيجيها. بقسوة العلم والعمل لا بالتساهل المفرط حتى غدت كما أسلفت الحديث عن تأخّرها إلى درجة مخجلة تذكّرنا ببعض الأقطار العربيّة التي طغى فيها الحزبي على العلمي أو هي حاولت المزج بينهما وهناك من نجح ومن اكتفى بالدرجة الدنيا التي حوّلته إلى مجرّد موظّف في أحسن حالاته. وقبل سنين خلت قريبة. وعلى قلّتها(أي الجامعات)كنّا المثال للأمّة. وللعالم الثالث كلّه في الإنتاج العقل العلمي والفكر النيّر والمتعلم .والمثقف والواعي معا.إذ أنّ جامعاتنا كانت مختبرا ومحكّا ثقافيّا وسياسيا أيديولوجيا ولازالت على قلّة الو رثاء رغم الحصار الذي كان قاتلا ومدمّرا لتجفيف هذا المنبع الخطير على الأنظمة الدكتاتوريّة.
ما الضير أن أبقينا على مدرستنا كما كانت وحدّثنا مخابرنا بما أنتجه العقل البشري من علوم معاصرة . وعصرننا بها مدارسنا ولم نضيف إليها مصيبة أخرى حين تلاعبنا بشريحة كانت تمدّ الوطن بالخبرات الصناعيّة والعلميّة من كوادر وسطى ويد عاملة متعلّمة ومتكونة علميا وتقنيا من خلال نظام التعليم المهني والتقني وكوادر عليا من خلال مؤسسة والمدرسة القوميّة للإدارة وحين يشح العدد نستنجد بالخبرات من ميادينها العلميّة. وكان في تعلّمهم ليس الجانب الصناعي والعلمي فقط وإنما حتى الجانب الأدبي والثقافي الذي يجعل منهم موطنا واعيا ومسئولا وعوض فتح الأفاق أمامهم بتمكينهم من فرصة التقّدم أكثر في التعلّم بفتح حلقات جديدة معاصرة من العلوم الحديثة واعتماد مناظرة وطنيّة مفتوحة للجميع عوض الانتخاب بالمعدّل لاجتياز هذه المناظرة . تركناهم للتلاعب الرأسمالي من خلال الاستثمار الخاص أي مدارس الخاصة. وقلّة ممن رحمهم الربّ فدخلوا مدارس المهن التي تارة تكون تحت إشراف وزارة التربية وأخرى تحت إشراف وزارة التشغيل ولست أدري تحت أي وزارة سيكون حالهم بعد زمن من الاستثمار. وان كان حديثنا عن المرحلة الإعداديّة والثانويّة هو ذات النهج قديما الذي مرّ علينا في الابتدائي مع تعميق المحتوى لكن المنهج الأساس الذي ينبني على الشموليّة والأخذ من كلّ شيء بطرف حتى نبلغ مرحلة الاختصاص (التوجيه) وهنا تكرس مفهوم التخصص مع عدم إغفال ما يدعم من علوم مجانبة للاختصاص التي وجب توفّرها في المنهاج العام وهذه المرحلة هي الثانويّة والتي تهيؤ التلميذ لمناظرة دخول مرحلة الجامعة . والتي أصبح التلميذ فيها لا يركّز سوى على ما يمكن إن ينقذه من خلال ال25 بالمائة التي أصبحت محلّ اعتماد وليس إنقاذ لمن خانته قواه يوم الامتحان .
