(انتفاضة ألزوالي)تونس14/17 جانفي2010/2011 (الجزء الثاني) المختار المختاري الزاراتي
- zaratimoukhi
- 18 juil. 2022
- 44 min de lecture

تونس من بورقيبة إلى الثورة..
في مؤتمر سوسة عام 1959 خطب بورڤيبة قائلا
: " الفلاڤة ببنادقهم الصدئة يقولون أننا حرّرنا تونس ...
تونس حرّرتها أنا بعقليّتي و ديبلوماسيّتي !! "
من هنا بدأ تزوير التاريخ
-1- تاريخ تونس لا يخرج عن تاريخ صراع القوى العالمي:
إن تاريخ تونس كغيرها من دول العالم الثالث(أو النامي) مرتبط شديد الارتباط. بما تفرزه مراحل الصراع العالمي لموازين القوى. سواء في الداخل. كما في ما يخصّ سياستنا الخارجيّة. وأيضا صراعا آخر لابدّ من الإشارة إلى وجوده لم يظهر إثر تفكّك الاتحاد السوفيتي بل حتى خلال ذلك الصراع. هو صراع رأس المال في ذاته وفي صلبه. وهو صراع الريادية والقيادة. وتشكّل الأحزمة أو قيادة الأحزمة. حسب القرب من سلطة القرار التي تمتلكها القوّة المسيّرة والمشكّلة لرقعة الصراع ذاته والتي تجمع بين الثروة والقوّة. وخصوصا قوّة الجذب.وقيادات الأحزمة تتشكّل بقدر توفّر الثروة اللازمة من جهة وتوفّر قوّة ردعيّة أو غطاء حماية قادرة على التحرك بسرعة كبيرة متمثّلة في(قواعد أحلاف) إذا ما غابت القدرة على إنتاج هذه القوّة تاريخيّا كبعض قوى أوروبا الاستعمارية مثلا. وحتى ما يدعى بالشرعيّة التاريخيّة أثبت الواقع الحالي أنها ليست شرط قيادة. فشرعيّة الثروة والقوّة هي أصل فرض الوجود. وهي أيضا تقاس بالجدوى المرحليّة من وجودها على رأس الحزام. وطبعا درجة وطبيعة تكوين قياداتها وتوجهاتهم السياسية التي تمليه القاعدة الاقتصاديّة التي تبني الوجهة السياسية المتبعة ودرجة تماهيها مع القيادة المركزيّة أو العامة.والمتمثّلة حاليّا في أمريكا.وقوّة رأس المال اليهودي الصهيوني. في داخل مكوناتها وخلاياها وشرايينها الحياتيّة على جميع الأصعدة وخلف كلّ الواجهات. وجملة هذه الصراعات هي المؤثّر في التركيبة الحاكمة.
لا في الوطن العربي وحسب. بل في كلّ دول العالم الثالث(النامي) عدى من رحمهم التاريخ الثوري. وأعني تحديدا(بلدان من أمريكا اللاتينيّة).التي استفادت قياداتها من تضامن الشعب معها. ووقوفه إلى جانب أطروحاتها الثوريّة. في مراحل التحرير الوطني. بينما نجحت الامبرياليّة والصهيونيّة لتركيزها الشبه كلّي على المنطقة في بثّ الفرقة بين الشعب وقياداته في المحيط العربي. وساهم الطرفان كثيرا في هذه الفرقة من خلال هوّة زرعها وهم التفوّق والقوّة(متناسين أن هذه القوّة لم تكن لتكون لولا خيانات سجّلها التاريخ بين قياداتنا العربيّة. إمّا رغبة أنانيّة في القيادة والريادية. أو رغبة في التشفّي وبدافع الحسد الذي ولّد حقد تاريخيّ تحمّل تبعاته الشعب العربي. حتى في تفاصيل حياته اليوميّة. وحرّك وجنّد لهذا الغرض معطى التاريخ لفرض أفضليّة هي في أساسها دعوة صريحة للتمييز وتحقير أو استنقاص الجدوى من طرف على حساب طرف آخر. مرجعهم في أصله هو واحد في كلّ الحالات وهويتهم التي يدّعون فيها أفضليّة على العالمين. هي واحدة الأصل. ولم تكن أدواة المستعمر سوى ما غرّ هؤلاء وغيرهم من أنها مصدر قوّة ومهد تطوّر. وهنا أكون قد مهّدت لألج التجربة الاستعماريّة في تونس ومنطلق تمدّدها في المساحة. وأسلحتها الميدانيّة الفاعلة.مع الملاحظة أن ترتيب العناصر اعتباطي لكنه يمسّ أهم القواعد حسب تحليلي.
- ضرب قاعدة الكينونة (الآلة وعقلها):
منذ عجز بورقيبة عن إدارة البلاد تحديدا منذ نهايات الستينات. رغم وجوده في هرم السلطة(أي مرضه وكبره). وبروز الصراع على السلطة. الذي سبقه نجاح في كسر حاجز وجدار الفكر اليساري في تونس إثر تفكك تنظيم أفاق. وتفرّق رفاق الأمس. متجهين إلى صراع شرعيّة القيادة التي غلبت عليها الشخصانيّة(وما سبقها تاريخيّا من قمع لليسار والفكر القومي اليساري منذ ما قبل الاستقلال بتعاون بين الحزب الحرّ الدستوري والمستعمر. وحتى بعد وصول هذا الأخير لحكم تونس بعد ما سمي باستقلال تونس وهو استقلال صوري إذ أن البلاد رهنت اقتصاديا وبالتالي سياسيا بتوزيع الأدوار بين المستعمر المباشر فرنسا والغير مباشر أمريكا خصوصا اعتمادا على تاريخيّة العلاقات منذ البايات ) والذي استغلته أطراف خارجيّة لإثبات وجودها في صراعها على الحكم. والجدوى منها للقيادة في بلادها(أعني فرنسا بطريق المباشرة.من اليمين واليسار المخصي. ثمّ تأتي على القائمة أطراف أخرى كانت في تلك المرحلة ذات تأثير أقلّ على الساحة التونسيّة بشقيها الحاكم والمعارض.)وحتى الأطراف العروبية التوجّه ورغم السند الذي مثّله مصادر الفكر القومي إلاّ أنهم لعبوا ذات الورقة ظنّا منهم أنهم يساهمون في الانفتاح والتمدّد بما مثّلته بريطانيا في مرحلة ما من حاضنة وأرضيّة(حرّة)وساحة خلفيّة لنضالهم.(رغم أنّ اجتماع التأسيسي كان في باريس) قبل أن تتحوّل بريطانيا إلى مساندة ورعاية ميراث لورنس العرب من وهابيي الخليج وأذيالهم وأذنابهم على الخارطة العربيّة التي تقوّى فيها الفكر القومي الشوفيني الذي اتصف ببعض وطنيّة صادقة في أحيان ومواقف تاريخيّة كادت أن تشكّل لبنة لثورة لولا الخيانات والمؤامرات الداخليّة والخارجيّة لإعاقة أي تقارب مع الشقّ اليساري الشيوعي العروبي.
ولم يفت زعامات الحزب الحاكم وقتها أن يبحثوا عن شرعيتهم(التاريخية) في الحكم من مصادر خارجيّة قبل الاعتماد على الشعب وتطلعاته ومطالبه وما يمكن أن يكون أرضيّة تأسيس لمرحلة جديدة(لما بعد بورقيبة) أرضيّة وطنيّة.وهذه هي رغبة المستعمر الأصلية في أن يبق البحث عن الشرعيّة لا يخرج عن أروقة وزارت خارجيته والداخليّة على وجه الخصوص بجناحها ألمخابراتي ووزارة دفاعه أيضا بجناحها ألمخابراتي العسكري.أولا و بالأساس. لذلك شهدنا وقبل تقريبا أسبوعين عن انقلاب 7نوفمبر اجتماع بورقيبة بقائد الأسطول السادس الأمريكي ومبعوث من الكونغرس وفي ذات الوقت كانت الملفات تطبخ في صالونات بارونات المال والأعمال الملوث بالعمالة.
وقبل الخوض في أرضيّة ولادة (الثورة) كان لزاما عليّ أن أمرّ بالمؤسس لأرضيّة الدكتاتوريّة التي استثمرها وطوّر عملها خلفه(زين العرب).هو بورقيبة الذي أطبق على الإدارة بحزبه.بعد أن تمكّن من السيطرة على عموم مفاصل البلاد من خلال تغوّل الحزب والأمن السياسي مع وفي تشكيل واحد متداخل الأطراف. في دواخل البلاد. وبعد السيطرة على الموهوبين في استثمار واقع التونسي البسيط من فلاّح ومزارع وعامل وصاحب مشروع بسيط. وأنشأ سلاح الأمن السياسي حين عرف أن نهايته باتت أكيدة منذ انقلاب لزهر الشرايطي وجماعته خصوصا. وخصوصا حين شعر بأنه رئيس صوريّ مدى الحياة.فالساحة السياسية لم يعد لديه فيها سوى أتباعه من يتامى الدهر و(أطفال بورقيبة)الذين كانوا يحاولون الاحتماء به ليجدوا لهم مكانا آمنا في قادم الأيام ظنّا منهم أنّه سيسندهم ويرشح خليفتهم من بينهم.
وهاهم يطلّون علينا اليوم محاولين إيهامنا بأنه باني تونس الحديثة ومؤسس الحياة في تونس لذلك أورد مقالي الذي نشر بجريدة الشعب لسان الإتحاد العام التونسي للشغل في الرد عليهم وعلى مهزلة من أللهوه في حياته (مدى الحياة)ويريدون أن يكون شبح تونس (الثورة)مضيفا إليها ما تيسّر مما أسعفتني ذاكرتي به والذي تغافلت عنه في مقالي لضيق المجال الصحفي. كما أورد تباعا ما أسس له من تفقير للشعب وتجويعه وتجهيله الشيء الذي أخصب أرض الاستعمار في تونس وأفرز جاهلا كبن علي يحكمنا لمدّة 23 سنة بذات آليات السلف لاقتناعه بجهله من جهة واستثمار ما بقي من روّاد الفكر الإصلاحي الناقل للتجارب وليس باني التجربة التونسيّة الحديثة في تونس .
ـ بورقيبة الذي يخفيه البورقيبيون الجدد:
جاد الزمان علينا أخيرا بمن يزعمون في التاريخ البورقيبي فلسفة فنزّهوا وطهّروا الشخص. بفكر الشخصنة والزعامة الوهميّة من جديد لإنقاذ حصة الساحل من غنائم الكادحين.وهم يصورونه على أنه الزعيم الفذّ والمنزّه والقائد الرّمز القدوة مع علمهم "هم أولا وبالذات" بجملة الجرائم التي ارتكبها قبل حتى تولّيه زمام البلاد وفي حقّ الفكر الحرّ والمسئول الباني للبلاد فعلا.
فما الغاية من هذه البورقيبية الجديدة؟ وبالضبط أهي العودة إلى فكر ؟ والرجل لم ينتج فكرا في أي مرحلة من حياته الشخصيّة والسياسية. لكنه يمثل تجربة تعتمد على عنصر يتيم هو سياسة المراحل هذه التي أغرقت البلاد في دوامة من الرعب والعنف وكلّنا يذكر جانفي الأسود وأحداث الخبز وغيرها كثير مما لم يصل إلى مسامع الشعب المغيب وقتها وألان أيضا. وهذه السياسة (ونقولها جزافا) يهواها ليس فقط مجموعة شيوخ بل وحتى المغرّر بهم من بعض الشباب اللذين لم يواكبوا في يوم مآسي العهد البورقيبي . ولكن دوائر معلومة تحاول جاهدة تكريس هذه الوجهة لكسر الأقطاب الصاعدة وبقوّة (رغم خلافاتها واختلافاتها العقلانيّة والموضوعيّة من اليسار التونسي عموما).
وسطوة هؤلاء اللذين يرغبون العودة لسدة الدولة من خلال جبّة بورقيبة وبمباركة من البورقيبين الموجودين في الحكومة المؤقّتة"أيام السبسي"(نمط تفكير على الأقل) .وحتى خارجها من المحتمين بجهاتهم. وسلطة تاريخيّة معنويّة على أطر المال والأعمال.الذين يرون فيهم استمراريّة سرقة الجهد الوطني وعرق الكادحين بشكل يثري ثرواتهم ويكدسها على حساب الشعب.
فمن علّم الخلف طرق الدكتره والإنفراد بالرأي والتسلّط واستخدام القوّة المفرطة لقمع كلّ تحرّك نخبويّ كان أو شعبيّ وللعلم فقط فإنّ من عاصر ثورة الخبز مثلا سيخبر الناس أجمعين أنها ثورة ماحقة وساحقة أكثر بكثير من ثورة 14 جانفي . لكنّها قمعت وعن طريق الشخص الذي تعلّم كيف يقتل الشعب وهو يحكمه "زين العابدين" وهو من أهم العنصر الأمنيّة ساعتها.الذي استقدمه بورقيبة لقمع هذه الثورة الشعبية(وليست المرّة الأولى ولا الأخيرة في زمن بورقيبة التي يستنجد فيها بخدمات بن علي رغم ما بلغ إلى علمه وتحديدا من ليبيا أيام مباحثات الوحدة من أنّ هذا العنصر الغير معلوم في تونس نهائيا وعند حتى المخابرات التونسيّة عدا من بلغهم أمره من صداقات خارجيّة كان مطروح اسمه لقيادة في صلب وزارات الوحدة الاندماجيّة الليبيّة التونسيّة).(ولتنزيه من وقّع على تقرير الترفيع في الاسعار الذي "بورقيبة ذاته" ألصقت التهم في شخصيات سياسية وإداريّة كزكريّة بن مصطفى وغيره على أنهم غرّروا به(وغلطوه) وأعطوه أخبارا زائفة عن الوضع ساعتها (ولا أنزههم لدورهم الكبير ساعتها في تمدد قبضة الحاكم وحتى من تصوّروا أنه خلفا لبورقيبة بمدهم بأخبار زائفة عن وضع الشعب المزري) .
ولنعد من البداية متتبّعين الوجه المخفيّ عن البورقيبيين الجدد و"البورقيبيّة" الذي يرغب من يرغب من سياسيي التجمّع و"الدساترة" القدامى من التجمعيين العودة للحياة السياسية من بابها الذي يخالون أنّه كبير ونموذجيّ وتاريخي .وبسند خارجي هو من يطرح عليهم ويملي هذه الرؤيا وهذا الباب للفوز بموقع يزيد في تشتيت الشعب وتقسيمه من ناحية ويبعدهم عن من يدافع عنهم بحياته ممن سيظلّون يقدمون دمائهم فدى الوطن.
