top of page
Rechercher

(انتفاضة ألزوالي)تونس14/17 جانفي2010/2011 (الجزء الثالث والأخير) المختار المختاري الزاراتي

  • Photo du rédacteur: zaratimoukhi
    zaratimoukhi
  • 18 juil. 2022
  • 54 min de lecture


14/17

جانفي

أو

انتفاضة شعب

هل سيقول هذا الشعب يوما العبارة الشهيرة"غلطوني"

ثورة هي أم انقلابا(تونس أولا)


حتى اللحظة وأنا أنتظر شجاعة الشجعان من سياسيينا. ليعلن حقائق ما يطلقون عليها ثورة شعب. لتتحوّل إلى جملة ثورات أطلق عليها عنوان (الربيع العربي). هذه "ألثورات" التي هي الآن رهينة كذبتها وأسيرة المتستّرين على حقائقها التي إن كشفت. ستكون انطلاقة فعليّة لثورة حقيقيّة. تأكل الأخضر واليابس. وتقوّض أركان وعروش العار. المتآمرون على شعوبهم وثرواته التي ينهبونها. ويكنزون منها ما يؤسس الهوّة القاتلة لهم، على المدى البعيد. وسيكون لدى شعوبهم السند القويّ. من وضوح الرؤيا للعدوّ الرئيسيّ. الذي يبيعهم جملة وتفصيلا للعدو التاريخي لهذه الأمة. التي يضحك الآن من جهلها العالم(وأقصد بهذا العالم. من سطّروا وخطّطوا ومازالوا يتابعون تسيير المفاصل الرئيسيّة لهذه المهزلة التاريخيّة. والوهم الذي يزرعونه في عقول الناس. وأوّلهم الساسة من راكبي الحدث لمصالح تتنوع بين استغلال الفرصة في أفضل الحالات وطنيّة وبين المنتفعين بها ماديّا ومعنويا مباشرة أو غير مباشرة).


ـ فهل هي ثورة أم انتفاضة أو انقلابا؟

كلنا يعلم علم اليقين أن زين العابدين وأصاهره وأقرباء أقربائه حتى، وحاشيته ومن بينها التجمّعية. وحتى أحزاب الكارتون والبوتيكات السياسية. التي كانت مفتوحة في عهده. وحتى سابقته من أيام بورقيبة وحوانيته الأنفة الذكر. كانت غير قادرة. ولا حتى مؤهّلة. ولا حتى طامحة في تغيير رأس الهرم. مدام على عهده من رعاية ودعم ومساندة لا مشروطة لها. ولسرقاتها وامتصاصها المتواصل لدم الشعب. ولا حتى لها صفة ثوريّة ومصداقيّة تشفع لها عند الشعب. بأن يتبع وينفّذ مشاريعها السياسية والاقتصاديّة. التي لا تختلف شكلا ومضمونا مع النظام و طرحه. وتعطي حقّ الناس وعرقهم ما يستحقه من مقابل. لذلك كانت في أفضل الحالات تطوّرا عشية الرابع عشر من جانفي صامتة وغائبة عن وعي ركّب بمفعول سحريّ تدرّب عليه فاعلوه في مخابر أمريكا(وكان تدريب هؤلاء العينات يستند على قاعدة شديدة وبالغة الحساسيّة تضمن حياد المستعمر وعدم وجوده في الصورة من خلال الخطاب الموجّه الذي كان من صميم الموقع مائة بالمائة إذّ توفّر لديها متطوّعون لقّنوا الطرق ومنهجيّة والمادة الأوليّة من المعلومات وما يتوفّر لديهم من طرق وأشكال الخطاب ليتركوا لهم مجال إبداع الخطاب الملاصق تماما لهويّة الشعب)(أضف إلى ذلك الممهد الذي ابتلع الرأي العام بهالة إعلاميّة مفبركة وأعني ملفات"ويكيليكس" الشهيرة بمسرحيّة محاكمته مما أضفى مصداقيّة على ملفاته المسرّبة لتغذية الغضب الشعبي الذي راجت ممهدات من تلك الأخبار لديه لكن طرحها على هذه الشاكلة أصبح مستندا ووثيقة تدعم غضبه ومشروعيّة تحرّكه ضدّ هذا الطاغية وأذنابه) وبما أنّ تلك الآلة الجهنّمية التي ولدت من رحم الإبداع ألمخابراتي ثمّ وبعد إنتاج السحر الجديد الكامن الآن في إطار السريّة. سوّقت كسلعة وأصبحت حاجة ضروريّة لدى العام والخاص وأقصد عالم الانترانت وعلى رأسه مواقع التواصل الاجتماعي المتداخلة من فايسبوك وتويتر وغيرها. والتي جنّدت الشعب بطليعته المتعلّمة لتنساق بقيّة الفعاليات الشعبيّة وراء الدعوات التي وجّهت والتي ألهبت الشعب خصوصا بعد الوحشيّة والعنف المركّز على القتل والذي لولا عناصر أخرى لكان كارثيّا. التي جوبهت بها طلائع الشعب والتي هي ذاتها استغلّت كمعطى لإبراز وجه النظام القمعي السارق والوحشيّ الجبان بالصوت والصورة مما أثار الناس وجيّشهم وجعلهم طين قابل للتشكّل نارا تحرق البلاد.

مما مهّد للعناصر التي كانت على استعداد تام من خلال خطط وسيناريوهات جاهزة للانقلاب على السلطة والتي لم تظهر في الصورة إلا ساعة الصفر أي خلال يوم الرابع عشر من جانفي(في العاصمة)وقبلها (في 17ديسمبر في الداخل) حين انطلقت بعد اطمئنانها على خروج بن علي من القصر مغادرا نحو منفاه لتنقضّ بهلوانيا على الأحداث وتسيّرها من وراء ستار من اختاروا قنطرة عبور نحو ما بعد الانقلاب. بفعل مغطّى بشرعيّة دستوريّة حتى لا تفقد ما أطلقوا عليه (ثورة شعب واعي وسلميّ أو الثورة الهادئة) طابعها وما يرمون من وراء تثبيتها ليس لتونس فقط وإنما لباقي "المشروع الثوريّ"الذي خصص للعرب وتحديدا لجزء من الخارطة العربيّة(آنيّا) ذات الطابع الرئيسي للمشروع الاستعماري القادم "وهو مشروع استباقي لحرب قيادة العالم الجديدة والتي تتخذ من الواجهة السياسية ما يخفي الصراع الاقتصادي المتصاعد بين قوى متعدّدة ومتنوعة على نقاط مفاتيح إستراتيجية على الخارطة الجيوا-اقتصاديّة وسياسية".

فحتى الذي من المفترض أنه حليف استراتيجيّ لأمريكا "ساركو ألغبي" أثبت واقع الأحداث ومجرياتها أنه كان مستثنى من العمليّة النوعيّة ومغيّب تماما عن الأحداث.رغم موالاته اللا مشروطة لأمريكا ونموذجها الاقتصادي والسياسي التي تمليها عليه ليكون مع ميركل اليمينيّة (الأكثر حياديّة والأكثر ذكاء). رأس الرأسماليّة الفاحشة في أوروبا ومستعمراتها القديمة(التي لم تبق كذلك منذ زمان). حتى أن وزيرته كانت عشيّة الثالث عشر من جانفي تطلب من مجلسها السماح بتزويد النظام الفاشي النوفمبري صديقها الشخصي في تونس بالسلاح وحتى المال الكافي لبقائه على رأس النظام وقمع الشعب الخارج عن السيطرة."ولا أتصور أن وزيرة فرنسا تنطق عن الهوى بل هو وحي مجموعة على رأسها ساركو الغبيّ" ولم يظهر في الصورة الاّ بعد أن دفعت الحقائق الميدانيّة في ليبيا لبروزه كلاعب في حلف تأكّد تجميعه والحشد إليه وتوفير غطاء شرعيّ ولتدخّله ووجوب تدخله وتحركه كعميل مهدد بفضح ملف تدخل ليبيا القذافي في بروزه كرئيس لفرنسا وحتى لا تخسر فرنسا معركة الكينونة في صلب المشروع الاستعماري الجديد الذي تقوده أمريكا وحتى لا تظهر فرنسا خارج الحساب لثروات المنطقة التي هي ذاتها من كان سببا في مواراته التراب السياسي.


ـ ماذا جناه الشعب من انتفاضة الانقلاب(أو ما بعد ثورة الانقلاب)؟

ولأنّ العمليّة برمتها كان مشكوك في درجات نجاحها لعلم المستعمر بمدى نفاذ النظام لكامل تفاصيل الحياة داخل الوزارات السياديّة وغيرها وحتى الحياة الاجتماعيّة عبر شبكة معقّدة مخابراتية يقبض من خلالها على كامل تفاصيل الدولة والشعب بأسره"حتى أنه لم يظهر في الصورة حتى الآن على الأقل. من وزارة الداخليّة مثلا إلاّ فرقة بعينها صغيرة العدد مهمّة من حيث القيمة العمليّة بينما تركوا لبن علي ما كان بمثابة الطعم لكي يبتلع الحالة بدون الشكّ الذي حتما كان سيحبط العمليّة كلها"(وهنا أسئل قيادات الجيش عن قصّة وأسباب وتفاصيل "إعدام ذكيّ"أو ما سمي آنذاك. سقوط المروحيّة الشهيرة برئيس أركان الجيش وعناصر رئيسة من المخابرات العسكريّة مجتمعين فيها بقيادة الجنرال سكيك؟).

وما الوقفة المشهودة للكونغرس سوى وقفت افتخار بنجاح الثورة الهادئة التي عوّضت المخطّط الأول للغبي بوش الابن الذي نهج الاستعمار العسكري المباشر. الذي وضع الجيش الأمريكي وقوّته الضاربة في عمق هدف الأعداء لمطامح الامبرياليّة الأمريكية. مع استنزاف الكثير من ثورات الشعب الأمريكي في خزائن لا فقط دافعي الضرائب فيها الذي يعمّرها ولكن أيضا بيوت مال المسلمين. ولا نتحدث عن تأثيرات الحرب المباشرة على واقع ومستقبل أمريكا في المنطقة لتصاعد الكره الشعبي والغضب الذي حتما سيبرز قيادات مرحلته المناوئة لأمريكا وعملائها في المنطقة. وحتى في المناطق التي تعتبر أكثر حلفاءها تواطأ وعمالة. لذلك كانت تلك الوقفة متقاسمة بين أوباما وإدارته التي نجحت في اختبارها الرئيسيّ من جهة وعلى قوّة إرادة شعب أعتبر عند الجميع على أنه من أكثر الشعوب خضوعا وخنوعا حدّ الخوف الجحيميّ. هذا الشعب الذي أذهلهم ليس بالإرادة القويّة فحسب. وإنما بهبّته كرجل واحد عصيّ على كلّ آلات القمع القاتلة ليكون نجما تنحوا نحوه الشعوب في حاضرنا الذي نعيش. لذلك نقرّ بكونها ثورة يراد لها أن تغتصب لتكون مثالا لبقية الشعوب أنه لا غنى عن أمريكا في تقرير مصائرها.

ـ ماذا نسمي وليدنا يا شعبي؟

بالنهاية لن نختلف في تسميتها ثورة ولم تكن هادئة.لأن الثورات لم تكن كذلك حين يسقط فيها شهيد واحد فما بالك بأكثر من ثلاث مائة شهيد وما يقارب الثلاثة آلاف من الجرحى. ولسنا هنا في هذه المحاولة لتقصّي الحقيقة بصدد التقليل أو نفي الثوريّة عن شعب ثار وقدّم ما قدّم ليكون حرّا متألقا على الدوام. وصانع ليس لتاريخه وحسب وإنما لتاريخ الفقراء والكادحين وكلّ المقهورين الحالمين بالكرامة والحرّية والعدل والمساواة. لكن لمعرفة من يقف وراء حاضرنا فاللعبة لم تنتهي بعد في مسألة تقرير المصير. هل يعود للشعب أم لمن يخدم أجندة ومصالح آخرين؟

وهل هؤلاء الآخرين يرضيهم ذلك؟ويرضوا بما يقرّره الشعب الثائر؟أم سيحسبون تدخّلهم لدعم الثورة بضربة قاضية أحكموها حتى تكون البلاد مستعمرة لدكتاتورياتهم التي يصنعوها مثلما صنع من جلبابهم وجبتهم بن علي وأذياله وأتباعه؟وهل ما يقع على عاتق الشعب الآن من مهام استكمال المراحل الثوريّة استوعبته نخبها لتفوز بالوطنيّة التي لا توهب وإنما تفتكّ غصبا فهي مفتاح الحرّية والكرامة الوطنيّة والعدل.


الانقلاب على المسار الثوري

لم تنطلق الحرب الخفيّة مع حادثة نسمة ولا حتى مع واقعة النقاب في جامعة سوسة أو معهد صفاقس. ولم تنطلق من تونس أصلا. ولسنا وحدنا من نتحمل نتائج هذه الحرب القذرة المضادة للثورة.لاحظوا ما يحصل في مصر في قضيّة الأقباط (مع العلم أنّ هذه القضيّة مفتوحة منذ ما قبل مبارك). على اختلافات الأرضيّة وتنوعها. كمصادر أسلحة وحطب الحرب. وأخيرا وليس آخرا تخريب الهدوء النسبي بين طرفي النقيض إيران والسعوديّة (بين الشيعة والوهابيّة) وإقحام السعوديّة في لعبة ليّ ذراع إيران.

ولأن في تونس لا توجد طوائف يمكن اعتمادها لإشعال الفتيل. لكن لدينا يمين متديّن، ويسار ديمقراطي على نقائصه. ولحصر الأسباب يفرض علينا الواقع النظر لخارج الرقعة الجغرافيّة (تونس) أو حتى (مصر) واكتشاف المتغيرات الدوليّة الرئيسيّة التي لها علاقة وطيدة بنا كبلد لا يزال تحت وصاية الاستعمار الاقتصادي بجميع أوجهه مادمنا على ارتباط بصندوق النقد الدولي وبنوك القروض الدوليّة والبلدان الدائنة الأخرى والتي لها مصالحها ورأسمال متحرّك على أراضينا.

وأهم نقطة فارقة يجب أن ننطلق منها. صراع اليمين واليسار في أوروبا عموما وتحديدا في فرنسا. ليس للارتباط التاريخي الذي يربطنا كبلد (تونس) بها وإنما لما تمثّلها فرنسا من ثقل في الحياة السياسية في القارة العجوز. وما يمكن أن تثيره من متغيرات في اتجاه غالبية بلدان القارة الفاعلة سياسيا. وما صعود نجم اليسار المهدد ليمين الوسط وأقصى اليمين حتى وإن تحالفا. سوى تهديد كبير للمصالح اليمينيّة العالميّة المحميّة بالذراع الأمريكي الذي لن يرضى بخسارة، من عوّضها خسارة توني بلير الحليف المحوري لسياساتها الدوليّة. وأعني ساركوزي كحليف استراتيجي ونوعي لبرامج الإمبرياليّة والرأسماليّة العالميّة وكلنا يذكر أدوار ساركوزي في ما يسمى الربيع العربي وخصوصا في ليبيا. تعويضا عن خسارته لمواقع في تونس على اثر تصريحات وزيرة داخليّته وافتضاح أمر علاقاتها برموز الطاغوت في تونس. وكان ذلك من تدبير وتنفيذ اليسار الفرنسي ذاته.

وعلى اثر الصراع الذي دار على الساحة التونسية بدعم مادي ومعنوي من الخارج لوضع أسس سياسية مرتبطة. منذ سقوط النظام أي عشيّة 14/01 إن لم أقل قبل ذلك ومنذ التخطيط للإيقاع برموز هدر الثروة التي تتخيلها القوة العظمى من باقي ثرواتها. وصراع رأس المال القذر الناهب، الجشع. على حداثة عمره الاقتصادي. والذي ورّط الاقتصاد الأمريكي بصفقاته المشبوهة. و حلفائهم من طواغيت المستعمرات. في أزمة اتخذت بعدا عالميّا. ولا تزال رغم محاولات الرتق الاقتصادي مؤثرا على عمقها الاقتصادي الاستراتيجي أو ما تدّعي بأنه أمنها القومي. في مقابل الرأسماليّة التي تبني على تركتها القديمة حداثتها الموعودة والتي تخلت عن التكلفة الكبيرة لتصدير الديمقراطيّة (كما في شأن العراق وأفغانستان) وتحريك الشعوب من الداخل لتهدم الدكتاتوريات القذرة المتواطئة مع الطرف السابق الذكر في الاقتصاد العالمي المأزوم.

هذا الصراع الخارجي الحاد. الذي مهّد لظهور توافق داخلي غير مبنيّ على أسس ثابتة تجعل منه أرضيّة صلبة غير قابلة للاختراق لهشاشة الوعي الشعبي من جهة. وعمق فوارق أسس البناء الفكري لكل طرف. ومواربة تبعث على الشكّ والريبة. ولا تفسح المجال للاتفاق على خارطة طريق واضحة المعالم تزيح الغيم من سماء البلاد. جزئيا ونسبيا طبعا. هذا الغموض هو الدافع الرئيسي نحو الارتكان لسند قويّ وحتما هو خارجي في غياب اتفاق شعبي نسبي وواضح حول طرح أو جملة أطروحات سبق وعيه اللا مشروط بوجوب وجودها على ساحة البلاد السياسية الديمقراطيّة. وهذا حتما ما يرغبه ويؤسس له الخارج وما صراعه الداخلي في جزئه الغالب إلا على طرق تسير هذه المستعمرات. أبجشع؟ وانتهاك حقوق؟ أو بأسلوب متوازن فيه الجانب الاجتماعي الذي يراعي وضع آلة الإنتاج الإنسانيّة في بعدها الوجودي الإنساني؟.

وبعد أن قدّم من قدّم طرحه المشروط بدرجة ولائه للخارج. إما بالسفر إلى المقرّ المختار أو من خلال مقرّ وسيط وفي أبغض الحلال سفارات مكوكيّة لهذه المقرّات الموجودة على مقربة وعلى أراضينا. ولم يسلم إلاّ من رحم ربّ الناس. وهو حتما إن لم تكن له قواعد يرتكز عليها في وجوده. زائل، أو مركون، أو مهضوم الجانب ولا يرى إلا من وراء حجب البلاد.