وتنطلق هذه المعطيات من تعلّم الاتكال والاستكانة لما ينقذ الموقف منذ الإعدادي المرحلة التي يدخلها الطفل وهو على بيّنة أنه في كلّ الحالات لن يطرد قبل سنّ مقررة وأن له حقوق تتمثّل في عدم معاقبته بما يمسّ من شخصيته .(وهذه كلمة حقّ أريد بها باطل) فعن أي إهانة نتحدّث ؟ هل الأستاذ قديما كان يهين التلميذ حين يعاقبه ألم يكن آبائنا يقولون العصي خرجت من الجنّة وكانوا حين يشتكي المعلم لأبونا نأكل ما كتب حتى أننا في بعض الأحيان نخيّر عقاب الأستاذ لأنه أرحم في كل الحالات وبعد مرور زمن ألم يكن ذلك العقاب هو الذي أبقى المعلومة في أذهاننا حتى أننا في جلسات جانبية نفتخر بأننا عوقبنا ومن فوائد معاقبتنا أن المعلومة راسخة في أذهاننا حتى الكبر وحتى الممات . ولكن لأن أبناء علية القوم لا يجب أن تمس أمام العوام خرج علينا من يمنع العقاب الذي كان على قسوته أحيانا دافعا للنجاح برسوخ المعلومة. والحال أن حقوق الطفل والشباب مصونة ومضمونة فحقّهم الأول والأخير في الحياة هو التمدرس والتعلّم المجاني الذي تمنحه المجموعة الوطنيّة كلّها وليس لرأس المال فيه أي دخل بمفهوم استثمار وعن أي استثمار نتحدث في غياب الاستثمار الرئيسي وهو توفير المخابر من طرف رأس المال ولقاء ذلك يربح أحقية التصرف في المنجز والمبتكر وهذا هو الاستثمار الحقيق في الغرب وهو نموذجهم الذي عملوا على تكريسه عندهم وتدميره عندنا من خلال مقولة (هذاكة آش عندنا) وكأن أبنائنا لو تحصّلوا على تعليم متميّز وشمولي حتى زمن الاختصاص غير قادرين على ولوج عالم الابتكار والحال أن مخابرهم تزخر بأبن
تزخر بأبناء عالمنا الذي ننتمي نحن إليه سواء سموه بالعالم الثالث أو النامي أو في طريق النمو .
ولكن التوجّه الأخطر هنا هو دفع المدارس العموميّة نحوا التدجين والتجهيل حتى يبرز الميدان التعليمي الخاص كقطب تعليميّ هو الحلّ للاستثمار الجيّد والبناء لجيل الغد في مدرسة الغد وهذه هي مدرسة الغدّ مدرسة خاصة لها كلّ ما يمكن أن يحوّلها إلى قطب(كقطب قرطاج لصاحبته ليلى) وكذلك الجامعة وقتل متسع الفقراء بتحويلها إلى فضاء محو الأميّة وربّما برز منها ما يمكن أن يعتبر استثناءا . لذلك كان ولا يزال حتى الآن أن أفرغ المحتوى بحيث بقي عناوين برّاقة متواضعة المضمون إن لم أقل فقيرة الكنه تنتج عددا متزايد من الشخصيات المسلوبة الإرادة والمفاخرة (بالامتياز) الذي حصلت عليه مع عشرين من أبناء فصل واحد متناسين أن من يستحق هذا الامتياز هو الأب الذي دفع أموال طائلة في حصص تدارك يدخلها المعلّم والأستاذ وهم في حالات إنهاك وإجهاد فيقاربون الامتحان حتى تتواصل الحصص وحتى يكون التلاميذ على بيّنة من النجاح وطرقه .
