الفساد والمفسدين والشعب المنهوب *بقلم المختار المختاري 'الزاراتي'
- zaratimoukhi
- 15 févr. 2021
- 9 min de lecture

لم يكن إطلاق يد الفاسدين خطاء غير مقصود أو غير مدروس. بل كان عنوان السيطرة على الحكم وطريق صراع الإخوة الأعداء على البلاد. لذلك ومنذ الوهلة التي صعد فيها اليمين الليبرالي إلى الحكم اتضحت وتهاوت سريعا كل الأساطير التي لفقت منذ 2008 والتي غيبت عقول حتى المثقفين الذين لم يتحينوا لأسلحة العصر الجديدة لسببين أولهما الحصار المضروب على الكتاب من خلال المنع والحجب الذي مارسته الدولة الدكتاتورية منذ زمن بورقيبة في فصله الأسود أي منذ انطلاقة الستينات وبداية ظهور الأمراض المزمنة لديه. والتي تزامنت مع الأزمة الاقتصادية المنعطف الخطير الذي اتضحت جليا فيه ومن خلاله خيارات تونس الاقتصادية (الرأسمالية) وبالتالي خطها السياسي الداخلي كما الخارجي.
وأما ثاني الأسباب فكان دفع وتوجيه السلطة للمعارضة الحقيقية إلى الصراع فيما بينها على خلفية الأجدر والأقرب إلى الحقيقة العلمية والأكثر نقاء وثورية. لينحدر الصراع إلى مستويات خربت كامل المشهد الثوري النضالي بعد أن فتحت السلطة عبر قناتها الماسكة للملف (أمن الدولة) خطّا ساخنا مع جرائد مشبوهة قامت بمزيد تكريس الصراع في وجهة دنيئة رخيصة وهي التشويه والتقزيم ضرب المصداقية من خلال ضرب المرجعية الأخلاقية لمن رغبوا في تركيعه والاستثمار في قدراته وتفوقه وبالتالي ربطه بالأمن والحزب الحاكم بشكل من الأشكال وإبعاد وإقصاء من لا يركع نحو قبر لا يرى من خلاله لا نورا ولا حتى يتمكن من الوصول إلى ما يؤثث استمرارية تطوره الفكري والثقافي والعلمي لتطوير معارفه ومهاراته. وفي خطّ موازي أيضا وضمن ذات الأسلحة تمّ عزل الفكر والثقافة والكلمة من مثقفين ومبدعين وسياسيين (أو مشاريع سياسيين شباب) عن القاعدة (أي الشعب) وبالتالي انعدم التواصل مما زاد من تجهيل وتصحير العقول التي دمرت بعد تدمير التعليم والثقافة والذهاب بها نحو الخاصة (أي أبناء الذوات القادرين على الصرف) وتشجيع من لديهم بذرة الأفكار الفاسدة على ممارسة الفساد بقصد الربح المادي ربحا لعنصرين أولهما تدمير العقلية لتصبح خاضعة للانتهازية وتشرح صدرها للتفوق الرأسمالي وبالتالي يتمّ وبسهولة تكريس العنصر الثاني وهو خوصصة المرفق العام. وتخللي الدولة عن وظائفها ومصادر تمويلها وتسليمها للقطاع الخاص بأبخس الأثمان ليصبح المتحكم والمسيطر على كامل أطوار توجيه الأفكار التي تنتج القرار وتصادق عليه من خلال بيع وشراء الذمم.