وبعد بروز اليسار كفاعل وسلطة لا مهرب من وجودها رغم ما فعل بالزعيم المفترض أن يزاحم ويكتسح وجود ساركوزي (وأعني ستروسكان). إلاّ أن هذا اليسار استفاد من وضعه المتقدّم على الساحة الداخليّة واستثمر أوراق أخرى داخليّة وخارجيّة منها الدعم المعنوي للإنسانيّة عامة. التي قدّمته الثورة التونسية ذاتها. محل الصراع. والتي أثرت على المواطن الفرنسي معنويا بشكل إيجابي، نحو اليسار. حتى الآن على الأقل وقبل لعب اليمين لأوراقه الأخيرة. وفي انتظار أن تجهز هذه الأوراق ويحين وقتها. ها هي القوّة الإمبرياليّة العظمى تتدخّل لتغطية الثغرة بطريقتها المعتادة (الفتنة).

متخيّلة أنها ستعيد خلط الأوراق وإعادتنا للمربّع الأول (مربّع الصراع حول العلمانيّة) وانطلق السيد الباجي قايد السبسي ومن واشنطن لتدشين الحملة الجديدة. بتصريحه المتجاوز للوقت وللمشروعيّة. فهو مؤقّت الوجود. ومن يحدّد تونس مسلمة أو إسلاميّة هو من سيكتب الدستور من الأطراف المنتخبة شرعيّا فهل كانت هذه التصريحات هي من حرّك المسئول الأمني الأمريكي لنصح رعاياه بعدم التوجّه إلى تونس الآن وبعد الانتخابات؟ خشية العنف الذي هم من يحرّض ويسعى إليه بوسائل متعدّدة ومتنوّعة ومنها أذرع طبعا محلّية .أما تصريحه في جامعة جورج تاون أنه وضع أسس برنامج اقتصادي يمتد على مدى خمس سنوات سوى خرق ثاني لدوره المؤقّت جدّا. والمحصور في تسير مرحلة ما قبل الانتخابات. أم أنّ هناك مخطّط آخر ينتظرنا ربّما للتمديد أو التغيير الشكلي لا غير؟ وما تنحية رئيس المحكمة الإداريّة الفجائي وعدم إعداد وتقديم قائمات العار التي طالبت بها اللجنة المستقلّة للانتخابات والتي لم تسلّم حتى الآن ونحن على مسافة أيام معدودة على الانتخابات أم هو تغاضي مدروس حتى يمكن لأشخاص معينين من نيل حصانة ما بعد الانتخابات وصدور النتائج لخدمة مصلحة ما؟ أو التخويف بالمرتبات ثم التراجع عن هذا التخويف في مرحلة سابقة. وقصة هيبة الدولة. وغيرها من البرامج التي تعتمد على حركة مدّ وجزر يهيّئ الأرضيّة لاستمرارية وجوه بعينها. وأسماء هي ذاتها التي قام الشعب لمحوها من قاموس أيامه. وما حملة تنظيف بعض الوجوه المرغوب وجودها من دوائر محدّدة. وصلت حدّ رفع اليد عن أموال لمساجين في قضايا حق عام. ومن هم رهن التحقيق. وكل الدلائل الاقتصاديّة تشير وبكل وضوح على أن ذخيرة الاقتصاد التونسي بعد14/01 وحتى الانتخابات قادرة على توفير متطلبات المرحلة بدون التدين. ولا غيره من مشاريع الربط مع الخارج الطامع. مع ما أضافه الوضع الليبي. رغم أننا لم نتمنى أن يصل أمر ثورته حدّ التضحية بهذا العدد من الشهداء والتضحيات الدمويّة. وما ينقص سوى التسيير المؤقت جدا والدقيق. حتى قيام الدولة الرئيسية والشرعيّة. بعد صياغة الدستور وقيام انتخابات تشريعيّة ورئاسية وطنيّة ديمقراطيّة.

لكن وكلنا يعرف أن مدير برامج نسمة هو ذات المسئول عن الاتصال في الحكومة المؤقّتة. مع ما هو معروف للعموم من ارتباط نسمة بالرأسمال اليميني الدولي. الذي مكّنها من استضافة نوعيّة في الرتابة. وقلّة المعرفة بإدارة حوار مهمّ، مع شخصيّة كالسيدة كلينتون. وغير ذلك من الدلائل التي تثير العديد من الأسئلة والريبة. ورغم دفاعي النوعي عن حرّية التعبير والحرّيات الثقافيّة إلاّ أني مقتنع وأظن أنني مع الجميع في هذا الموقف المبدئي القائل أن حرّيتي تنتهي عند حدود حرّية الآخرين وبما أنني في بلد ذي الغالبيّة العربيّة المسلمة. وجب أن أنتبه لما لا يخدش حياء أو أخلاقيات هذا الشعب على قلّة وعيه، أو عمق وعيه، بمسائل الدين والدنيا. وما احترامي لخيارات الأغلبيّة الساحقة من مواطني هذا البلد الاّ دليل قبول بالفعل الديمقراطي الحقيقي والصحيح.

ولكن أن يبثّ مثل هذا الشريط ليلة يوم الجمعة وبدبلجة تعتمد مصطلحات منذ زمن والشعب ينادي بوجوب إعدامها من قاموس لهجتنا وحديثنا وليس الفعل العكسي لمثل هذه الأشرطة وهو تحبيب الناشئة فيها وتقريبها من لسانهم. في فعل عكسي وبثّها في ثقافتهم اللغويّة ومخزونهم اللفظي. الذي يعتمد طبعا فيما بعد في لغة التخاطب اليوميّة. في البيت. والشارع في تعدّ على خصوصيّة الذات التونسيّة وخدش للحياء العام وهو عنف لفظيّ. المفروض يعاقب عليه. ومن بعد في المدرسة كما أثبتت ذلك التجارب السابقة في الميدان التربوي اعتماد بعض الناشئة وآخذ عددهم في الارتفاع منذ ما قبل الثورة هذه المفردات، وهذا القاموس. على أنها اللغة الدراسية ذاتها والشواهد عديدة.

وما اعتماد ليس فقط إيحاءات بل وأقوال مخلّة بآداب العقد الاجتماعي المتفق عليه (رغم اقتناعنا بأنه من المسكوت عنه والذي لا يمكن التعاطي معه بمثل هذه الطريقة).

واعتماد ما عمل على تكريسه بن علي طيلة حكمه لتفسيخ تقاليد وعادات المجتمع الأخلاقية الإسلامية وليس الإسلامويّة. والاجتماعيّة الصرفة. والتي حتى وان نعمل على تغيرها مواكبة للعصر ليس في اتجاه الأسوأ. وإنما في اتجاه بناء مجتمع متحضّر. ومقدّر للذات الإنسانية ببنائها التاريخي الكلّي. الذي يمثّل هويّتها. سواء كانت أنثويّة ذات خصوصيّة وذكريّة أيضا ذات خصوصيّة. ومع تفاعلات الذات الإنسانية العالميّة المثقفة والواعية والمسئولة وليس النموذج السيئ للغرب وللشارع الأمريكي المهمّش والمغدور في حرّية يتصوّرها وأنه يمتلكها والحال أنه لا يمتلك سوى قشور الحرّية وأصحاب المال ينعمون ويكدّسون ثرواتهم على حساب فقره وتعاسته وبطالته وهنا أسأل هل هذا هو نموذج الحرّية التي نريد لثورتنا الشعبيّة التي نحن بصدد إنجازها من خلال افتكاكها من الطغمة التي قرّرتها.

كلّ هذه العوامل وأخرى متعارف عليها لذلك نتحاشى تكرارها. تثبت أن الحرب الخفيّة لإعادتنا للمربّع الأول قد تقدّمت نحو الإثارة القويّة التي يمكن أن تهزّ استقرار البلاد النسبي بما يعيق التقدّم نحو انتخابات نزيهة وديمقراطيّة وشفّافة نسبيا. لأوّل مرّة في تاريخ ليس تونس وحسب وإنما الوطن العربي والعالم ثالثي. لذلك على الأطراف السياسية أن تنتبه للحرب الخفيّة التي ليس فقط تعيدنا للمربّع الأول قصد التناحر بين اليمين المتديّن واليسار وخصوصا دعاة العلمانيّة. وترك الفرصة والساحة للقوى التابعة للرأسماليّة الإمبرياليّة لتبني ديكتاتوريّة (بن ...) آخر. وبذات الوجوه التي يتمّ وتمّ حمايتها بطرق قيل قانونيّة وأساليب أخرى منها بقاء الإدارة على حالها وهي تمثّل الحرس القديم المنفّذ والساهر على تنفيذ البرامج المتمثّلة في ديمقراطيّة بحسب ما تقرّره الامبرياليّة العالميّة لنا وليس بناء ديمقراطي حقيقي. أي استعمار متواصل مع قليل من الحرّيات على مقاس الدور الذي نقوم به في إثراء خزائنهم بشقائنا وعرقنا وتعبنا. ودعمنا لقراراتهم ومواقفهم الاستعمارية العالميّة.

وما تحويل القضيّة إلى مسألة ثقافيّة وإبداعية. فالإبداع والثقافة ليست التحرّر الأعمى. وإنما فلسفة تنبع من المكان والزمان. حتى وان ثارت عليه. فهي تعيه وتعي شروط التعايش معه وبنائه من الداخل. ليس من خلال الصدم. وإنما البناء من خلال تأسيس وعي جمعي تدريجي أولا. وليس من خلال التحطيم المبني على جهل أو تهافت أو إثارة لغاية الإثارة أو من خلال جهل مدقع في فهم طبيعة المجتمع ومكوناته وأسسه.

وما شهدنا من تتالي الأحداث يفرض علينا تحليلات غير التي تراها أطراف بعينها. ونكرّر لهم ثورتنا ثورة مستمرّة.

- ما بعد الانتخاب الديمقراطي جدّا:

على إثر تصعيد ورقة الإخوان التي يرعاها الشرق الذي هو راغب أشدّ ما يكون الرغبة على العودة إلى زمن الإمبراطوريّة"الإسلاميّة" ولو كلاعب ظلّ ومسخ لراعيه ومبدع أطوار نموّه في المشهد السياسي على إثر انهيار مصر في الضمير الشعبيّ لا فقط في ضمير الساسة والنخب.بحيث أصبحت في عزلة عن الشارع مما عجّل كعامل من العوامل بسقوط سلطة مبارك وأعوانه المكشوفين على الأقل.وعدم القبول شعبيّا بسلطان عثماني جديد هو في وجوده شريك مكشوف للصهيونيّة في العالم وعلى رأسها إسرائيل العدوّ التاريخيّ للعرب.إذا فالمجال تصوّروه مفتوحا وسهل ولوج ذلك الفضاء الذي طالما صرف على نواة منه حتى تنشر فكرهم المؤسس على تأويل للنصّ الإسلامي المقدّس مجمّع من عناصر عرفت لا بولائها المطلق لسلطان يمثّل مصدر ثرائها وسلطتها التي جرّبت بقوّة السيف ونفعت في محيط خليج خال من كلّ احتكاك فكريّ بالعقل الإنسانيّ الحديث عدى ما رحم ربّي من استهلاك حميريّ لمنتجات العقل البشريّ القادم من بلاد الكفّار طبعا(وأعني عبد الوهاب وابن تيميّة مثالا وليس حصرا).والذي سبق وجود هؤلاء الكفّار بمنتجاتهم التي تغطّي كامل تفاصيل الحياة اليوميّة بكلّ أوجهها فينا. فتوى تبيح التعامل معهم في نطاق التجارة لسابقة للرسول الأكرم في التعامل مع اليهود متغافلين على ما وقع بعد ذلك التعامل بعد خيانتهم له وللعهود التي تربطهم به.والتي أجمعت صحف التاريخ الإنساني وحتى صحف كتابهم المقدّس على أنها أصل في تركيبة تفكيرهم وآلية تعاملهم مع غير اليهوديّ وبوصاية دينيّة صرفة يعتمدونها كمعطى أساسي لبقائهم وبقاء ونقاء سلالتهم وانظروا تقسيم المجتمع اليهودي الذي لم يكتفي بالتقسيم الترتيبي بين أشكيناز وسفرديم بل مواطنين بتقسيم من الواحد للخامس من الدرجات. والتي تحمي وجودهم الذي كان الرسول قد أزاله إثر تفطنه لخياناتهم وتآمرهم مع أعداء الإسلام بحدّ السيف من حصونهم التي كانوا يتصوّرون أنها درعهم الحامي الذي يشاكل في هذه الأيام دروعهم العسكريّة التي غذّوا عقل العربيّ البسيط أنها خرافيّة وقاتلة ومبيدة له إذا ما تقدّم نحو حصونهم الحاليّة.التي أثبتت أحزاب(كحزب الله وائتلاف أحزاب غزّة) وليس جيوش دول بطمّ طميمها تدّعي الثوريّة والنضاليّة والعروبة أنها قادرة على اختراقه وهدم تلك الخرافة الوهميّة التي هم أنفسهم(أعني الإسرائيليين)صدّقوا كذبتهم و يتوهّمون سلطانا يصنعون له عناوين مضحكة"كقبّة ودرع صاروخيّ وغيره) وكشفوا عورتهم أمام جيوش مهزومة بقرار سياسي تآمري عربي.رغم الشواهد التي منحتها المقاومة على هشاشتهم ليس على المستوى العسكري فحسب وإنما حتى على مستوى جبهتهم الداخليّة.

وهاهي قطر وليدة زمن المال القذر والسقوط السياسي. وبرعاية آل سعود أصحاب مرجع نظرهم في طرق ووسيلة "تهويد" العرب وبوسائل معدّة سلفا في دوائر الصهيونيّة والامبرياليّة العالميّة من موساد وسي أي إيه وأم 6 البريطانيّة وغيرها كثير حتى أنه يصعب الآن حصر وجودها وتمركز وتموقع عناصرها.لكن الأصل في المخطط واحد ليشكّل وضوح التحرّك فرديّا كان أم جماعيّا. خصوصا وأن تماثل وتشابه الأدوات أيضا تشكّل المدخل الرئيسي لاكتشافهم في أي حلقة هم مندسّون. وخلف أي ستار يتوارون. وما يفضحه العنصر الوهابي.العنصر المكشوف والواضح والجليّ والذي يستر ويغطّي ما سنكشف ما توصّلنا من خلال الأحداث صعوده للحلبة من أعداء الثورة.والصراع المفتوح بينهم للقيادة وتزعّم المشهد السياسي المزوّق الجديد الخادع فقط لمن لا عقل له يتابع ما يشهده من أحداث ونوعيّة الملفّات المطروحة على الأقل.

فبعد تصعيد الداء استوجب زرع المصل المضاد لخلق موازنة هي متنفّس دائم ووجهين لعملة واحدة اختصاصها الأساسي ودورها الذي هو من أولويات عملها(وإن اختلفت الأشكال الآن من مساند لتحركاتهم ومغازلتهم سياسيا بقصد ربحهم كرقم على الخارطة وبين من انتهت فترة التعامل وجاهر بالعداء بحكم تولّيه سلطة الحكم ولو مؤقّتا)وهذا كلّه لأجل حرق طريق صعود من وضعوهم موضع أعدائهم التاريخيين وأعني تحديدا اليسار بكلّ أطيافه والمنظّمات التاريخيّة كالإتحاد العام التونسي للشغل مثلا.وهم الموجودين أصلا على الخارطة السياسية"ولو بنسبة تمثّل رقما صعبا"وبعد تشكّل جبهة الشعب التي حالها حال المنظّمات وعلى رأسها الإتحاد العام التونسي للشغل هي قادرة على التوسّع على خلفيّة عملها السياسي المواجه لتطورات الأحداث ودرجات فعلها الواعي والمسئول على الساحة ليس الداخليّة وحسب وإنما تفاعلها مع المنظّمات الدوليّة ذات البعد الإنساني المساند لحركات تحرّر الشعوب في العالم.واعتمادها أساليب الفضح لكلّ دور مشبوه وفي حينه من خلال ما يتوفّر لديها من فرص حضور إعلامي رغم الحصار المفروض نتيجة الصراع الأول بين طرفي ووجهي العملة الواحدة وبينهما والاتجاه الثوريّ الحقيقي.

وما وضع الخلايا المشكوك فيها وفي أدائها والأخرى المعروفة بولائها وتعاملها مع مداخل المستعمر كجمعيات زرع المال القذر لشراء الو لاءات كجمعيات دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسّطة الأوروبيّة والأمريكيّة وغيرها. وكذلك التفاعل إيجابيّا مع الوضع الذي تفرضه أجندات تعمل من خلال أرضنا ووضعنا. لرهن مواقفنا في الداخل والخارج مع الرهن الاقتصادي وهجمة شراء ثروات الشعب.على قلّتها.وما شراء الذمم الذي سبق تدافع رؤوس أموالهم القذرة التي وجدت فينا المطهّر والغاسل لها حتى تكون في وضع يسمح لها لدخول نوادي الاستعمار كدافوس ونادي أوروبا الموحّدة وغيرها. وصناديق قتل الشعوب كصندوق القروض وغيره. بما يفتح للمستعمر موطئ قدم مفتاح وطريق سالكة لبلع المنطقة برمتها خصوصا منها التي بها الثروة الأم"النفط والغاز".وأعني ليبيا والجزائر كمرحلة ممهدة لإفريقيا. ونقطة ضخمة الإنتاج والمخزون تكون مفتاح بقيّة ما وراء الساحل والصحراء من غابات وغيرها هي الحديقة اللازمة لضمان إصلاح ما أفسده غازات صناعاتهم للتوازن الطبيعي للعالم.وضمان للثروة المائيّة التي هي مفتاح من مفاتيح الحياة المستقبليّة بعد ما أثر الاحتباس الحراري في"كليماتولوجيا" الكون.

إذا فإن تواجد عنصر السلفيّة بتفصيلاتها من"القاعدة في شمال المغرب العربي" بتحديد للمنطقة على الخارطة من الاسم هو يغني لتوضيح حدود المهام الموكلة إليها. والتي ولدت لها ومن أجل تحقيقها.وبقوّة داخليّة من الشباب الذين غرّر بهم ليكونوا يد العدوّ الطائل بحكم خصوصيّة معرفتها الميدانيّة وافتقارها وفقرها الشبه كلّي للوعي وللمعرفة التي تخصّ حتى الشأن الذي قاموا من أجله(الدين ونشره والتأسيس على منوال السلف)الذي دخلته في السابق الإسرائيليات وفيما بعد حرّفت غايته بالتجزئة المتعمّدة والاقتناص الذي يدسّ في عقول المراهقين سنّا وفكر.لتجنيدهم لمعركة هدم وحرق ما بلغته نخبهم الوطنيّة من نضج خافوه وخشوا بأسه فسارعوا بالانقلاب على ثورة شعب حرّ وسيعيش حرّ غصبا عن كلّهم لا بعضهم.