ولن أتحدث على أملاءات وزارة الإشراف للمدرّسين بأن يتحاش، وان لا يدرّسوا نصوصا بعينها خصوصا في علم الفلسفة وتعويضها بدروس عن مآثر السابع من نوفمبر المجيدة وبتوصية من التجمّع قصد ترويض هؤلاء المشاريع طلبة جامعات تونس المفرغة من محتواها العلمي والثقافي وبذلك ينجح المستعمر في إنشاء الجيل الفارغ التابع والمستعمر عقليا وروحيّا مثلما رغب. وهنا أخلص إلى النتائج التي أظهرتها الثورة . إن شبابنا الذي عاش في مخابر تعددت وطال أمدها ومداها حتى يرضى علينا صندوق النقد الدولي ومن ورائه أمريكا وإسرائيل الصديق الحميم لزين العرب. قد تعلّم الثورة الثقافية والعلميّة. وأبدع بها ومن خلالها ثورته العالميّة من خلال أستاذ جديد هو (الفايس بوك والأنترنات عموما) هذا الذي جمع بين الفن والسياسة والعلم والثقافة وتداول المعلومة بسرعة فائقة . ورغم أن الآباء المغلوبين على أمرهم نتاج إلهائهم بتوفير ما يلزم للعائلة حتى نسي ذاته وانصهر في المنظومة الرأسمالية المقيتة التي هدمت حتى جدار وأخلاقيات العائلة نتاج الضغط المتواصل . والذي نجح في تمرير هذا الضغط لروح متّقدة هي روح الشباب ليكونوا سند ثورته والصف الأمامي له والحامي للنتاج حتى أنّي وفي ظرف وجيز ومن خلال التجمّعات المعارضة رأيت كهولا لم أكن لأراها تعود للجدوى من العمل السياسي لولا هذه الثورة المجيدة . فلا تخذلوا الآن ثورتكم يا أبناء مدرسة (الفايس بوك) شيبا وكهولا وشبابا .وواصلوا نضالكم من أجل رجوع المدرسة لأصلها مع مواكبة التطور ألمخبري والمنهجيّ بالتنويع والعصرنة لا بإقصاء ما أفرز تونس التي الآن. خصوصا ونحن نعلم أن الموجود هو من مدرسة قبل زين العرب والقادم يجب أن يرسكل بهذه العقول حتى تعود بمدرستنا لما هي حريّة به من إشعاع ونبوغ كنّا نبز به غيرنا ونعاند به من تفوقوا علينا ولو إلى حين . وهنا يجب ان يتلاحم التاريخ مع الحاضر أي كلّ شرائح والأعمار في المجتمع ليكوّنوا جدارا أمام الردّة والمرتدّين إلى أحضان أمريكا والصهيونيّة العالميّة .
عود إلى زمن بورقيبة والإرث الذي يتباهى به الدساترة اليوم.../...*طبيعة نظامي الحكم في تونس(بورقيبة وبن علي)
في بدايات بورقيبة كان نظاما تسلطيا بشروطه الأساسية التي نوضحها في شكل نقاط بمقياس وخصائص وشروط النظام التسلطي التي أوردها فيليب بروا في مصنفه سوسيولوجي بولتيك وهي كالتالي:
التعددية الحزبية المحدودة.
التنافس المحدود على السلطة.
انغلاق فضاء المشاركة السياسية.
شخصنة السلطة، واحتكارها لفائدة فرد أو أقلية.
وفي غطاء دولة إصلاحية وذات مشروع إصلاحي. وسيعود هذا التمشي بشكل أوضح مع بدايات بن علي.إلاّ أنّ بورقيبة انقلب ليضيف النفس الدكتاتوري لشكل نظامه التسلطي ويصبح الكاهن الأكبر(المتعلم والمثقف وهما الميزتان التين تميزانه عن خلفه بم علي) للدولة والشعب.وهذا ما غاير شكله جزئيا بن علي حين حافظ على حوانيت سياسية لصاحبها التجمع الذي هو بن علي شخصا ورمزا وهو يمثل القرصان الشرير عكس الكاهن الأكبر سلفه لما أوردناه من اختلافات في تكوين الشخصيتين والتي هي أساس تكوينهما للشخصية الذاتية والعامة الحاكمة من موقعها على رأس السلطة لكن لم يختلفا في ركن وميزة الدكترة إلاّ في الأسلوب فبورقيبة كان يعتمد على الآلة القامعة التي كانت بيد غيره من بطانته التي كان يرضيها وجوده نكاية في غيرهم من الطامحين مثلهم في اعتلاء العرش بينما بن علي كان يدير عمليات القمع للخصوم عامة بنفسه وبخبرته الكبيرة منذ كان ضمن تشكيلات القمع الوطني أيام بورقيبة.إذن فإنّ تبويب الحالة التونسية تحت عنوان (نظام تسلطيّ) هو منقوص بحكم الخصوصية المحلية والتي لا تخلوا من تماسها مع العوامل الخارجية في تصنيفها على أنها (نظام دكتاتوريّ تسلطي).على عكس النظام في العراق الذي كان شموليا مع خصوصيات العراق كبلد عربي له ميزاته وخصوصياته وإضافاته التي يقدمها للتصنيف والتي يغاير فيها الأنظمة الشمولية الأخرى حتى التي عاصرته مثل الدول الاشتراكية والسوفيتية.