ومن هنا وفي اختصار مجحف بعض الشيء لضيق المجال الصحفي عن إيراد المسار التاريخي للفساد في برّ تونس والذي له جذور ضاربة في عمق تاريخه ويكفي الإشارة إلى ثلاث (خزندارات) متتالين هربوا بأموال الدولة والشعب كاملة ومنحوا الجنسية الفرنسية في 24 ساعة حتى لا يمسهم سوء. أما رابعهم ('القريقي' مصطفى خزندار) فباعها للاستعمار مباشرة. ومن خلال التفريط والنهب وأيضا المديونية التي كانت العنصر الأساس لدخول الاستعمار بعد (الكوميسيون المالي)
ونخلص بالتالي لحاضر التطور لمنظومة الفساد والتي لا يمكن استئصالها إلا بعد تعرية أصل دائها وتجفيف المنبع الذي تتكاثر في محيطه وتنتشر في جسد البلاد. ولهذا سنتوقف عند المحطات الرئيسية والتي لها الأهمية الكبرى في تأسيس إمبراطورية الفساد في تونس عبر تطورها التاريخي لنثبت للجميع أن الذي قاد البلاد إلى المصالحة بدون محاسبة كان ضليعا أو منحازا أو مأمورا (وبالتالي فهو خان الأمانة) حين ذهب بالبلاد إلى إقرار هذا البند الخطير الذي يحمي اليوم عصابات كانت بالأمس تنتصب لحساب غيرها الذي يدفع بها للمنصب من خلال علاقته بالقصر وبعصابات القصر. ليغنم منه التواقيع والتراخيص لعملياته الفاسدة. ويمنحه بعض منافع وأموال. أمّا اليوم فهم قد انتصبوا لحسابهم الخاص من خلال الحماية المذكورة وأصبح التوقيع على التصريح ربحه صاف لهم ولجيوبهم وبالتالي أعادوا تشكيل الخارطة القديمة مع تنويعات وتفريعات تطورت بتطور الوضع والوضعية.
1- كيف يتشكّل الإخطبوط؟
*(مع الملاحظة أن ما سيرد لا يعمم على جميع الفاعلين في إدارتنا الوطنيّة وان كانوا في حالات معينة قلّة مغلوبة)
بعد ربط الإدارة بالحزب الحاكم الذي كان مفرغا من المبادئ والأفكار ولم يكن لديه لا عقيدة ولا فكر سوى ما يقوله الزعيم الشيء الذي كرّس مفاهيم الانتهازية واغتنام الغنيمة وبعد زرع عيون الحزب في الإدارة ليس فقط لمراقبة المعارضين بل ولتدرّب على مفاهيم الولاء المطلق للحاكم ولتكون 'الماكينة' الرئيسية لتنفيذ أفكاره ومشاريعه لكن صراع الخلافة والذي كان في جزء كبير منه هو صراع من يحكم تونس بعد بورقيبة المال أو المال والوراثة السياسية العائلية بمفهوم الأشراف. ولم يكن للشعب حصة في الصراع لذلك كان يشترى المتميزين منهم بقليل من المال ليضمّ وتمّ إخضاعه لأحد الصفين. مع عدم إغفال بروز مجموعة آخذة في الانتشار من طائفة الوسطاء الذين تمكنوا بفضل غياب قوانين ضابطة لعملهم من تخريب لا فقط السوق والقدرة الشرائية للمواطن وإنما الدولة وسيطرتها وتحكمها في السوق وتحديد الأسعار ونوعية السلع المستوردة (المهربة) وموازنة الإنتاج المحلي والمستورد (المهرب) وغيره من الذي افرز هذه الشريحة التي أصبح لها وزن في رأس المال ومتحكمة في السوق من خلال المضاربة والاحتكار والتلاعب بالأسعار والسلع (المهربة) في اتجاهين. والدولة عوض محاربة هذه الأوبئة هي تتجه نحو المواطن بمزيد من فرض الضرائب ورفع الدعم وغيره من عناصر فرض أمر واقع وهو دولة الليبرالية المتوحشة. وتاريخيا كان مسار توريط الإدارة يتمّ بهذا الشكل:
ويتمّ انتداب الأذرع الإدارية من الأسفل نحو الأعلى (أي من أول سلم الإدارة "شاوش أو موظف بسيط" صعودا نحو رئيسه المباشر ذهابا إلى المدير) فكلّ منهم يتستّر على الآخر ويمنحه ما يسكته وفي ذات الوقت يوثّق له خروق تجعله رهينة وتكبّله مدى حياته في ناحيتين فهو لا يمكن له أن يتوب ويكشف أسرار غيره لأن أسراره موثقة. ولا أن يشتغل لحسابه وحده. ويقع منح المناصب في الترقيات المهنية إلى المقربين الأكثر ولاء وخدمة. وأيضا الأكثر قربا من الأحداث والأشخاص خارج الإدارة (الحزب الحاكم أو أسرار الليل وملاهيه أو في ملاعب كرة الفساد التي مثلت في مرحلة حكم بن علي خصوصا واجهة مهمة للإشعاع وللبروز وبالتالي بلوغ مآرب في قصر الحاكم. حتى أصبحت الرياضة النبيلة بابا كبيرا من أبواب تخريب الدولة واقتصاد الدولة وبالتالي أحد العناصر الفاعلة في توجيه سياسة الدولة الداخلية والخارجية). ولن أزيد شرحا في هذا الباب الذي فيه الكثير مما هو معلوم لدى الجميع وربما نفتح له صفحة خاصة في مقال خاص لتطور منظومته الفاسدة اليوم في حاضره.