ولن أتحدّث عن الشكوك التي تحوم عن دور بورقيبة في عمليّة اغتيال الزعيم الرمز فرحات حشّاد لغياب الإثبات(حتى الآن على الأقل) بل سأنطلق من عمليّة تصفية واغتيال صالح بن يوسف في ألمانية وهو الذي كان صديق جمال عبد الناصر والمحتمي بمصر من خطر بورقيبة الذي استغل رحلة هذا الأخير لألمانية. ليرسل بشير زرق العيون وعصابته. والكل يعرف القرابة التي تربط هذا الأخير ببن يوسف والتي لم تشفع لهذا الأخير ساعة اغتياله.وبمباركة من دوائر الاستخبارات الإمبرياليّة التي ساهمت في تغليب بورقيبة في معركته مع بن يوسف بصمتها إن لم أقل بتعاونها. وهنا نفهم تحرّك جمال عبد الناصر كرد فعل لمحاولة اغتيال بورقيبة التي تتحدّث عنها بعض صحفنا هذه الأيام(رغم أنها حقيقة يراد بها وهم) خصوصا إذا ما علمنا أن بن يوسف كان يميل نحو القوميّة العربية كنهج سياسي يعتمده .
وللسائل فإن الخلاف بين الشخصين كان سياسيا وليس كما يظنّ البعض أو يسرّب آخرون على أنه صراع زعامة وطلبا للكرسيّ فقط إذا فإنّ بورقيبة لم يستهلّ فقط حياته السياسية بالعنف المنظم بل معروف عليه أنه أزاح خصومه بطريقة أو بأخرى قبل وصوله للسلطة وإبّان غيابه الصوري الذي تزامن مع صعود نجم القوميّة العربية في الوطن العربي بعد أن نجح في تطويع وكسب عدد كبير من الزيتونيين وعلى رأسهم الطاهر بن عاشور الذي كان مؤهّلا بحكم توجهه الوطني حتى زمن الثورة الوطنيّة التحرّرية من المستعمر الفرنسي والذي أفرغه من محتواه مع الحفاظ على مركزه الاجتماعي لتاريخه الشخصي الثريّ ومصداقيته المكتسبة عند الشعب .كما كسب إلى صفّه شخصيات حداثيّة استغل معارفها ومهارتها ورؤاها كالمسعدي الذي اشرف وخطط كلّيا لتطوير منظومة التعليم(برؤيا إصلاحية نقليه عن النموذج الفرنسي مع إضافة الروح التونسيّة العربيّة في بعض مواده) وركّز مؤسساته على نهج إصلاحيّ حداثيّ يتماهى والتجارب المتطوّرة وأصّل مجانيته وتعميمه على خارطة تونس وركّز مسألة لها أهمّية كبيرة في تاريخ تونس وهو تعميم تعلّم المرأة وتمدرسها لتصل إلى ما بلغته هذه الأيام رغم معارضة المتشددين دينيّا ساعتها (والمراد الآن تقزيمها حتى يصل جمع من مكونات الساحة إلى إعدامها والعودة بالمرأة التونسيّة المكافحة بعد كلّ مكتسباتها. إلى الحرف الأول في عالم الجهل. أي البيت مع علمهم بدور أمهات المسلمين في العلم والعمل أيام بعث الرسالة المحمّدية).وكان المسعدي يستدلّ ويستند على فكر الطاهر الحداد أساسا وغيره من المفكّرين العرب التقدّميين.وكان بورقيبة هو من جنى ثمرة عمل المسعدي والبروز على أنه هو من حرر وقرر.ويزيح بذلك ذكرى رجال هم من صنع تونس فعلا وليس قولا.والذي وجب الآن إعطائهم القليل من الوجود في ذاكرتنا الجمعيّة بإعطائهم حقّهم التاريخي فيما قاموا به. وابتلعه الطاغية المعبود آنذاك بورقيبة الذي يصنع من نفسه محرّر المرأة وباني العلم والتعليم ومجانيّة مستلزمات ومقوّمات الحياة لديمومة آلة العطاء والبناء فكرا وساعدا كالصحّة ايضا. (الشعب الكادح). وهو في الحقيقة موقّع على قرارات التطبيق لرأي غيره ممن كانوا محدّثين منذ المرحلة الاستعمارية والذين توافقوا مع برامج الدولة الحديثة التي كانت مطلبا واقعيّا وجدّيا لكلّ مكونات البلاد من مثقفيها ومتعلّميها إلى عمّالها وكادحيها.ولكنّه من خلال ذلك التوقيع يجني ثمرة غيره في صورة تقبّلها ويكون أوّل من يقضي عليه في صورة رفضها ولكم في بن صالح نموذجا وهو الذي تحمّل أعباء خمس وزارات كلّفه بها بورقيبة ذاته المقتنع بطرحه وفكره وأفكاره.
وعلى عادته في سرقة أفكار الآخرين (قبل أن يحيلهم إلى مهام أخرى) هي في الأصل خطط وظيفية تفرغ ما بقي من أفكارهم بدون أن يكونوا أسماء قابلة للمزاحمة لزعامته الربّانية. التي انتهت بالانتخاب لمدى الحياة.
ولم يكتفي بالسطو على الفكر و التصفية للخصوم(أمثال صالح بن يوسف) بل صنع لهم محاكم عسكريّة قادته إلى فكرة السيطرة على القضاء فيما بعد بترؤسه. وبعد ذلك ترؤس الجيش الذي قام بأول تحرّك فعلي ضدّه في المحاولة الانقلابية التي كانت تحمل في باطنها تحرّك سياسيا قوميّا والتي تزعّمها في الستينات لزهر الشرايطي ومجموعة من رجالات تونس وكان مصيرهم الإعدام طبعا بالنسبة للقادة والمؤبّد وغيره ممن قضوا ما قضّوه في "برج الرومي" الشهير بالأشغال الشاقة المهينة جسديا وإنسانيا.هذا المعتقل الذي أمّه في نهاية الستينات والسبعينات اليساريون الماركسيون بفصائلهم وأيضا اليسار العربي القومي.من المنتمين لحركة أفاق.
ولن أتحدّث عن صاحب "تونس الشهيدة" الذي انقلب عليه بورقيبة لتأسيس الحزب الحرّ الدستوري وأقصد الثعالبي . أو إبراهيم طوبال الذي هرب إلى الجزائر ليعيش هناك بعيدا عن بطش بورقيبة ويدون كتابه "البديل ألثوري".
كلّ ذلك وغيره كثير هو لا يقاس إلى جانب إعاقة صعود نجوم وطنيّة على كثرتها في زمانه وهم طليعة الاستقلال والنموذج الإصلاحي والتحديثي التونسي الذي كان مغرما به شخصيّا.ولا أتحدّث عمّا فعله باليسار الماركسي واليسار العربي على السواء من سحل ونفي وتشريد وتعذيب وحبس لسنين سمّاها رجالها بسنين الجمر وخصوصا عزلهم عن القاعدة الشعبيّة حتى أصبحوا نكرات لا ظلّ لهم على أرضهم سوى قلّة ممن لحقهم مس جنون السياسة لقرابة دمويّة أو نقابيّة أو جامعيّة.ومنها محاكمة "بن جنّات" التي انتهت بالحكم عليه بعشرين سنة أشغال شاقة سنة1967.و بعدها بسنة1968 محاكمات 83 من أبناء اليسار بين طلبة وشغّالين ومثقّفين. ومحاكمات العامل التونسي سنة 1975 وقبلها انقلاب قربة(أي الانقلاب الحاصل على المنظمة الطلابيّة التونسيّة "الإتحاد العام لطلبة تونس"والذي أشرف على الجوسسة على أشغاله وكل تفاصيل اجتماعاته حتى الجانبيّة عبر أجهزة تنصّت زرعت في كلّ ركن يؤمّه المؤتمرون. وتوجيه الطلبة "الدساترة"نسبة للحزب الاشتراكي الدستوري (حزب بورقيبة) بورقيبة شخصيا وما تلا ذلك من إيقافات ومحاكمات وهذا غيض من فيض يبيّن أسلوب بورقيبة في العمل السياسي الأمني وما تأسيس ثمّ توجيه مؤسسة أمن الدولة والتي تمثّل استخبارات الدولة التي في الأصل تراقب أمن الدولة من المؤامرات الخارجيّة نحو أمن بورقيبة من الفكر الحرّ ومن التوجهات السياسيّة المخالفة له خصوصا بعد حضر نشاط الحزب الشيوعي التونسي 1963.
وبعد فترة من المدّ والجزر أهدى تونس.وذلك بعد مشورة خارجيّة.الجناح الوهابي المتأسلم من الإخوان المسلمين.ليكونوا سلاحه ضدّ المد اليساري والشيوعي على الميدان.فصار يضرب هذا بذاك والمنتصر يكون ضيف شرف السجون والمنافي.لكن وبعد تعلّم آليات التنظيم من خلال التجربة اليسارية والشيوعيّة تطوّر فعل وردّة فعل الإخوان وقبلوا ما رفضه تنظيم أفاق في نهاية الستينات من فكرة الاندساس داخل الحزب الحاكم وتوجيهه من الداخل وكان هذا الرأي تقدّم به ساعاتها أحد القيادات التروتسكيّة (وعلى رأسهم جلبار النقّاش وعزالدين مبارك وصلاح الدين العمامي) التي رأت في هشاشة الحزب الحاكم وضعفه النظري والفكري المعدوم أصلا مدخلا.وأرضيّة يمكن أن تستغلّ لكسب القاعدة من داخله. وعلى قاعدة ما آل أليه الاقتصاد التونسي ساعتها من انتكاسة وتراجع خطير أدى إلى تراجع قيمة الدينار التونسي سنة 1964 التي ساهمت فيها اعتماد البلاد على المساعدات الخارجيّة والاعتماد على القروض والمساعدات الأمريكيّة وتلاها فشل سياسة التعاضد.
ولا يفوتنا التذكير بالخميس الأسود 26جانفي وانتفاضة الخبز والتي تثبت النجاح السلطوي البورقيبي المعتمد على عصى الأمن لضرب الشعب الغاضب على تمشيه وخياراته العشوائيّة السياسية والاقتصاديّة التي هي في الأصل حلول يدّعي أنها إصلاحية والحال أنها ترقيعيّة في أفضل الحالات.
ومن هذا المنطلق كان للزين بن علي أرضيّة مهيأة وكاملة لقيادة البلاد بذات النفس الدكتاتوري البورقيبي.بما أنّ البلاد كلّها كانت معسكرا جاهز للتسيير من قبل أيّ دكتاتور تربّا جيّدا في بلاط الدكتاتور الأكبر وخبر مؤامراته على كلّ الخصوم حتى الافتراضيين منهم.
وهذا ما أثّر شديد الأثر على تفاعلات الساحة السياسية بعد "انتفاضة" 17/14 جانفي. وجعل منها مرتعا للدخلاء. من ناحية والمزروعين من أدوات الاستخبارات العالميّة. وغير ذلك من أمراض كان سببها ممارسات بورقيبة كما بيننا.من خلال بعض النماذج. ومن بعده تلميذه النجيب بن علي.لذلك هو امتص جملة أفكارهم وآرائهم كما أسلفنا. ومن ثمّة عزلهم أو ومحاكمتهم والحكم عليهم بالغياب القاتل وهذا بالنسبة لمن هم وطنيون. أمّا من باع ضميره وذمته. فهو السلاح الذي يسلّه الدكتاتور ليحز به رقاب طليعة الشعب. والشعب ذاته. إن لم يستسلم للأمر الواقع.ويرضخ لإرادته طواعية.
حتى أن دوائر القرار ألمخابراتي لم تجد خلفا لبورقيبة سوى بن علي بمستواه التعليمي. وما هو عليه من تكوين أكاديمي وسياسي وغيره من مستلزمات القيادة.رغم كثرة المرشّحين للخلافة أيامها لكن تغيير المستعمر المباشر وخططه تقتضي وجود من لا علاقة لهم بفرنسا وتاريخها.
لذلك كان بن علي تلميذا متمكّنا من الأسلوب البورقيبي في امتصاص عصارة الرجال ثمّ وفي أفضل الحالات عزلهم عن الساحة السياسية والوطنيّة بشكل قاتل حتى لا يبرز مزاحما له يخلفه على سدّة الحكم وبالتالي يكون الرئيس مدى الحياة وهو في ذلك (أحسن خلف لأحسن سلف). وهو أيضا الخبير المخبر الذي فرضته الإرادة الأمريكية على فرنسا التي لم تعترف به إلاّ بعد ضمانات أمريكيّة كلفته الانتظار لمدة تزيد عن عشرة أيام من تاريخ انقلابه حتى تعترف به فرنسا مكرهة كرئيس لتونس.
ونكتفي وإن لم نكتفي لضيق المجال في حصر الضحايا الذين نسيهم التاريخ حتى الآن على الأقل من أبناء تونس الحقيقيين الذين غدر بهم بورقيبة فقط ليبقى على كرسيّه. كما لن أتحدّث عن حصار المعرفة وقمع حرّية الرأي المخالف لرأي الزعيم صاحب توجيهات السيد الرئيس اليوميّة. وقمعه للأحزاب التي كانت سابقة لوجوده كالحزب الشيوعي والأحزاب القوميّة التي دخلت إلى مرحلة السرّية مثل غيرها من الأحزاب اليسارية الأخرى وعلى رأسها تنظيم "أفاق" الذي قاسى منتسبوه وحتى المتعاطفين معه السجون والعذاب اليوميّ حتى "انقلاب قربة"1972 على المنظمة الطلابية الإتحاد العام لطلبة تونس وبعدها كانت محاكمات العامل التونسي 1975 ومن ذلك التاريخ تفطن بورقيبة إلى وجوب قتل الزعامات البديلة.
وتفريغ الساحة من مشاريع خلفاء له في تونس وحتى من حزبه الذي أصبح متغلغلا في كلّ نواحي الحياة الإدارية والجمعياتيّه والأمنيّة وكل النواحي الشعبيّة إلى درجة أن اسمه الذي كان جزءا من النشيد الرسمي للبلاد "بروح الحبيب زعيم الوطن" تأشيرة عبور إما للعالي أو للسجن بقدر ما تشحن هذا الاسم من شحنة سلبية أو إيجابية . وكان لكل جانفي بعد رمزيّ للعمل الثوري وكلنا يتذكّر 26و4من جانفي "الأسودين" وغيرهما من تواريخ هذا الشهر الثوريّ التي قادته إلى محاولة كسر شوكة الرمز الثوريّ للشعب وهو الإتحاد العام للشغل وفي كلّ مرّة يفشل فشلا ذريعا . وهنا أذكّر بمحاولة إنشاء ما سمّي إتحاد الشرفاء "الدساترة" وعلى رأسهم "عبيد" محاولة منه لبث الانشقاق ولكنّه إنهزم أيضا في تكريسه وتركيزه كعنصر موازي للاتحاد العام التونسي للشغل التاريخي .