وما الإضراب العام الذي دعا إليه الإتحاد العام التونسي للشغل ليوم 13/12/2012 (سواء نجح أو لم ينجح جزئيّا)إلاّ بداية معركة وثورة على جيوب الغادرين والمتآمرين على حرّية وخبز الشعب المفقّر والملعوب ليس بعرقه وكدحه فقط بل بكلّ حياته.

والثورة مستمرّة


ـ لماذا النهضة في تونس؟

يتحدثون في كلّ مرحلة عن وجود المخابرات العالمية على أرض تونس بشكل مباشر وكأنهم لا يعلمون ما لتونس من دور استراتيجي في محيطها العربي رغم أنه مستتر ومخفيّ في جبّة العلاقات التبادلية التجاريّة كما يحلوا للبعض مغالطة عقولهم المحللة للأحداث المفصليّة 'على الأقل'.فمنذ الخروج العسكري لفرنسا من على أرض تونس تمّ ربطها باستعمار اقتصادي مفضوح رغم المراوغات البورقيبيّة لإخفاء هذا الاستعمار حتى يكون في صورة البطل الذي قهر فرنسا وهزمها وأخرجها تجرّ أذيال الخيبة من تونس. والحال أنه هو أوّل من يعلم أنّ اقتصاده بكلّه مرتبط ارتباطا عضويا بالاقتصاد الفرنسي خصوصا ومن ثمة دائرة التفاعل الفرنسي الاقتصادي أي الأمريكي والأوروبي وحين نتحدث عن أمريكا لا يمكن إطلاقا على العاقل إغفال نصيب إسرائيل من الكعكة الأمريكيّة.

وهذا الاستعمار العضوي.كان المدخل الرئيسي لتواجد المخابرات الفرنسية والأمريكية والاسرائيليلة طبعا على أرض تونس.وكان في البداية مرتبطا بالدائرة الرسمية ضمن فعاليات السفارات (في شكل تقارير أمنيّة وعسكريّة وسياسية ترسلها السفارات إلى دوائرها الحكوميّة لمتابعة حكام هذه الدولة 'ألصديقة' التي يجب أن ترعى مصالح أصدقائها على أرضها بشكل مطلق ومبجّل وبحظوة تجعل منهم الأول على الساحة والمتحكمين حتى في الخيارات الاقتصادية ومشاريع هذه الدولة المستقبلية (ومنّا من يذكر حادثة نوعيّة هي حادثة ترويج سيارات الايسيزوا اليابانية في أول ظهور لها على الطرقات التونسية زمن بورقيبة وماذا كان موقف فرنسا حين أغلقت مشروع 'ستييا' لتركيب السيارات وقطعت تزويد تونس بقطع غيارات السيارات الفرنسية حتى رضوخ بورقيبة وزعمه أنه أوجد حلّ يرضي الجميع وهو الترفيع في سعر الايسيزو بما يتناسب ومبيعات ال404 بوجو الفرنسية وحذف المحرّك الاضافي الذي كانت ايسيزو تعطيه هدية مع كلّ سيارة مقتناة).

ولم ينتهي عالم الجوسسة في تونس إلى هذا الشكل فقط بل وتطوّر متفاعلا مع الأحداث العربيّة والعالمية وتأثيرها على الساحة التونسيّة.

فدخلوا إلى الساحة الوطنيّة (وهنا أخصّ بالذكر الوجود الخاص لجهاز الموساد في تونس). من خلال الأطر السياحيّة 'مثلا وكالات الأسفار.بحكم تحكمهم في المراصد العالمية للترويج السياحي'.ثمّ أستخدم عنصر 'الحفاظ على سلامة الجالية اليهوديّة بتونس'وكأنهم ليسوا مواطنين تونسيين أو هم مضطهدون في تونس إلى درجة أنهم معرضون للخطر فيها'وعملوا داخل صفوف اليهود التونسيين مستغلين قدومهم للحجّ اليهودي في 'الغريبة' بجزيرة جربة ومثلّ الحجّ مدخلا سهلا ومناسبا للموساد للتغلغل في صفوف يهود تونس وبثّ سموم الفرقى وغسل وتنظيم عقليّة ظهرت في مناسبات عدّة لدى يهود تونس وترتكز على عنصر أساسي في الفكر الصهيوني وهو الشعور الدائم والتفكير المسترسل في وضعيّة وهميّة تحولت إلى مرضيّة هدامة ومخربة وهي عقلية ونفسيّة المضطهد والمستهدف الذي يجب أن ينال من غريمه قبل أن ينال منه.

ومن هنا تحركت دوائر الموساد واستهدفت شرائحها الأولى من بعض التونسيين لتكون خلايا مدّتها بما يلزم من مال وسهّلت وصولها إليه.وجعلت منهم في بعض الأحيان عناصر مزدوجة فهي تقوم بالاستخبار على الداخل التونسي وتخصيصا (الحركة السياسية في تونس وحتى الاقتصادية وهنا ترصد كلّ تحركات الرأسمال التونسي الحرّ أي ما يسمى بالبورجوازية الوطنيّة حتى بلغت رغبتها في تجميعهم داخل محافل خاصة معزولة عن الشعب الكريم وربطتهم بمشاريعها مستغلّة ما في القانون التونسي من خور وثغرات حتى تركّز لديها خلايا في أهم المواقع الرافدة والمغذية لدوائر القرار في تونس وأعني الجهات المميزة في بلوغ مركز الحكم من وزراء وكوادر إداريّة.حتى أصبحت متمكنة من إعلاء شأن من تريد من أذرعها.وهنا للناظر في مسيرة (بن علي) سيعرف قيمة التغلغل لأجهزة المخابرات الاسرائيليّة 'الموساد'التي هي جناح رئيسي للسي أي أيه الأمريكيّة بحكم ما لديها من حدود التماس مع العنصر البشري التونسي والعربي بالأساس ثمّ القدرة المالية السريعة التسلل للمواقع العربيّة.فالموساد خلق لمحاربة العرب بالعرب ذاتهم بحكم وجود العرق العربي اليهودي الذي يمكن أن يتلون ويتشكّل مثلما تشاؤه رغبة الكيان الصهيوني وهذه الميزة تفتقدها المخابرات الأمريكيّة بشكل يتيح لها الذهاب بعيدا في مشروعها ألاستخباري لذلك هي تعتمد على ما توفره المخابرات الصهيونية الموساد. وكلنا يذكر في العهد البورقيبي ما لدور الموساد التي ركزت خلاياها في تونس قبل وخلال مجيء الفلسطينيين بقياداتهم إلى تونس وقامت بعمليتين نوعيتين الأولى والرئيسيّة بالنسبة لي هي عملية اغتيال أبو جهاد والثانية وهي أقل أهميّة عملية قصف حمام الشاطئ وكان الاعلام المتواطئ ودوائر الصهيونيّة جاهز لإخراج صورة بورقيبة من عنق زجاجة الغضب الشعبي جاهز حيث صوتت أمريكا ولأول مرّة في التاريخ والأخير طبعا لينتصر بورقيبة على إسرائيل ويصبح الدم المراق والكرامة المهدورة والسيادة الممرغة في الوحل والدمّ محلّ متاجرة مع إسرائيل لتدفع المبلغ الكافي لحفظ ماء وجه بورقيبة داخليا وعربيا وعالميا.

ولن أزيد على ما يعرف عن (بن علي) وما عرف بعد فراره من ملفات تعاون وتفاعل مع المخابرات العالمية على أرض تونس لقاء إعلامها بما يصلها من معلومات حول تحركات السياسيين التونسيين في الداخل والخارج. لكنّي أعود إلى ملفّ حارق وفاضح ومجيب على السؤال الحارق.

لماذا النهضة تحكم تونس المنتفضة.بعد فرار بن علي.وأعتمد في إجابتي على ما رغبت دوائر السي أي إيه والموساد فضحه عن طريق عميلها بالأمس والوقت الحالي (سنودن) المعروف بوثائق ويكيليكس.وهي نموذج سهل للمتآمر الذي يتهمك بالاستناد إلى نظرية المؤامرة في التحاليل التي تقدمها. وهي جزء من العمل الاستخباري الذي تقوم به الجهات الرسميّة أي السفارات الموجودة على أراضينا وبحماية دولية:

ـ وثيقة ويكيليكس المسربة والخاصة برؤية السفارة الامريكية المثبتة في شكل تقرير تفصيلي موجّه للإدارة المركزية الأمريكية(هذا أهم ما تحتويه في شكل ملخّص):

مثّلت تونس بعلاقاتها الممتدة لأكثر من مأتي سنة مع أمريكا نقطة محورية في سياستها الاقتصادية والأمنية ليس للمنطقة العربية ككل أو العربية المغاربية فقط وإنما الافريقيّة أيضا بحكم موقعها الاستراتيجي المفتوح كجسر بين كلّ هذه المحيطات وأوروبا ومضيق جبل طارق منفذ أساطيل الجيش الامريكي التي تجوب البحار ومنها المتمركزة بالمتوسط لحماية طرق التجارة الدولية الخاصة بمنظومتها ومكونات حلفها ودائرته العالمية.لذلك فإن الادارة الامريكيّة ركّزت نشاطها المباشر في تونس للفوز بها نهائيا مقابل تراجع فرنسا إلى مرتبة الشريك الاقتصادي التقليدي الاول بينما لأمريكا اغراض ومشاريع أخرى لا تقف عند حدود التجارة مع تونس كخارطة ضيقة.وبعد صعود اليمين وسيطرته على كلّ مفاصل فرنسا وتنامي الدور الصهيوني في كواليس السياسة الفرنسية وانتهازية ما يسمى باليسار في فرنسا وترهله وانحنائه لرغبات أمريكا والحركة الصهيونية التي انغرست في العمق الفرنسي بسيطرتهم على مفاصل الاعلام خصوصا. بقنواته المتعددة والمتشعبة المنغرسة في لبّ المحيط الفرنكوفوني بكلّ أجزائه. وفي اطار تفاهمات تترك لفرنسا مجالها الحيوي بينما تتقاسم معها أمريكا ما تراه نشاطا مشروعا لتأمين حدائق وطنها الخلفية أي مصدر ثروتها التي تنهبها من هذه الامم الفقيرة الكادحة من نفط وغاز والماس وذهب وما وهواء وعبيد في شكل مأنسن جديد أي بترك هذا العبد في موطنه يكدح ليسعد المواطن الامريكي الثريّ بالثروة ومصادر الطاقة لتشغيل مصانعه ويبيعه فتات ما فاض من سلعه الموبوءة والاستهلاكيّة من الدرجة الرخيصة التي لا يرغبها المواطن الامريكي العادي أو الاوروبي ايضا.وبخلاف عن وجودهم حقل تجارب لأسلحتهم الفتاكة المستقبلية المتمثلة خصوصا(السلاح البكتريولوجي)بنشر الاوبئة والفيروسات التي يبحث عنها علمائهم في إرث الانسان القديم الذي كان يعاني من انتشارها ومنها(السيفليس والطاعون والسيدا والايبولا وفيروسات الانفلونزا بجميع انواعها التي عرفناها اليوم....و..و..وغيرها كثير مما اكتشفه علماء السلاح الامريكي لتعويض الآلة العسكرية الحالية والحد من خسائرهم البشرية مقابل قتل أكبر عدد ممكن من العدو ومحقه تماما(وانتشر هذا الصراع في نهاية ستينات القرن خصوصا في اطار الصراع بين الكتلة الشرقية وأمريكا وحلفائها).

ولأنّ تونس تمثّل طريق رئيسيّة ومعبّدة لتنفيذ مشاريعها التي واجهتها الواضحة شعاري الديمقراطية والحريّة وعنوانها الرئيسي موطئ قدم لقوات الافريكوم(للتدخل السريع)وغطائها تجاري...واصلها نهب ثروات الشعوب الافريقيّة وطرد كلّ من تسوّل له نفسه الاقتراب من حديقتهم التي كانت مغلقة لزمان في انتظار دورها في الماكينة الامريكية.وتونس ايضا رقم مهم في المعادلة العربية سواء مغاربيا أو شرق أوسطيا من خلال امكانياتها وحضورها في داخل الجامعة العربية وتأثيراتها على بعض دوائر القرار من خلال علاقات بشخصيات فاعلة عربيا.وأيضا من خلال علاقاتها بالسلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني.

ومن خلال تقارب وجهات النظر في مجمل الصراعات والنزاعات الدولية وقضايا الشعوب المحيطة بتونس على وجه التخصيص سواء برابط الدم والانتساب (أي القضايا العربية والمغاربية العربية)أو قضايا الشعوب الافريقية.وبلوغا القضايا الانسانية والنزاعات الدولية.

لكن في فترة حكم بن علي وخصوصا بعد تقدمه في السن وسيطرته المتنامية من خلال جهاز كامل ركزه للتخابر الداخلي مشكلا من التجمّع(الحزب الحاكم) والداخليّة. على كلّ أعوانه ووزرائه وحاشيته. وليس فقط المعارضة والشعب الكريم.حتى انه لم يترك مجالا لبروز خليفة له يمكن ان يتولّى الدولة بعد مماته من خارج دائرة القصر التي سيطرت عليها زوجته ليلى وهذه الاخيرة تكنّ حقدا خاصا ومتناميا ليس على الشعب وحسب وإنما حتى على كلّ من تحدث عن تمييزه في الدراسة أو القدرة السياسية أو المالية.وهذا طبيعيّ حين نعرف تاريخ هذه الشخصيّة التي اصبحت ركيزة مسيطرة على الدولة بمعيّة إخوتها وإذنابهم من سقط المتاع الذين لا يتميزون عنها في التاريخ الشخصي والتكوين العلمي المعدوم والضحل.والنسب العائلي الفقير المعدم.مقارنة بتركة بورقيبة التي اثقلت كاهلهم ودمرت وجودهم لردح من خلال تواجد شخصيات كان لابدّ لبن علي أن يوظّفهم لتكريس وجوده علما منه بقدرتهم التسيرية وخبرتهم وحنكتهم وجملة علاقاتهم الخارجية التي وظّفوها لشخصه حتى يرضى عنه اليهود والنصارى بأن يكون رئيس تونس بعد الانقلاب على بورقيبة.والذين ينتسبون لعائلات معروفة لدى العامة برفعة سندها المالي و الفلاحي التاريخي ومنها التجاري والمقاول وتطوّر ليشمل حتى اصحاب المصانع من البرجوازيون الجدد الذين انتفعوا كبير النفع من ولوجهم الدائرة والمحفل (الطرابلسي "نسبة لليلى الطرابلسي زوجة بن علي وإخوانها وبطانتها) في مرحلة لاحقة.ونتيجة لتقدمه في السنّ الذي اسكنه هاجس الانقلاب عليه مثلما فعل هو ببورقيبة وخشية من كلّ مقترب من محيطه.أطلق يد الجهاز البوليسي السياسي ووسع افرعه ليشمل عديد الفروع في مؤسسة الداخلية كما ربط الداخلية بجهاز الحزب الحاكم(التجمع)معتمدا على الإرث البورقيبي الذي ربط كلّ الدوائر الحكوميّة والدواوين والوزارات بشبكة رافعي التقارير الأمنيّة عن كلّ معارضة مفترضة لحكمه المطلق في هذه الدائرة.وجعل منهما بن علي جهازا متكاملا في مراقبة الشعب بأسره.بالاعتماد على الشعب الترابيّة والمهنيّة للتجمع(حزبه الحاكم)وكامل أجزاء ودوائر هذا الحزب اللقيط الذي خنق كلّ البلاد عبر شبكته الأمنيّة التي تعتمد رفع التقارير التي يصل منها ما يصل إلى جهاز أمن الدولة لقاء فتات موائد ما يدعى بالرأسمال الوطني الذي كان يدعم الحزب بالسيولة النقدية اللازمة لوجوده على أرض تونس.وبقيّة التقارير تستعمل للضغط على أشخاص معينين لابتزازهم ونهبهم ليس في ممتلكاتهم العينية المادية فقط بل وتجاوز ذلك إلى حدود الملكية الفكريّة وغيرها.حتى أصبحت مرافق الدولة الإداريّة الرسميّة مفتاح ولوجها وولوج قرارها هو الامتداد الحزبي للمتقدم للخدمة ومدى ما يوفره من معلومات جديدة قيمة.

فالولاء للتجمع الذي يفتح للفقراء باب الرزق يمرّ عبر ما يمكن ان يوفّره هذا المعدم من تقارير وإفادات حول من يمكن ان يكون معارضا أو حتى مشروع معارض انطلاقا من البيت والحيّ شاملا المعتمديات بلوغا الولاية وصولا الى مراكز تجميع المعلومات واستكمال الملفات ثم تحال على من يصدر الاوامر وفي اغلب الاحيان كان بن علي هو نفسه من يراجع الملفات ويعطي التعليمات في شأن أسماء تعدّ خطيرة في رأييه.

وكان الامريكان على علم بجميع تفاصيل ما يجري من خلال عملهم المشابه تماما للفعل المخابراتي لبن علي (طبعا حسب وجودهم وما يرغبون معرفته سواء عن الحكام او المحكومين ومنهم وعلى رأسهم من يمكن ان يكون عنصرا نافعا لمشاريعهم).ولينفذوا لعمق أكثر الشرائح تضررا في عهد بن علي (الشباب المعطّل والمفقّر)اتخذت نفس اسلوب المستعمر الفرنسي لكن بإضافات امريكية ولمسات مزوقة ومبهرجة بشكل يجذب الشباب التواق للفكاك وكسر الطوق الذي يحتجزه داخل مربّع الضغط النفسي والمادي المضروب عليه بشكل جعل المستقبل في عيونهم وبصائرهم اسود براق.

