التفكير والديمقراطية والوجه الآخر للحياة
- zaratimoukhi
- 22 mai 2020
- 5 min de lecture

مقالة المختار المختاري الزاراتي

كيف يمكن ان نقيس الجدوى من نظرية بغير ممارسة فعلية تعدل وتشذب وتؤسس لكيان امة وشعب في لحظة تاريخية تلتف حولها الأغلبية مقتنعة جد الاقتناع بانها السبيل والطريق نحو التقدم والرقي والكرامة وان اختلفت السبل والطرق الموصلة الى تحقيق اهداف هذه النظرية نتيجة رؤى مختلفة للتطبيقات الموصلة الى جملة اهداف هذه النظرية او تلك فإن الهدف او الاهداف هي واحدة لذلك يقتضي الجانب الحركي والعملي وضع خطط بعيدة وقريبة المدى وتصورات عملية ميدانية لتحقيق جملة الاهداف المطمح بايسر واقصر السبل ومن هذا المنطلق العام يمكن تحليل اي فكر او طرح يواجه اي مجتمع او أمة وشعب.
ولكن ان افتقر الجانب الطامح الى تبوؤ مركز في المجتمع الى احد العناصر المكونة لهذا الفعل وخصوصا اذا كان الجانب هو النظرية والتي هي المنطلق والاساس لاي خطاب وفعل سياسي تنطلق من خلاله جملة التصورات الحركية فإن الاساس مريض فسيكون حتما كل الناتج هو مرض ومرض عضال يمكن ان ينخر ويهدد كينونة المجتمع واستمرارية تقدّمه وتطوره وكرامته واستقلاليته خصوصا.
فالسياسة حسب رأيي هي جملة فروع تؤسس خط المجتمع وهذه الفروع تنطلق من الاقتصاد لتمسّ اللسان والقلب الذي يجمع عليه افراد يؤسسون مجتمعا معينا واقصد باللسان اللغة والقلب والدين واذا كان القلب دون عقل لا يمكن ان ينطق اللسان بفصيح البيان واذا كان العقل بلا قلب لا يمكن ان نؤسس شخصية ولا نتدحث عن كينونة اصلا. اذا وبهذه النظرة يمكن ان نستخلص أن هذا الثنائي هو المؤسس للفعل والحركة. اذن هل يمكن ان يتعايش القلب والعقل في ثنائية متصلة؟
اثبتت التجارب ان ثمّة صراعا منذ قدم الانسان بين القلب والعقل للسيطرة على اللسان وبالتالي الجسد ككل ومنه الحركة. كل طرف يحاول اقناعنا بانه يمتلك الحقيقة المطلقة وكان ما كان من عنف وحروب واراقة للدماء باسم القلب او العقل. فابدع الفكر الانساني نتيجة ما وصل اليه هذا الصراع من دموية الى فصل العقل عن القلب فصلا غير نهائي بحيث يصبح التعايش من قبيل المحال لكن اوجد جوانب يلعب فيها العقل دوره باعتماده على المنطق والحساب واوجد للقلب دوره في تأثيث المجتمع باسلوب تعايش وطرق تلاحم وحضور واذا ما اتحدا في جسد واحد يكون للشعب والامة شخصية متفرّدة متميّزة.
ومن خلال جملة هذه المعطيات وتأسيسا على هذه النظرة المبسطة في هذا المقال كان فصل الدين عن الدولة وكانت العلمانية احد مظاهر الحضارة التي نعيش، واحد العناصر المميزة لهذا العصر.