وبعد وصول الفكر الوصولي لتونس ضربا لليسار المتفاقم في التمدد على الساحة وبمباركة فرنسية أمريكية ودعم سعوديّ في البداية. وبعد نجاح الفكرة إثر تناحر أبناء الوطن كل في سبيل فكره الذي يتبنّاه حتى بلغت الحالة حدّ العنف وإضعاف اليسار بالتشجيع على الانقسام ودس العناصر التي دفعت نحو شرذمة اليسار. بقي اليمين طليقا حدّ ما اعتبره "الدساترة" تطاولا على الشرعية التاريخية للحزب الاشتراكي الدستوري في الانتخابات التي قارب الإخوان المتأسلمون الفوز فيها بأغلبية مبرمجة سلفا (ولا أنزههم لدورهم الكبير ساعتها في تمديد قبضة الحاكم وحتى من خالوه خلفا له) وبذلك فضحت قيمة ما تبق من الحزب الحاكم على الساحة السياسية وخصوصا بعد نفي القيادات التاريخية لليسار التونسي
واكتفاء القوميين بالعمل داخل صلب الحزب الحاكم كحل لاختراقه من الداخل وتعلّم عنهم الإسلاميين الذين بعد شنّ الحرب عليهم توخوا نفس المنهاج وتستّروا برداء الحزب الدستوري(ثم التجمّع) حتى كان الوهن والكبر والعجز المقرون بمرض العظمة الذي وفّر للاعبين المعتمدين على الداعم الفرنسي الجو الملائم لكن حساباتهم خاطئة هذه المرّة لأنّ المد الأمريكي كان هو الحاكم في العالم لذلك لم تنجح محاولة المزالي ولا الصياح ولا غيرهما. بالفوز بالسلطة بينما وفّرت ليلى الطرابلسي لبن علي، مقرّ الاجتماع بالمخابرات الأمريكية التي دربته لزمن طويل بعد تلقيه دروس عسكرية مخابرتيه في أمريكا بعد سنسير في فرنسا وبعد عمله في هذا المجال لمدّة طويلة طول مدّة نضال الشباب وأطياف من الشعب ضد بورقيبة والبورقيبية. لزمن طويل وعسير ومؤلم لمن لا يعلم عن صنوف التعذيب والقتل المنظّم على يد البوليس السياسي وكل أنواع البوليس والميليشيات "كميليشيا الصياح" وغيره . وكان وقتها (زين العابدين) الذراع البوليسي الضارب الذي يقتل الشعب ببرودة كانت طريقه نحو الانقلاب وما كان منه مما كشف ما ستره بحجاب الطاغوت ومما ستكشفه الأيام القادمة. فكفّوا يا "أطفال بورقيبة" عن تنزيه ما لن ينزّه واليكن ذكرنا له بطلب الرحمة فقط . وليعلم الجميع أن بورقيبة لم يكن وحده قادرا على فعل كلّ المآسي بل بمعيّة ومباركة "أطفاله" الذين يطلّ علينا اليوم البعض منهم ليذكرونا بوجودهم بيننا حتى الآن وأنهم لم يحاسبوا بعد على ما اقترفوه في حقّ الشعب قبل ثورة الخبز وبعد وقبلها. فكونوا جريئين واصمتوا ففي الصمت جرأة عند المذنب التائب.
ومن جملة العناصر التي قام بورقيبة ومعاونوه بإفسادها وتكريس تبعيتنا للمستعمر من خلالها والتي استثمر هذه الأخطاء الكبيرة زين العرب لقتل الشعب. عناصر نوردها كأمثلة على الانحراف السياسي و الأهم هو الاقتصادي. عن شعارات الوطنيّة. وبيع تونس جملة وتفصيلا للمستعمر الإمبريالي الصهيوني. وها نحن نورد على التوالي بعض ما جادت به قرائح البورقيبيين وما تبناه من إنجازات(كما يسمونها)والتي أسهمت إسهاما كبيرا في ما هو عليه حال تونس اليوم.شأو أم أبو أيتام (ما يسمى البورقيبيّة التي يلخّصها صاحبها بسياسة المراحل.وهذه المراحل هي سبب من جملة أسباب انهيار تونس اليوم).وأنطلق من أهم عنصر وأكثره حساسية الفلاحة:
ومن أهم العناصر التي قام بورقيبة ومن بعد خلفه بتدميرها بشكل هستيريّ. "الفلاحة" الذي كان يكوّن أول ما يقوم عليه اقتصاد تونس(مطمور الرومان) هذا الميدان الذي دمّر حتى يكون سهلا ابتلاعه من طرف خاصتهم على أنه مريض ويجب أن يخوصص. رغم أنه كان المزاحم الذي يخلق توازنا في قفّة المواطن.هي أراضي الدولة(أي أراضي الشعب الفلاحية التي استعادتها الدولة من المعمّرين المستعمرين)وكما دمّر الفلاّحين الصغار وكبّلهم في قروض ما فتأت تزداد وطئتها ووطأة نسب فائدتها و من خلال إعادة جدولتها لأن الفلاح الصغير عاجز عن الدفع في ظلّ معطيات وتبعات عالميّة خصّنا بها هذا الزمن المبني على القوّة فالدول المصنّعة هي من ثقب طبقة الأوزون ليتغيّر كلّ ما بنته الطبيعة في جزءها الكليماتولوجي العام والذي كانت تتأسس عليه خارطة الفلاحة خصوصا عند صغار الفلاحين مقابل توصل نفوذهم من خلال بيع ما أهدوه في البداية من أسمدة ومواد أساسيّة للفلاحة وبأثمان بدأ يعجز الفلاح الصغير عن سدادها مما اضطره للاقتراض والتدين بلوغا مرحلة بيعه للأرض والخروج منها نحو العاصمة. وهي أمل الحالمين بلقمة عيش كريمة عبر النزوح أو الهجرة. ولكن في أفضل الأحوال سيجد نفسه في فقر وجوع وتشرّد هو وعائلته ويكون قوت يومه مصدر تجارة رابحة للدكتاتور. و الدكتاتوريّة هي التي قامت أولا بأهم أدوارها وهو تحطيم البنية القاعدية لشبه الاستقلال ألفلاحي الذي كان يمثّل أهم مصادر للغذاء بنسبته العالية جدا في تغطية الساحة الوطنيّة وهي أيضا مصدرا من أهم مصادر العملة الصعبة التي كانت تدرّ خيرا على الوطن عموما.
-الاستعمار ألفلاحي وتحطيم البنية الجسديّة للآلة الوطنيّة. الكنز والثروة.(الشعب الكادح):
لا ننكر ما للعلوم من فوائد على حياة الإنسان عموما وما لها من تطويرات مسّت أهم نواح ومفاصل وحتى تفاصيل يومه. وعلى رأسها الطب وغيره مما أكسب الإنسان قدرة على العيش أطول زمن ممكن مقارنة بما كان عليه الإنسان قبلها.لكن ما تفطّننا إليه أن ما يصلنا منه ليس سوى ذرّة في بحر وبالتالي هو متجاوز الصلاحية وفيه من النقائص ما أضر بنواحي أخرى.وندفع ثمنها غاليا. ولعصر الصراع بين القطبين(أعني الرأسمالي الأمريكي والأوروبي الغربي والاشتراكي في صورته التي تجسّدت في الاتحاد السوفيتي رغم الانزياح والانحرافات النظريّة ) والمزاحمة في إقناع محيطاتها بقربها واهتمامها به وبصحّته لما بلغنا ما بلغنا.ولن أتحدث عن ماضي هو مضى من أيام أنتجنا فيها المادة الأولية للعلم أيام كانوا في عصر الظلمات ولم نكن حسبما بلغني من التاريخ نبخل عليهم بجديده رغم الاختلافات الدينيّة التي كانت تمييز حتى العرقي.لكن وبعد تفوّقهم وفي زمن قياسي نتيجة اهتمامهم الكبير بالعلم ومنتجاته واهتمامنا نحن بالمقابل بترهات وهرطقيات مغلّفة بالدين من أجل اعتلاء الكراسي وصراعات العائلات المتهافتة على الحكم بأي شكل وتحت أي ذريعة وعلى حساب دم الشعب المفقّر الكادح. وبعد أن اكتشفت الرأسماليّة الجدوى من تصنيع وتسليع العلم في كلّ مجلاته (حتى أننا نعيش عصر صناعة وتجارة الأدوية)وغيرها من ضروريات ديمومة الآلة التي هي جسد الكادح أطول فترة من الزمن ممكنة وليستثمر جهده وعرقه أطول فترة ممكنة(خصوصا بعد تراجع نسب الولادات مقارنة بالوافيات خصوصا في محيطات جغرافيّة حاسمة وأعني أوروبا وأمريكا خصوصا).
ومن أهم العناصر الحيويّة لديمومة الآلة(الجسم الإنساني الكادح)هي التغذية وأساسها الفلاحة.هذا الميدان الذي كان يميّز تونس حتى نعتت(بالخضراء)ولم يكن الناس وقتها لا يعرفون لاأمونيتر ولا أزوت ولا غيره بل سماد و فلاحة بعليّة وأخرى سقويّة. وكان من تحوّلات البلاد أن أدخلت على الفلاحة برامج قتلت الأساس الطبيعي الصحّي لمنتجنا وقتلت استقلالية الفلاّح الذي حتى وقت متأخر كان يرمز به للثراء والبساطة. وبعد أن كان الفلاح لا يشتكي سوى من الأثر الطبيعي(الأمطار والمياه عموما)وكانت بذرته تنتج من ذات غلّته.أدخل عليه المواد الكيميائيّة مبشريه بزيادة الإنتاج وبالبذر الهجينة الوافدة من مخابر الغرب والتي أصبحنا لا يمكن أن تكون لدينا فلاحة ولا محاصيل بدون أن نشتريها من المصدر أو من المصانع التي ركّزت على عين المكان والتي نشتري في كلّ الحالات موادها الأوليّة.هذه الوفرة في الإنتاج المأمولة ظنّوا أنها ستزيد في تصدير موادنا الفلاحة والحال أنّنا نسينا أنّ صاحب الشأن هو من يملك أيضا أراضي وفلاحة ولولا شكّه الكبير في صلاحية مواده الكيميائيّة ومخابر التهجين العلميّة لما كان يشتري منّا فلاحتنا الطبيعيّة(التي مؤخّرا عادوا بعد أن عدّلوا في برامجهم إلى المنتج الطبيعي ويوفّرونه على قلّته إلى الخاص القادر على شراءه)وفي لفتة بسيطة بخصوص المواد الفلاحيّة التي يشتروها منّا سنجد على رأس القائمة وفي ذيلها موادنا التي بقيت على طبيعتها(زيت الزيتون القوارص الغلال).أمّا الباقي فهو يروّج في السوق الداخليّة بما يحتويه من أمراض وتأثيرات باتت كارثيّة على صحّة الإنسان وحتى تواصل سلالته فالتغذية السويّة هي أحد العوامل الرئيسيّة في إنتاج السلالة.ففي زمن قصير تراجع مستوى الإنجاب إلى حدود قالوا لنا أنها معقولة والحال أنّ الآلة(الجسم الكادح)لا يقوى على المزيد لما يحتويه من نقص في مواد رئيسيّة نتيجة التغذية وعوامل أخرى كالضغط النفسي الناتج عن ضعف البنية الجسديّة عن تحمّل الضغط العالي لدكتاتورياتنا.وليس هذا وحسب وإنما ولغياب هذا المعطى ألفلاحي المهم نتجت أمراض ومنها المزمنة التي لم نكن نسمع بها في السابق إلاّ حين تصلنا أخبار العالم.زد على ذلك ما يحرمونا منه من وسائل وأدوية استنبطوها حلولا لهذه المشاكل والأمراض في بلدانهم(وإن وصل فهو متأخّر عن ظهور العلل)ويبيعوننا إياه بأسعار تترجم على أرض واقعنا بما برز من تجارة الدواء(أو تقسيمه إلى ضروريّ ويكون شبه في المتناول(المدعوم) وغيره تجاريّ ويباع حسب السوق)مع قلّة موارد البلاد التي تعجز من خلال عوامل عدّة عن التفاعل والمستحدثات الطبيّة الجديدة الابتكار والضروريّة للنسب المرتفعة من المرضى. نكون قد خلقنا بمسارنا هذا مجتمعا وشعبا أسير آلة لا تتم إدامتها بغير الأدوية.زد على ذلك أن هذا المشروع هو أساس تورّط الفلاح الذي وجد نفسه بين حلّين إمّا الاقتراض من البنوك ليواصل وجوده في ملكه أو بيعه والنزوح إلى ما يتخيّلها الجنّة.تلك التي كان ينزل إليها عند كلّ بيع )لصابة( ليترفّه ففضائه لا يحتوي على ما يمكن أن يؤسس له حياة متكاملة بين العمل والترفيه ومع ما ندّعيه منذ زمن بورقيبة من لا مركزيّة الإدارة نجد الحالة أن بلا عاصمة لا وجود لاستمرارية العمل الفعلي للإدارة في النسبة الأعظم من خدماتها. والرابح الأكبر هو من كان مدعوما من جهة ما ليواصل عمله وشراء ما يبيعه غيره(حتى أن مافيا الحكم أصبحوا يفقهون في الفلاحة ويفتكون الأراضي ويشترونها ببخس الأثمان.والفقراء الكادحين هم حطب نار تلك الأرض وعمّالها الذين زاد فقرهم فقرا حين حوصرت قراهم وأريافهم حتى لا يعرف القاصي والداني من خلف فقرهم ونزوح العدد الأكبر منهم إلى عاصمة لم يكن يمتدّ شعاعها إلى أكثر من 30كلم وأصبح الآن يبعد عن60كلم بقليل ومازال التمدّد متواصلا فالفقر لا ينتج سوى فقرا مزمنا. وحين يدمن الناس الفقر تكون النتيجة نار موقدة في صدور تمّ توجيهها بطرق شتّى تهيأت أخيرا لتكون ثورة.ولكن هل تنجح في تأسيس ما يرغبه هؤلاء من مستقبل حرّ كريم مستقلّ وفاعل وسط الضغوط ومؤامرات المستعمر؟ثمّ كان دور التعليم كسلاح من أسلحة الشعوب المستعمرة للتنوير والتطوير والتقدّم.ولأنّ الحركة التعليميّة نجحت في تونس بفضل تعطّش أبناء الشعب للعلم واحتداد صراع القوّتين من خلال عوامل الوعي عند فريق والتبعيّة الفكريّة عند الآخر.مما فتح المجال لظهور طاقات وطنيّة هي كانت مفخرة بارزنا بها الأمم وأسسنا من خلالها ما هو اليوم سلاحنا الوحيد تجاه التآمر رغم قوّة الصراع وكان هذا العقاب السريع مدمّرا للخلف وإليكم وسائله ونتائجه:
***
(هذا مقال في الغرض كنت نشرته إبّان الثورة بجريدة الشعب في تونس أورده كما هو لصلته بالموضوع وأواصل ما نقص منه)
*مشروع الصناعات الخفيفة والاستهلاكية في تونس وما يسمى بالاستثمار الخارجي وربط الاقتصاد التونسي كليا بالدوائر الامبريالية والصهيونية في العالم. وأثارها ليس على الاقتصاد بل وحتى الجسد الآلة.