ومن خلال معرفة الامريكان بمسار العقلية التونسية المنفتحة على الحضارات الانسانية بغير عقد ولا تعقيدات مسبقة ركّزوا في تعاملهم أوّلا على توفير التكوين والتدريب على لغة التواصل الانجليزية.والتبادل التعليمي من خلال رصد منح دراسية للراغبين في الدراسة في امريكا خصوصا من الباحثين لكن الجانب التونسي الذي يعرف مسبقا بأهمية الدور الامريكي في اصطياد الرؤوس والعقول من هذا الباب قام بتقليص عدد الطلبة المنتفعين بالمنح التي ترصدها امريكا تحت مشروع "فول برايت" للدراسة الجامعية بأمريكا من جانب واحد.كما امتنعت عن تحقيق دعم مشاريع الشباب عبر برامج المتاحة لمنظمة العون الامريكي.وهنا لابدّ من التذكير بغباء السيدة الاولى التي زاحمت بو عبدلي في مدرسة قرطاج الدولية وطردته منها قامت من خلال سلطة زوجها بفرض ضرائب ذات مفعول رجعي وبطريقة أحادية وفجّة بخصوص مدرسة التعاون الامريكية بتونس.لتجبرها تدريجيا على الاغلاق مما يدفع نحو تقليص البعثة الديبلوماسية الامريكية وتحد من برامجها وهذا ينتج عنه آليا تحجيم العلاقات الثنائيّة الى حدّ أدنى.ويتحوّل الصديق إلى مشروع سكين.

وقامت السفارة بتركيز نواة برنامج ثقافي يزرع في الاوساط الشبابية مشهدا ثقافيا مأمركا. والنفاذ الى صورتها التي قلّدها بن علي وهي جمعيات ما يسمى بالمجتمع المدني التي تمولها الدولة لتكون بديلا تدريجيا لدورها كدولة (مثلا في تمويل المشاريع الصغرى والمتوسطة)هنا نطرح سؤال كيف لجمعية أن تقوم مقام الدولة في تمويل وتركيز مشاريع اقتصادية صغيرة ومتوسطة ونفس هذه الدولة التي تموّل هذه الجمعيات للقيام بهذا الدور.ألا يعدّ ذلك تفريط في عصب اساسي لمشاريع الدولة التي تدرّ عليها مداخيل وتوفّر لها مواطن شغل تقلص من حجم البطالة وتقلّص من نسب الجباية المتفاقمة من كاهل الشعب؟وهذا التفريط اليس تملّص تدريجيّ عن مهمتها كدولة رعاية مواطنيها من خلال تدرّج يبيح لهذه الجمعيات جمع ارباح ومنافع مادية تكوّن رأسمال يحوّلها في نظر القانون من جمعية مدنية الى مؤسسة مالية مشغّلة؟وهذا النموذج الامريكي للتخلّص من دور الدولة الراعية مقابل الحريات الفردية للملكية.هل هو النموذج الذي يصلح لتونس التي والأمريكان اول العارفين انها دولة تعدّ من الدول النامية التي تفتقر ولو ظاهريا وفي نظر الشعب التونسي للمواد الأولية للصناعة وعلى رأسها الطاقة والثروة الباطنية من نفط وغاز عكس بلدان الجوار(ليبيا والجزائر)؟

ولا نتجنّا حين نتحدث عن جمعيات الفعل الخيري التي تمنح لها الدولة رخص العمل وتمدها بالدعم المالي(حتى لا يسيطر عليها مجموعات اسلامويّة كان بن علي قد وضع لائحة بأهمها وبالتالي يقع تتبع من يتعامل معها).هذه الجمعيات اصبحت عبأ على الدولة في مرحلة نشاط وزارة الشؤون الاجتماعية لكن تدريجيا تخلصت الوزارة من ملفّ رعاية المعوزين والفقراء ودعمهم لتترك المجال الى هذه الجمعيات ذهابا نحو تخلّص وتملّص الدولة من رعايتها لشعبها الذي لو هو فقير لأنها لم تقم بدورها اما في تشغيله أو في توفير مصدر الرزق القار الذي يقيه هذا العوز الدائم هو وعائلته وتترك لجمعيات تتحجج بقلّة الحيلة نظرا للتمويل الضعيف بقصد الضغط على المصاريف المتزايدة في هذا الباب بحكم تطوّر نسبة الفقر في تونس. في الوقت الذي تراكم عائلة الطرابلسية الثروة من خلال النهب والسرقة والتهريب والتهرب الجنائي وكلّ النشاطات الغير مشروعة من سيطرة على السوق السوداء التي قتلت الاقتصاد التونسي وبمباركة امريكية وصمتها الذي يشتم من ورائه الرضى التام على ما يربط هذه الدولة بقروض جديدة تزيد في رهنها وتوريطها ليوم معلوم.

وفي هذا الوقت الحساس من تاريخ تونس نجد الصديق الامريكي يوصي ادارته من خلال تقرير تفصيلي عن الوضع في تونس.في حكم عجوز جديد ليس هو ببورقيبة لننتظر خليفته.وليس في بطانته وحاشيته من تأتمنه امريكا على تونس او يستقر لها عليه رضى نسبي.ولأنّ بن علي خبير بالتجربة في مجال صناعة الرؤساء ورعايتهم فقد كلّف عبد الوهاب عبدلله حين توليه حقيبة وزير الخارجية بمراقبة والسيطرة على تحرك البعثات الديبلماسية في تونس وتطوير علاقاتها مع الكوادر التونسية سواء الادارية او السياسية(وكانت السفارة الامريكية تظنّ أنها وحدها التي تعاني من هذا المأزق لكن بلغها فيما بعد أنّ الأمر يسري على أهم البعثات الديبلماسية التقليدية والغير تقليدية في علاقتها بالمجتمع المدني التونسي والإدارة والسياسيين ألتونسيين(حتى ان صاحب التقرير يشير الى حادثة رصد منحة لامرأة تونسية كجائزة من خلال برنامج mepi 2 في البداية طلب منها مديرها المسئول في وزارة التجارة عدم الذهاب واستلام الجائزة وعند اصرارها تلقت تهديدات بالقتل مجهولة المصدر فخافت وتراجعت عن تسلم جائزتها.)

وهذه الصعوبة متأتية أساسا من تعميم قام بتوجيهه عبد الوهاب عبد لله يأمر فيه البعثات الديبلماسية الحصول على تراخيص مكتوبة قبل الاتصال بأي مسئول في اي وزارة كانت.وكل المنظمات الشبه رسمية.وبالنسبة للمسئولين من الدرجات الوسطى فلم يعد مسموحا لهم التحدث مع عناصر السفارات والبعثات الديبلماسية من غير الحصول على رخصة واضحة تنصّ بالتدقيق على المواضيع وكيفية التطرق اليها التي يمكن لهم الخوض فيها.

وهذه البيروقراطية ليست بالغريبة عنّا كتونسيين فكيف ببعثات ديبلماسية وعناصر سفارات يعرف النظام مسبقا انها دوائر متقدمة للتجنيد والغربلة لخليفته.

لذلك قامت السفارة بإنشاء سلاحها الاجتماعي الجديد والفتاك وهو توظيف الفايسبوك لربط الصلة مع شريحة الشباب خصوصا.وأضافتا اليه قامت بإنشاء مدونة خاصة بالسفير الامريكي تربط العلاقة عن بعد بجميع شرائح المجتمع ومكوناته المدنية والسياسية.ومن خلالها يمكن التوصل الى استنتاجات نسبيا قيّمة وبسهولة ويسر ومن غير التعقيدات التي يفرضها نظام بن علي كلّ يوم لحصر خسائره الناجمة عن تفاقم الوضع الكارثي في مجالي الحريات والتشغيل خصوصا وهما ملفان حارقان الى درجة ستعجّل بهروبه.كما قامت السفارة الامريكية بقصد الالتحام وكسب والتواصل مع الشباب بإقامة حفلات ومهرجانات سينمائية ونشاطات مختلفة موجهة.بينما يمثّل المركز الاعلامي للسفارة وقسم"الزوايا الأمريكية" وسائل اكتسبت شعبية لدى التونسيين من اجل الحصول على الاعلام والمعلومة الغير مصنصرة من قبل النظام التونسي.

ورغم الكمّ المعقول للبرامج الاقتصادية والتجارية التي تهدف امريكا لربط رأس المال التونسي بعجلة أمريكا وتوجيهه نحو بابها العالي.عبر مشاريع المجلس المشترك في اطار tifa 1 وتمّ ارسال بعثات تجارية واقتصادية عديدة في هذا الاطار وزيادة النشاط في عالم الاعمال.الاّ أن الحكومة التونسية تنزع نحو الصمت أو التلكؤ كما ايضا فيما يخصّ التفاوض حول فتح الاجواء لتسهيل الملاحة الجويّة الذي ترغبه الادارة الامريكية.كما كانت تخطط الادارة الامريكية للترفيع في نسب الاستثمار والتجارة والدعم الفني في مجالات كالنقل التكنولوجيا.حسب توصيات كاتب الوثيقة.تحت باب تحقيق الاهداف الامريكية والتي ينطلق في صياغتها من الجملة التالية(وسواء نجحنا في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان أم لا.فإنّ الولايات المتحدة الامريكية لها مصلحة معتبرة في بناء علاقاتها...)

ولم تنسى الوثيقة مجال الارهاب الدولي الذي اختصت به هذه الدولة لاقتحام ساحات مختلفة منها تونس.وهي تلوّح بملف الحريات والديمقراطية بيد والأخرى تحمل مساعدات من خلال التوصية بتحويل مساعدات عسكرية التي تموّل من (صندوق العون العسكري الامريكي الخارجي).رغم ان الادلة وافرة التي تفيد بأن الجيش التونسي "حسب رأي كاتب الوثيقة" لا يحتاج لمساعدات عينية من (صندوق العون الامريكي)بالدرجة التي يدعيها النظام التونسي.لذلك ستتركز المجهودات من اجل حصر عدد قليل من مجالات التعاون العسكري مثل الاستعمال الاخير "للفقرة 1206"وبرامج « pko » من اجل مدّ الجيش التونسي برادار ارضي متطور يراقب (تحركات الارهابيين على الحدود)وكذلك طائرات مراقبة بدون طيار.وذلك عوض الاستعمال الغير مدروس لصندوق العون العسكري الخارجي.


مدوّني العرب خريجي أكاديمية فريدوم هاووس

* الثروة الأمريكية الحقيقيّة (ثورة الياسمين 'الرّبعي')

ـ كيف تنتخب أمريكا الأنظمة العميلة وتوصلها للحكم تحت غطاء حقّ يراد به باطل؟

حين نطق مسئولي إسرائيل وقالوا للعرب بعد حادثة قطع النفط.ثمّ كرّروا بإصرار بعد تساقط صواريخ صدام على تلّ أبيب في حرب الخليج 1991.انهم سيعيدون هؤلاء الأعراب إلى ما كانوا عليه قبل النفط وحتى قبل الاسلام هم نفّذوا قولهم وبدهاء منقطع النظير ومازال تنفيذ هذا المشروع قائما حتى الساعة بطريقة ووتيرة سريعة وبأيادي عربيّة أصيلة ومتأصلة في الملّة والسلالة.وهذا ليس بالغريب عن امّة قال الربّ أوّل ما قال(اقرأ)ومنذ تلك اللحظة ولا قارئ وجد فيها يتصفّح حاضرها ومسار وجودها المستقبلي على أرض الإنسانيّة المفكّرة والمخترعة والمجددة.

وكان عملهم حسب خارطة الوطن العربي تدرّجا من الأحراش بلوغا أرض السواد وصولا أرض النزوح الأول بعيد ظهور الإسلام.لكن مع الحفاظ على ورقة نفاذهم لهذه الرقعة.ومفتاح أبواب كنوز روح المنطقة ككلّ.بينما عقلها وهو الذي يراد له ان يبتر ويدفن ويقبر نهائيا وإلى وقت معلوم لديهم(أي بترك بذرة منه ونواة مدفونة كما خلية نائمة إلى حين انقلاب المشهد ودوران الصورة إلى عقبها تصبح تلك النواة.التي في فترة نومها الجزئيّ والمرحليّ.ربطت بماكينة أمريكا.الجندي الحقيقي للصهيونية وليس العكس كما هو مثبت في عقول غالبية الثوريين.من خلال حضورا صفها القتالي الأمامي وهو سفاراتها.والتي لا يغيب عن المواطن منّا التمييز في برّه طريقها الذي يشابه ثكنة أو قاعدة عسكريّة من أفلام المارينز الجنود الإنسانيين الشرفاء.مزروعة في خاصرة كلّ مواطن عربيّ على أرضه).

ولأنّ النموذج الملوكي في بلاد النفط والفقر والبذخ والجوع.والعبوديّة التي نهى عنها الاسلام حاله حال بقية الشرائع السماويّة،التي يتشدقون بأنها دستور وجودهم في حياة هي الجحيم بعينه.والتخلّف والتكفير والتهم التي توزّع على كلّ من سوّلت له نفسه التفكير حتى في مصدر رغيفه الحقيقيّ.بينما ملوكهم وعائلاتهم. وحاشيتهم وبطانتهم،في غيّهم يعمهون.وفي سوء الأخلاق والخلق والفعل والقول وغيره من شائن الذكر.وفضائحهم في كلّ موسم تغيير جزئي في تشكيلاتهم.التي جازفت بالخروج عن طوع راعيهم ومولّيهم وزارعهم.أو حتى تطاولت على حضرته.أو حتى أحد مواطنيه أو منتسبين له بولاء(وهو صاحب القول الفصل والحاكم الحقيقيّ لملكهم ومملكاتهم)تطلع علينا كميّة لا يستهان بها من هذه الفضائح.يندى لها جبين لا المسلم أو المتديّن بأي دين.بل وحتى الذين لا دين لهم سوى عزّة وكرامة الإنسان السويّ الكادح.

هذا النموذج الذي تشتقّ منه دوائر الاستيعاب والتأطير.قائمة أوّلية من الشخصيات.والتنظيمات.أو الأحزاب(حسب وضعيّة كلّ بلد عربي. ودرجات تقدّمه التي خلّفها المستعمر القديم من أوروبا العجوز. أو التي عجزت عن البقاء. حالها حال تركيا العثمانية التي عجزت عن الاستمرار إمبراطورية بابها العالي. لتنحدر إلى أسفل سافل.حين عاندت العقل وتشبّثت بالتخلّف والجهل وهو أرضية حالها الآن. وهذا ليس قدر،وإنما لمراجع التاريخ سيكتشف أنّ غياب العقل الحكيم و المساير لتطور عقل الشعوب. والإبقاء على مرجعيّة روحيّة للتحمس. لا تكفي للحكم حتى في رقعة صغيرة لا تتجاوز حدود اسطنبول).

بعد أن تقوم دوائر الاستخبار بجمع المعطيات. وغربلة قائمة من يرغبهم المستعمر حسب ورقات الضغط المهمّة التي يمكن ان تكون سلاحه في مرحلة ما.و حسب التاريخ المجيد لهذه الشخصيّة المحوريّة السرية الإجرامية.تنتدب لتكون رأسهم المطلة على هذا الشعب أو ذاك في صورة الورع التقيّ النظيف العفيف الشريف والقائد الملهم الواحد الأحد. ويعملون على إيصاله إلى مكانة تسمح له بلوغ السلطة في اقصر وقت ضمانا لبلوغ الهدف بدون شوائب ولا خسائر أو هزّات.حتى بلغ الأمر على أيامنا وتحت مسميات عدّة كالديمقراطيّة التي ذبحت وشنقت تاريخ بلاد كانت منارة علم(رغم طغيان حاكمها الذي هو بدوره جاء من هذا الباب لكنه حاول الفكاك من أسره بعد أن طهّر نسبيا أوراق اعتماده)وصورة عن التطوّر في عقليّة عربيّ يساير زمانه بثبات.لتولّي وتحت غطاء الروح السالبة من أعاد البلاد إلى نقطة الصفر.إن لم أقل نقطة اللا عودة.

وكان على الملوك القرجوزات أن يتدخّلوا بالرأي السديد ويصرفوا من بيت مال المسلمين بسخاء لا مثيل له.لقاء تولية نسخ تشابههم. خبروها بقربهم منها وعرفوا مدى ولائها للمال قبل البلاد والشعب.ويجمعون كلّ ما يكفي من معلومات التي تفيد العدوّ. وتفيدهم بالتالي. عن أطراف وشخصيات محوريّة ترتبط بالولاء لهم والتسبيح باسمهم.حتى تكون لهم المكانة التي لا ينازعهم عليها.وهي مكانتهم المقربة والمحببة تاريخيا عند العدو.وهم واهمين فالعدو كلّ محبته متجهة للنفط ولأموال تجارة الحجّ التي تتكدّس في خزائن العائلة المالكة ومن يصطفيهم من قبيلته ليساعدوه على الإنغراس في دم الشعب من سلطة دينيّة. تقتنص وتقتطع من كتاب مقدّس هو شريعة السماء. ما يصلح لتشريع سلطة. و تبارك أقوال وأفعال الملك وأهل بيته وتابعيه.أو من تجّار أغراهم المستعمر وربطهم بوثيق رباط التجارة لينفذ سلعته ومنتجاته إلى ديار العرب عموما. من خلال اتفاقيات التجارة بين البلدان العربية التي تسهّل دخول سلعته.حين يعجز عن إدخالها لتلك البلاد التي ترتبط باتفاقات مع غيره من البلاد الأخرى في العالم الإنساني المتزاحم من أجل لقمة العيش.حتى أصبح القرآن سندا او صكا يعطى على بياض لكلّ غاية دنيئة يقتطعون منها (ويل للمصلّين) ويتركون الباقي للعوام والدهماء لكي لا ينظروا للثروة بعين العقل ويطالبوا بحقّهم فيها مستندين على(وخلقناكم درجات).لكن الجشع والجوع الأسود الذي أظهره العدوّ ومن ولاّهم علينا جعل منهم مصاصي دماء العالم المتوحّش الذي صنعوه بمكر ودهاء عبر مراحل من زمن الخليقة.

ومن هذا المنطلق كان لما يسمى ثورة الياسمين بابا خاصا. ودفترا ممضى من طرف عقل التاريخ الإنساني. حول طبيعة هذه (الثورة) وعناصر تفاعلاتها وممهداتها. التي اوصلت من اوصلتهم الى حكم البلاد.وان يكون لهم دور فاعل وفعّال في منامها الموغل في الرقاد. تأسيسا لحكم (ثوريّ مناضل تاريخي) لتونس(الثورية جدا)ما بعد الطاغية بن علي.