هل فعلا يتطور النظام التسلطي إلى نظام ديمقراطي ويؤسس لمقولة (التحول الديمقراطي كشرط مرحلة لتطور النظام التسلطي) في الحالة التونسية وهي التي كانت مصنفة في المرتبة التاسعة من بين أكثر من ثلاثين دولة عربية سائرة في طريق التحول الديمقراطي؟وبالتالي إنتاج الثورة العظمى التي تكسر جذور السلطة التي تتحول من نظام التسلطي إلى النظام التسلطي المترسّخ ؟بعد انعدام كلّي لفرضيّة التحول الديمقراطي عن طريق صناديق اقتراع والذي يمثل رمز العملية الديمقراطية وتحولاتها؟خصوصا عند تعسر الوضع أيام دكتاتورية بن علي؟
*بورقيبة صانع الدساترة:
وجد أرضية مهيأة بجملة عناصرها الرئيسيّة. وشروط تطويرها وتحديثها القائمة في صلبها. والنخبة الأساسية المتخرّجة حديثا من جامعات فرنسا المستعمرة والذين خبروا النقاط الفارقة بين قديمهم الموروث الموجود على الأرض في تونس وبين المكتسب المعاش في فرنسا والذين غاية طموحهم ومنتهاه هو تحويل تونس إلى نموذج أخر ربما يكون صغيرا أو كبيرا بقدر ما تسمح به فرنسا ذاتها التي تشترط الولاء أساسا شرطا لتوسيع فكرتهم وتطوير غاياتهم الإستنساخية أكثر منها إصلاحية بالمفهوم الإصلاحي. لبرنامج ترقيعي يدعى جزافا إصلاحي للحكم. وبحكم ظروف الاستقلال السياسي النسبي وتواصل شروط الاستعمار الاقتصادي الفرنسي تحت شعار وبند تنمية المستعمرات وغيرها من الآليات كمجتمع الدول الفرنكوفونية وغيرها من المعوقات التي أعاقت فرص كبيرة جدا في تلك الظروف وذلك الزمان لتطوير التعاون الاقتصادي التونسي الندّي وبالتالي تطوير الاقتصاد التونسي الحرّ نحو مجالات أرحب وأوسع. وتنوع كبير يراكم خبرات كافية لتكون أرضية رئيسية لبناء مستقبل تونس الحرة المستقلة. وطنا وإرادة وصوتا عالميا. وليس محكوم بما يشترطه صاحب رأس المال في بلادنا. (فمثلا حتى الماكينة والآلة في المصنع أو عند بعض الفلاّحين المنتفعين من خروج المعمّرين ناهيك عن الأراضي التي ضمتها الدولة والتي عنونتها بأراضي الدولة هي رهينة قطع الغيار التي لا يمكن وصولها لتونس بغير ثمنين.مادي اقتصادي وسياسي) و هناك عناصر التي يتباهى بها بعض العناصر الدينصورية التي لا تزال تتاجر وتأمل في مستقبل سياسي(رغم الشيخوخة المزمنة وإدمان شهادة اللحظات الأخيرة قبل الموت)باسم بورقيبة وما تركه من ارث مصورين للجيل الجديد الذي لم يعرف من بورقيبة سوى الاسم وبعض ما ورد على لسان شيوخ هزّها الخرف إلى حدّ تأليه الشخص تماما مثلما ألّه (الولية وزواياهم وتكاياهم فقط ليشبعوا من الكسكسي وخصوصا اللحم بدون مقابل) وصوره في أفضل الحالات براءة المظهر خبيثة المتن انه النموذج الوطني العقلاني والصحيح والمناسب والمنقذ والمجاهد الأكبر وكل التسميات التي تربوا عليها والتي هم أنفسهم من أطلقها عليه طمعا في مكرمة أو منصب. وما اشتغل عليه بورقيبة من بناء الدولة الحديثة وتعزيز روابط الوحدة الوطنية والشعور بالانتماء المشترك تحديث وتطوير آليات التعايش المجتمعي من النواحي والميادين الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وتعميم المرافق الأساسية ومجانيتها كالتعليم والصحة وتغطية اجتماعية ...إلخ./.لو عدنا قليلا إلى ما قبله سنرى أن المستعمر كان قد وضع أسس هذا المشروع بشكل كان يخص به الفرنسيين ومن ولاه من ذوي السلطان الأكبر من (المطورنين) أو (البيوعة)وهما صفتان كانا يطلقان على عناصر التعاون مع المستعمر.