***
تحطيم فرضيّة أن يكون لتونس دور قياديّ عربيّ ناتج عن تطوّر الحالة والمنهاج التعليمي العلمي الذي أسس لفكر ورؤية ومعارضة يمكن إن تقود ويكون لها دور ضد الكيان يوما قريبا بعد بورقيبة الذي قاد أسطوله بالخارجية الحملة ضد إسرائيل لتعويض خسارتها في عملية حمام الشطّ 1985 والذي اتحدت جهوده وفكرته مع خليج العار الذي كان للخبرات التونسية والتعليمية والطبية وحتى الشبه طبية حضور فاعل وقوي ومشهود في أواسط السبعينات خصوصا وبدايات الثمانينات والذي كان مثالا يحتذي بالنسبة للمواطن الخليجي الشيء الذي لا يرضي خليج الخنازير النفطية الجاهلة.والمخزي والمحزن في آن أنّ الأيادي الغادرة والحاملة للسكين أغلبها الأعم تونسيّة بين خائنة ومنبهرة غبيّة ومستغباة.
*فكان:
العقاب الصهيوني الإمبريالي للشعب التونسي بعصي التربية و التعليم والتكوين...
إنّ عمليّة التجهيل المتعمّد ، وتكريس التخلّف العلمي قي تونس ، انطلقت منذ زمن وقبل حتى رفع شعار مدرسة الغدّ من خلال الحثّ نحو خوصصتها بدوافع عدم الجدوى والجودة فيها كنظام تعليمي مجاني ضمنه الدستور لكلّ أبناء الوطن على حدّ السواء وتوجيهها نحو غايات تسرّع من تدهور حالتها إلى درجة يمكن أن نطلق عليها مدارس محو الأمية في أفضل الحالات . من خلال منح القدرة لرئس المال لفتح والاستثمار في ميدان التعليم من جهة وتحطيم القدرة والذكاء والمناهج والبرامج التعليميّة في المدارس العمومية بتعلله التطوير و مسايرة العصر حسب ما هو موجود في الغرب وكأنّ النموذج الغربي هو بالضرورة قدوة لابدّ أن نقتدي بها . بدون دراسة سوسيولوجيا ونفسية بسيكولوجيّة لقدرات الطفل والشاب التونسي وما يصلح لتطوّره معرفيّا وبيداغوجيّا تختصّ في وضع البرامج المناسبة لقدرة الذكاء والعقليّة للتونسي شابا وطفلا على حدّ السواء ومدى تأثير البرنامج على قدراته الإدراكيّة من ناحية والإبداعيّة الخلاّقة المستنبطة من ناحية أخرى .لذلك أفرغ البرنامج من محتواه وبقي جملة عناوين شحّت منابعها بقصد تضليل الرأي العام الداخلي والمنظّمات الدولية التي تسهر على مستوى التعلّم في العالم كمنظمة اليونسكو والألكسو وغيرهما حتى وصلت بنا الحال في السنة الماضية وفي قائمة 500 جامعة الأولى في العالم لا نجد ولا حتى جامعة على كثرتها في تونس مثبتة ضمنهم وموجودة كدليل على وجودنا كمتعلّمين ووجود منارة علميّة تهب المعرفة للمتعلّمين و لا أقول مبدعين ومبتكرين وحتى على سبيل التعاضد والدعم السياسي بين المستعمر والمستعمر لم نطال حتى المراتب الأخيرة لنكون أضحوكة مثاليّة وأمثولة لمجتمع المعرفة . وهذا الغياب كان مصدره الأول والأساس ما مرّ على التعليم التونسي من مصائب جمّة منذ زمن اعتلاء الصهيونيّة والإمبريالية العالميّة سدّة الحكم في تونس من خلال موظّفها الألمعيّ المتعلّم والمثقّف والعارف "إلى درجة لا يطاولها إدراك المعارضين من أمثالي". زين العرب ومهّد للأمر من قبله رغم ما كان من أمر وموقع الجامعة التونسيّة على قلّة فظاءاتها في زمن المسعدي . فالقرارات التي اتخذت منذ زمن تولّي زين العرب الحكم كانت تحطيميّة للقدرة التي أثبتتها المدرسة التونسية في إنشاء أجيال متعلّمة ومثقّفة ومبدعة رغم توسطها(أي تعتمد على وسطيّة القدرات والمهارات والمعلومات التي تكسبها لعموم المتعلمين وهذه الوسطيّة هي الممهدة للاختصاص في مراحل متقدمة بحيث تتيح للمتعلم حرّية الاختيار في سنّ معقولة تتميز بالوعي وبذلك تضمن الحدّ الأدنى من النجاح بما يكفي للبروز كقدرة) في قدرة الذكاء والإبداع لغياب الوسائل كالمخابر والدعم المالي الكافي.على وجهه العام في غالبيّة زمن التمدرس وما بعد نتيجة عدم ثقة رأس المال في القدرة الإبداعيّة المحلّية وهذا ما كرّسته دوائر مشبوهة منها محلّية.
وحتى لا يكون الحديث بلا دلائل أنطلق من الأساس أو ما سمي تضليلا المدرسة الأساسيّة: أو وبصراحة . قتل المخيّلة من مهدها "الطفل" حتى يكون مؤهّلا للتلاعب بشخصيّته وذاته وكينونته وحتى وطنيّته . ويكون التابع الطيّع والمستهلك المثالي لكلّ ما تنتجه دوائر الصهيونيّة العالميّة والغرب التابع للإمبريالية .
إنّ التلميذ في الابتدائي . وأيضا فيالإعدادي والثانوي (مع عدم إغفال تطور العقل المتعلّم والمتمدرس). كان وعلى مدى عقود يتعلّم كيفيّة إعمال العقل والخيال معا ويزاوج بين التعلّم وابتكار الذات الفاعلة في التعلم ذاته وبالتالي شخصيته الاجتماعية . من خلال استنباط الحلول للمسائل المطروحة عليه سواء في الخوارزميات الحساب ثم التجريد في الرياضيات أو اللغة أو القواعد اللغويّة أو العلوم الإنسانيّة كالتاريخ والجغرافية وفنون كالرسم ثم الموسيقى والمسرح . على بساطة وتدرّج ما يتعلم بحكم السنّ والقدرة النفسية والعقليّة. وكان المعلّم ومن بعده الأستاذ . يزاوج بين المحسوس والملموس في طرقه التعليميّة مثلا الأعواد والأقراص في الحساب ثم مخابر العلوم. الإلقاء على بدائيته المسرحيّة في المحفوظ من اللغة والصلصال في التشكيل الذي يتحوّل في ما بعد للفنون الإنسانيّة المهذّبة للشخصيّة.. وبما يسمح من اللعب الموجّه زمن التعلم الهادف والداعم للعملية التعليمية حيث تربط المتعلّم بالدرس عفويا وتفاعليّا ويقحم التلميذ في جدليّة تكبر وتقنن وتوظّف مع تقدّم السنّ والقدرة الإدراكيّة التفاعليّة وكم المعلومات التي خزّنها زمن التمدرس . وبتوفّر المعلومة وتكوّن الشخصيّة يدعم التنوع وتبعد النمطيّة المملة وكانت الحصّة التعليميّة أو ما يسمى زمن التمدرس ساعتين صباحا وساعتين بعد الظهيرة وفي المرحلتين الثانويّة حصص متباعدة ومتجانسة بيداغوجيّا ونفسيّا وعقليّا . وكانت كافية لخلق جيل يتحمّل مسؤوليّة البلاد الآن ويتحكم في أسس ثروتها وثورتها . لكن ماذا حدث لتنقلب أحوال المدرسة التونسية إلى مدرسة محو للأميّة .
كلّ الذي أتينا على سرده محي بجرّةقلم مغرض حاسد وحاقد وهدّام استعماري صهيوني وإمبريالي المؤسس. مقابل إيهام المستثمر بلغة المستعمر. (الوليّ العاجز عن فرض إرادته) بوجوب تكديس العلم الحديث وما حديثه الذي لا قديم له؟ . كأنّ العلم يقتصر على حديث يلغى قديمه لمسايرة الزمن قيل . (والحداثة) الكلمة التي مجّت من كثرة ركوبه مطيّة لتحطيم ما رأوه فيه معيق لربط هذا التونسي العنيد برأسمالهم ليكون ذلك التابع الذليل المستهلك بشراهة ونهم البلهاء (على وجميع الأصعدة). وهذا الربط يتمثّل في القروض المشروطة ومن شروطها "تحديث المدرسة والتعلّم لمواكبة العصر قيل" وهنا أتساءل هل تحديث المدرسة التونسية يفرضه قرض من صندوق النقد الدولي أم أنه حاجة تفرضها التطورات ومسايرة العصر ؟ وهل مدرستنا كانت معاقة من حيث عدم مسايرتها للعصر إلى درجة أن اقتصاديي صندوق النقد الدولي أي رأسمال متحرّك ومأمور من طرف المساهمين والقائمين عليه (أمريكا وجنودها الغربيين والصهيونية على رأس القائمة) لتوفير ما يرونه صالح لاسترجاع أموالهم من خلال اقتصاد تابع إلا ما لا نهاية وحدود تاريخية .و يوفّر لهم حتى الولاء المشبوه في الظروف المريبة كالحرب على غزّة التي قمعنا في الوقوف مع الواقفين سندا لإخواننا ورفاقنا هناك حتى وان اختلفنا معهم في الرأي . وهذا ما حصل في تونس . ومن أوجهه تدمير المعرفة والثقافة و التعليم .
فرغم الطاقة المحدودة والمحددة للطفلعموما والتونسي خصوصا بحكم نشأته في محيط شبه متكامل ومحافظ في البدء أي 1987 . كان أن كدّست له المواد حتى غدا حمّال أسفارا و أصفارا يحفظ ما يقدّم له ببلاهة لا توصف وبغير فهم لما تعلّم وكدّس من كم كتب وكراريس فلا تبيت في عقله معلومة اثر إفراغها على ورقة الامتحان وذلك في أفضل الحالات حفظا . وحتى أن جسده أصبح ينحني كلّ بداية موسم دراسي بما يكفي لينقلب إلى وجهه من ثقل الحقيبة المكدّس فيها العلم الذي لا علم له وفيه. وكم توالت عليه التجارب المنهجية قيل وأثقل بفروض لا دخل لها في تعلمه حتى أصبح فأر مخابر لا طائل من وراء ما يتعلّمه سوى التذبذب والهشاشة وتصل حدود البلاهة وفقدان أسس الشخصيّة الاجتماعية وغياب التركيز رغم محاولات الحشو التي أصبح يقوم بها بعض المدرّسين الذين بقي لديهم بعض ضمير مهني . فلا هو متعلّم حسب الإفهام والشموليّة القديم ولا هو من الحفظة الجدد. ولا حتى مراوحا بينهما كما كنّا من قبل. والمصيبة أنه يحرز على الامتياز نتيجة ما دفعه الوليّ خصوصا حصص ما سمي تدارك كأنّ الحصّة التي هي زمن التمدرس الحقيق لا تكفي لنظيف عليها ومن زمن راحة مفترضة للعقل حتى يشحن بالراحة اللازمة ليمتلئ في الغد بشراهة المتعلّم للمعلومة . التي لم تعد متوفّرة لنشاهد مظاهر الهروب المتعمّد من المدرسة وحتى الهرب في المدرسة من خلال حالات الشرود الذهني زمن التعلّم. والوليّ يدفع للجمعية التنموية ولحصص التدارك وللورق الذي يطبع عليه الدرس عدى الأدوات واللباس والأكل وغيره. فحتى بلغة رأس المال، الاستثمار في العقول والغد. فهي سلعة خاسرة في هذا الاتجاه ففي عمليّة حسابيّة بسيطة في أول كلّ شهر ولا أقول كلّ مستهلّ سنة دراسية كم يدفع الولي في استثماره هذا وما هو المردود الذي يعود عليه بالنفع فعلى الأقل قبل كنّا نفتخر حين نردد للجيران والأهل بأن أبنائنا نجحوا وهم الآن بالجامعة وسيكون لهم مستقبل والآن والجامعة أصبحت معهد في أفضل الحالات و في متناول حتى العديم المدارك العقليّة .إذ بحساب بسيط يكفي أن نبلغ المعدّل 50،7 من 10 وبإضافة ال25 بالمائة ينجح ويمرّ إلى الجامعة هذه التي كنت امتحانات ولوجها من قبيل المناظرة الوطنيّة التي تغربل الطاقات الوافدة عليها بما يضمن جودتها وجودة خرّيجيها. بقسوة العلم والعمل لا بالتساهل المفرط حتى غدت كما أسلفت الحديث عن تأخّرها إلى درجة مخجلة تذكّرنا ببعض الأقطار العربيّة التي طغى فيها الحزبي على العلمي أو هي حاولت المزج بينهما وهناك من نجح ومن اكتفى بالدرجة الدنيا التي حوّلته إلى مجرّد موظّف في أحسن حالاته. وقبل سنين خلت قريبة. وعلى قلّتها(أي الجامعات)كنّا المثال للأمّة. وللعالم الثالث كلّه في الإنتاج العقل العلمي والفكر النيّر والمتعلم .والمثقف والواعي معا.إذ أنّ جامعاتنا كانت مختبرا ومحكّا ثقافيّا وسياسيا أيديولوجيا ولازالت على قلّة الو رثاء رغم الحصار الذي كان قاتلا ومدمّرا لتجفيف هذا المنبع الخطير على الأنظمة الدكتاتوريّة.