وهنا وجب أن نعود إلى ما بعد عودة علاقات انقطعت منذ ثمانينات القرن ظاهريا بين السفارة الامريكيّة في مواقع تواجد قيادات النهضة(الاتجاه الاسلامي سابقا)خصوصا بعد مشورة أحد أعضاء حزب التجديد (الشيوعي سابقا وقبل ان يقضي نهائيا وإلى أبد غورباتشيف. حرمل على شيوعيته) والذي كغيره من زوار سفارة الاستخبار الأمري ـ صهيوني لابد أن يعطي ضمن افادته فكرة عن تطوّرات ومسارات حركة (النهضة "الاتجاه الاسلامي سابقا")السياسي والحركي على الساحة كجزء من رقابة لتحركهم على الساحة.وكان هذا العضو افاد في زيارته بتاريخ 23أيار2005 بأن (النهضة)الاسلاميّ التوجّه في بلاد (كفّار الاتجاه) لا يزال فاعلا على هامش المعارضة القائمة ويبحث عن انتشار جديد خصوصا في أوساط الشباب (وقدّم وليام هادسون السفير الامريكي هذه المعلومات الى ادارته من خلال برقية تفيد ان المعارضة العلمانية أدركت أهمية وجود الاسلاميين وسارعت بالاتصال بهم من خلال فلول (النهضة) الباقين في البلاد.

ومن اعترافات رئيس الحزب التقدمي الديمقراطي نجيب الشابي للسفير الامريكي بأنه التقى اعضاء(النهضة)خارج تونس.

كما اسرّ محمد حرمل الرجل الأول في حزب التجديد أنه يمكن ان تكون له ترتيبات في قادم الزمن مع الاسلاميين بقصد تعزيز وجوده وأنشطته الحزبية. وكلاهما لم يخفي تحذيره السفارة الامريكية من التعامل مع الاسلاميين ووسعوا دائرة تحذيرهم ليشمل جمعية النساء الديمقراطيات التي صرّحت كلّ من الهام بالحاج وحفيظة شقير لأحد موظفي السفارة على هامش اجتماع يوم 9شباط2006 بأن استبدال حكم الدكتاتور بحكم اسلاموي حتى وان كان ممن يظهرون انفسهم على انهم معتدلين (هو استبدال دكتاتورية بأخرى).

ولم تخفي وثيقة تعود إلى 29تشرين الثاني2005 تحدث فيها السفير وليام هادسون عن انقسام ثنائي للاسلامويين في تونس.تواطأ عناصر مهمة من النهضة لمدّ السفارة بأهم مستجد النهضة ومن ولاها وعارضها من الاسلامويين والعلمانيين كغيرهم طبعا في التعامل.حتى أن عضوا من النهضة حدّثه بالقول شاكيا لأحد موظفي السفارة:"أن المجموعات السياسية الاسلامويّة لا تهتم سوى بالنشاطات السياسية والتحالفات.مضيفا.أن الله والدين غير مهمّين لهؤلاء،أي أنهم ليسوا أفضل ممن يقود البلاد وقتها (أي بن علي وعصابته)."

وسنرى أن التركيز الكبير خصوصا منذ أواخر سنة 2005 على الاسلامويين وأخبارهم وأخبار زعمائهم الموجودين خصوصا في اوربا حيث تمركزهم الكلّي قيادات وعناصر نوعية وممولين.وبعد معرفة دور الغنوشي زعيم اهمّ فصيل وأخطره الذي قضى بقدرة قادر على أهم كوادر التنظيم المخالفين له من خلال جملة علاقات متشعبة مع كتل سياسية أوروبية وعربية مشرقيّة وبلغ حتى الايرانية في مرحلة معينة خصوصا قبيل حرب الخليج 1991 الشيء الذي جعل عناصره تستقبله عند نزوله لتونس بعيد (ثورة الياسمين)بأهزوجة قيلت للرسول الاكرم عند دخوله مهاجرا للمدينة طالعها:

طلع البدر علينا..................................من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا..................................ما دعا لله داع

ففي طاولة نقاش عقدت يوم 8أذار2006 حضرها نشطا من المجتمع المدني (حسب وثيقة السفارة الامريكيّة بتاريخ 22أذار2006 التي نقلت للإدارة في امريكا وقائع هذا النقاش) كان تركيز الجانب الأمريكي موجّها النقاش حول وضع الاسلامويين وقوّتهم. وهنا يظهر اسم زياد الدولاتلي الذي كان من اصدقاء السفارة الامريكيّة المثبّتين في قائمة الزوار الدائمون. وهو عنصر نهضاويّ قياديّ كان يروّج لا لحزبه فقط بل ولشخصه بالأساس (وهذا ليس بالغريب عن مثل هذه الشخصيات) على أنه وحزبه يمثلان التيار الاسلاموي المعتدل. وفي اثناء حرب تموز التقى المذكور (زياد الدولاتلي) بمستشار السياسي للسفارة الامريكية حسب وثيقة تعود ل18آب2006 كما حضر اللقاء كلّ من صلاح الدين الجورشي على اساس انه ناشط من المجتمع المدني وهو الذي كان عضوا قياديا بالنهضة قبل ان يؤسس اليسار الاسلامي ورفده بمجلة حوارية اسماها 21/15 لتكون منبرا اعلاميا لحركته التي بذلك تكون على خلاف مبدئي مع النهضة ذات التوجه الاقتصادي الليبرالي وليس اليساري على الطريقة الاسلاموية.وفي هذا اللقاء صرّحت الشخصيتان ان الحرب في لبنان و دور أمريكا المساند لإسرائيل هما اللذان قوّيا حزب الله ومجموعات متطرفة أخرى ليكون ذلك دافعا للشباب التونسي للنزوع نحو الافكار الجهاديّة السلفيّة "كالقاعدة" وتنسحب من فلك التنظيم (المعتدل والغير عنيف "النهضة") ويؤكّد السفير في برقيته التي تمثّل الوثيقة التي صدرت عن السفارة بالتاريخ المذكور أن كلاهما يصنّف نفسه بالمعتدل .

أمّا فيما يخصّ التحوّلات المهمّة التي ترتّبت عن الملفّ المجمّع لدى الإطار الأمريكي الأمّ. من مصادره داخل تونس وخارجها وحيثما وجد اسلامويّ تونسي او مرتبط بهذا الاتجاه التونسي ومشروعه في تونس. وحسب وثيقة مؤرّخة ب21آب2006 وهي تروي بالتدقيق المفصّل لأهمّ الإفادات عن اجتماع 15آب2006 الذي عقد بين الاسلامويين التونسيين 'المعتدلين' والوثيقة تذكر وبتحفظات مسألة الاعتدال التي ينسبوها لهم من خلال ذكرها بين معقّفين.والمستشارين السياسي والاقتصادي وكذلك بحضور ومشاركة الضابط السياسي بالسفارة الامريكيّة والتي ارسلها رئيس البعثة الامريكيّة في تونس وقتها ديفيد بالارد واعده بناء على طلب من رضوان المصمودي امريكي من اصول تونسية يرأس مركز "قيل" دراسة الاسلام والديمقراطية ومقره واشنطن.ومن بين الحاضرين ايضا سعيدة العكرمي الامينة العامة للرابطة الدولية لدعم السجناء السياسيين.ويعبرون فيها أنهم رغبوا في لقاء ممثلين عن السفارة "لإعادة فتح حوار في القضايا المشتركة"بعد انقطاع ظاهري دام منذ الثمانينات أي عند صعود بن علي للحكم وإطلاق سراح الغنوشي شرط خروجه من تونس والتزامه الصمت(حتى فيما يخصّ مصير اتباع الاتجاه الاسلامي الذي يرئسه) مقابل ابعاد شبح المشنقة عنه.وبعد ان حلّ الحزب من طرف الدولة التونسية وحبس من اراد النظام وقتها حبسه بتوافق مع راعيه وموصله للحكم وقتها.بعد ازاحة صخرة فرنسا اللاعبة على الحبلين الامريكي الفرنسي خصوصا بورقيبة.لكن من جملة هذا اللقاء ورغم كلّ ما قدّمته المجموعة من اجل دمقرطة تونس بشكل يجمع العلماني بالاسلاموي وهذا تأسيس لإزاحة الحاكم وتلميح لذلك.الاّ ان المحاورين الامريكان لم تقنعهم الفكرة بل حتى سخر بالارد من ادعاء انّ حزب النهضة حصل قبل حله على 60% من أصوات الناخبين سنة 1989 بينما لم تتعدّ النسبة الحقيقيّة 30%. وفق بالارد كاتب البرقية والمطلع على عديد الحقائق من خلال شبكة تعمل لحساب السفارة منتشرة في ارجاء البلاد على غرار ما هو معمول به في عموم البلدان الواقعة تحت بصر وإرادة ورغبة الصهيونية والامبريالية العالمية بقصد السيطرة عليها.

وكم حاولوا اقناع محاوريهم الامريكان ان التعاطي معهم يصبّ في مصلحة امريكا لتعيد الثقة والمصداقية لنفسها في الشرق الاوسط خصوصا من خلال حاجتها لنموذج يمسح من اذهان العرب خيبة امريكا في العراق بنموذج ديمقراطي جديد لا يكون على صهوة الدبابات وكان ابرز المدافعين للترويج لتونس على انها المهيأة أكثر من غيرها لتكون المثال الذي تحتاجه امريكا لذلك هو الدولاتلي الذي يعدهم ببديل عن البن لادنية وعن الجبهات القاعدية وغيرها في العراق وكانت المجموعة في الاصل ترغب من خلال هذا اللقاء وغيره اعتراف أكبر قوّة امبريالية في العالم بهم ومشروعهم الاسلاموي ربما بذلك تزيح عنهم لا فقط الزين بل وحتى الاحزاب الكارتونية والبوتيكات السياسية الاخرى فهي مفتاح الحكم وبساطه السحريّ ولذلك طلبت المجموعة الاسلامويّة خدمة من السفارة الامريكية بأن تتحوّل بعثتها الديبلماسية لزيارة حمادي الجبالي أحد القادة في حزب النهضة الممنوع انذاك من مغادرة ولاية سوسة وهو حسب رأييهم يمثل احد اهم اعمدة التيار الاسلاموي المعتدل.

كما طلبت بإدراج لائحة بأسماء بعض الاسلامويين المعتدلين ضمن لوائح زوار السفارة الامريكيّة وان تشمل عناصرهم خصوصا القيادية منها الزيارات التي تنظمها لأمريكا. وللتماهي والمجارات (بقصد الاختبار طبعا) قامت البعثة الامريكية بزيارة الجبالي في اقامته الجبرية بسوسة بتاريخ 31آب2006 أي بعيد ما يربوا على خمسة عشرة يوما عن اللقاء المذكور آنفا.وكان ذلك بمنزل الجبالي بسوسة ودام لأكثر من ساعتين وكان هذا الموظّف بالسفارة هو في الاصل ضابط الذي لفت نظره في هذا اللقاء عدم تشكّي الجبالي من السياسة الامريكية في لبنان أو علاقات اسرائيل بالملف العراقي وهي مواضيع ساخنة.بل ركز على أن الغنوشي هو قائد النهضة وهي ذاتها في الخارج كما في تونس وبنفس الطرح وهي ككل الحركات الاسلامويّة في حضرة الراعي الامريكي.وعليه فإن النهضة راغبة في العودة إلى الساحة السياسية في تونس ولو تدريجيا وهم غير راغبين في انشاء دولة اسلاموية كغيرهم وفي مسار حديثه عن بقية الاحزاب الاسلاموية العربية انتقد رؤيتهم التي تعتقد أنها تمتلك(الحقيقة الالهية، ولا تقبل النقد) وردا على ملاحظة الضابط على انه يبدوا علمانيا.أكد الجبالي أنه يفصل بين ممارسته للدين عن الشأن العام والحياة العامة.وعمم رأيه هذا على كلّ الاسلامويين المعتدلين قاصدا بذلك النهضة وقياداتها ومن ولاهم ودخل عباءتهم.وهم يرفضون العنف كمبدأ. لكن الضابط كانت له اجابة فورية دقيقة استند فيها على تاريخ هذا الحزب وهي تفجيرات فنادق سوسة في الثمانينات.لذلك لم يصدق الضابط قول الجبالي عن انه ممنوع من العمل والتضيقات التي تمارس على نشاطه وتحركاته. نظر الضابط لأثاث بيت الجبالي الذي كان من البذخ والجودة وبذخه في استقبال ضيفه.مما دفع جبالي إلى التركيز على التطرف الاسلاموي مقارنا بين اتباع النهضة المنفتحين (إلى حين) وبين الشباب التونسي المتشدد والمتطرّف البادي في الظهور نتيجة الضغط العام الذي انتجته سياسات الدكتاتور بن علي وفضائح سرقات ونهب عائلة اصهاره ومقربيه لثروة هؤلاء الشباب الذين يعيشون الفقر والخصاصة وانعدام الافق وسواد المصير الذي دفعهم نحو يأس كان سبابا كافيا لاستدراجهم الى احضان الفكر الذي تريده وترعاه الصهيونية الامريكية لتؤسس من خلاله مشروعها الاستعماري للمنطقة بأسس التخلّف والجهل والعود الى جاهليّة الجاهليّة والى الجاهليّة الأولى (وأعني بجاهليّة الجاهليّة المعنى العنفي للفضة الجاهليّة التي تفيد التوحّش في التصرف ورد الفعل وبعنف وبطش يظهران لمن خالفهم بأسا مخيف يسيطرون من خلاله على الناس وهذا ما نشهده في تصرفات هذه الفرق والملل الاسلاموية من قاعدة وداعش وغيرها من نصرة وأنصار وغيرها من المسميات المنتشرة كفقاقيع برك آسنة) ومن هنا تأتي دعوته المبطنة (حسب تصوره) لفتح المجال امام النهضة للعودة الى الساحة التونسية وفك الحصار عليها.إذ لم يفته تذكير الضابط أن بعض العناصر المنتمية للنهضة والتي ترفض التعاطي مع الامريكان عكس من بقوا اوفياء لنهجه هم اصدقاء خلّص للسفارة الامريكية بتونس.والمثال واضح في القائمة الموجودة على لائحة زوار السفارة وغيرهم من الراغبين وهم صفوة من الاسلامويين المعتدلين المنفتحين (اللايت) وهو النوع الذي يتصورون انه مرغوب فيه في امريكا لحكم المنطقة.ويقدمون خدماتهم للفوز بنصيب الاسد من سدّ الحكم في تونس. ولم تكن السفارة الامريكية غافلة عن من كانوا من النهضة ممن فتحوا مجال الحوار معها في اعادة صياغة حرب العراق.لكنهم راوغوا حتى يصلوا الى اعتراف أمريكي بوجودهم كطرف مهمّ (وقويّ حسب تصوّرهم) يمكن ان تعول عليه امريكا اذا ما فكّرت في ازاحة بن علي ولم يغيب عن السفارة الأمريكية قبيل ثورة الموز ان تقوم بإشراك عناصر بقصد تكوينهم في فنون الحرب الحديثة (عالم الانترنت من (انترنوت وبلوقرات). ومؤثثي صفحات لمجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي "الفايسبوك"من خلال برامج (فريدوم هاوس) التكوينيّة.وعلى رأسهم عناصر نهضاويّة. ولم يغب عنّا الصيادين في الماء العكر من المشككين في مصداقية ما اتينا على ذكره فإننا نورد لهم ما ارادت فعلا وليس ايهاما بأنها لا تريد تسريبه الادارة الامريكية عن طريق ورقة وليام اسانج صاحب اشهر موقع وثائق المخابرات الأمريكيّة المسرّبة.ونعني بها طبعا (ويكيليكس).

ونوردها تباعا وبترتيب زمني وحسب البرقيات ذات الرمز التالي:

ـ23 أيار 2005 (05tunis1081)refid........destination ( 05tunis981) – (id 33109)

ـ9 شباط 2006 (06tunis388)refid...........- (id53871). destination(06tunis224)

ـ29 تشرين الثاني(05tunis256……refid destination(05tunis2153 /05tunis2420) – (id 46303)

ـ22 آذار 2006refid(06tunis670)– (id 57621) destination(06tunis425)

ـ18 آب 2006(06tunis2144)refidر destination(06tunis2111) – (id 75404)

ـ21 آب 2006(06tunis2155)refid destination(06tunis2144) – (id 75528)

ـ06 أيلول 2006(06tunis2298)refid destination(06tunis670) – (id 77302)


أمّا بعد الانتفاضة الشعبيّة 14 جانفي فتبيّن بوضوح تام وجود عناصر الاستخبارات وبشكل عملياتي في قلب العاصمة التونسيّة وأقصد ملفّ ما عرف بالقناصة الذين جنّدوا من خلال حلول موسم صيد الخنازير البرية بتونس وقدموا في شكل سياح صيادين وهم جزء من مكونات هذا الفريق أمّا بقية مكوناته فهم تونسيون مدربون في مراكزهم المرتبطة بأحد التشكيلات الوطنيّة إمّا حرس أو نخبة الشرطة أو الجيش وهذا الأخير الذي تسلّم عديد العناصر التي تمّ القبض عليها من هذا الفريق وقام بإخفاء وتنظيف وتبييض كلّ الملفّ وبشكل رائع وهنا لا يسعنا إلاّ أن نذكّر الشعب وعلى رأسه الجندي رشيد عمّار على الأقل بعنصر تمّ القبض عليه قرب مقرّ PDP قرب شارع باريس في أحد فروع شارع بورقيبة أو شارع الثوار والثائرين على مرّ عصور تونس الحديثة. يحمل بندقيّة قنص وهو أجنبي ودخل التراب التونسي على أنه صياد سائح في موسم الصيد أين هو وأين ملفّه وملفّ محاكمته ولا أزيد في هذا المجال الذي وإن تغافل عليه بعض ساستنا من الجناح المحسوب على الوطنيّة وبإرادة خارجة عن قدرته ورغبته إن لم يكن بطوع إرادته فلا ألوم أحزاب امريكا في تونس على طمسها لمعالم جريمة قتل أبناء الشعب الفقير المهمّش والمنكوب.

وحتى يومنا هذا لا يزال وطئ العمل الكبير الذي تقوم به الموساد والسي أي أيه والمخابرات الفرنسيّة وأركز على الثلوث أكثر من غيره لتحمه في مفاصل وتفاصيل الساحة أكثر من غيره وهو القادر على تغيير منحى واتجاه تونس نحو اللون المرغوب.