2- بعد تشكّل الإخطبوط تطوّر الأطماع وتكاثر وتنوع جهات 'الولاء'.
وبعد سقوط نظام بن علي كان من المفترض أن يقع تعقيم وتنظيف الإدارة من خلال المحاسبة التي تؤدّي إلى مصالحة حقيقية. إلاّ أنّ إرادة فريقين انتصرا في المشهد السياسي ليكونا حاكمين للبلاد من نفس المدرسة مع اختلاف طفيف فالأول يدّعي العلمانية (والعلمانية براء منه) والثاني الإخوانية (والأخوة الإنسانية براء منه). هما فقط عملة واحدة ليبرالية انتهازيّة جشعة. تشكلت عالميا في شكل عصابات تخرجت من جامعات تبيض الأموال القذرة والنهب المبرمج والمتاجرة بالبشر (صحة وتعليما وثقافة وإعلاما ومن ثمة تجارة المخدرات وأعمال الوساطة الغير مقننة في عديد الدول ومنها تونس التي ليس لها لا قانون ولا سيطرة على هذه المجموعة التي توسعت منذ زمن بورقيبة لتصل اليوم إلى مصاف النخبة المتحكمة في رسم وجهة البلاد اقتصاديا وبالتالي سياسيا وهي كمثيلاتها في معظم دول العالم الثالث نتاج لتعليم متدني وموجه لذلك لن تجد فيها ممثل يعي دورهم ومهامهم وإطارهم القانوني الذي يحميهم بل هم كالطفيليات الوبائية بما تمثله من دفة مهمة لتوجيه اقتصاد البلاد ومقدراته وبالتالي جيب المواطن من خلال الاحتكار والمضاربة والاتجار في السلع المدعمة وتهريبها لبؤر التوتر وغيرها من أشكال البحث عن الربح السهل والسريع والإثراء الفاحش على حساب المجموعة الوطنية وهذا أساس من أساسيات الفردانية.
وإذا كانت هذه المظاهر من خريجي المدرسة البورقيبية ومن بطانته ووزرائه اللذين استثمروا في هذه الأمراض وسهلوا وجودهم من خلال سلطتهم وسلطة الحزب الواحد وباسم وصورة الزعيم. فإن الوجه الثاني كان من تثبيت وتركيز أبنائه البررة (شاء ذلك أم أبا) ونوضح ذلك. بورقيبة يوم دخل البلاط حاكما كان يحتاج لعنصرين ليتمكن من فرض سيطرته بمشروعية المال والإرث لذلك صاهر عائلة بن عمار وتخلى عن ماتيلد (مفيدة أم ابنه الوحيد) كما أحاط نفسه بحزام من الأثرياء سلالة الأثرياء من المتعلمين من أبناء وزراء وحاشية البايات وسلطان حكمهم العائلي.
