الهويّة تونسيّة أو لا تكون* *المسألة القومية لتونس* *تصحيحا للتاريخ المختار المختاري الزاراتي
- zaratimoukhi
- 25 mai 2020
- 5 min de lecture

مسألة هويّة:
انقسم تاريخ تونس الى مراحل ثلاث مهمّة في تغيّر دمائها وعروقها بحكم عوامل الغزو وأيضا المصاهرة الطوعيّة (تمحورت على مستوى القيادات والمصالح التجارية لرؤساء المال وقتها وفي الغالب كانت تجمع بين القيادة السياسية والقيادة الاقتصا ـ تجاريّة).
الهويّة واللغة:
قبل ما يزيد عن ثلاثة ألاف سنة ظهرت لهجات قبائل شبه الجزيرة العربية وكانت اللغة العربية لهجة أحد هذه القبائل
(وهذه القبائل الرحّل آخذة في التحوّل نحو النشاط التجاري بعد مراحل من الرعي والتيه في صحراء يعوزها مناخها المرعى الذي يحمي مكاسبها وأيضا ظهور مراكز كانت محطات أخذت في التحوّل إلى مراكز تجمع تجاري ومحطة من محطات التزود والتبادل وتغير الاتجاهات حسب السلع والطلب عليها زد على ذلك تغطيتها بعوامل دينية عرقيّة بحسب عقلية زمانها والتي مثلت شرعية القيادة والريادة والوفادة والسقاية. وهي شرف يجمع بين الديني والدنيوي)
وهنا حدث تغيّر على مستوى اللغة حيث سمحت المركزيّة بانتشار اللغة وتبنيها لتكون ليس مقياس التحضّر فقط بل ومقياس الانتماء الديني والعرقي وشرف الانتساب للأشراف القادة وبالتالي أحقيّة ممارسة السلطة ولو معنويا داخل مؤسساتهم القبلية.
وبعد اعتماد الكتابة وتحولها الى اداة ضرورية بالموازاة مع المنطوق نظرا لتطور الحاجة اليها أخذت العربية في التحوّل من لهجة قبليّة إلى لغة رسميّة ذات دلالة على نسب وملّة.
وكان للقبائل طرائق في حفظ الموروث والإخبار تعتمد الحفظ والرواية (المشافهة الحافظة للإرث الكلمي من شعر وخطب واجزال) بدأ الاستعاضة عنها بالكتابة والتدوين. وهذا ما جعل للهجة العربية غلبتها على بقية عناصر ومكونات عنصرها من لهجات القبائل الاخرى التي بصمتها بعدد من المصطلحات والألفاظ.
ولم تعتمد هذه اللغة رسميا إلا مع تبني الاسلام لها وورود الكتاب بصوتها ورسمها. لكنها هنا مرت بمراحل أخرى من التصحيح والتقويم على مستوى كتاب الربّ (الفرقان) إذ أنّ تجميعه وتدوينه واعتماد نسخته العثمانية بتدخل سياسي (فالقرآن في أول تدوينه وجمعه كان أكثر من نسخة أعدمت بقرار سياسي لتكون نسخة عثمان هي المرجع ومن ناحية أخرى فإن مصحف عثمان حاول مجمعوه الجمع بين تقعيد اللغة وشروح اللغة 'أي معاني الالفاظ التي كانت جامعة بين لهجات القبائل ومنها القديم المتروك والجديد الذي معتمد في لسانهم ساعتها' وأيضا أسباب النزول التي حاول من خلالها المجمعون تبويب السور واستندوا على الرواية الانسانيّة حسب جدارة الراوي وقربه من الرسول وسيرته الذاتية التي تكشف سريرته على أنه غير كذّاب وغير مندس ...إلخ'
كما للتاريخ شأن فالأحداث كانت أحد أبواب الترتيب والتجميع لكن تدخل الفعل والعامل السياسي نتيجة الصراع على السلطة وأحقية الخلافة بين العروش والقبائل (بين أهل مكة والأنصار وغيرهم من الذين رؤوا في مكانتهم أحقيّة لاعتلاء السلطة.