ولكن وكنتيجة حتمية لهزّات والتي هي في الاصل أخطاء تتمحور حول الاختيارات الاقتصادية بالاساس والتي ينتج عنها الصراع بين الاطراف ان لم اقل الطبقات المكونة للمجتمع من ناحية وعلاقة المجتمع بمحيطه الخارجي اي درجة تبعية اقتصادية وبالتالي درجة تأثره بالسوق العالمية التي تدفع اقتصادياته الى التذبذب بحيث تؤثر في هذا المجتمع او ذاك والصراع هنا هو صراع مادي بحت صوره كل طرف بما تمليه عليه النظرية المتبعة لدِى الفئات المكونة لهذا المجتمع فالعقلاني يقيسها اقتصاديا وحسابيا فهو يمثل العقل اما القلب ولانه مفرغ من درجات اليات ووسائل قياس الظواهر الاقتصادية المؤثرة والمؤسسة للظواهر الاجتماعية فيتحدث عن صراع الخير والشر فهل نحن في زمن صراع الخير والشرّ؟ ولزيادة الافراط في تغيب اهم عناصر الصراع يقولون لك ان الشرّ هو من طبع الانسان والخير من عند الله نحن لا ننكر ان الله لا يمكن ان يفرز وينتج الشرّ لكن الله يحاسب الانسان يوم القيامة على اختياراته ان الدنيا هي جملة اخيتارات الانسان وليست من صنع الله، انها انتاج العقل البشري الذي يطمح الى الكمال واشباع غرائزه وحاجاته، لذلك هي انتاج عقل والقلب لم يكن بمنأى عن هذه الاختيارات فهو دليلها الاول ايضا ومنطلقها من خلال مباركته للحركة في المنطلق حين كانت هذه الاختيارات قيد الدرس في المجالس التشريعية والوسائط الاعلامية وغيرها من وسائل التواصل بين القلب والعقل.
لكن الانقلاب على هذه الاختيارات ومحاسبة جزء من العقل العام عليها كيف يمكن ان تكون في ظلّ مجتمع ديمقراطي؟ وهنا مربط الفرس واصل الداء في غياب النظرية السائدة والداعمة والمؤسسة لخطاب حضاري ومسؤول يبرز على السطح مرض هو البحث عن فعل يعلن وجود الطرف وهذا الفعل هو العنف بجميع اوجهه لان اللاجم والمحرّك مفقود الا وهو النظرية.
ومن خلال هذا الشرح المبسط يمكن ان نفهم وتتوضح الصورة لما هو حاصل على الساحة التونسية خصوصا والساحة العربية عموما والعالمية بدرجات. ونزيد هنا توضيحا اجدني مجبرا عليه الا وهو التماس المشروعية عند حدوث الصراع مع العقل اوجانب من مكون العقل العام والذي يعدّ مسؤولا عن اختيارات الاقتصاد والاقتصاد السياسي.
هذه المشروعية التي تدعم موقفه اي الطرف المعارض يبحث عنها ليس في تجميع طاقاته الداخلية فقط وتجنيد ما لديه من قدرة على تجميعه من جسد المجتمع وانما ايضا ما يراه تجربة او تجارب متقدمة نهل وينهل منها ما يؤسس لوجوده عامة وهذه المشروعية تتم عن طريق ربط علاقات تطور الى ان تصبح دعما للوجود، لكن هذا الدعم والاستقواء سيوجه ضدّ من؟ وبأي طريقة سيمليها عليك الطرف الداعم والذي يتصور نفسه انه التجربة، النموذج الذي يحتذى وباي تبعية سيربطك ومن خلال اغراءات عدّة وهو الذي نصب نفسه حكما على التجارب الاخرى بحكم اسبقية ما يراها في نفسه وفي تجربته التي يخفي اخطاءها بتصديرها. هل من خلال تكفير المجتمع المعارض لك وحشره في خانة الاعداء الواجب محاربتهم ان لم يهتدوا ولن يهتدوا؟ هل من خلال الشيطان الاصغر اي النظام او جزء من العقل الجماعي؟ ام هو الشيطان الاكبر اي مصادر تمويل الهام الجزء المسيّر للعقل الجماعي العام في عالم اليوم؟ والذي تتعامل معه في الخفاء.