ومن هنا نتمكن من فهم خلاصة الثلاث مواسم من حكم 'الترويكا' التي كانت الخادم الأمين لمشروع طرف بعينه والتي تحمل ملفات مالية حارقة للطرف الثاني الإخواني. إذ كان لابدّ له من قاعدة مالية تضمن له موقعا في السوق يحكم من خلاله لذلك كان لابدّ من إدارة تضمن له التسخير والتواقيع والتراخيص. وكذلك كان الحال بالنسبة للطرف الأول (المتستّر بشعار العلماني).
ورأس المال كان جاهزا لنصرة الفريق الذي يسهّل له طريق الحكم لذلك انخرط سريعا في اللعبة السياسية من خلال اللعب بفلول الصراع بماله الذي غطى المشهد إعلاميا ليوجه الرأي العام لرغباته ووظّف له كامل علاقته الداخلية والخارجية ليبلغ محطة 'الحوار الوطني الشهير بالحمار الوطني' ليصبح أحد أهمّ وأبرز من يحكم (وليس شريكا بل حاكما) من وراء مقعد السلطة بما يوفره من مال انتخابي ودعم سخي للسياسيين المشبوهين وبلغ حد إقحام عناصر منه في المشهد التشريعي لضمان عدم توجيه البوصلة بضغط ما نحو الشعب (المستهلك) وطبعا كل ذلك بمباركة وموافقة ودعم وتوجيه وتأطير الفاعل الخارجي والشريك الخارجي والراعي الخارجي. في إطار الصراع على السيطرة على تونس لما لها من أهميّة جغرا-عسكرية و جغرا-اقتصادية و جغرا-سياسية. والذي إن اعتمد على جهات تمثّل قاعدة تاريخية راوح فيها بين تركة الرجل المريض والذي هو الآن موبوء تماما. وبين اللعب على العامل الديني بمرجعيته المشرقية والتي سرعان ما اتضح خرابها لذلك أحالها إلى ورقة شراء اللاعبين من خلال قوتها المالية مقابل التسريع في السقوط الاقتصادي لتونس ومزيد تكريس المديونية التي أصبحت ورقة مهمة للضغط والتوجيه نحو خيارين إمّا إتباع الشروط أو الذهاب إلى تنفيذ برامج العميل المباشر الذي اختير بعناية ليكون متكلما بذات اللغة وذات الأفكار مع الاختلاف في المواقع والقوة المالية. وإن لم تنخرط بلادنا حتى الآن في عملية التطبيع الكاملة والمباشرة فإنّ موطئ قدم العدو تقدمت على الأرض وقوتها العسكرية تموقعت بشكل متقدم. منذ وثيقة 'الناتو' التي أمضى عليها مرزوق بعد غياب وزير الخارجية البكوش وبحضور السبسي هذا الأخير الذي كان لابد له من إعادة ترتيب البيت. وكانت أوّل الملفات هي إعادة تركيز أعمدة الفساد وأولها تمرير مشروعه الذي اقنع به شيخ الإخوان (المصالحة بلا قيد ولا شرط ولا محاسبة) وهذا ما افلح فيه الحاكم (المدعي العلمانية) بمباركة سرية من الحاكم (المدعي الأخوانية) فريقي الرأسمالية الليبرالية المتوحشة. ليعود البيت بترتيب وتوزيع 'أوركيسترالي' قديم متجدد وتعود البلاد إلى الصفقات المشبوهة والمحسوبية والرشوة وكامل تفاصيل الأوبئة التي زادتها 'الكورونا والكورينا' معا توسعا وتنفذا وتنمرا.
3- بعد ترتيب البيت رتب الفاسدون ملفاتهم وأطلقت أياديهم.