فالمدارس كانت موجودة ومجانية للراغبين في التعلم(وما طوره النظام هو الإجبارية والتعميم) وفيما يخص العمل فالأسس تركها المستعمر من أرضية وسائل الإنتاج وإدارات التسيير وقوانين العمل والتمويل وكذلك الطرقات وشبكات النقل سواء الحديدي أو البري وخصوصا التي تربط مصادر الثروة الطبيعية كالفسفاط والخيرات الفلاحة لمطمور روما في الشمال(وأقصد زراعة الحبوب)وغيره من منتج البلاد وسطا وساحلا وجنوبا من الثروات الفلاحة التي سنكتشف في مواقع من الكتاب هذا كيف دمرت وخربت حتى لا تتمكن من مزاحمة منتجات المستعمر وتكون المادة الأساسية التي تدير عجلة مصانع الأدوية العالمية. بمراكز التوزيع والتصنيع والتصدير.أمّا الثروة النفطيّة فبقيت وحتى عصر بن علي من الملفات والمواقع التي لا يذكرها ذاكر إلاّ ليمرّ إلى ردمها حتى تكون كنزهم الخاص ويمكن أن نشير إلى حقلين (حقل تطاوين الذي كان ولا يزال لا يمتلك طريقا برّيا لربطه بالبلاد وبالتالي بمراكز الجمع والتصدير أمّا حقل الزارات في قابس فهو من الحقول التي لا ذكر لها في وعي المواطن ومعرفته ببلاده إذّ أنه أكثر الحقول التي ترافقه وترافق صفقة تسليمه لشركة اجنبيّة بقصد استثماره أكبر سرقة تدل على بؤس عقلية السارق الذي عقد الصفقة وجهله التام بكنزه وحقيقة أرباح هذا الكنز ولأنّ العمليّة تمت من خلال عائلة محمية طبيعية لمالكها الأصلي أمريكا فإنّ الأمر دائما ما يرمى عليه الكثير من التراب ليردم كلّما وقع ذكره من لسان خبيث.ولنا أن نتساءل اليوم عن الخطوط التي أعدمت وآليات الربط التي خربت ودمرت حتى تخلق مجالا لما يسمى بالرأسمال وطني لكي يعشش في خبزه الزوالي ولكم في خطوط السكة الحديد مثالا واضحا وصارخا وصريحا.كيف أعدمت خطوط حتى على الركاب المسافرين من أفراد لقاء دخول شركات نقلهم البري بأساطيل شاحناتهم لتحطم شركة من أهم شركاتنا الوطنية وتضع الدولة كل إمكاناتها في سبيل تطوير شبكة طرقات ليجد هؤلاء مجالهم الحيوي للاستقراء مقابل شعب لم يتركوا له مجالا من خلال شبكة طرقاتهم الحزامية والسريعة ما يفتحون من خلاله مشاريع تعيلهم وتعوض خسارتهم حين أوقفت خطوط النقل الحديدي التي تربطهم بالمراكز (إن لم اقل مركز).