فالموساد مثلا جندت في الفترة الأخيرة ومن خلال آليات العمل الجمعياتي الاجتماعي ومؤسسات الوافدة الواهبة للقروض الصغرى العديد من العناصر النوعية من الشباب الفقير والمفقّر والطامح.كما تقدمت في مشروعها لتركيز خلايا متقدمة على الشريط السياحي الساحلي حيث يختلط التونسي بالوافد السياحي بشكل عفوي وطوعي باحثا عن رزق ما.وهذه نقطة مفصليّة ومصدر معلومات مهمّة وبثّ سموم هدامة وإشاعات سيطرت وتسيطر على عقليّة الشعب المجهّل سلفا ومنذ عقود تمهيد أولى.ومن هذه الفعاليات ما شاع في عقليّة التونسي بعد انتفاضته التاريخيّة من محاولة عزله عن أداته الرئيسيّة لحكم بلاده الفعل السياسي.


ـ لماذا يريدوننا أن "نكره" السياسة والساسة؟

منذ نجاحهم (المشبوه) في انتخابات 23 أكتوبر. وهموا يدفعون بكلّ الوسائل نحو إبعاد وسرقة الجماهير الشعبيّة لوعيها الطبيعي بمهامها السياسيّة. ووجوب الفهم. والوعي بآليات ومفاهيم ما يختارونه من نهج سياسي.يرغبونه ديمقراطيّا أن يكون دليلهم ونهجهم نحو تأسيس استقلال ورفاه وعزّة وكرامة تونسيّة.ديمقراطيّة نموذجيّة. المعطى الذي اكتسبته هذه الجماهير بدم شهداء انتفاضة 17/14 جانفي المجيدة.التي قسمت ظهر أعتا الدكتاتوريات البوليسيّة في هذا المفصل من تاريخ الإنسانيّة. وابتدعوا وسائل شتى ومتنوعة الأساليب المراوغة لأجل تحيد(في مرحلة أولى)ثمّ التشويش(من خلال تكثيف وتنويع الأزمات) قصد تصوير المعارضة على أنها الشيطان بما فيها الإتحاد العام التونسي للشغل أولا. ثمّ وحين أقحموا في الصورة نتيجة ردّة فعل المعارضة القويّة لمجابهة مختطاتهم الرامية لعودة الجماهير الشعبيّة لسباتها العميق الذي كان.والتفرّد بالحكم من خلال رضوخ الشعب لأمرهم الواقع.متخذين من فعل تمطيط الزمن الأصلي للانتهاء من زمن الحكم المؤقّت والانتهاء من كتابة دستور أصبح كأنه عقيم منذ بدايته وحتى الآن بحكم سيطرة كبيرة لنهج وخطّ واحد ورؤاه التي أظهرت منذ البداية النفس الاستبدادي الدكتاتوري الذي يقصي من قاموسه حريّة الاختلاف والتنوّع في تونس القديمة والحديثة على السواء.لذلك طوّروا ردّة فعلهم نحو تأسيس كره ونفور الشعب عن دوره السياسي وبثّ الشكّ في سياسييهم حتى يبعدوهم ويفصلوهم عن الجماهير. التي هدّها ما خططوا له من تفقير بلغ حدّ لا يطاق جعل الشعب يلهث خلف الخبز دون الانتباه أو التفكير في أسباب قلّته أو غلاءه.ثم اللعب على نسبة الوعي. التي لا تزال لم تصل إلى الحدّ الذي يمتلك فيه الشعب ناصيته في الحكم على حاكميه بنفس عدل الحاكم في توزيع الثروة على المحكومين.وفهم الأسباب الحقيقيّة التي جعلت حالته الماديّة والمعنويّة تتردّى إلى هذه الدرجة الغير مسبوقة رغم كلّ القروض والهبات التي أنهكت البلاد ورهنتها إلى تاريخ معلوم يجعل من استقلال البلاد حلما صعب المنال.ويرهن الشعب الكادح إلى الدائنين بحيث يصبح أمرهم ليس بأيديهم.وأوّل من بادر بذلك السبسي ذاته الذي هو الآن راغبا في العودة إلى الحكم بأي ثمن. بعد أن إستثرى من استثرى بفضل هذه القروض والهبات, ليؤسس رأسمال يمثل ورقة ضغط سياسية. على خليفته بحيث يتمكن متى شاء من إيقاف عجلة من لا يتماشى مع رغباته السياسية ويتحكم ايضا في صندوق الانتخابات بفضل قدرته المالية التي تخول له ان يرمي الفتات لشعب يستغفل مجددا. وتشترى ذمتّه ويسلّم عنقه لجلاّده طائعا ومطيعا.

وأخيرا مللهم وقرفهم المعلن من السياسة والسياسيين عامة. مدّعين أنهم لا يفكّرون في الشعب بقدر تفكيرهم في الكرسي الحاكم. وهنا نسأل من الذي يتشبّث بهذا الكرسي بكلّ ما أوتي من جهد وخبث بلغ الحدّ الذي ذكرنا سابقا وأكثر ولماذا؟

لماذا لا يتركون الأمور تسير بشكل طبيعي وبدون أزمات بلغت حدّ سفك دماء جديدة(بعد الانتفاضة الشعبيّة) باسم الدين.مع الملاحظة أنّ هذه الدماء لم تراق. إلاّ عند بلوغ الطرف المقابل شعبيّة تسمح له بأن يكون عنصرا كاشفا لهم. ولأوراقهم. أو عند انتهاء زمن الحوارات وبداية العدّ التنازلي نحو تطبيق مشروع وطني. هو ذاته سيكشف زيف وخبث مكرهم؟

لذلك أصبح دم التونسي حلالا لتلميع صورة. أو لمواراة جرم أكبر في حقّ شعب بأسره. في قوته ومستقبل كرامته واستقلال قراره الوطني. فلولا تواطأ من يحكم(حتى بالصمت أو بالتغافل نتيجة فهم خاطئ أو حتّى بالمسؤوليّة الفعليّة كحاكم للبلاد صاحب الأغلبيّة وصاحب التعيينات التي قيل لنا. أنها الرجل المناسب في المكان المناسب)إن لم نقل مسؤوليّة المشاركة والدفع نحو هذا التصعيد والتغطية عنه وعن منفذيه.

ومن هذا المنطلق وجب أن يعي الشعب التونسي أن كلّ سياسي هو طامع في الحكم بطبيعة وجوده. قصد تنفيذ برنامجه. الذي يمثّل بالنسبة للشعب هو الفيصل. والقاسم المشترك والدليل نحو انتخاب هذا الطرف أو ذاك.ولا ينتهي دوره هنا بل يراقب ويفضح ويكشف للشعب مغالطات. أو عدم قدرة الطرف المنتصر في الانتخابات وتجاوزاته في حقّ ثروة الشعب. وقوته. بكلّ السبل المشروعة(وهذا ما تقوم به معارضتنا حتى الآن. فهي لم تتحوّل إلى معارضة مسلّحة حتى يشنّ عليها هذه الحرب الإقصائيّة السلبيّة. من طرف الحاكم. تنفيذا لأجندات معلومة المصدر)

لذلك فإنّ من يصرّحون علنا أنهم ملّوا من السياسة ومن الساسة. أنّ كلّ التضحيات والشهداء الذين تقدّمهم تونس اليوم خصوصا من الجيش والأمنيين قصد تخويفهم وإرهابهم في خصوص الملفات الحارقة وعلى رأسها ملفات الشهداء من القادة السياسيين(شكري بلعيد والحاج البراهمي وبالمفتي وغيرهم ممن لم يسعفهم التاريخ الحالي بالذكر وسيذكرهم الوطن يوما) هي تضحيات لأجلهم.لأجل كرامتهم وحرّية ممارستهم رغم الاختلاف.وهي تضحيات لأن يكون لهم موقف سياسي حرّ ومسئول يشاركون به في تطوير وإثراء وبناء تونس الديمقراطيّة الحرّة والمستقلّة.

وليكن في علم هذا الشعب أن الساسة ليسوا معصومين فهم قريبين من الأخطاء قربهم لأرواحهم التي يقدمونها حين تقدّموا الصفوف. لذلك فإن مرآتهم المصحّحة والكاشفة هي الشعب بآلياته التي يمارس بها ومن خلالها الرقابة عليهم. من الإعلام الحرّ إلى أبسط مواطن موجود في خليّة حزبيّة أو نقابيّة أو مجالس بلديّة...إلى آخره من مواقع العمل الفعلي لدفع هؤلاء السياسيين لتصحيح مواقفهم وتطبيق وعودهم الانتخابيّة.

وبذلك فإنّ من يدفعهم اليوم للكفر بالسياسيين وبالسياسة. هو يريد إقصاء هذه الفئة الفاضحة لمشاريعه الاستعماريّة المصاصة لدماء الشعب وعرق كدحه. وتنويمهم مغناطيسيّا. للاختلاء بالبلاد وحكمها بالنار والحديد. والعودة بهم إلى الخوف والصمت والموت ألسريري.ولأن تكون المعارضة على شاكلة زمن بن علي.بوتيكات لصاحبها الحزب الحاكم. وحوانيت داعمة يستثري منها من باع الوطن بمن فيه وما عليه مقابل مصالحه الخاصة هو ومن دخل بيته الآمن بفعل فاعل.

وما حده مواقف بعض المعارضين الصادقين.ومحاولاتهم المتعدّدة لتأسيس خيط رابط مع الجماهير التي أنهكها الفقر والحاجة. حتى أنها لم تترك لهم متنفّسا للتواصل معها. أو حتى محاولة فهم ما تقوله وتنادي به(رغم أنه يعنيها ويعني قوتها اليومي ومستقبلها ومستقبل أجيالها القادمة)وهي "ربّما" لا تعلم عنها سوي ما يؤسسونه لهم من مفاهيم بقصد إبعادهم عنها. وإلهائهم عنها. ليس لينفردوا بالحكم المطلق لهم ولورثتهم من بعدهم فحسب. بل وحتى قتل هؤلاء. وهم قيد الحياة مثلما كان سلفهم ومنير طريقهم وهاديهم ومثالهم كما تأكدنا منه. "بن علي الهارب". وبذلك ينهون هذه المرحلة التأسيسيّة. بتأسيس الدكتاتوريّة الثيوقراطيّة.التي تقتل وتسحل وتفقّر وتجهّل باسم الله. الذي قال أوّل ما قال لرسوله الكريم في محكم تنزيله "اقرأ". ولم يقل له أقتل قريش الكافرة. ولأننا مجتمع مسلم علينا أولا أن نقتدي بكلام الله. ونقرأ. أيها الشعب العظيم(حتى بأذننا إن لم نستطيع أو نجد الوقت لقراءة ما يجب أن نقرأ)حتى نفهم منطلقات ونهايات ما يريدونه ساستنا. من طموحهم لاعتلاء كرسي الحكم.

ولا ننسى دور الأحزاب الانتهازية الإمبريالية ذات الامتداد الأمريصهيوني التي تعيد ترتيب طموحها على عذابات الشعب ودمه المنهوب من سلفهم معتمدين على ذات برامج التجمع القديم(تجمع بن علي)وحتى على بعض وجوهه ورموزه التي تقدم خدماتها اليوم لقاء تبرئة ساحتها والفرار من العقاب أولا وحتى تتمكن من كسب كرسيّ يتيح لها الانتقام بالشكل 'ألديمقراطي' الذي تراه مناسبا من شعب يدمّر عقليا وحسيا في كلّ لحظة نتيجة غياب التراكم المعرفي والثقافي الحاسم في تأسيس الوعي الجماهيري.

وأن نعي أنّ اليسار الذي كثيرا ما خان يساريته في هذا الزمن الحقيقي. باسم،ولأجل رغبات يتوهم أنها شعبية لأنه ينظر لها وللشعب من فوق ربوة ثوريّة عاطفيّة وهاوية يغيب عنها الاحتراف السياسي.وتماشيا مع واقعه الذي فرض عديد التغييرات السريعة التي عوض أن يؤسس على مضامينها الاستعماريّة الامبرياليّة ويبني وعي الجماهير بتدرّج تصاعدي ونتيجة لمخلفات التاريخ اليساري في تونس والعالم من جهة التي كرست نفسيّة الانقسام والتناحر والصراع الخطي في وقت وجب فيه التكتل والانفتاح على أهمّ أسس الفكر اليساري التي تجمع العائلة اليساريّة بعيدا عن شخصيات تاريخية وزعامات تخص بلدانها ولا تمثّل الهمّ التونسي بغير تماثل لحالات متشابهة شكلا وليس مضمونا بحكم خصوصيات الشعب التونسي جغرافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وغيره.لذلك ولأسباب غرسها أعوان والمندسين في صفوفه وعوامل أخرى كالإعلام الخاص ودوائر بثّ الإشاعات وزرع الفتن لصالح البرنامج الامبريالي.أسسوا داخل اليسار المتكتّل صوريا داخل 'الجبهة الشعبيّة' وعمليا هو ضحيّة تطاحن ما يسمى بمهازل القيادات التاريخيّة وأذنابها على الأرض والتي انساقت عن جهل أو قصد خلف رسم بياني ينزل بها إلى الضعف والانحلال والتفكك بعد أن كانت في أوج الانتفاضة الشعبيّة أهمّ فصيل يقف بشراسة مدافعا عن الجماهير قدام الثيوقراطية المدعومة والرجعيّة والانتهازية وفلول التجمع.ولم يعي جيدا أنّ الحرب هذه والعزل المقنع مع عدم اهتمامه بالدور الخارجي الداعم لوجوده على الأرض كقوّة سياسية بديلة قادرة على التفاعل الخارجي الذي يدعم برامجها الاقتصادية نتيجة الخلافات الأيديولوجية البغيضة التي سبق وأن أشرنا لما تسببه من انقسام في الصفّ اليساري التونسي فما بالك بالتعامل مع دولة وقوّة مثل الصين مثلا.

وهذا الحرب التي شرحنا بعض فصولها موجّهة لمحوه من الساحة. حتى لا يبق للعمّال والكادحين والمفقّرين والمعطّلين والفلاّحين صوتا يسمع. ولا عين تكشف للعقول حقيقة البلاد. واقتصاد البلاد. الذي هو الموجّه لدفّة السياسة. وما يطرحه الساسة من بدائل وفكر. ورؤى لتجاوز الأزمات. وتوزيع الثروات.وخيرات البلاد. توزيعا عادلا بين عموم الشعب. أينما كان على تراب الوطن المناضل من اجل حرّية وكرامة واستقلال الوطن.


ـ في الردّ على آل "نسمة شوو" حول العلاقة بين السياسة والاقتصاد.

إنّ التلازم بين السياسة والاقتصاد هو عضويّ حتى لا يمكن فصل العالمين على بعضهما فهما ليس مكمّلين لبعضهما بقدر تمثيلهم وجهين لعملة واحدة إذ لا يمكن أن نجد سياسة لا تقوم على رؤية اقتصاديّة تترجم الأقوال والرؤى السياسية إلى أفعال اقتصادية ليس لأنها منتهاها وإنما لما يمثّله الخطاب السياسي من واجهة الإقناع بجدوى الخيارات الاقتصاديّة المتبعة تخطيطا كلّ حسب منظوره ورؤيته وقراءته لبؤر الصراع المحلّي والعالمي على تحصيل الربح والسيطرة على منابع هذا الربح حتى تصل في أحيان كثيرة إلى استعمال القوّة العسكريّة إن لم يفيد الاستعمار الاقتصادي بالتوجيه نحو التبعيّة التي تتمظهر في شكل الخطاب التابع النابع من معطى الحفاظ على استقرار الاقتصاد من جهة المغلوب وتثبيت معنى القوّة والردع والجزر إن لزم الأمر من جانب صاحب القرار الاقتصادي العالمي .

هذا عموما تفسير بسيط ومقتضب للعلاقة بين السياسة ولاقتصاد . ونردّ هنا على القائل أن الأحزاب التي ضنّ أنها وليدة اليوم في تشكّلها والتي تصارع الآن لتفوز بموقع على الخارطة السياسيّة إنما هي بذلك تخدم طرحها الاقتصادي الذي تتبناه وليس عنونها وشعارها سوى مختصر على توجّهها الاقتصادي فحين نقول الحزب الليبرالي أو الاشتراكي مثلا هنا إننا نوصّف المجموعة التي رفعته بصفة ملازمة للنمط الاقتصادي الذي تتبناه والتي ترى فيه خلاص المجموعة الوطنيّة . وهي تحارب سياسيا لإقناع الناس بجدوى هذه الخيارات وصلاحها للوطن والمواطن.

ولأنّ ما اجتمعتم لأجله غير بريء بالمرّة فهو يكشف لكي يضلل. ويسحر البسطاء بجدوى خيارات حكومة من المفترض أن تكون في ذات معنى وجودها أصلا أي وقتيّة . لكن ما طرحه السيد الوزير هو مشروع متكامل نابع من رؤيا اقتصاديّة ذات بعد برجوازي ارتباطي في أساسه وما السرعة في التنفيذ سوى تكبيل وكسر مبادرة تقوم من أي اتجاه ومن أي طرف يمكن أن تكون له السيطرة بعد الانتخابات على الساحة السياسية . خصوصا المغضوب عليهم من يسار تخصيصا وتحديدا وحتى يسار الوسط.

فالحكومة التي من المفترض أن تكون مؤقّتة في كلّ برامجها التي تترجم اقتصاديّا لتسيير البلاد نحو خيار الشعب بالانتخابات إنها أقصت الخيار الشعبيّ بالضربة القاضية اعتمادا على تصوير الأمر على أنه ضرورة لا مناص منها وحلّ لا بدّ من إتباعه غصبا لتواصل المسألة ألمعاشيه للبلاد وكأن البلاد غارقة لا محالا إن لم نتبع خطاهم وفكرهم التي شبّه لهم أنها الحلّ . وهنا أسئل لماذا الغرب سارع لتشريفنا في G8 هل لأننا قمنا بثورة عظيمة فحسب وماذا تؤثّر الثورة التونسيّة وكذلك المصريّة على مسار تواجدهم على خارطة هذه الأماكن بالذات ونحن نعلم مداها الإستراتيجيّ في الموقعين ألمغاربي والعربي بقضيّته الفلسطينيّة وغيرها من قضايا الأمّة التي ننتمي إليها ضرورة وليس اختيارا فقط .