بعد أن كان هؤلاء يقنعون بما يمنحهم إياه أصحاب السلطان من سكان القصر أصهار القصر وأقارب القصر (وجواريه والمداحون) فإنّ الوضع الحالي المغاير تماما والذي لا سلطان يحدّ من قدرتهم وتطلعهم نحو أفق الانصهار ضمن خارطة رجال الجاه والمال. تمكنوا من خلال القانون وحماية الأحزاب اليمينية المتصارعة على كسب خدماتهم ليس في التستر على ملفاتهم السابقة فقط بل والحديثة لتجتمع المصالح ويقع إعادة إنتاج خارطة الفساد بشروط جديدة. وتوزيع مرابيح جديدة مكنتهم أيضا من دخول عالم جديد وهو ليس فقط تسهيل دخول الكوارث عبر الاتجار مع الخارج المافيوزي الذي كان منذ أزمنة ما قبل بن علي الشريك الرئيسي للتجارة وليس غيرهم شريك ومستثمر أجنبي سهلوا له بقوانين دخول البلاد لتنتج من خلال هذه العلاقة القديمة المتجددة تجارة (الزبلة ايطالية وسلع استهلاكية منتهية الصلاحية وأدوية فاسدة وسلع فاسدة) وأيضا بالمقابل (تهريب السلع والأدوية والمنتج ألفلاحي الحقيقي الوطني والسلع المدعومة التي يرغب حكام البلاد اليوم لرفع الدعم عنها حتى يغلقوا ملف فساد مموليهم) في تجارة مبنية على النموذج الكارثي الجديد المستشري في عالم اليوم وهو النموذج الأمريكي لاقتصاد الكوارث. مستغلين الوضع في بؤر التوتر وعجز هذه الدول على توفير مستلزمات شعوبهم المعيشية إلا من خلال ربط علاقاتها المافيوزية لتوفير السلع في أسواقها حسب توجهات الجهات المتصارعة. لتجد ضالتها في الجهتين المذكورتين (اليمين المتأخون) و (اليمين المتعلمن)
وهكذا اكتملت خارطة الفساد وتأسس دورها الجديد بتقسيم الغنيمة الجديد.
4- لماذا الاتحاد؟
منذ البداية كان الاتحاد العام التونسي للشغل محور الصراع فإخراجه عن دائرة الفعل مهمة أساسية لضمان السيطرة الكلية والفعلية. في ظل غياب شبه تام (خصوصا بعد اغتيال الشهيدين شكري بلعيد والحاج البراهمي) اللذين كانا صوتا واضحا وصريحا وشعبيا شدّ انتباه الشعب إليهما وبالتالي خطر انتخاب أحدهما أو كليهما كان واردا. وبالتالي سيطرة الشعب بمعاول المعرفة والمبادئ الحقيقية العلمية والأخلاقية والإنسانية. وهو ما لا يجب أن يقع لذلك كان أمر الاغتيال لابد منه بالنسبة لرأس المال وحليفه وواجهته على الأرض السياسية. ونتيجة اغتيالهما كان ضرب صوت الناس الحقيقي (من تنازلوا ليسموا انفسهم باليسار المفاوض والمحاور وبالتالي وبالضرورة شريك)
أ) فهل كان الإتحاد في مستوى الصراع؟
وقف الاتحاد تاريخيا وفي كل المحاطات النضالية الشعبية نصيرا ليس للكادحين فقط بل وسندا لهم من خلال مواقف تأرجحت بين الوساطة والمواقف فهو تارة وسيط (بمفهوم قوة الاقتراح إذ كان يساهم بمقترحات فعلية لنزع فتيل الأزمات) وفي حالات انسداد أفق الحوار يقف نصيرا للقوة الشعبية الكادحة. وهذا دأبه الذي جعله وجهة المقهورين جهة ومن جهة ثانية الهدف الصعب الذي يسعى كل حاكم لكسر شوكته. وطبعا كل الأطراف التي تناوبت على الحكم بعد انتفاضة (17/14) جانفي 2011 كان أول أهدافها متمثل في شرطين (إمّا كسب الاتحاد إلى صفه من خلال التلاعب والإغراء أو بالتهديد وبلغ الأمر حد إعلان وانطلاقة شنّ الحرب الميدانية عليه)