ومع ظهور هذا الصراع منذ أيامه الأولى ظهرت الملل والنحل حتى تجاوزت الستين (وهي شروح وتأويلات للقرآن والسيرة وبلغ الأمر مبالغ كبيرة من ما كرس الفرقى والتشتت الشيء الذي دفع بالغالب ساعتها والمسيطر على السلطة أن يأمر بقوّة السلاح وحد السيف بمنع التأويل والتفكير وقصرها على خمس هي ركيزة الحكم والتسلط وهي عامل اساسي للحكم ومن هنا بدأت مراحل التجهيل الرئيسيّة في الاسلام(.
وبعد غزوات نشر الدين والتي انتهت الى آلية تكوين امبراطورية سياسية بغطاء نشر الدين وهي إمبراطوريّة إمبريالية عنصريّة في كل مظاهرها وأسسها وبلغ أمرها حد التمييز بين عناصرها المكونة لها حيث كان توزيع الغنائم يخضع لمقاييس قرب المنتفع من السلطة دمويا اذ أن العامل الدموي كان يفترض الفداء بالدم لبقاء وزيادة الكسب من الغنائم.
حتى بلغ الامر حدّ التصريح وليس التلميح حين صرّح خليفة الله على الارض وخليفة المسلمين في بلاد المسلمين قولته التي ان فتشنا على الخلفية النظرية للامبريالية الصهيونية سنجدها واضحة المعالم في ايامنا التعيسة هذه وهي قولة قائد ورمز العباسيين:(أمطري أنّا شئت فإنّ خراجك لي)
من مقولات ابن جنّي حول مسألة اللغة عند المستعربة:
"هذا القدر من الخلاف لقلته ونزواته محتفل به ولا معيب عليه وإنما هو شيء من الفروع يسير،فأما الأصول وما عليه العامة والجمهور فلا خلاف فيه ولا مذهب للتطاحن به..."
ومن أساسيات انتشار اللغة العربية حد السيف وعامل الانتماء الديني فتعليم الدين يمر عبر لغته ومن رغب السلامة والانتماء للسلطة تبنى الدين وشروطه وبالتالي نطق لسانه ولسان خلفه بلسان الكتاب لذلك كان أول دخول الدين الى ارض يمر عبر اختيار النصوص التي ترغب وترهّب في آن من الانتماء له وتبنيه ولأنّ الاسلام في عديد نصوصه فيه البعد والنزعة الانسانية العامة كان من السهل انتشاره خصوصا وان بقية الديانات السماوية اكتفت بما لديها من خارطة خغرا ـ دينية ـ سياسية ـ واقتصادية. بينما الاسلام والعرب ساعتها في اوج وقوّتهم التي دعمها الاستغلال والتسلط بما فيه من عنصرية وتمييز وقهر ودموية الشيء الذي جعل الجميع يتمنى وصول هذا الدين الذي بشر بالتساوي والحرية.
لكن هل فعلا قطع هذا الدين مع التمييز والعنصرية ووهب الحريّة.أم أن باقي نصوصه كانت مواربة ومخفية ليوم معلوم ولتعيد الجميع الى نقطة أتعس مما كان وباسم الربّ؟
ولأن بقية اللهجات المحليّة وحتى اللغات (إن سلمنا جدلا بأنها لغة) هي لا تمتلك مقومات اللغة لأنها ليس تفتقد للقواعد الاساسية من نحو وصرف وأرومة (أي أصل الكلمات)
وهنا نخص اللغة البربرية بالحديث حيث أنها لغة تفتقد وتفتقر للمقومات العلمية للغة فهي تفتقد الأسس والأرومة من ناحية وهي أيضا محدودة الخارطة المنغلقة وأيضا هي لغة مشافهة ولا مرجعية رسمية لها (على مستوى الرسم الخطي الكتابي) لذلك نجدها حين بحثت على المغايرة تبنت رسما معاديا للعربية (أبجدية كانت تخالها لاتينية أوروبية حالها حال الكردية وهي مخطئة في ذلك حيث أن تلك الأبجدية هي فينيقيّة الأصل وهذا ما يضحكني شخصيا قبل العارفين وأغلبيتهم الساحقة من الغرب إذ أن عدى المؤرخين وبعض من أهل الذكر يتجاهل هذه الحقيقة لنجد مثل هذه الفرق تخطئ هدفها وتعود من حيث أتت إلى حيث كانت)
وسيخبرك بعض المتعصبين أن الاسلام أعاق تطور اللغة والحال أن العجز فيهم أصلا وانظروا تطور اللغات الأخرى ذات البعد الديني (ونعني قصدا العبرانية) في محيطها العربي قديما وحتى حديثا ايام الحروب العربية الاسرائيلية وحتى الان كيف تطورت وكتبت ودونت أخبار أهلها وبحروفها وخصوصياتها) ولم يكن للوضع عامل وفاعل في اعاقة تطورها لأن الرغبة كانت موجودة والرغبة تصنع الأفاعيل والمعجزات. لكن العجز فينا قبل الآخر.