إنّ السهرة كانت دعاية في إطار دعابات العصر المأزوم ، للبرجوازيّة أن تقف وقفتها وتتحوّل من انكماشها إلى لاعب رئيسيّ وأن ترتهن وتربط مصير بقائها في ظلّ أي نظام صاعد لتخرّبه حين يتجه عكس البوصلة التي حدد اتجاهها سلفا . وأسأل أين وجه الذكاء في هذه الخيارات "سوى ما يعيد في أذهان الناس من عود إلى تمجيد الذات والمجموع بأننا نجحنا وننجح حتما" وهذا جميل لكن ضريبة هذا النجاح المفترض من سيدفعها هل المواطن دافع الضرائب أم البرجوازيّ الذي يربط من جديد بسيده في الخارج عضويّا ليشكل حزام أمنيا لوهم القوّة الإمبريالي والذي هو أبرز المتهرّبين من دفع الضرائب بينما الشعب الكريم تستقطع ضريبته من المصدر . لكي يثبت السيد الوزير ومن وراءه كلّ المؤقتين أننا أناس طيبون وكرماء وندفع ما علينا في حينه وبلا مواربة أو تردد ولا نطالبهم بفسخ الديون إجلالا منهم لثورة الشعب الحرّ الذي هو في إطار بناء ما يرغبه هو من أشكال الديمقراطيّة وليس ما ترغبه الدول العظمى من رؤية للديمقراطيّة التي تدعوا إليها بقوّة السلاح في العرق وأفغانستان وغيرهما .

والحال أن "هولند" وهو ناطق باسم بلاده و أتباعه من الغرب "وهذه المصيبة" طالب بفسخ ديون تونس أو على الأقل بعض منها . لكننا نثبت للمرّة المليون أننا شرفاء وأصحاب كلمة فصل ندفع يعني ندفع . ولا يهم مادام الدافع الأصليّ هو الشعب الكريم الغارق في التعاسة والفقر والضنك وليس الحكومة المؤقّتة التي سترحل لتترك للصاعدين إرثا أثقل من الذي تراكم من العهد البائد ما قبل 14-01- .

وهنا أذكّر برأي الذي سبق وأن بينته في مقالات عدّة منشورة بجريدة الشعب لمن يريد المتابعة. أننا لا مناص لنا من أن تلعب البرجوازيّة الوطنيّة دورها الرياديّ والتواصل والمتصل مع منبع وجودها وقوّة وجودها العاملين على تطوّرها الساعد الكادح الذي يقوّيها ليس لتدور عليه وإنما لتسير معه جنبا إلى جنب في إتحاد واحد وتقسم الخيرات حسب الأدوار وبكلّ شفافيّة وحبّ للوطن بأهله . وان تكون قياداتنا متنوعة بحسب التمثيليّة النسبية لكل طرف وبالثقل الذي تفرضه النزاهة النسبية للعمليّة الانتخابية تأسيسا للديمقراطيّة وبالتزام بشروط الثورة في التعايش السلمي المتجانس .

ولنا في النموذج الصيني مثال أول نسوقه كأحد الخيارات المطروحة والأقرب إلى روح الثورة التونسيّة بفوارق تبدوا كبيرة لكنّها في الأصل ليست كذلك ويمكن أن نشرح ونبيّن في إفراد مقال خاص بالموضوع لكن هنا نتحدّث عن فهم الصين للدور الذي يمكن أن تقوم به البرجوازيّة الوطنيّة المراقبة ليس لتكبلها وقطع أرزاقها ومجالاتها الحيويّة وإنما وبعد دراسة للواقع النفسي الإنساني الغريزي لحبّ الملكيّة من جهة والحاجة إلى نمط جديد يثري البلاد قدّام الصراع الشرس على المستوى العالمي للفوز بالأسواق الاستهلاكية وحتى لا نكون سوقا استهلاكية بامتياز كما كنّا قبل 14-01 . فإننا نحتاج إلى قوانين تنظّم عمل رأس المال وننتخب له من خلال دراسات الخبراء الوطنين اتجاها يفتحنا على المستقبل أي نستشرف الخطّ الاقتصادي العالمي ونستقري اتجاهه من الآن ونمضي إلى عمقه متلازمين . بورجوازيّة وطنيّة وعماّل وفلاّحين . وما الحديث عن طبقة وسطى فهو مغالطة للواقع إذ أن حال هذه الطبقة بعد كلّ مظالم الرئيس المخلوع وآله وصحبه وزوجته وآلها وصحبها . لم يبق لدى هذه الطبقة سوى الساعد لتدخل في تصنيف العمال بالفكر والساعد.

وما الحديث عن التجربة الهنديّة على أنها في حين ظهورها هي تجربة سياسية متمثّلة في شخصيّة غاندي فهنا يتضح لديّ عدم بلوغ الدرس الغاندي في شكله الذي يخبر بمضمونه وحتى بعد أن قال قولته الشهيرة التي أختصرها : فالتهب عليّ رياح الكون الأربعة لكن لا تضيّع ريحي : بما معناه أن الثقافات وأهمّ منها محرّكها الاقتصاد ، لتهبّ عليّ من اتجاهات الكون الأربعة لكن لا تنسيني غزل الصوف الذي أراد أن يخبر من خلاله توجّه الهند إلى ثرواتها ومنها الملح لتحرير البلاد من الاستعمار ليس العسكري فحسب وإنما الاقتصادي من خلال خيار الانطلاق بما هو متوفّر ومتاح وموجود أي من الموجود اتجاها نحو المنشود . وإن كنّا نشابه هذه الفكرة في انغلاق جزئيّ فإننا في هذا الظرف العالميّ الاقتصادي والتراكم التاريخي للاقتصاد التونسي وأيضا الاجتماعي فإنّ هذه النظرة هي صعبة صعوبة من تعوّد على الانفتاح الكلّي كسوق استهلاكية بامتياز. في جميع الأطر والميادين حتى الثقافيّة منها .

وأما تجارب أمريكا اللاتينيّة فإنها تختلف شديد الاختلاف لما تعانيه من صراع قويّ ومباشر من خلال خارطة التدخّل على أرض الواقع وواقع الأرض بحكم الطبيعة الجغراسياسيّة والاقتصاديّة للمكان . وما تمتلكه هذه الأرض من ثروات طبيعيّة لا يتوفّر منها لدينا سوى ما يسد رمق جوعا الإمبرياليّة المتواطئة عالميّا أي تبّع وظلّ الإمبرياليّة في محورها المركزي الأمريكي

وما الحديث عن وثيقة ثورة . أو وديعة تختصّ في تحديد نمط الاقتصاد إلاّ توريط وربط وتكبيل للشعب بمكوناته من برجوازيّة وطنيّة وعمال وفلاّحين . للخيارات التي رسمها ممول الحكومة المؤقّتة وداعهما الذي شرّفها بحضور G8 وأعطاها الفرصة والزمن لاختيار ما هو أصلا مفروض عليها "أو على الأصح ما تخال مفروض عليها" والحال أن برجوازيّتنا الوطنيّة هي قادرة أن تلعب دورها الاستثنائي والتاريخيّ الذي يحسب لها الآن وغدا . في إنقاذ البلاد بما تضخّه من مشاريع اقتصادية وتحريك للسوق العاملة داخليّا وخبرتها في مجال التسويق الخارجي لتبني استقلالية ليس قرارها هي وحسب وإنما استقلال الوطن وبناء عزّته وكرامته وشموخه... والفاهم يفهم ... / ...


لماذا ثورتنا دائمة؟


إن محاولات تحويل شعبنا من الدكتاتوريّة الغاشمة إلى دكتاتوريّة ناعمة هي العنصر الرئيسي في المهام المحرّكة للعدوّ الخارجي. ولأن ارتكازه دوما وتعويله على شريحة رأس المال الذي يغذّي وجوده بكلّ السبل ليكون هو الرمز في القيادة الحقيقيّة للبلاد العربيّة عامة والتونسية كجزء. وإن كان إعجابه شديد بمن ينعتون جزافا بالإصلاحيين هؤلاء الإسقاطين الذين يحاولون إقناع الجماهير بأن تطوّرنا رهينة تقليد الغرب واستنساخ عقيم في أسسه للنموذج الذي يتصوّرونه راقي وحداثيّ. جاهلين أصلا أن معطيات الشعب في أرضيتها هي هشّة وغير متجانسة ليس على صعيد الوعي بضرورات المرحلة ولكن بما يجب أن يكون عليه دوره في بناء هذه الديمقراطيات على أنقاض صراع كانوا فيه حطبا ليكون هذا الغرب الذي نحاول الآن تقليده والمشي على هديه. ولن تكون هذه الاتباعيّة سوى تكملة(إن لم أقل فاتحة صراع جديد نكون فيه كالعادة حطب ناره. وجنود الصفّ الأمام الذي يدافع عن الامبرياليّة والصهيونيّة العالميّة).

ولقد كان آخر عناقيدهم(بورقيبة) الذي كان يتشدق ويسند خطبه بشاهده(لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم) وهو الذي لم يترك مجالا للشعب ليغيّر ما بنفسه من خلال محاصرة وضرب وقمع كلّ المحاولات الوطنيّة لبناء رؤية وبذرة تغيير في هذا القوم الذي ينشد التغير. وما نحن عليه اليوم من انحدار كبير في مستوى الوعي الجماهيري المبني على عقلانيّة وفكر حرّ ومسئول إلاّ ثمرة ما أسس له بورقيبة وأكمل السيناريو ابن علي.

وكذلك الحال في كلّ الوطن العربي مع فارق الاقتراب من خطّ النار وأيضا الاقتراب الجغرافي من معسكر قوّة. وليس التقارب الفكري الإنساني المبني أساسا على الجدل الذي يفرز تعاطي مع الخصوصيات لكلّ قطر ولكلّ وطن ولكلّ أمة حسب موقعها التاريخي والجغرافي وخصوصيات التطوّر العلمي والفكري فيها.

أو أنهم كما الحالة التي تعيشها أهم رقاع الثورة. من تكريس لسلطة تخريب مغلّفة بالذين. هذا الذي يتبناه برجوازيي المرحلة المتعاونون حتى الآن بقصد تثبيت وجودهم على رأس السلطة وتشريع وجودهم لمراحل قادمة وبأي طريقة تصل حدّ التكفير وبثّ الفرقة بين شرائح شعب فرّقه قبلها الدكتاتور ليعيش آمنا حتى قيام الثورة. وهاهم يعيدون سيناريو المنّ والسلوى والزكاة التي يجمّعوها في صناديق تحيل ذاكرتنا على صناديق خيريّة تضامنيّة كانت مصدر رزق الناهبين الحاكمين إذ لم يكفيهم سرقة رأس مال الدولة بل بلغ بهم الجشع واللهفة والجبن حدّ سرقة ما هو موجّه للفقراء ساعة أزمة والذي موّلهم مفقّرين آخرين من ذات الشعب. وهاهم يبرّرون تكديسهم للمال وحبّهم له حبّا جمّا ولمّا. بغلاف اقتطعوه من دستور الدين ليشرّعوا سرقاتهم القادمة(وجعلناكم طبقات) وعوض تعليم الفقير كيف يصنع خبزه بعرق جبينه وبكرامته. هاهم يبنون حكمهم على قاعدة النهب الرئيسيّة منّ عليهم بالزكاة ليبقوا دائما محتاجين لوجودك. وكن سخيّا بعض الشيء في زكاتك ليعيدوا دائما انتخابك حتى تولّى عليهم إلى أبد. لكن وجب على الثورة وثورييها أن يعوا هذا الخطر ولا يقعوا في انحرافات من قبيل الاستكانة لهذا النمط من السياسة التي لا تتغير في جوهرها عن الدكتاتورية السابقة. وأن يدوم شعار شغل حرّية،هما كرامتنا الوطنيّة.

أيضا لا يجب أن نغفل على الدور الحقيقيّ لمن نسمّيهم شركائنا المستثمرين الأجانب فوجودهم بيننا قائم على معطيين. الأول هو ما توفّره السلطة من تشريعات وضرائب رخيصة(مقارنة ببلادهم والبلدان التي ننظر لها على أنها قاطرة التطوّر. والثاني،ليس رخص اليد العاملة فقط وإنما ما يجب أن يحميها مثل الضمان الاجتماعي وغيره من وسائل ضمان حقّ الكادحين. ولأنّ الأنظمة الاستعماريّة هي التي تتحكّم في مثل هذه الشركات حسب أولويات أجندتها فها نحن نرى كيف يعاقب الشعب التونسي حين طالب بحقوقه(بعد أن اكتشف القيمة الحقيقيّة لجهده وكدحه وعرقه)بإغلاق هذه المصانع وهروبها. والإشكال هنا أن السلطة التي تتعلل بقلّة الموارد الطبيعيّة(نذكّرها أنها هي ذاتها من كانت تتحدّث عن سرقة أموال الشعب فهل مصدر هذه الأموال هي هذه الشركات وهذه القروض فقط)و عوض أن تعاقبهم على عدم وفائهم بتعهّداتهم تجاه عقودهم وتجاه عمّالهم هي تتمسكن حدّ التسوّل والتذلل للدول المانحة من شرق وغرب ومغاربة.وأيضا هذه الشركات الفارة إلى جنان مفتوحة من الوطن العربي وعوض مطالبتها بحقوق الكادحين والفصول الجزائيّة لفسخ عقود وجودهم على أرضنا هي تكثّف حملتها لتشويه مطالب الكادحين وتحمّلهم مسؤولية هرب هذه الشركات لجنان أخرى موجود فيها الشروط التي سبق وأن ذكرت.

وما يزيد الحال تعكّرا وغرق في حيرة كبيرة على مستقبل هذه الثورة هو هرولة من في السلطة إلى الخارج طلبا للمال والحال أن إرادة الشعب كانت تكفي لبقائه خارج دوائر العقاب المفروض عليه من خلال الحلّ(مثالا وليس حصرا) الذي سبق وأن تحدثت عنه في هذا البحث(بنك الثورة).

إن عمليّة التخويف الكبيرة التي يحاصرون بها الرأسمالي الوطني(حتى لا أقول برجوازيّة وطنيّة)تجعله مربك وقلق إلى درجة التعاون خوفا على مصير ثروته التي هي في الأصل(والمثال هنا تونسيا) ثمرة جهد الشعب التي نهبوها طيلة عقود من زمن الحكم(منذ بورقيبة) وحتى ما هم مطالبون بدفعه حماية للدولة التي تؤويهم وحقّها الطبيعي في الضرائب التي هي أساس ميزانيتها فهم يتعللون ويجدون مليون عذر لكي لا يدفعوا ويفقّروا هذه الدولة حتى تنتهج التخصيص والخوصصة وتبيع لهم ثروات وجهد الشعب وثروته بأبخس الأثمان وحتى لو كان وحافظوا عليها واستثمروها وإنما باعوها للأعداء بأسعار تصوّروها رابحة والحال أنهم أول الخاسرين لقيمتها بعد استصلاحها وهيكلتها و وضع برامج علميّة وبشرية لاستثمار خيراتها وجني ربح دائم وتوفير فرص الشغل لكلّ شرائح المجتمع من متعلّمين(كالمهندسين والخبراء وحتى اليد العاملة والكادحة) لكن عمليّة التخويف والرعب التي يعيشونها نتيجة حده الصراع مع افتقار غالبيتهم العظمى للوعي والعقل المفكّر جعل منهم أولا ومن الشعب لقمة سائغة. وبذلك يكونوا قد نجحوا في إدخال المستعمر إلى عمق البلاد.

أيضا و حتى نكون واقعيين لا يمكن أن نهدم الصورة بتوقيع نخاله ثوريّ من خلال التهديد بالتأميم والحال أن تراكما تاريخيّا أفرز هذه الشريحة وجذّر وجودها في المجتمع بتفاصيله. والتعاطي معها يكون على قاعدة الوطنيّة.

فإن شرط الوطنيّة ينطلق من توعيتهم وإدراكهم بأن العدوّ دخل ليقصيهم ويجعل منهم جندا لبرامجه وليس كما يتصوّرون سيزيد في ثرائهم ويدعم وجودهم فمصلحته وما يحصل عليه من ثروة لا يمكن أن يهديها لأي كائن وهذا شريعة الامبرياليّة. لكن بالاستناد إلى الشعب الكادح يمكن أن تكون لهم شرعيّة الوجود وديمومته حرّا. ومستقلّ الإرادة والمصير. ولا يتمّ ذلك إلاّ في إطار شرعيّة الوجود كمكوّن من مكوّنات المجتمع.

إذا فالوعي جماعيّ ومهمّ إلى درجة تكاد تكون أكثر الضروريّات التي تحمي الجميع من الانحراف. فعمليّة دعم فريق أو آخر في انتخابات مثلا(مثلما أوضحته الحالة في تونس عند انتخاب المجلس التأسيسي) لا تتم على قاعدة من يخدم مصالحي فقط ويحميني من الشعب(كما كان الحال عند تمسّكهم بحكم بن علي وعصابته حتى النخاع ولمّا وصل الأمر إلى إفقارهم صمتوا عند غليان الشعب واختاروا الحياد خوفا أيضا. بل وجب أ يعوا أولا أن الشعب لا يطالب سوى أن يكونوا وطنيين وليبرهنوا على ذلك بالتحرّك واستثمار أموالهم في مشاريع تدعم البنية الأساسيّة للاقتصاد وتشغّل اليد العاملة وتدرّ عليهم أرباح معقولة ومنطقيّة. وليس دعم الأحزاب التي تحميهم كما أسلفت من غضب الشعب بقوّة البرامج الأمنيّةلذلك فإن كلّ المعطيات تشير أننا لم ننطلق بعد في الثورة الحقيقيّة ثورة البناء لوطن حرّ مستقلّ الإرادة وديمقراطيّ واع بطاقاته الكامنة فيه. وهذه الحقيقة تتواصل منذ ميلاد الثورة العربيّة وهي دائمة. إذ لن تنتهي بتركيز حكم الشعب بجميع أطيافه بل تمتدّ في كلّ الأزمنة القادمة.