ولكي يقنعوا الاطراف والفئات البسيطة فانهم يركّزون خطابهم من خلال تأكدهم التّام من غياب النظريّة التي هي المؤسس والاساس بتعويضها بمقولة انهم يعتمدون القرآن والسنّة وهذه أكبر كذبة تنطلي على العامة بحكم تكوين شخصيتهم منذ النشأة الذي ركّز على الاستكانة الى اللّه ضدّ كل قوي وتغافلوا انهم هم مصدر قوّة هذا القوي وما ارجاء مصيرهم الى الله الا كذبة شاهدنا ونشاهد ردّة فعلها في التراجع عن هذا الإرجاء والتحوّل الى موقف الصدامية او الدموية. وما تركيزهم على الجانب العاطفي في خطابهم العام والخاص الا دليل على عدم فهم وتعمق في القرآن والسنة عموما وعند علية قومهم اي الحفاظ لا اقول بتشويه فقط وانما اعتماد وتعمد تغيب ماهو ضدّ خطابهم بتركه واسقاطه وايضا تحريف ما يجب تحريفه لتمرير خطابهم وبثّه في المجتمع وفي ظل غياب وتغيب ومحاصرة وطمس وتهميش لدور العقل في مجتمع هشّ البنية الفكرية مذبذب الشخصية فاقد لوعي لازم للمرحلة وحاجياتها، وحاجاتها.
لنا الان ان نتساءل منذ ما يزيد عن 1400 سنة لماذا لم يؤسس العقل الاسلامي نظرية متفردة ومنفردة تحكم وتؤطر وتسطّر حدود تعامل هذه الفئة ونظرتها للحكم والسلطة. سيقولون هذا موجود لكن في الاصل كل التجارب وما كتب عن طرق الحكم الاسلامي هو من قبيل دعم سلطة انية في تجربتين هما الاموية والعباسية كنمط سياسي يرتكز على الخلافة فهل نحن الآن وفي 2008 وفي عالم اليوم يمكن ان نعود الى هذا النمط من الحكم رغم ما اخذ منه خلسة في نماذج الحكم العربي نتيجة لتخلف وعدم وعي المجاميع هناك بدورهم التاريخي في ابطال هذه الجوانب التي مثلت وتمثل وستمثل الجانب الوبال عليهم مع عدم التغافل عن الدور الذي يقوم به مثقفوه في فضحه وتوعية الرأي العام بمخاطره الانية والمستقبلية في ظلّ عالم متحرك ومتغير ومستمر في البحث عن الافضل والانسب للانسان عموما ولشعوبهم خصوصا.
فكيف نؤمن ان هذا الطرف ديمقراطي وهو لم يحسم بعد جداله العقيم بين ان الانسان مخيّر ام مسيّر، والحال انّ جميع الدلائل تثبت وباقتناع تام ان الله لم يسدّ باب الاختيار عن الانسان حتى يسيرّه كما شاء فهل ان ما يحدث في العراق اليوم هو تسيير من الله وما يحدث فيفلسطينايضا والامثلة كثيرة الى درجة ان الانسان العادي البسيط اصبح يحفظها عن ظهر قلب ويتجادل فيها بمعرفة مصادرها اعلامية نعم لكن بحرية العقل والقلب أيضا.
انّما الله يحاسبنا حين وعدنا بالجنة وتوعّدنا بجهنّم على افعالنا فلنترك ما لله للّه وننتج بانسانيتنا ما يفيد مستقبل انسانيتنا وكفانا تخديرا وتنويما للعقول البسيطة السهلة الانقياد حين تمسّ الجانب الحيوي منها والذي مصدره اساسا اخطاء اقتصادية يمكن ان تعالج بطرح الرؤي والافكار والنضال من اجلها بشراسة الواعي وبالسبل الديمقراطية المتعارف عليها انسانيا وباسلوب حضاريّ مسؤول والوطن كلّّه من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه ساحة نضال مفتوحة لصراع الاراء وليس صراع الكراسي. فالكرسي لا يفيد بالضروة رأيا مخالفا والامثلة كثيرة في العالم تثبت ان لا علاقة بالكرسي بالرأي. لكن وجد الوعي والعقل وايضا القلب لتأسيس الرأي بالاستئناس اليهما معا والى التجارب السابقة واللاحقة اي علم التاريخ للنهوض بالامة وبالشعب وبالوطن.
Comentários