ما الضير أن أبقينا علىمدرستنا كما كانت وحدّثنا مخابرنا بما أنتجه العقل البشري من علوم معاصرة . وعصرننا بها مدارسنا ولم نضيف إليها مصيبة أخرى حين تلاعبنا بشريحة كانت تمدّ الوطن بالخبرات الصناعيّة والعلميّة من كوادر وسطى ويد عاملة متعلّمة ومتكونة علميا وتقنيا من خلال نظام التعليم المهني والتقني وكوادر عليا من خلال مؤسسة والمدرسة القوميّة للإدارة وحين يشح العدد نستنجد بالخبرات من ميادينها العلميّة. وكان في تعلّمهم ليس الجانب الصناعي والعلمي فقطوإنما حتى الجانب الأدبي والثقافي الذي يجعل منهم موطنا واعيا ومسئولا وعوض فتح الأفاق أمامهم بتمكينهم من فرصة التقّدم أكثر في التعلّم بفتح حلقات جديدة معاصرة من العلوم الحديثة واعتماد مناظرة وطنيّة مفتوحة للجميع عوض الانتخاب بالمعدّل لاجتياز هذه المناظرة . تركناهم للتلاعب الرأسمالي من خلال الاستثمار الخاص أي مدارس الخاصة. وقلّة ممن رحمهم الربّ فدخلوا مدارس المهن التي تارة تكون تحت إشراف وزارة التربية وأخرى تحت إشراف وزارة التشغيل ولست أدري تحت أي وزارة سيكون حالهم بعد زمن من الاستثمار. وان كان حديثنا عن المرحلة الإعداديّة والثانويّة هو ذات النهج قديما الذي مرّ علينا في الابتدائي مع تعميق المحتوى لكن المنهج الأساس الذي ينبني على الشموليّة والأخذ من كلّ شيء بطرف حتى نبلغ مرحلة الاختصاص (التوجيه) وهنا تكرس مفهوم التخصص مع عدم إغفال ما يدعم من علوم مجانبة للاختصاص التي وجب توفّرها في المنهاج العام وهذه المرحلة هي الثانويّة والتي تهيؤ التلميذ لمناظرة دخول مرحلة الجامعة . والتي أصبح التلميذ فيها لا يركّز سوى على ما يمكن إن ينقذه من خلال ال25 بالمائة التي أصبحت محلّ اعتماد وليس إنقاذ لمن خانته قواه يوم الامتحان .
وتنطلق هذه المعطياتمن تعلّم الاتكال والاستكانة لما ينقذ الموقف منذ الإعدادي المرحلة التي يدخلها الطفل وهو على بيّنة أنه في كلّ الحالات لن يطرد قبل سنّ مقررة وأن له حقوق تتمثّل في عدم معاقبته بما يمسّ من شخصيته .(وهذه كلمة حقّ أريد بها باطل) فعن أي إهانة نتحدّث ؟ هل الأستاذ قديما كان يهين التلميذ حين يعاقبه ألم يكن آبائنا يقولون العصي خرجت من الجنّة وكانوا حين يشتكي المعلم لأبونا نأكل ما كتب حتى أننا في بعض الأحيان نخيّر عقاب الأستاذ لأنه أرحم في كل الحالات وبعد مرور زمن ألم يكن ذلك العقاب هو الذي أبقىالمعلومة في أذهاننا حتى أننا في جلسات جانبية نفتخر بأننا عوقبنا ومن فوائد معاقبتنا أن المعلومة راسخة في أذهاننا حتى الكبر وحتى الممات . ولكن لأن أبناء علية القوم لا يجب أن تمس أمام العوام خرج علينا من يمنع العقاب الذي كان على قسوته أحيانا دافعا للنجاح برسوخ المعلومة. والحال أن حقوق الطفل والشباب مصونة ومضمونة فحقّهم الأول والأخير في الحياة هو التمدرس والتعلّم المجاني الذي تمنحه المجموعة الوطنيّة كلّها وليس لرأس المال فيه أي دخل بمفهوم استثمار وعن أي استثمار نتحدث في غياب الاستثمار الرئيسي وهو توفير المخابر من طرف رأس المال ولقاء ذلك يربح أحقية التصرف في المنجز والمبتكر وهذا هو الاستثمار الحقيق في الغرب وهو نموذجهم الذي عملوا على تكريسه عندهم وتدميره عندنا من خلال مقولة (هذاكة آش عندنا) وكأن أبنائنا لو تحصّلوا على تعليم متميّز وشمولي حتى زمن الاختصاص غير قادرين على ولوج عالم الابتكار والحال أن مخابرهم تزخر بأبناء عالمنا الذي ننتمي نحن إليه سواء سموه بالعالم الثالث أو النامي أو في طريق النمو .
ولكن التوجّه الأخطر هنا هو دفع المدارس العموميّة نحوا التدجين والتجهيل حتى يبرز الميدان التعليمي الخاص كقطب تعليميّ هو الحلّ للاستثمار الجيّد والبناء لجيل الغد في مدرسة الغد وهذه هي مدرسة الغدّ مدرسة خاصة لها كلّ ما يمكن أن يحوّلها إلى قطب(كقطب قرطاج لصاحبته ليلى) وكذلك الجامعة وقتل متسع الفقراء بتحويلها إلى فضاء محو الأميّة وربّما برز منها ما يمكن أن يعتبر استثناءا . لذلك كان ولا يزال حتى الآن أن أفرغ المحتوى بحيث بقي عناوين برّاقة متواضعة المضمون إن لم أقل فقيرة الكنه تنتج عددا متزايد من الشخصيات المسلوبة الإرادة والمفاخرة (بالامتياز) الذي حصلت عليه مع عشرين من أبناء فصل واحد متناسين أن من يستحق هذا الامتياز هو الأب الذي دفع أموال طائلة في حصص تدارك يدخلها المعلّم والأستاذ وهم في حالات إنهاك وإجهاد فيقاربون الامتحان حتى تتواصل الحصص وحتى يكون التلاميذ على بيّنة من النجاح وطرقه .
ولن أتحدث على أملاءات وزارةالإشراف للمدرّسين بأن يتحاش، وان لا يدرّسوا نصوصا بعينها خصوصا في علم الفلسفة وتعويضها بدروس عن مآثر السابع من نوفمبر المجيدة وبتوصية من التجمّع قصد ترويض هؤلاء المشاريع طلبة جامعات تونس المفرغة من محتواها العلمي والثقافي وبذلك ينجح المستعمر في إنشاء الجيل الفارغ التابع والمستعمر عقليا وروحيّا مثلما رغب. وهنا أخلص إلى النتائج التي أظهرتها الثورة . إن شبابنا الذي عاش في مخابر تعددت وطال أمدها ومداها حتى يرضى علينا صندوق النقد الدولي ومن ورائه أمريكا وإسرائيل الصديق الحميم لزين العرب. قد تعلّم الثورة الثقافية والعلميّة. وأبدع بها ومن خلالها ثورته العالميّة من خلال أستاذ جديد هو (الفايس بوك والأنترنات عموما) هذا الذي جمع بين الفن والسياسة والعلم والثقافة وتداول المعلومة بسرعة فائقة . ورغم أن الآباء المغلوبين على أمرهم نتاج إلهائهم بتوفير ما يلزم للعائلة حتى نسي ذاته وانصهر في المنظومة الرأسمالية المقيتة التي هدمت حتى جدار وأخلاقيات العائلة نتاج الضغط المتواصل . والذي نجح في تمرير هذا الضغط لروح متّقدة هي روح الشباب ليكونوا سند ثورته والصف الأمامي له والحامي للنتاج حتى أنّي وفي ظرف وجيز ومن خلال التجمّعات المعارضة رأيتكهولا لم أكن لأراها تعود للجدوى من العمل السياسي لولا هذه الثورة المجيدة . فلا تخذلوا الآن ثورتكم يا أبناء مدرسة (الفايس بوك) شيبا وكهولا وشبابا .وواصلوا نضالكم من أجل رجوع المدرسة لأصلها مع مواكبة التطور ألمخبري والمنهجيّ بالتنويع والعصرنة لا بإقصاء ما أفرز تونس التي الآن. خصوصا ونحن نعلم أن الموجود هو من مدرسة قبل زين العرب والقادم يجب إن يرسكل بهذه العقول حتى تعود بمدرستنا لما هي حريّة به من إشعاع ونبوغ كنّا نبز به غيرنا ونعاند به من تفوقوا علينا ولو إلى حين . وهنا يجب ان يتلاحم التاريخ مع الحاضر أي كلّ شرائح والأعمار في المجتمع ليكوّنوا جدارا أمام الردّة والمرتدّين إلى أحضان أمريكا والصهيونيّة العالميّة .
ـ التعليم العالي وما يسمى"البحث العلمي":
منذ بداية حكم (زين العرب)ولما مثّله حتى تلك الأيام الجامعة التونسية من بؤرة نضال وحراك فكريّ حرّ وملتزم بقضايا الشعب والأمة المصيريّة.وما يمثّله ذلك الحراك الذي ورثه من زمن الحرب الباردة وكان مفروض على بورقيبة التعايش معه فالخطأ أن نصدق بورقيبة حين يقول بسياسة المراحل وسياسة خذ وطالب بل سياسته الحقيقية هي اللعب على المتناقضات وصياغة أشكال توزيع أوراق الضغط في داخل الحرم الجامعي بالتأرجح على الحبال موهما الكلّ أنه يتحكّم في لبّ اللعبة وما دليلي على توهّمه ذلك سوى.تاريخ الحركة الطلابية وإتحادها"الإتحاد العام لطلبة تونس"وخصوصا مؤتمر قربة1972 وما سبقه بقليل ولواحقه وتبعاته ليس على الساحة السياسية في الوطن وحسب وإنما حتى خارجه(وحتى فترة زين عربهم). ثم وصولا إلى الأحداث التي شاهدتها الساحة الوطنيّة التي عرّته أمام نفسه بالذات وخصوصا أحداث الخبز حين أعترف بشكل أو بآخر(على أنهم غلّطوه)ورمى كلّ الحمل على وزراءه الذين لم يكتفي بفضحهم بل أهانتهم و حتى طردهم.لكن ولأنه لا يتحكم كما يروم إيهامنا وقتها في خيوط تشكّل البؤر السياسية في البلاد وصراعاتها كان عليه في كلّ مرة أن يعيد الوزراء المطرودين إلى (مهام أخرى) وفي غالب الأحيان إلى وزاراه سيادة.وفي هذا المشهد السياسي الذي أزداد غموضا في مرحلة ما قبل الانقلاب(الذي قاده زين العرب على منتجه وزارعه فينا)كانت جامعتنا التونسيّة أحد أهم مكونات الحركة النضاليّة بكلّ اختلافاتها وتلوينها السياسية.ولأن الذي جاء (بزين العرب)للحكم هو أعلم منه بهذه المعطيات وعلى وجه الخصوص رفض عدّة أطراف لتولّي هذا الرقم ألمخابراتي والبوليسي وغيره الحكم.ولعلمهم الأكيد بأن الشعب التونسي ذي غالبيّة شبابيّة كانت تواقة للإسهام في الحياة الوطنيّة كلّ حسب موقعه.ولأن لم تقدّم جهدا لكي تنجح في ساحة التعلّم وكان خروجها مبكّرا من الدراسة إلى سوق الكدح اليوميّ.ولأن الحلم سهل والواقع حقيقة وواقع.كان أن ابتكروا له(أي الجهة التي ولّت زين العرب)الشعار الرئيسيّ للمرحلة وأهم مداخل كسب البلاد في مرحلته الأولى وهي ثورة الشباب(والصحيح أن يقول الانقلاب النوفمبري على الشباب)هذا الذي همّش وجهّل من حيث أراد الحياة الكريمة فمطلب كمطلب الدراسة للجميع.أضيف عليها تغيير جذري في البرنامج والسبل والقوانين التي كرّست (أميّة المتعلّم)وتوالت التجارب حسب أهواء ورغبات قيل عنها أنها اجتهادات والأصل أن نقول نقل تجارب من نرى فيهم بلدان متقدّمة وتطبيقها على التلميذ كما الطالب بدون اعتبارات عدّة أهمها الاختلافات الجذريّة بين بلد المصدر وبلدنا على كلّ المستويات والتمويلات المرصودة وطبيعة الشخصيّة التي تتشكل عند الطفل من محيطه الأول والثاني(أي العائلة والشارع)إلى المدرسة ذاتها والجامعة ذاتها حتى على مستوى الشكل الهندسي الذي يهيّئ نفسيّة القادم إليه ويفرض عليه طقوسا خاصة تدفعه نحو التهيؤ نفسيا وذهنيا للتلقيّ المعرفي.
وكما أسلفنا في ما يخصّ المدرسة والمعهد ولو أننا لم نخصّص معمّقا لاعتبارات المبحث ككلّ لكن وللإشارة نزيد قضيّة ال25%الممنوحة في البكالوريا وهي التي أضطر القائمون على البرامج لمنحها بعد أن أكتشف الخلل الكبير والاختلال حتى النفسي للتلميذ ليس جراء ما أسلفنا فقط بل بتضافر عوامل تنطلق من البيت وصولا إلى القسم الدراسي وما طغى على العمليّة التعليميّة من انحدار في مستويات حتى بعض القائمين على التدريس الذين امتصوا عرق وشقاء الإباء وزادوا في تعقيد وضعيتهم الماديّة حتى كان الضغط يكبر يوما بعد يوم ويشكّل تفكّك الأسر ومن أهم النتائج(التفكّك الأسري طبعا).
ولأن النظام كان على علم بكلّ ذلك وكلّ حلوله الترقيعيّة هي فقط لإيهام الشعب أنه يرغب في عكس ذلك.وأن مبدأ إقامة تناحر ينطلق من الأسرة إلى كلّ المواقع حتى لا ينشغل أمرهم بما يسرق وينهب.فإنه زاد من قمعه لكلّ الحركات التي ورّثت وخلّفت أفكارها ومبادئها عند من توصّلت إلى كسبه.وذلك تدريجيّا وحتى بولسة الجامعة.ليس فقط بالبوليس ذاته ولكن من خلال عناصر حزبه الذين كان يكسبهم بما يمن عليهم من حفلات مائعة ومكاسب يحرم منها غيره خصوصا في نقاط ضعفه المال والمبيت والنجاح.
هذا ما أفرز كمّ كبير من حاملي شهائد لا أقول لا يستحقونها فقط وإنما ليسوا أهلا لها بما أنها منحت لهم لقاء تجنيدهم لتقديم خدمات لا تمتّ للدراسة بأي صلة.وطبعا كان هناك من إطار التدريس ذاته من الوصوليين والانتهازيين وغيرها من الأصناف من كان ينفّذ هذا البرنامج بعناية فائقة. حتى أنّ ما يسمى البحوث كان يخجل منها حتى القائم بها ويتهكّم ظنّا منه أنه مرّرها على اللجان المختصّة والمشرفة والحال أنّ لا هذا ولا ذاك قادر على وقف نزيف المهزلة ولا الدولة وفّرت مستلزمات البحوث من مخابر ومراكز بحث يمكن أن تفرز جيلا من الباحثين المبدعين وذلك حتى يبق الباحث الموهوب رهينة الرحيل إلى المستعمر وبالتالي كسبه من خلال الإغراءات الماديّة والمعنويّة إلى دعم وتكريس تفوّقهم ودعم قوّتهم على الأرض.