وعلى أصعدة عدة فإن المستعمر ترك لنا ارث آخر متمثّل في جملة من المراكز الثقافية كقاعات السينما ودور الثقافة وغيرها والتي نفاخر بها في كلّ مناسبة وحتى بغير مناسبة.ما الذي أضفنا عليه في زمان بورقيبة أو حتى الزين؟ حتى دور الشعب التي ركّزت في بعض الأرياف هي اليوم وحتى قبل اليوم بكثير في عداد المندثرين وفي أفضل الحالات معلم اثري لعرض أو عرضين مرّوا منها في أيام خوالي لم يعشها أهل ذلك الريف بعد.ونسأل اليوم كيف يوجد بيننا ومن صلبنا متشددين وحاملين للسلاح وواعدينا بالقتل والسحل؟
لسائل قبل أن يسال تعلم قراءة الوثائق التاريخية لجملة الشركات الكبرى في تونس تاريخ نشأتها ومصادر تمويلها وأصل قوانين الشغل في البلاد التونسية
ولكم مثالا حيا يمسّ شريحة كبرى في البلاد (الثوريّة)التونسية.
رتبة (عامل مكلف بعمل إداري)هذه الرتبة التي اختلقها في حدود 1925 المستعمر الفرنسي في السلم الإداري ليذل الكفاءة التونسية أمام منظوريه من الفرنسيين العاملين في تونس وفي إداراتها ووزاراتها.
هذه الرتبة والصنف مازال معمول به بعد دولة الاستقلال ودولة التغيير وتونس (الثورة).لإذلال التونسي للمواطن التونسي فما الذي غيره بورقيبة أولا ثم زينه بن علي الذي استقدمه و ولاه وزارتين في وقت واحد الوزارة الأولى ووزارة الداخلية.وهو الذي يعلم علم اليقين من خلال حادثة الوحدة مع ليبيا(معاهدة جربة)أن اسم بن علي كان مدسوسا من طرف القذافي وبمرجعية ودعم واضح وضوح من عاش تلك الفترة وحتى دارسها.وبالتالي ليس بالغريب ما فعله هذا الأخير في بورقيبة والشعب التونسي.وبالتاريخ الشخصي الذي أسس لهذه الشخصية ودورها في تونس.
حتى الجامعات التونسية التي كانت وستظلّ منارة علم رغم كلّ المصائب والدسّ الذي يدسّ لها من سموم تاريخية عبر منظومة التعليم الابتدائي والثانوي والإعدادي.فإنّ الجامعة الوحيدة كلية الآداب والعلوم الإنسانية 9 أفريل هي كلّ ما يحسب لزمن بورقيبة لأن جامعة منوبة هي هدية الشعب العراقي لتونس حالها حال كتب المقررات الدراسية التي كانت هدية من العراق لفاصل زمني تاريخي مهمّ من حياة تونس زمن بورقيبة.ويفاخرون بعض الغفل أنه الدهاء التونسي وخبث بورقيبة ولم يتساءلوا للحظة واحدة أين تذهب أموال نفط وفسفاط تونس وهما المصنفين في الدرجة الأولى في قيمتهما المعيارية من حيث ثروة باطنية على الصع&a
ويفاخرون بعض الغفل أنه الدهاء التونسي وخبث بورقيبة ولم يتساءلوا للحظة واحدة أين تذهب أموال نفط وفسفاط تونس وهما المصنفين في الدرجة الأولى في قيمتهما المعيارية من حيث ثروة باطنية على الصعيد العالمي وعائداتهما مرتفعة في ذلك الزمان مقارنة باليوم؟
لا يجب أن ننسى أدوار أهل الساحل ممن نصّبوا أنفسهم حماة لبورقيبة أيام دكتاتوريته أمثال منصور السخيري الذي حوّل مشروع مترو تونس إلى مترو المنستير سوسة الخاسر حتى يومنا هذا والذي ثار على وجوده أصحاب سيارات الأجرة وفرضوا إرادتهم على الدولة حتى على أيامه والأمثلة لا تحصى ولا تعدّ. لكن الشعب التونسي (وهذه ميزة لن تجدها في برّ الإنسانية عامة) نساء...نساء...نساء...إلى درجة جعلته رهينة قولة أجداده (الله ينصر من صبح).../...