وطبعا الطرف الرئيسي الذي يقف خلف إدارة هذا الصراع الذي واجهته سياسية حزبية لكن بتمويل ودعم لوجيستي مالي ليبرالي أحد أولياته للحكم في السوق هو تحييد إن لم حلّ وقبر الإتحاد. وفي نظري أنّ أهمّ خطأ أجبر الاتحاد على السير في ركابه هو إحياء رميم الميت أصلا (المنحل حينها فعلا) 'الأوتيكا' التي كانت ترتب في السرّ بيتها بتفاعل وأزر من خارج البلاد من خلال قواعد الارتباط التفاعلي (المسمى تجاري واقتصادي) الخارجي. إذ الشراكات التي تربط رؤوس المالي مع مصادر الصناعة والتجارة التي منها تورّد وتستثمر مشاريعها لا يمكن لها أن تقف مكتوفة الأيدي وتترك سوق سلعها بيد دعاة 'الشعبية' فالربح والربح الفاحش لا يستند إلى السياسة الشعبية بل يكون الشعب فقط المستهلك الموجه العقلية تماما نحو الاستهلاك العشوائي والحميري. لذا كان لابد من وجود عنصرها الرئيسي الذي من خلاله يتسنى لها الحكم والتحكم. لذلك شهدنا كيف تتجه طائرة خاصة بزعيمة رأس المال لاستلام الهدية المسمومة (نوبل). ورغم أن الاتحاد وحتى اليوم يجاهد ليكون في حجم تطلعات وأمال الشعب ويقوم بدوره الطبيعي الذي دأب عليه. إلاّ أن المندسين كثر ومن خلال وجودهم تنطلق جوقة التشويه والتدنيس وهذا ما نتج فصلا كان لابد على الاتحاد مراجعته والانتباه إلى مخاطره وهو عنصر الولاء. فمن خلاله يتمّ التلاعب بقرارات الاتحاد في مستوياته السفلى وبه تضرب عناصر أساسية أهمها مصداقية العمل النقابي. وبما ينتجه من عشوائية ولا عقلانية ولا انضباط والتزام بخط النضال النقابي الموضوعة قواعده وأسسه بكل وضوح في (النظام الأساسي والقانون الأساسي للاتحاد).
كما يستوجب على هياكله الانتباه ورعاية القاعدة الشبابية التي هي الفصل القادم والوجه الجديد للاتحاد الذي لا يحاط بما يستوجب من التأطير والرعاية والتوجيه السليم والفعلي والعقلاني النظامي والترتيبي ليكون فعلهم لا ينحى المنحى القصووي في ثوريته وشعلته الشبابية بل بتعقل وتحكم في أطوار الصراع وحلقاته. لذا ننبه الاتحاد للعمل على إعادة ترتيب البيت بالموازاة مع الفعل الحقيقي على الأرض والذي نتفهم توجيه الاهتمام الأكبر له بحكم ما يفرضه واقع المرحلة.
ب) العود من بوابة الاتحاد لإصلاح الإدارة.
إنّ الإتحاد بحكم مكانته ووجوده على الأرض في كامل مفاصل الإدارة يمكن له لعب دور كبير في مسألة الإصلاح الإداري وإضافة عناصر أساسية أولها تنظيف الإدارة والدفع نحو إرساء قانون إداري للمحاسبة نستعيض به عن ما سنه السياسيين الفاشلين في خصوص قانون المصالحة. من خلال التفاعل مع جهات الاختصاص وتعرية الواقع وكشف الحقائق. واقتراح الآليات الرقابية الحقيقية وفرض حزمة من القوانين التي تحمي الإداري ليس فقط من الإغراءات ولكن أيضا من الإكراه حتى لا يقع في شراك الجريمة ويكون طعما لغيره وبالتالي تتأسس خلايا فساد جديدة. أو يجنّد للقديم عناصر جديدة تمكنه من الاستمرار في فرض واقع الفساد.
ولا يفوتنا ونحن ننهي هذه المقالة أن نذكّر بقولة حشاد في سنة 1949 (المعركة اليوم ليست ضد المستعمر فهو زائل قريبا، لإنها معركة طويلة ضدّ أبنائه الغير شرعيين وما أكثرهم)
تونس في 30/12/2020
Comments