وحتى الكاباس التي أوجدوها لانتخاب الأجدر للقيام بعمليّة التدريس وإعادة إنتاج التعلّم في البلاد. وظفت لهؤلاء خصّيصا حتى يعيقوا وصول المدّ الثوريّ للمدارس والمعاهد في عموم الوطن الذي هو آخذ في الانحدار بعد أن اكتشفوا تدريجيّا حجم المؤامرة ودناءة القائمين بها وعليها مما حدا بهم في بادئ الأمر إلى(وهنا أأكد على النسبيّة) التعاون مع النظام مخافة أن يفقد بعض الفتات الذي يقدّم له في شكل منن وزكاة على ما يسرقون.
وكان الإتحاد العام للطلبة هو الوحيد وعلى امتداد عقود البوابة نحو الشرعيّة في الوجود كرأي حرّ نضاليّ رغم ما كابد من التعذيب والسجون وغيرها على قاعدة الانتماء السياسي وغيره حتى وإن كان الأمر يتعلّق بمطالب نقابيّة هي من مشمولاته كممثل للطلبة.وأكون بإيجازي هذا قد مهدّت لمسألة غاية في الأهميّة هي المسألة الثقافيّة والإعلاميّة .
- قتل الثقافة والإعلام المبني على الوعي والحرّية والثقافة الوطنيّة:
ثقافتنا..والثورة
في سنوات(زين العرب).كانت الثقافة الوطنيّة قد دنّست ووقع ابتلاعها وتدجينها حتى أصبحت ظلاّ باهتا لزمان جميل فرض فيه المثقّفون(ممن كانوا أتباع وخدمة البورقيبيّة أو من عارضهم من قوى اليسار التي كرّست نمطها الثقافي ومناهلها الفكريّة والأدبية والفنّية) وجودهم وأفكارهم ورؤاهم وتطلّعاتهم الفكريّة والثقافيّة بقوّة الفعل والإرادة لا بمنّة من الدولة كما يخال بعض أيتام بورقيبة فالعارف بأيام الجمر هو متأكّد أنّ بورقيبة هو من أسس للجهل والتصحّر الثقافي لتكون الثقافة في زمانه بوق دعاية لسياساته وطموحاته السياسيّة للبقاء على كرسيّ السلطة حتى نهاية عمره. لكن إصرار ونضال المثقّفين بجميع خلفياتهم الفكريّة والأيديولوجيّة ومشاربهم العقليّة والروحيّة العضويّة كرّست العمل الثقافي المحرّك لوعي الجماهير. وغلبت الحركة آنذاك الحصار الذي فرض عليها من خلال محاولة احتوائها وفرض ظلّ الدولة عليها من خلال المتاجرة معهم في خصوص الدعم حتى تطوّر إلى صراع وجود فرغم تكريس الدولة لمبدأ دعم إفراز أفكارها(أي حزبييها ومجنّديها وتابعيها)على حساب معارضيها الذين صمدوا طويلا لكن غلبوا من خلال الآلة الإعلامية التي كرّست من كرّست. وأبادت من أبادته. وغيّبته عن الذاكرة الوطنيّة ذاكرة الشعب. في وفي ظلّ الحصار واتجهوا إلى.إمّا التعاون مع السلطة.أو الاستقالة. وهنا غابت ولسنين طويلة وذلك حال مثال أسوقه (الطليعة الأدبيّة)هذه المجموعة التي طرحت بديلا ثقافيّا هو أساس ما يوجد الآن لكنّه ونتيجة لانتماء أصحابه الفكريّة كان لهم مصير خاص تنوع بين الاعتزال الناتج عن عزل أو الموت في صمت أو الانخراط في لعبة السلطة. وتعرّت ساحتنا الثقافيّة. ورتع فيها أشباه وأشباح ونماذج معرقلة لكلّ من يقطع طريقها بفضل تكوينه أو موهبته أو حتى محاولته لإثبات الجدوى من طموحه. إذ أنّ مجنّدي الدولة من الكتبة وغيرهم في مجالات الثقافة وميادينها كانوا تحت رعاية حتى الأجهزة الأمنيّة(وهنا وحتى لا يغيب عنّي الصدق أأكد على نسبيّة هؤلاء رغم غالبيتهم ظهورا على الساحة وغنمهم من أموال المجموعة الوطنيّة ليكونوا يد السلطة من لخبطة يدّعون أنها عمل و(منتوج) ثقافيّ"وهنا لا يفوتني أن أتحدّث فيما بعد وأشرح أسباب تحوّل العمل الثقافي لمنتوج عند بروز فكرة تصنيع وتسليع الثقافة حسب رؤية رأسماليّة تجعل من الثقافة حكرا على من يدفع في وطن لم يجد فيه المواطن ما يأكل".وكان هؤلاء من أشباه وأشباح المدينة من ثقافوت يلعبون أدوار مهمّة في إعاقة العمل الإبداعي الحقيقي ويعملون"حتى لا يذهب الدعم لغيرهم"دور السلطة من خلال ربطهم بجهاز الأمن ومنه الأمن الثقافي الخاص الذي أوجدته السلطة لقمع وقتل المبدعين سواء في العاصمة أو من داخل الجهات على السواء.فكان للمسرح أسماء أوهمونا أنها وحدها ما نمتلك في ساحتنا المسرحيّة لذلك كلّ الدعم والرعاية توجّهت لهم وقتل غيرهم تدريجيّا وكذلك السينما والأدب عامة وهنا لا يفوتني أن أسأل عن كمّية ما نشر من كتب وما نشر من أفكار وإبداعات لكلّ من عارض علنيّا أو ضمنيا النظام ولم ينجوا حتى الفنون التشكيليّة رغم توصّل بعض فنانيها إلى الرواج بحكم اقتراب هذا الفنّ من الملكيّة الخاصة. ولم يروّج جماهيريّا ونمّط بحيث أصبح من كماليات قصور الأغبياء وفي أفضل الحالات تطوّرا جماليّة النزل السياحيّة فأبعد قصرا عن علاقته الأصليّة والعضويّة كتعبيره فنيّة فكريّة شعبيّة ناتجة عنها ومردودة إليها. ولا أنسى ما حلّ بالكتاب والكتّاب من إقصاء حتى أنّ في مراجعة بسيطة للعناوين المنشورة وأصحابها ممن تمتّعوا بدعم الدولة كفيل بالتعرّف على الحيف والظلم لعديد الكتّاب والمبدعين الذين لا يمتلكون القدرة على نشر نتاجهم الأدبي والفكري. وكانت تدّعي الجهات التي كانت مسئولة أنّ هذا الناتج الثقافي لا يروّج لأنّ الشعب لا يقرأ. والحال أن المسئول عن ما وصل إليه المواطن من عزوف عن تناول الكتاب وشرائه هي الدولة من خلال الإقصاء وحصر الدعم على قلّته وبساطته في أسماء أثبتت أنها بوق دعاية ليس أكثر ووجودها يمثّل ماكياج لسلطة قبيحة المنظر والفكر والقلب.إلاّ من رحم ربّي ممن كانوا يفرضون وجودهم بأموالهم أو بتاريخهم الذي لم يفت السلطة احتواءه لتلميع وجودها في الخارج والداخل غصبا عنه وعن وجوده.
ولا يفوتني أن أذكر مثالين عن ميدانين مختلفين ليعرف القارئ ما بلغته الساحة الثقافيّة من مهازل. ففي ميدان الشعر ثمة لوبيات يستدعي لأمسياته ذات الدفع الفوريّ من المال العام من هم من أتباعه فقط والمدينين له بالولاء. وقل ما تشاء من لخبطة لا يهم المهم أن المندوب ومدير الفضاء الثقافيّ يسجّل في دفتر نشاطاته الأمسية وينشر ذلك على أعمدة الصحف التي هي أيضا تقصي التعريف بغير هؤلاء خدمة لأجندة الحاكم وحتى بمنشوراتهم التي دفعوا دمهم وعرقهم وقروضهم لتبليغ صوتهم للشعب وليس للحاكم. والشعرور يقبض ويتعشّى ويشرب على حساب المجموعة الوطنيّة التي هربت من ضحالة ما يقّدّم على أنه شعر أو غيره من تصنيف الأدب.وأيضا العروض المسرحيّة التي تستلم شهادة عرض بدون أن تعرض والسبب غياب وعزوف الجمهور عن ما يدّعون أنه مسرح وهو منهم براء.
وغير ذلك كثير نتركه لمن يريد أن يستزيد من مهازل من هم الآن بصدد تجميع وفرض وجودهم مرّة أخرى وبمهازلهم التي يضنّون بعد أن أقنعهم النظام البائد أنهم مبدعون.وما قصّة حياة وموت الشاعر رضى الجلّالي والذي لم يكرّم حتى الآن(ليس بمهرجان هزيل كما فعلوا)لكن بأن ينشر نتاجه الشعريّ فمن مفارقات الزمن الغبيّ أن نقيم مهرجانا لشاعر وافته المنيّة ولا يعرف له مجموعة أو ما يعطي فكرة عن إبداع ما صنعنا له مهرجانا.وهو الذي أقصاه عاملين. الأول السلطة التي لم تتمكن من احتوائه.والثاني حسد الشعارير من قوّة حضوره الإبداعي في قصيدته التي لو قدّر لها أن بلغت الشعب. كان حتما أن تغيّبهم وتحرمهم من الوجود في مقدّمة المشهد الثقافي عموما وأن تحرمهم ما فاض عن اللجان المحلّية والمهرجانات السحريّة منها من دعم وتكريس للرداءة الثقافيّة التي تحجب بصيص النور ممن يحاولون بأسلوب فيه من السياسة العفوية ما يوجدهم على الساحة.إيمانا منهم بضرورة إثبات الوجود والنضال من أجله لكن هيهات أن تفرض هذا الوجود في ظلّ مثل هذه العوامل الأنفة الذكر. وما سيرد ذكره.
كما أصبحت الفضاء الثقافيّة بالضرورة فضاء للتعبئة للحزب الحاكم وأقصي منه كلّ مخالف ومبدع ومبتكر تفوح منه رائحة المعارضة حتى وإن كانت عفويّة.
ثمّ أسقط على ساحتنا الثقافيّة رؤيا برجوازيّة.من فكرة الناتج الثقافي إلى مقولات المستهلك للمادة الثقافيّة...إلخ. محاولة للفكاك من الثقل الماديّ الذي يجب أن يتوفّر للعمل الثقافي والذي تطالب به مبدعينا ومبدعتنا من جهة. والذي هو ضروريّ ليس للاستمرارية فقط. وإنما الإشعاع داخليّا وخارجيّا"وهذا ما يرنوا إليه كلّ مبدع وهو أصل طموحه المشروع.ومن جهة أخرى لخلق وتكريس ثقافة الدعاية للسلطة الحاكمة.فتحدّثوا كثيرا عن سوق ومنتوج ثقافيّ وأقاموا مهرجانات(كراكوزيّة) للغرض. ثمّ يعودون عند شعورهم بنقص فادح ولخبطة يدّعون أنها حراك ثقافي. ما خلق هوّة ما فتأت تتسع بين المبدع ومتلقي إبداعه. ليس على مستوى الكم بل على مستوى المعروض بحكم غياب الدراية والموهبة والتربيّة والتعلّم المرتبط بالميدان الثقافي وهي الشروط التي يجب أن تتوفّر في مبدع هذا الزمن الذي نعيش.
وغياب(والحقيقة استقالتهم الجماعيّة حتى ظنّا منهم بذلك لن يدنّسوا ويتسخوا بوضع فيه من القذارة ما يكفي للرحيل بعيدا حتى لا تقذر أو يقذّر المثقّف الحقيقيّ) الذين يقودون المسيرة ليعطوا للشباب النموذج الحرّ والمسئول والشكل الحقيقي للعمل الثقافي وأساليبه في الالتصاق بهموم دافع الأموال الحقيقي والذي يغطّي مراحل وجودهم فينا ماديّا ومعنويا ليكونوا أحد أهمّ صوت وجوده وكينونته. الذي يبلّغ بأشكال لا تغيب عن مادته الثقافيّة جماليّة ولا طرافة ولا إبداع مبدع مثقّف متشبّع بالوطن وما عليه وفيه ولا يخلوا إبداعه من طرح فكريّ نتاج رؤيا خاصة وفكرة حرّة يقدّمها للناس. وهو ما يخافه كلّ نظام دكتاتوريّ قمعيّ سارق.
إذّ لم يكتف بسرقة أموال وثروات الوطن. بل سرقوا منه الجدوى من وجود الثقافة بلغت حدّ المال أو نصيب الثقافة من الميزانيّة العامة. الموجّهة للعمل الثقافيّ. وحتى ترويجه عبر وسائل الإعلام الخاصة والعامة على السواء.وتخصيص مجموعة مستفيدين يرتزقون من هذا المال العام مقابل تلميع السلطة وفي أفضل الحالات لقاء الترفيه عن الناس بأعمال لا ترقى لغير مزبلة التاريخ. وكلامي هذا ينسحب على جميع واجهات العمل الثقافي والأدبي الإبداعيّ.
وحين نطرح السؤال عن الجدوى من الثقافة حتما سيكون بعث روح المواطنة والوعي الجماهيري هما على رأس القائمة وما أحوج هذا الشعب في أيام ثورته إلى صوت يعبّر عن تطلّعاته وهمومه الجديدة القديمة بأسلوب راقي ومسئول وملتزم وعضويّ. لذلك فواجب تضمين أسس التعامل مع المثقف والمبدع على خلفيّة ما يقدّمه لا على قاعدة ولائه هي أوّل مطلب يجب تضمينه في الدستور وحرّية وجوده فينا ذاتا وإبداعا أيضا.وهنا لا يفوتني سوى أن أذكّر بالبنود المقترحة لتضمينها في الدستور فيما يخصّ العمل الثقافي الوطني الحرّ والثوريّ.
- حرّية التفكير والتعبير والخلق والإبداع. وحماية حقوق المبدع.
- اعتبار الثقافة حقّ مثل الصحّة والتعليم.
- حماية الحقوق الماديّة والأدبيّة للمبدع والفنّان.
- الحفاظ على التراث الثقافيّ للبلاد بتنوّعاته.