- قتل الثقافة والإعلام المبني على الوعي والحرّية والثقافة الوطنيّة وتحطيم الإعلام ومصداقيّة الإعلام الذي وظّف منذ أول خطواته وبعد الإقصاء المبطن للأقلام التي كانت رمزا وطنيّا أيام النضال الوطني والتي تحولت إلى أقلام وطنيّة تكشف للحاكم ثغراته وهناته وسقطاته لكن كالعادة البطانة تشي وتكيد خصوصا بعد تفاقم أمراض بورقيبة وسجنه في قصره داخل بطانة تلاعبت به وبشخصيته ورمزيتها لدى شعب سانده وآزره على أساس المشروع الذي وعد به والذي زين له أيتام القصر وسجناء الغنيمة السائبة أن تكون شعارات يخرج ليعلنها من فترة إلى أخرى عند تفاقم الأزمات ومنها نذكر خطاب ثورة الخبز الشهير والذي لم يمرر للشعب منه سوى القليل الذي لا يفضح الحالة الحقيقية لبورقيبة وحتى يبق الغطاء والستار الذي يفعل من خلاله بالبلاد ما أوصلنا للحالة التي وصلنا وهاهم اليوم بذات الوجوه يحاولون ركوبه مرّة ثانية وهو ميت والحال انه لم يتجرّأ منهم بطل ليقف وقفة الرجولة ويسير في جنازته حتى إن قطع العنق يومها وفاء وعشرة وردّ الفضل لصاحبه الذي فتح لهم مخازن البلاد ليكونوا اليوم ما هم عليه.
ونختم مقالنا هذا بقصيد لشاعر شهروا به على انه طبال بورقيبة غيرة وحسدا وحقدا واثبت التاريخ صدق نواياه ووقوفه المبدئي مع ما كان في تصوره وظنه ورؤيته على انه القائد المخلّص المخلص والثائر الوطني لذلك وهب له المديح والقصائد العظام كعظمة الشاعر ذاته وهنا نتحدث عن الشاعر الوطني العربي والإنساني المتميز أحمد اللغماني وستكتشفون ما بلغه هذا الشاعر من النظرة الثاقبة التاريخية في خصوص ما بلغناه من تحاليل أوردها هو شعرا يوم وفات بورقيبة وفي ساعتها ونشرها علنيا على الملأ رغم الذي حصل له وكابده لأجل موقفه الشخصي ورأيه وقناعته الشخصيّة.
ومن هنا وقفنا وقفتنا لفضح هؤلاء وليس التشفي أو النكاية أو الاستنقاص من قيمة رجل مناضل حاول بما يمكن أن يكونه ليقف وقفة عزّ بوطن يعزّ بعزيزه ويذلّ بذليله.
والتاريخ قد سجل اسمه مع الخالدين ولسنا سوى نناقش لنؤسس وليس لنمحو ما لا يمحوه قلم ولا ينكره سوى جاحد ماكر كائد ومنافق كذاب.