*هل ناضلنا من اجل دولة اجتماعية ام دولة اشتراكية؟

سؤالي موجها رأسا الى اللذين حرّفوا وانحرفوا وتطوروا ليصبحوا مجرّد ألعوبة بيد الرأسمالية الامبريالية ويتبجحون بصلف وغرور بتاريخ نضالي هم أوّل من هدمه في أول منعطف ثوريّ.متخيلين أنهم انتصروا على اشباح هلاميّة لا تعدوا أن تكون سوى خيالاتهم وظلّ زمانهم في مرآة التاريخ المتقد في ذهنية وتجربة الشريحة (إن لم أقل طبقة الثوريين الواعون) بالمرحلة ومهامها وأسسها والمستندين ومسنودين بإرثهم النظري المتطور عبر مراحل تاريخ تطور النضال ضد الرأسمالية الامبريالية الصهيونية في اصقاع العالم الانساني كلّه.حتى أنهم ونزول عند رغبة القوى الداخلية والخارجيّة تنازلوا في مرحلة أولى عن شيوعيتهم واشتراكيتهم وانتموا لصفّ مشابه لدور (حزب العمال البريطاني الذي كان في اهم معارك التاريخ الحديث يمينيا أكثر من اليمين وصهيونيا أكثر من الصهاينة في إسرائيل)وغيره من النماذج التي افهم جماعة النصف نصف أي اشتراكي بالاشتراك مع البرجوازية الوطنية وأسأل بكل براءتي أي أسس تؤسس وطنية البرجوازية الوطنية وكيف يمكن لنا ان نسيطر على عمالتها للرأسمال العالمي الامبريالي؟ويمكن ان اذكرهم بآخر ما فعله صدام حسين حين اعدم 40 من هؤلاء البرجوازية الوطنية لاستغلالهم الوضع بقصد الاستثراء الفاحش على حساب شعب يقاسى ويلات حرب وحصار عالمي وهو بالأساس شعبهم وأهلهم ولن أزيد عن عمالتهم وتواطئهم مع المستعمر الفارسي او الأمريكي على السواء وهذا ما كان له الدور الرئيسي في سقوط بغداد 2003.

وحتى لا أتوسع في هذا العنصر الذي يخرج عن من اوجه لهم الخطاب والذين تنصلوا من اصلهم وهو دورهم الأساسي فتمثلوا دور ما يطلقونه على انفسهم (يسار) خوفا من الجماهير وليس مجابهة ومواجهة وفضح لأصل التهم ومصدرها واستغلال هذه الفرصة التاريخية لتأسيس رؤية ووعي جماهيري واضح وصريح ومباشر(أنا متأكد أنه لن تتاح لغيرنا مثل هذه الفرصة لفعل ذلك وتفعيل الاساس النظري والمبدئي للاشتراكية الشيوعية بما يؤسس وعيا شعبيا علميا مؤسسا لدور تاريخي مستقبلي يحطم كل توقعات العدو التاريخي) كن الذي حصل أنه قدّم هؤلاء الذين صنفهم عبيد الشخص لقادة تاريخيين صورة مهزومة ومهزوزة عن المناضل الذي لا تهمه المناصب بقدر ما يهمه مستقبل الجماهير.

لكن الحاصل ان هذه القيادة (وبكل سخرية مرة اقول تاريخية)لم تكتفي بالتنازل عن التسمية بل واصلت تنازلاتها لتمس النظري وهو الجانب المؤسس لوجودهم كلّه فعوض ان تكون الأطروحة المنتمى اليها تاريخيا.ونابعة من المكون والمخزون النظري. نجد خيانة كلّية وليس تحريفا فقط لقضية ثورة العمال والفلاحين ثورة الفقراء والكادحين.

متعللين بأن الوضع الموجود على الارض هو الذي يفرض التعامل بشكل مرن ومتماشي موازي ومستنسخ منه.

لذلك أصبح كل طموحهم الثوري هو الحفاظ على الدور الاجتماعي للرأسمالية للحفاظ على الحد الادنى من مصالح الطبقة المفقرة والمجهلة والمنهوبة والمسلوبة الشخصية والإرادة. وهذا لبّ الخطاب اليسراوي التحريفي الذي برز جليا وواضحا في الحملة الانتخابية التشريعية والرأسية في 2014 وبذلك تمّ قبر الثورة والأصح حلم الثورة في بلاد كانت النبراس الذي بإمكانه صنع هذه العلامة الفارقة في تاريخ الانسانية.

وللمشككين أحيلهم على خطب زعاماتهم التاريخية (كحمة الهمامي الناطق الرسمي باسم جبهة يسار اليمين ذي المرجعية الحزبية الستالينية في حملة الانتخابات الرئاسية وموقفه من الرأسمال الداخلي والخارجي ودوره كرئيس في الحفاظ على مصالح الفقراء والكادحين وبأي سبيل سيحافظ على مصالحهم وتعايشه مع 'سراق' دم الشعب)

ولكم ايضا في خطب مرشحي اليسار للانتخابات التشريعية ودورهم الذي يتبنوه والذي سيناضلون من خلاله وهم في مجلس الشعب (الديمقراطي جدا والممثل جدا لطوائف المجتمع خصوصا الذي نطمح اليه ونناضل من اجل وجوده فاعلا ومناضلا وشرارة تلهب الانسانية ضد الظلم والطغيان والدكتاتورية الامبريالية الاستعمارية الصهيونية).

عود إلى زمن بورقيبة والإرث الذي يتباهى به الدساترة اليوم.../...

*طبيعة نظامي الحكم في تونس(بورقيبة وبن علي)

في بدايات بورقيبة كان نظاما تسلطيا بشروطه الأساسية التي نوضحها في شكل نقاط بمقياس وخصائص وشروط النظام التسلطي التي أوردها فيليب بروا في مصنفه سوسيولوجي بولتيك وهي كالتالي:

التعددية الحزبية المحدودة.

التنافس المحدود على السلطة.

انغلاق فضاء المشاركة السياسية.

شخصنة السلطة،واحتكارها لفائدة فرد أو أقلية.

وفي غطاء دولة اصلاحية وذات مشروع اصلاحي.وسيعود هذا التمشي بشكل أوضح مع بدايات بن علي.إلاّ أنّ بورقيبة انقلب ليضيف النفس الدكتاتوري لشكل نظامه التسلطي ويصبح الكاهن الأكبر(المتعلم والمثقف وهما الميزتان التين تميزانه عن خلفه بم علي) للدولة والشعب.وهذا ما غاير شكله جزئيا بن علي حين حافظ على حوانيت سياسية لصاحبها التجمع الذي هو بن علي شخصا ورمزا وهو يمثل القرصان الشرير عكس الكاهن الأكبر سلفه لما أوردناه من اختلافات في تكوين الشخصيتين والتي هي أساس تكوينهما للشخصية الذاتية والعامة الحاكمة من موقعها على رأس السلطة لكن لم يختلفا في ركن وميزة الدكترة إلاّ في الأسلوب فبورقيبة كان يعتمد على الآلة القامعة التي كانت بيد غيره من بطانته التي كان يرضيها وجوده نكاية في غيرهم من الطامحين مثلهم في اعتلاء العرش بينما بن علي كان يدير عمليات القمع للخصوم عامة بنفسه وبخبرته الكبيرة منذ كان ضمن تشكيلات القمع الوطني أيام بورقيبة.إذن فإنّ تبويب الحالة التونسية تحت عنوان (نظام تسلطيّ) هو منقوص بحكم الخصوصية المحلية والتي لا تخلوا من تماسها مع العوامل الخارجية في تصنيفها على أنها (نظام دكتاتوريّ تسلطي).على عكس النظام في العراق الذي كان شموليا مع خصوصيات العراق كبلد عربي له ميزاته وخصوصياته وإضافاته التي يقدمها للتصنيف والتي يغاير فيها الانظمة الشمولية الأخرى حتى التي عاصرته مثل الدول الاشتراكية والسوفيتية.

هل فعلا يتطور النظام التسلطي إلى نظام ديمقراطي ويؤسس لمقولة (التحول الديمقراطي كشرط مرحلة لتطور النظام التسلطي) في الحالة التونسية وهي التي كانت مصنفة في المرتبة التاسعة من بين أكثر من ثلاثين دولة عربية سائرة في طريق التحول الديمقراطي؟وبالتالي انتاج الثورة العظمى التي تكسر جذور السلطة التي تتحول من نظام التسلطي الى النظام التسلطي المترسّخ ؟بعد انعدام كلّي لفرضيّة التحول الديمقراطي عن طريق صناديق اقتراع والذي يمثل رمز العملية الديمقراطية وتحولاتها؟خصوصا عند تعسر الوضع ايام دكتاتورية بن علي؟


*بورقيبة صانع الدساترة:

وجد ارضية مهيأة بجملة عناصرها الرئيسيّة. وشروط تطويرها وتحديثها القائمة في صلبها. والنخبة الاساسية المتخرّجة حديثا من جامعات فرنسا المستعمرة والذين خبروا النقاط الفارقة بين قديمهم الموروث الموجود على الارض في تونس وبين المكتسب المعاش في فرنسا والذين غاية طموحهم ومنتهاه هو تحويل تونس الى نموذج اخر ربما يكون صغيرا أو كبيرا بقدر ما تسمح به فرنسا ذاتها التي تشترط الولاء أساسا شرطا لتوسيع فكرتهم وتطوير غاياتهم الإستنساخية أكثر منها اصلاحيّة بالمفهوم الاصلاحي. لبرنامج ترقيعي يدعى جزافا اصلاحي للحكم. وبحكم ظروف الاستقلال السياسي النسبي وتواصل شروط الاستعمار الاقتصادي الفرنسي تحت شعار وبند تنمية المستعمرات وغيرها من الاليات كمجتمع الدول الفرنكوفونية وغيرها من المعوقات التي أعاقت فرص كبيرة جدا في تلك الظروف وذلك الزمان لتطوير التعاون الاقتصادي التونسي الندّي وبالتالي تطوير الاقتصاد التونسي الحرّ نحو مجالات ارحب وأوسع. وتنوع كبير يراكم خبرات كافية لتكون ارضية رئيسية لبناء مستقبل تونس الحرة المستقلة. وطنا وإرادة وصوتا عالميا. وليس محكوما بما يشترطه صاحب راس المال في بلادنا. (فمثلا حتى الماكينة والآلة في المصنع أو عند بعض الفلاّحين المنتفعين من خروج المعمّرين ناهيك عن الأراضي التي ضمتها الدولة والتي عنونتها بأراضي الدولة هي رهينة قطع الغيار التي لا يمكن وصولها لتونس بغير ثمنين.مادي اقتصادي وسياسي) و هناك عناصر التي يتباهى بها بعض العناصر الدينصورية التي لا تزال تتاجر وتأمل في مستقبل سياسي(رغم الشيخوخة المزمنة وإدمان شهادة اللحظات الأخيرة قبل الموت)باسم بورقيبة وما تركه من ارث مصورين للجيل الجديد الذي لم يعرف من بورقيبة سوى الاسم وبعض ما ورد على لسان شيوخ هزّها الخرف إلى حدّ تأليه الشخص تماما مثلما ألّه (الولية وزواياهم وتكاياهم فقط ليشبعوا من الكسكسي وخصوصا اللحم بدون مقابل) وصوره في افضل الحالات براءة المظهر خبيثة المتن انه النموذج الوطني العقلاني والصحيح والمناسب والمنقذ والمجاهد الاكبر وكل التسميات التي تربوا عليها والتي هم انفسهم من اطلقها عليه طمعا في مكرمة او منصب. وما اشتغل عليه بورقيبة من بناء الدولة الحديثة وتعزيز روابط الوحدة الوطنية والشعور بالانتماء المشترك تحديث وتطوير آليات التعايش المجتمعي من النواحي والميادين الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وتعميم المرافق الاساسية ومجانيتها كالتعليم والصحة وتغطية اجتماعية ...إلخ./.لو عدنا قليلا الى ما قبله سنرى ان المستعمر كان قد وضع اسس هذا المشروع بشكل كان يخص به الفرنسيين ومن ولاه من ذوي السلطان الاكبر من (المطورنين)أو (البيوعة)وهما صفتان كانا يطلقان على عناصر التعاون مع المستعمر.

فالمدارس كانت موجودة ومجانية للراغبين في التعلم(وما طوره النظام هو الاجبارية والتعميم) وفيما يخص العمل فالأسس تركها المستعمر من ارضية وسائل الانتاج وإدارات التسيير وقوانين العمل والتمويل وكذلك الطرقات وشبكات النقل سواء الحديدي او البري وخصوصا التي تربط مصادر الثروة الطبيعية كالفسفاط والخيرات الفلاحيّة لمطمور روما في الشمال(وأقصد زراعة الحبوب)وغيره من منتوج البلاد وسطا وساحلا وجنوبا من الثروات الفلاحية التي سنكتشف في مواقع من الكتاب هذا كيف دمرت وخربت حتى لا تتمكن من مزاحمة منتوجات المستعمر وتكون المادة الاساسية التي تدير عجلة مصانع الادوية العالمية. بمراكز التوزيع والتصنيع والتصدير.أمّا الثروة النفطيّة فبقيت وحتى عصر بن علي من الملفات والمواقع التي لا يذكرها ذاكر إلاّ ليمرّ إلى ردمها حتى تكون كنزهم الخاص ويمكن ان نشير إلى حقلين (حقل تطاوين الذي كان ولا يزال لا يمتلك طريقا برّيا لربطه بالبلاد وبالتالي بمراكز الجمع والتصدير أمّا حقل الزارات في قابس فهو من الحقول التي لا ذكر لها في وعي المواطن ومعرفته ببلاده إذّ أنه أكثر الحقول التي ترافقه وترافق صفقة تسليمه لشركة اجنبيّة بقصد استثماره أكبر سرقة تدل على بؤس عقلية السارق الذي عقد الصفقة وجهله التام بكنزه وحقيقة أرباح هذا الكنز ولأنّ العمليّة تمت من خلال عائلة محمية طبيعية لمالكها الأصلي أمريكا فإنّ الأمر دائما ما يرمى عليه الكثير من التراب ليردم كلّما وقع ذكره من لسان خبيث.ولنا ان نتساءل اليوم عن الخطوط التي اعدمت وآليات الربط التي خربت ودمرت حتى تخلق مجالا لما يسمى بالرأسمال وطني لكي يعشش في خبزه الزوالي ولكم في خطوط السكة الحديد مثالا واضحا وصارخا وصريحا.كيف اعدمت خطوط حتى على الركاب المسافرين من افراد لقاء دخول شركات نقلهم البري بأساطيل شاحناتهم لتحطم شركة من اهم شركاتنا الوطنية وتضع الدولة كل امكاناتها في سبيل تطوير شبكة طرقات ليجد هؤلاء مجالهم الحيوي للاستقراء مقابل شعب لم يتركوا له مجالا من خلال شبكة طرقاتهم الحزامية والسريعة ما يفتحون من خلاله مشاريع تعيلهم وتعوض خسارتهم حين اوقفت خطوط النقل الحديدي التي تربطهم بالمراكز (ان لم اقل مركز).

وعلى أصعدة عدة فإن المستعمر ترك لنا ارث آخر متمثّل في جملة من المراكز الثقافية كقاعات السينما ودور الثقافة وغيرها والتي نفاخر بها في كلّ مناسبة وحتى بغير مناسبة.ما الذي اضفنا عليه في زمان بورقيبة أو حتى الزين؟ حتى دور الشعب التي ركّزت في بعض الارياف هي اليوم وحتى قبل اليوم بكثير في عداد المندثرين وفي افضل الحالات معلم اثري لعرض أو عرضين مرّوا منها في أيام خوالي لم يعشها أهل ذلك الريف بعد.ونسأل اليوم كيف يوجد بيننا ومن صلبنا متشددين وحاملين للسلاح وواعدينا بالقتل والسحل؟

لسائل قبل ان يسال تعلم قراءة الوثائق التاريخية لجملة الشركات الكبرى في تونس تاريخ نشأتها ومصادر تمويلها وأصل قوانين الشغل في البلاد التونسية ولكم مثالا حيا يمسّ شريحة كبرى في البلاد (الثوريّة)التونسية. رتبة (عامل مكلف بعمل اداري)هذه الرتبة التي اختلقها في حدود 1925 المستعمر الفرنسي في السلم الاداري ليذل الكفاءة التونسية أمام منظوريه من الفرنسيين العاملين في تونس وفي اداراتها ووزاراتها. هذه الرتبة والصنف مازال معمول به بعد دولة الاستقلال ودولة التغيير وتونس (الثورة).لإذلال التونسي للمواطن التونسي فما الذي غيره بورقيبة أولا ثم زينه بن علي الذي استقدمه وولاه وزارتين في وقت واحد الوزارة الاولى ووزارة الداخلية.وهو الذي يعلم علم اليقين من خلال حادثة الوحدة مع ليبيا(معاهدة جربة)أن اسم بن علي كان مدسوسا من طرف القذافي وبمرجعية ودعم واضح وضوح من عاش تلك الفترة وحتى دارسها.وبالتالي ليس بالغريب ما فعله هذا الاخير في بورقيبة والشعب التونسي.وبالتاريخ الشخصي الذي أسس لهذه الشخصية ودورها في تونس.

حتى الجامعات التونسية التي كانت وستظلّ منارة علم رغم كلّ المصائب والدسّ الذي يدسّ لها من سموم تاريخية عبر منظومة التعليم الابتدائي والثانوي والإعدادي.فإنّ الجامعة الوحيدة كلية الاداب والعلوم الانسانية 9 أفريل هي كلّ ما يحسب لزمن بورقيبة لأن جامعة منوبة هي هدية الشعب العراقي لتونس حالها حال كتب المقررات الدراسية التي كانت هدية من العراق لفاصل زمني تاريخي مهمّ من حياة تونس زمن بورقيبة.ويفاخرون بعض الغفل أنه الدهاء التونسي وخبث بورقيبة ولم يتساءلوا للحظة واحدة أين تذهب أموال نفط وفسفاط تونس وهما المصنفين في الدرجة الاولى في قيمتهما المعيارية من حيث ثروة باطنية على الصعيد العالمي وعائداتهما مرتفعة في ذلك الزمان مقارنة باليوم؟

لا يجب أن ننسى أدوار أهل الساحل ممن نصّبوا أنفسهم حماة لبورقيبة أيام دكتاتوريته أمثال منصور السخيري الذي حوّل مشروع مترو تونس إلى مترو المنستير سوسة الخاسر حتى يومنا هذا والذي ثار على وجوده أصحاب سيارات الاجرة وفرضوا ارادتهم على الدولة حتى على أيامه والأمثلة لا تحصى ولا تعدّ. لكن الشعب التونسي (وهذه ميزة لن تجدها في برّ الانسانية عامة) نساء...نساء...نساء...إلى درجة جعلته رهينة قولة أجداده

(الله ينصر من صبح).../...

 
 
 

Comments


Post: Blog2_Post

Subscribe Form

Thanks for submitting!

  • Facebook
  • Twitter

©2020 par موقع المختار المختاري الزاراتي. Créé avec Wix.com

bottom of page