المشهد الإعلاميّ:
ثورة الصحافة .. صحافة الثورة
منذ أصبح الإعلام في العالم أداة التغيير سياسي واقتصاديّ وعسكريّ، وسلطة لا منازع لها لتنفيذ برامج المستعمر الإمبريالي الصهيونيّ. صار لزاما علينا تحرير الطاقات الإعلاميّة في بلداننا لمجابهة هذه الهجمة والجبهة المفتوحة لدمغجة الرأي العام واستعماره وتحويل وجهة ثروته وثورته وسلبه كرامته واستقلاله وعزّته . ومنه الإعلام التونسي الذي أصبح له دور رياديّ لو يعلمون. ليس في تونس وحسب وإنما على أصعدة متعددة منذ إنجاز الثورة. لكن لنا في التاريخ القريب ما قبل الزين وأيامه ، ما أسميه مهزلة تسمى صحافة خصوصا . وإعلاما ، عموما. وفي نظرة سريعة ومحدّدة للعمل الصحفي والإعلامي التونسي قبل الثورة. رغم ما عرف ويعرف عن مهام ودور الصحفي والإعلامي من التزام بصوت الشعب ورغباته وطلباته والمهام الثوريّة المناط بعهدته على المستويين القريب والبعيد المدى. إلاّ أن الموجود كان مجموعة من مستكتبين في أفضل الحالات. يقتصر دورهم على إعادة صياغة ما يرسل لهم من القصر من برقيات. والنقل عن الصحف العربيّة التي تكتب إعلامها بحرفيّة في كشف الحقائق . وتعميم الخبر. والسعي خلف كشف المستور من ملفّات القضايا الساخنة والرئيسة في عالم السياسة والاقتصاد وحتى الرياضة التي يتفاخر بعضهم بإنجازات وهميّة يخال وأنه مبدعها وصاحب السبق فيها . وهي لا تتعدى مؤامرات يحيكها إخوة ومنتسب العائلة التي أقول مالكة وليس غير ذلك . فهيا والكلّ يعلم ما مدى التناحر بينها على ريادية وقيادة الفرق التي هي طريق نحو الشعبيّة وإعداد جناح في الشعب باعتماد الشقاق بين صفوف الشعب لإلهائه أوّلا وتخديره . وتأطيره في أجنحة معدّة لتكون ميليشيا الزعامات المتناحرة داخل القصر وخارجه في المحيط الاقتصادي حتى أنّ هؤلاء الإعلاميين يتلقّون المعلومة جاهزة عن طريق الهاتف ومن مصادر متورّطة في العمليات الأنفة الذكر لتعبّي جيوبها من فتات خيرات البلاد المغتصبة. التي يدرّها الولاء على منتفعين يمثّلون كما أسلفت ميليشيا الزعيم .
أما ما يسما بالصحافة الوطنيّة هي لا تتعدى تغطية باهتة لما أمروا للتحدّث عنه وتصويره قبل وبعد ما يسمى إنجازات التغيير والتي يغطى بها عورة النظام وتذرّ كالرماد على عيون الشعب الذي كان يعلم أنها استثمارات لرؤوس أموال محلّية أو أجنبية وفي أفضل الحالات هي نتاج فتات ما تبرّعوا به لصناديق كصندوق 26 /26 . وأعدموا الفكر الحرّ حتى الموالي لهم والمنتمي لحزبهم إلى درجة أننا نفتقر للمقالات التحليليّة سياسيا كان ذلك أو اقتصاديا واجتماعيا إلى غير ذلك مما يوعّي الشعب على حقائق خافوا أن تكون النار التي يكوون بها . لكن جاءهم الخبر من حيث يعلمون ولا يعلمون ها هو الفايسبوك يعوّض هذا النقص ويجعل من شباب البلاد النار التي طردتهم من البلاد شرّ طردة وكنّستهم من ترابها الأبيّ الطاهر "وما يبق في الواد كان حجروا" وحتى لا أعمم كان ثمة من الذين نذروا أعمارهم لقضيّة الوطن من حاولوا اختراق الحجب والإدلاء بدلوهم على قلّتهم والقسوة التي جوبهوا بها والتي كانت حربا جسديّة من خلال الاعتقال أو إرسال من يؤدّبهم أو من خلال حرب نفسيّة قذرة مفتوحة على مدى المحيط الذي يدور فيه هذا الرافع قلمه سيفا في وجه الطغاة مثل الحيّ ووسائل النقل والشارع والمقهى والبيت وغير ذلك مما يمكن أن يكون مكان يرتاح فيه هذا المشبوه ويكتب ما يراه وما بلغه من حقائق .بينما كان الكثير ممن يسمون جزافا بالإعلاميين يغنمون غنائم ما يتستّرون عنه ويجمّلونه ويهبون معارفهم في عالم المهنة لخدمة النظام البائد. ولا يتجرؤون على اجتياز عتبة مكاتبهم إلا للتواجد في المحافل التي تجلب لهم أيام السعد وولائم كفّ الجوع الدائم رغم ما يتمتّعون به من نعم تغيب عن كلّ إعلاميّ شريف .
فكيف نسمّي إعلاميّا لا يسعى إلى الحقيقة ويجول ليفضح الكوارث والحقائق التي لم تكن بعيدة أو صعبة المنال. من فقر وجوع وتهميش وإقصاء متعمّد وسرقة وسلب وتشريد وتهديد بالموت لو نطقوا أو فضحوا الحقيقة. وكلّ ما يمكن أن يكون جرائم في حقّ الوطن والشعب. والتي طالت حتى الأمة.؟
كيف نفسّر إعلاما لم نرى كميراته وأقلامه تجول في شارع البطالة والإقصاء والتهميش . بينما ينظّف صورة الطاغية بمجهود وتفاني منقطع النظير من خلال حوارات ومواقف هي مدعاة لسخرية القاصي والداني على عالم صحافة وإعلام البلاد .وهاهم وبلا خجل ولا حياء يطلعون علينا اليوم كشرفاء محكومين ومفعول فيهم . والحال أنهم كانوا مرتاحين ومتنعّمين بينما كان غيرهم يناضل من أجل إبلاغ صوته الذي هم أوّل من حاربه وقتله بشكل أو بآخر حتى يبقوا هم على كراسيهم . وها هم يعمّرون المشهد الإعلاميّ بحضور ثوريّ ملغوم يصنعون من خلاله الطاغية الجديد الذي يمنّ عليهم فتات مائدته من الرأسماليين المتبقّين على الساحة الإعلاميّة مثلا. وهم غبر قادرين على تحرير حتى مقال تحليليّ بسيط لوضع اجتماعي أو تحليل سياسي أو تفكيك للبنية الاقتصادية في البلاد وما يمكن أن يكون مادة لتوعية الشعب وتنويره وتثقيفه بشكل من الأشكال.؟
وماذا نسمّي أيضا هذه الهجمة الشرسة على اعتلاء المنابر في المشهد التلفزيّ وتكريس وجوه بعينها معروف سلفا درجة ولاءها وخدماتها للعهد البائد . وما قدّموه من خدمات له لم تشفع لهم وقتها ليكونوا ضمن القائمة المخوّل لها التحدّث في المرئي ليس شكّ في درجة ولاءها وإنما لقلّة قدرتها على الإفهام والانضباط الإعلامي بمفاهيم ما يرغب السرّاق والقتلة إيصاله للبسطاء المغرّر بهم من أبناء الشعب الذي كان ينتظر في وقفة رجال من بينهم رجال الإعلام لفضح وكشف الحقائق التي يعيشون . وهضم الحقوق التي هي أبسط ما يمكن أن يقوم به الإعلاميّ الشريف ؟
ماذا نسمّي تأجيجهم للجهويّة كرويّا للتغطية على جرائم النظام وإضافة معطى جديد لشقّ الصفّ وإثارة النعرة والانقسام في صفوف شعب ثروته الوحيدة هي لحمة سواعده وتراص صفّه خلف قيادة وطنيّة تسعى للرقيّ به وتكون من كرامته كريمة وفاعلة على جميع الأصعدة . داخليّا وخارجيّا ؟
ماذا نسمّي الغبن الإعلامي الذي يعانيه كلّ ما ابتعد عن العاصمة أو المركز بمجرّد شبر. وكلّنا يتذكّر ما حصل في الرديّف وقفصه عموما وبن قردان من أحداث قبل الثورة بقليل . أين إعلامنا وقتها ؟ أين نام في أي غيّ ؟ والأمثلة وإن ذكّرت فقط بالقريب لضيق المجال . يمكن أن أذكّر من يرغب بأكثر من ذلك بكثير.
وحتى أكون صادقا . وأعطي لكلّ ذي حقّ حقّه . فإنّ الصحافة المعارضة أغلبها كانت المنبر الوحيد الذي صدق ولو بنسب متفاوتة وعده رغم كلّ المعانات وقلّة خبرة البعض وانعدام الموارد ومحاربة النظام لأقلامهم ومشهدهم. وأيضا بعض ممن قذف نور في صدرهم أيام الطاغية . من الإعلام الرسمي .وكانوا ضمن قائمة المقهورين والمغلوبين بلقمة العيش . ولم يأبهوا بل واصلوا حتى نفّذ الوعد الشعبيّ وفرّ الطاغية إلى مثواه بالسعوديّة . لكنّهم مبعدون أيضا الآن وفي صميم الثورة عن مواقعهم الأصليّة بحكم تكاثر متسلّقي الثورة ومغتنمي الفرص السعيدة من غنائم الثورة . والذين يهبون كلّهم لأجل البروز في المشهد حتى يكون لهم مكان بيننا . وبلا حياء ولا حتى "حشمة ".
وسنعود فيما بعد لدور الإعلام(خصوصا الخاص)الذي لعبه إبّان بعد الثورة... لكن قبل ذلك وحتى نبق في إطار كشف الأسباب الحقيقيّة والتاريخيّة لثورة 14/01/2010 في تونس.كان لابدّ من تخصيص ما يجب أن يخصص من الردّ أيضا على أطفال بورقيبة الذين يحاولون الرجوع بالزمن إلى الوراء(وهم في الأصل بقايا نظام لم ينقطع منذ رحيل بورقيبة) بعد أن أعاد صياغتهم وتوزيع مهامهم ومراكزهم كلّ حسب طاقاته وإبداعه في ميادين قتل الشعب وأبناء الشعب الطامحين للحرّية والديمقراطيّة والكرامة.وعلى رأسها الشغل الذي كانوا بولائهم المطلق وخدماتهم الجاسوسية والتدميريّة يحرزون عليه قبل غيرهم من أبناء الكادحين. وغيره من المصاعب التي كانوا بارعين في إذاقتها وكذلك العذاب لكل مناضل وطني.وها كم نموذج فيه من الذاتيّة ما كان أيضا عاما وبدرجات لكنه مثال ونموذجا ل23 سنة من المرارة والتدمير.
ـ بعد سايكس بيكوا – الأوبا-كوزي:
يقول لينين (نحن لا نريد أن تفترض الجماهير صحّة كلامنا.فنحن لسنا دجّالين.نريد أن تتحرّر الجماهير من أخطائها عبر التجربة.)وهذه بعض تجارب تاريخنا.فكلّ المتحدّثين عن ماركس والماركسيين. ولجهلهم العظيم لم يطّلعوا على الكلمات. التي خصّ بها كارل ماكس المفكّر الإنساني. الرسول محمدا (صلّى الله عليه وسلم). حيث قال: "جدير بكلّ ذي عقل أن يعترف بنبوّته . وأنه رسول من السماء إلى الأرض. هذا النبيّ افتتح برسالته عصرا للعلم والنور والمعرفة. حريّ أن تدوّن أقواله وأفعاله بطريقة علميّة خاصة. وبما أن هذه التعاليم التي قام بها هي وحي. فقد كان عليه أن يمحو ما كان متراكما من الرسالات السابقة من التبديل والتحوير." وما هذه الكلمات إلا دليل على ما أوقع بين العرب المسلمين وحتى الأقوام الإسلامية الأخرى والماركسيّة من نميمة وفتن ودسائس لتقوم هذه الأقوام التي يطغى عليها الجهل والتجهيل المتعمّد (وفي أحيان كثيرة باسم الدين والدين براء مما يأفكون). بالدور الذي يخصّهم وتناوبهم وتنوبهم في حربهم ضدّ كلّ ما هو إنساني يطالب بحقوق الناس وأولها حقّهم في الحياة الكريمة المستقلّة وبمساواة مع هؤلاء الذين قاموا بالقراءة بدلا منهم ليغنموا من الفكر الماركسي ما يفيد وجودهم ويلقّنوا هؤلاء الفقراء الكادحين المجهّلين (وبعناصر منتقاة من بين ظهرانيهم. ومن عروقهم وأعراقهم. تمتصّ دمهم. وتزرع فيهم الخوف من هذا الاستعمار. والاستكانة للطغاة. والذلّ والمسكنة في طلب حقوقهم المشروعة كأنها منن وزكاة تؤتى لهم من سيّدهم الأمريكي وعبده الأوروبي. والحال أن أموال من ولاّهم أمره من بني جلدته فقط التي يغتصبونها على أنها حقّ ألاهي هي من يبني قوّتهم وجبروتهم ويستعمرون أرضنا ويغتصبون رزقنا ويمتهنونا بين الأمم به ولذلك هم يدعمون بقاء هذه القلّة الضالة الباغية ويسندون بقاءها في السلطة حتى أنهم يصبغون عليها ألقابا هي من صنع النسّابة قديما ليجعلوا منهم نسبا لنسب شريف. يطول عهده وحكمه رغما عن الشعوب المفقّرة والمجهّلة. وأداة حكمهم هو الغباء المستشري في صفوف المتعلّمين ولا أقول مثقّفين وخشيتهم على حياتهم من تهم التكفير والرمي بالزندقة والهرطقة وربّما حتى إهدار الدمّ من طرف مجنّديهم من الذين يريدون توزيرهم علينا فقط. ولا ولن يعلون من شئنهم إلى الحدّ الذي يصبحون فيه خطرا عليهم لذلك يبقوهم متوهمين حربا ضروسا مع اليسار الثوري حتى يقع الفعل المتوهّم من شدّة ما يضغطون على عناصرهم المحشوةّ أفكارها بما يريده الحاكم لا بما يرغبه المحكوم وهو الشعب. رغم أن حربهم (وهم أدرى بها). مع من زرعهم وأسسهم. وغرس فيهم وهم معاداة الفكر الحرّ وتطوير ملكاتهم الفكريّة باعتماد الفكر العربي الإسلامي الحداثي وعصر نته والإنساني العقلاني بما يتماشى والأرضية الاجتماعيّة والأخلاقية والاقتصاديّة التي تأتي نفعا على الشعب أولا وأخيرا. وليس منفعة سيده وحاميه في المقام الأول. أعوانه وعيونه من عبده الدولار في شكله الديناريّ البرجوازيّة اللا وطنيّة وأتباعها الخلّص.