لذلك نعطي حقّ الرجل في الذكر للمناقب أيضا حين نوفيه قدره بأنه كغيره من الطامحين صارع لأجل فكرته وطريقته ونهجه في الحكم والإدارة والرؤيا الاقتصادية البرجوازيّة والتمشي المرحلي في تطبيق المشاريع حسب التهيئة لأرضية القبول وتقبل المشروع المطروح في مرحلته. لكن كان عليه أن يعطي الحقّ لصاحبه وبذلك يكون قد وفّر على نفسه أولا النتيجة الحتمية التي وصل إليها في آخر عمره وأرذله ولكان له في الشعب ونخبته ألف خيار لخلف يكون هو من دربه وعلّمه ما لا يعلم عن حكم البلاد. ولكان للحرية والديمقراطيّة العقلانيّة الحضاريّة ما نجد له ارض وأرضيّة في يومنا هذا وتربية وتقاليد لا تترك المجال للتلاعب بعقل الشيبة قبل الشباب. من زعامات وقيادات وحتى الوصول إلى القواعد والشعب باستثناء من جعل لنفسه خيار ومنفذ لصنع الذات بعيدا عن وهم القيادة والزعامة والهواية السياسويّة.
وكما وعدنا نختم بذكر القصيد الذي ربما أعاد سبيل الرشاد للراكبين وتركوا الرجل لتاريخه يصنعه بموته كما صنع تاريخه في حياته ولنذكرهم أن يقولوا للشعب (هذا ما أصنع أنا وليس أنا من صنع لي أبي)
جبن
قصيد للشاعر الكبير أحمد اللغماني (صاحب ديوان سي لحبيب)
فكر جبان لا بلائمه * سوى قلم جبان
يتستّر المكر الخبيث * وراء ثرثرة اللسان
ينساب للكيد المبيّت * كانسياب الأفعوان
تهنّ المروءة حين يطغى * الجبن في كنف الهوان
ويهون عزّ الكبرياء * على البرادين الهجان
شرّ البليّة ريشة * عرجاء في يد بهلوان
يا سخف ما تأتي به * الأقدار، يا بله الزّمان
فالدهر مدخول البصيرة * أحمق، أعشى العيان
للجمر قد قسم المهاوي * والمعارج للدخان
2
يا أيها المتسابقون * وراء نعش الكبرياء
الناهشون من الجراح * الو الغون من الدماء
المنتشون من التشفّي * الشامتون بلا حياء
الراقصون على نشيد * الانتصار بلا بلاء
المدّعون وليس أكذب * من دعاوي الأدعياء
يا أيها المستنسرون * خلا لكم عرض الفضاء
دفّوا الجناح، فمنتهى * إجهادكم لهث العياء
ما كلّ من دفّ الجناح * ببالغ قمم العلياء
يا أيها المتسكعون * تكاسدت سوق البغاء
فلمن تبيعون 'البضاعة' * يا سماسرة الخناء؟
3
إنّي قرأت على صحائفكم * فأنكرت انتسابي
فقرأت ما يندى الجبين * له، ويذهب بالصّواب
شرف ابن آدم عرضة * للطعن بل سلخ الإهاب
وضغائن مسعورة * تجري لتصفية الحساب...
...بالثلب، بالتعريض، بالكذب * المؤفّك، بالسباب
أقلامكم شرست وجاعت * فهي سائلة اللعاب
راحت تمزّق عفّة الأخلاق * تمزيق الحراب
فإذا كتابتكم زعاف * السمّ ينفث في الشراب
وقرأتها فدمي يفور * وموج غيظي في اصطخاب
وتفجّر الغضب المؤجّج * من قوافيّ الغضاب
4
يا أيها المتزحلقون * بكلّ مدرجة وطيئه
تتلوّنون تلوّن الحرباء * في البؤر الوبيئه
قد كان 'بورقيبا' لكم * هديا منارته وضيئه
وافي بكم بعد العناء * منازل العزّ الهنيئه
وأزاح عن أكتافكم * أوزار أزمنة رديئه
لولا مروءته لماتت * همّة، وقضّت مروءة
لولا جراءته لما كانت * لكم همم جريئه
أنكرتموه اليوم إذ * ثقلت به القدم البطيئة
ورسمتموه على نماذجكم * بأشكال بذيئة
لن تمحو الآماد فعلتكم * ولن تنسى الخطيئة
والدّين إن لم يقض في * آجاله يقضي نسيئه
أفريل 1998
تونس المختار المختاري الزاراتي 2017
Comments