وحيث أنها لم تتكيف والوضع الجديد بعد دخول الاسلام وحتى عندما كانت على رأس السلطة (مثلا نسوقه عندما حكمت قبيلة صنهاجة) وحتى في مراحل أخرى لم يقع ولو محاولة تذكر لتأسيس "وليس حماية لأن فعل الحماية موجود أصلا من خلال الانغلاق الذي رؤوا فيه حماية للعرق والنوع والإرث والحال أن الدم توزع وبلغ حدود النسب الشريف (ان كان مقياس الشرف السلطة) فكم من خليفة وأمير أمه بربرية سبيت أو أخذت غنيمة لقصور العرب الامويون أو العباسيين كذلك.
وأيضا اللغة توزعت الى أن اختلفت باختلاف العروق القبلية فبربرية تونس ليست هي بالضرورة بربرية الجزائر أو المغرب. وهذا الاختلاف يقال أنه يثري لكن في الاصل هو أحد أهم عناصر معوقات توحد لسان البربر في لغة وقاموس مرجع يمثل أرومة لغة موحدة تكون عنوان ورمز اللسان البربري.
في عموم المغرب الافريقي العربي بالضرورة.
وهذه الضرورة علمية أساسا فبعد أكثر من ألف سنة من التناسل والاختلاط والتقارب الارادي أو غيره لا يمكن الحديث عن عرق نقي ولسان نقي (أي لغة نقية) ولا يمكن أصلا الحديث عن خصوصية بمعزل عن الحديث عن مكوناتها الاساسية من بربرية وعربية وأنساب ودماء أخرى اختلطت و سكنت جيناتها فينا حتى أصبحنا ما نحن عليه اليوم لذلك.
نخلص إلى أننا تونسيون بكل هذه المكونات الغريبة الرهيبة والمفارقات التي تصنع وحدة متشكلة تجانست عبر مراحل تكوينها لتصبح اليوم (الشخصية التونسية)
وهي مرحلة الانطلاق نحو الانسانية الاولى والأساسية والرئيسيّة.ولأن لساننا عربي بحكم موروث تاريخي لا يمكن القطع معه بجرة قلم وهذا ضرب من العشوائية والانهزامية ونكران الذات أكثر من جلدها فإن الأصل والعقل العلمي ينحو بنا نحو عنصرين رئيسيين.
1 ـ نحن تونسيون بعروبتنا وبربريتنا وكل موروثنا التاريخي عرقيا ولسانا وأدياننا.
2 ـ وجب العود الى دعم وتشجيع البحث العلمي الحقيقي بمعزل عن العوامل والتفاعل والصراع السياسي لتركيز بحث علمي جاد حول العروق التي لا تزال على الارض التونسية والديانات والملل التي تثري شخصيتنا وتمثل عناصر اختلافنا وسند من سندنا المكون لعقليتنا التونسية (بربرية كانت او يهودية أو ملل مثل الاباضية وغيرها) وأيضا وهذه المرحلة الاساسية التي تلي البحث وهو تركيز وضمّ هذه المكونات الى التربية والتعليم والثقافة الوطنية كعنصر اساسي وليس ثانوي من عناصر تونس التي اهدت للقارة قاطبة اسمها (افريقيّة) وهي ايضا ترشيش زمانها بعاصمتها قرط حدشت "نيو يورك المدينة الجديدة".
Comments