بينما اليسار الثوري حربه الأولى، والأساس مع الجهل والتجهيل ودس الفقر الفكري والعقلي في صفوف الشعب التواق إلى الرقيّ إلى مصاف الإنسانية التي تحكم نفسها بنفسها. وتعيش بجهدها وبتقاسم ثروتها وخيراتها. أي أن اليسار يحارب لإنتاج الوعي الجماهيري لا التجهيل والتفقير الشعبي. والتبعيّة للاستعمار والامبريالية الصهيونية. (وهي التي تقف حائلا بينهم وبين دراسة وكشف الحقائق التاريخيّة التي هي تطمس الآن حتى لا يبق لها أثر يمكن يوما أن يكون سلاح الفقراء) و لذلك كانوا ومازالوا يقفون عند ويل للمصلّين في كلّ ما يروّجوه سواء كان ذلك يخصّ الماركسيّة أو يخصّ الأديان السماويّة وحتى دين الإسلامي لم ينجوا منهم وبتعاون بعض من أهل الملّة. إذ زرعوا من خلالهم في عقول أهله (وما تؤتون من العلم إلاّ قليلا) و أنّ الله يخشى من عباده العلماء ولذلك فإن الدين والتفقه فيه ومعرفته هو حكر على من منّ الله عليه بعلمه، فهو ملك خاص وحكر على أهل المناصب ومن والاهم. والحال أن الله يقول أيضا ما مفاده (إن أراد الإنسان ما وراء العرش لناله) "واللام هنا للتوكيد على فعل النوال" ولم يخصّص طائفة من الناس بفعل النوال وبالتالي في ناحية إكساب المعرفة.
وعلى هذا الأساس كان يبنا ومازال عقلا عربيّا ممنوعا من الصرف محشوّا بما (يجب فقط أن يتعلّم ويعرف) منذ ما قبل استلامه من العثمانيين(الرجل الذي لم ولا ولن يبرئ من مرضه حتى وإن لمّعوا صورته بشتى السبل والطرق) وحتى اليوم. خصوصا بعد تفكّك الاتحاد السوفيتي الذي يريدون تصويره على أنه تفكّك وانكسار للفكر(والحال أن لا فكر إنسانيّ شذّ عن عقد التاريخ. كمرجع لتطوّر الفكر الإنساني عموما) ويريدون إيهامنا بعدم الجدوى من الفكر الاشتراكي الثوري الذي يهدّد أموالهم وما ينهبون من خيراتنا وثرواتنا وعمرنا عبر التشويه وتغييب مفاصل منه على الناس البسطاء عند من رحم ربّي. وتحريمه وتجريمه في محيطات أخرى. وهي التي يعتمدون على غيابها عنهم لإثارتهم بمفاصل أخرى مجتزئة للغرض. ويبيعوننا بدله سلاح من أدنى الدرجات تقليديّة. لا يصلح إلا للتقاتل فيما بيننا. والتناحر على فتات ما يرمى من موائد أمرائنا. وسلاطيننا. وخلفائنا على الأرض الله تحت أيّ لافتة يختارون ويحدّدون. بلغت حدّ التفريق في الدين الواحد وما يجمعنا كمسلمين من حدود حددها الله في كتابه حتى في تحليل وتحريم القتال وشروط قيامه. و كذلك سنّة النبيّ محمدا ومجمل الأنبياء الذين تركوا فينا كتبهم دساتير الأولين ونهج لتطوير حياتنا والعبرة منهم ومن المسيح الذي قال لهم جئت لأطوّر الدين لا لأغيّره أو أبدّله فصلب. كما تركوا فينا من وجب علينا رعايتهم وحمايتهم فهم من أهل الكتاب الأصليين. لكننا نشهد الآن ما يحصل للمسيحيين في العراق من إكراه على التهجير والتشريد والغربة. وغيرهم من أهلنا في بلاد العرب من أهل الكتاب أو الذمّة. وكذلك اليهود العرب الذين رضوا بالهرب إلى إسرائيل بعد أن جرى لهم ما جرى في بلدانهم الأصلية( رغم تعمّد البعض المؤمن بخرافات الغرب والعملاء من إثارة الفتنة التي خلط في أوراقها الحابل بالنابل نتيجة الجهل). وهم (أي الغرب) يعلمون علم اليقين أنّ هؤلاء هم أصل الدين اليهودي و كلّ الأديان السماويّة هي خصّ بها ربّ العباد العرب. من الجزيرة إلى كنعان القديمة التي الشام وهي طريق التجارة العالميّة آنذاك. ولم تنزل أي ديانة في أوروبا برومها وإغريقها أو أمريكا اليوم التي زرعت فينا وفي العالم عبادة الدولار وليوروا ودين(روحي روحي ولا يرحم من مات). والذين لولا بلاد العرب هذه. التي أعطاها ربّك كلّ هذه الخيرات التي تحوّل صحراءها إلى جنات عدن تجري من تحتها أنهار الرزق والكرامة والعزّة لعموم كيانهم الصحراويّ. والذين لم يردّوا حتى ما أخذوه تاريخيّا حين كانوا لا يعرفون من العلم وخير الأرض وخبزها إلا قليلا مما وفّره الرعي. مثل الخيرات والذهب والفضّة والأحجار والقمح والزيت وغيره كثير من مغرب الشمس وتلك الخيرات التي حملت هدايا وعطايا وجباية(والحال أن المستعمر يجبي والفاتح هو صاحب مهام ثوريّة تخصّ عقيدة) إن أحصيت لا يكفي انهار النفط لتعويض قيمتها المادية والمعنويّة في التاريخ العربي الإسلامي.
لذلك هم يتهالكون على مقاعدهم خوفا وذعرا، حين يتعلّق الأمر بالاشتراكيّة الثوريّة في بلاد المغرب العربي. ويدخلون الحوار على أنه معركة حياة أو موت متناسين أن محاورهم عربيّ(أو كما يحلوا لهم مستعرب) لكن تاريخيّا لولاه لما كان فتح الأندلس وصقليا وبلاد أخرى في إفريقيا وغيرها. ولولا أمواله التي انتزعت من قوته إتاوة وخراج وزكاة وغيرها من مسميات وعناوين النهب بقصد تشريعها حينها لما كانت تبنا عواصمهم وحواضرهم حتى أن أقوى وأكثر عبارة لم يقلها عتاة الامبريالية جاءت من فم خليفة الله على أرض الإنسان. حين قال وبتصوّر المستعمر الطاغي واعترافه(أمطري أنّا شئت فخراجك لي... "ولم يقل حتى لبيت مال المسلمين"). ومتجاهلون عمدا الامتداد الفكري للفكر الاشتراكي في قوله تعالى(وخلقناكم سواسية كأسنان المشط) مثلا وليس حصرا. ولكم في أقوال السيد عليّ(رضي الله عنه) وأحفاده القرامطة دلائل.
إنّ الاشتراكية الثوريّة هي إطار نظري يحترم كما يستثمر الفكر الإنساني عقيدة كان أم فكر حرّ في سبيل إحقاق حقّ الجماهير الكادحة في الخبز والحرّية والكرامة الوطنيّة هذا الشعار الذي يرسم كلّ حراك اليسار الثوري بمجمل أطيافه. وهو دستور مختزل لما يجب أن يكون عليه الحال في داخل الوطن من ناحية وعلاقاتنا مع الخارج. هذا الخارج الذي طغى عليه في الآونة الأخيرة دفع مكرّس لتأسيس تفرقة وشقاق يمكن أن يستخدم في أي وقت يراد فيه تقاسم غنائم ثمار جهدنا وكدحنا(بعد أن ابتلعت بنوكهم عوائد النفط وحتى الحجّ) خصوصا وأنهم خبرونا أننا شعب يعيش رغم فقر المواد الباطنيّة على طاقاته المبدعة والكادحة بالفكر والساعد ولم تكن من الدول التي ينهكها فقر وتعوزها الحيلة. مما أثار أطماع القريب قبل البعيد فينا. وفي سبيل تركيعنا يجتهدون الآن مع الحاسدين ممن كانوا قبل ذلك يعيشون عراء الصحاري ويجدون منّا وفينا أزرا وسندا باسم الله وباسم الدين وباسم العروبة أولا والإنسانيّة أخيرا. لكنهم وبعد بروز النفط تعالوا ونسو ما كانوا عليه ووجب تذكيرهم على سبيل الذكر لا الإهانة. لكن على أن تكون الذكرى بالنسبة إليهم درسا في عدم التدخل في شؤوننا إن لم تكن على قاعدة الحسنى. فمشروع بعضهم لاعتلاء عرش العروبة من خلال دعم ما يدعى جزافا بحركات التحرر الشعبي والثورات العربيّة(والحمد لله أنهم في ثورتنا لم يكن لهم أيّ دور يذكر). والتي هم أعلم الناس أنها لم تكن وليوم مشاريعهم بل هي مشروع إعادة التقسيم لما بعد سيكس بيكوا -أي-المشروع الباراكوزي الجديد للاستعمار الامبريالي الصهيوني الحديث والمعاصر.
فالثورات ليست كلّها ثورات حقيقيّة وهذا ما يجب أن يعيه الشعب أنّ هناك المفتعل منها والذي يقاد إلى مثواه بسرعة البرق حتى يتم مشروعهم في أقل وقت وبأقل الخسائر وفي ظلّ غيبوبة لما ينتج عن ذلك من تسرّع في الأحكام المبنيّة على الفعل الحسّي لا العقلي لما ينتج الآن في الساحات العربيّة والتي نخالها ثورات شعب لا دسائس قوى الردّة المدفوعة الأجر من عرب يتصوّرون أنه سيكون لهم شأن في التاريخ الحديث العربي يعوّض مصر وسوريا والعراق ولبنان وغيرهم في صناعة الفكر العربي متناسين قوّة الحضور الدائم والذي ربّما كان مستثنى ظاهريّا (للمغاربة فقط)المتهمين بالفرنسة (متناسين مرجعياتهم الحديثة والتي تنهل من الإنجليز مثلا يمكن إلقاء نظرة سريعة على قائمة المراجع المترجمة والمعتمدة من طرف. وكذلك الفرنسية عند الطرف الآخر من المصارع على المركزيّة). وذلك من طرف الأنظمة السابقة الذكر لشوفينيّة حكمت أفكارهم المسبقة حتى ظنت أنها المركز والباقي أطراف حتى أنهم تصارعوا حول المركزيّة هذه وتجنوا حدّ الوصم وإطلاق التهم جزافا على كلّ من اصطف أو لم يصطفّ لمركز ما. والتي كانت أحد أسباب عزلتهم وانهيارهم. مع ما مثلته أنظمتهم من تفرّد بالرأي وقوّة وعنجهيّة وتسلّط مهين حتى لداخل كيانهم على أنهم يمتلكون الحقيقة كلّها. ومازالوا يمارسون هذه النظرة الأحاديّة التي ستجني على وجود من تبق منهم كقوّة صدّ وردع للكيان الصهيوني من جهة والذي يمثّل يد الامبرياليّة وجسر عبورها إلى داخل وجودنا وعمقه. ولأن المغرب العربي في أجزاء منه مثّل ويمثّل الامتداد الطبيعي وحلقة لا بدّ منها في تشكيل الوعي والفكر العربي والإنساني كان ضربه مؤكّدا منذ نظام المخلوع لكنّهم لم يفلحوا تماما وما بقي هو يمثّل ما يكفي للتأسيس الجديد. وبذرة صالحة للبذر في تربة هي أخصب مما كانت عليه أيام ثنائيّة القوى في العالم.
ولئن كانت المعركة مفتوحة ومازالت الخارطة قيد الإنشاء ولم يتم الانتهاء منها بعد فهي ستجزئ حسب أولويات المراحل المبيّتة حتى لا تحصل ردّة فعل ناتج عن وعي جماهيري مفترض نتاج لقوّة الهجمة وضغطها العالي على نفسية وعقلية الشعب. مع جملة الأخطاء المؤكّدة في التنفيذ وافتضاح ما سيفضحه المعارضون منهم. ممن لم يحصلوا على ما وعدوا به وبالسرعة المطلوبة كتعويض عن خسائرهم ودفاعهم عن المشروع وهم من أعوانهم وأعينهم. فإن الواضح أن الخارطة المراد تقسيمها هي كلّ الوطن العربي لا أجزاء منه فحسب ومن محيط إلى خليج. سينشأ كيان قوى الردّة تحت غطاء حداثة مزعومة. تكون على شاكلة خليج الأحلام الأمريكيّة الربّانية.
والذي هو بدوره سيشمله تغيير طفيف على مستويات قياديّة تواكب التطور الذي تفرضه(الحداثة. والاعتدال. والوسطية. والتسامح"الذي يعني التطبيع بالنهاية وقبول الحلّ النهائي الإسرائيلي لدويلة فلسطين بحدود وشروط الغاصبين الصهاينة على أنه مكسب وانتصار عربي يحلّ القضيّة حلا نهائيّا"وأيضا لا نغفل الجنان الموعودة بتدفّق الأموال من شمال وجنوب وهي ذاتها أموال مرجعيتها الاستعمار الاقتصادي البشع الفاحش المتوحّش الذي سيسارع بنهب ما يغطّي عجزه المالي الذي صرفه لإنجاح المشروع الأوبا-كوزي الامبريالي. والذي من مفارقة الدهر أصبح جزء منه وليس بالهيّن أو اليسير مال عربي النسب والملّة نهب من شعوب الله على أرض الله ومن أرض الله. هي الآن في بنوك الغرب تنتظر أسباب وساعة النزول إلى الأرض الموعودة. برعاية شعب الله المختار وتحالف خير أمّة قد أخرجت للناس.
وبما أننا فرض علينا القتال من أجل شعبنا وعزّته وكرامته وقوته. فإننا ومن خلال يساريتنا الثوريّة وبنفسنا الشعبي الاشتراكي الثوري. وبقوّة الدفع الذي تمثّله ثورتنا وما تلاها من تواريخ نضاليّة تمثّل فارقة في تاريخ اليسار العربي. ونقطة بناء. ونموذج يمهّد للتفكير الصحيح للمطروح علينا من أدوار وبرامج وأطروحات تثري الفكر الإنساني الحديث والمعاصر في طرق البناء لمجتمع مستقلّ وحرّ وثوريّ مناهض للامبريالية والصهيونيّة ونبراس لعموم الشعب العربي والإنسانية في كيفيّة الموائمة بين تراكمات الفكر الإنساني ومعاصرته حسب شروط ومتطلبات المرحلة الشرسة هذه التي نعيش والتي بلا تكاتف قوى الشعب التقدّمية اليساريّة الثوريّة من نخب يجب أن تنزل إلى واقعها إلى شعب وجب أن يساير الفكر ويعمله لتنجح المسيرة.
نهاية الجزء الثاني
Commentaires