الإداري التربوي وحكومات الدفع إلى التصعيد
- zaratimoukhi
- 17 nov. 2020
- 4 min de lecture
بقلم المختار المختاري 'الزاراتي'

منذ قيام 2011 تبنت الحكومات المتعاقبة سنن جديدة في الحكم بكافة جوانبه ومؤسساته وأطرافه المتداخلة. وأول هذه السنن عدم الالتزام بما يتفق عليه مع السابق لأن اللاحق برع في تلوين المشهد بالسواد الغامق وفي كل مرة يزداد السواد سوادا حتى أصبحنا نعيش العتمة التامة وفي كلّ مرحلة يوجد عنصر يضفي على العتمة غطاء تغطية حتى بصيص نور يتسلل لعقول وأرواح الناس المتعبين المرهقين المفلسين المتورطين حتى الأنوف بقروض متراكمة (طبعا هذا إذا كان له مصدر تغطية رسمية لتسديد القرض من المصدر). أما ما يقارب من 32% من الشعب الفقير والمفقّر والبطال فحاله حال الميت الذي يعيش أيام الحساب والعقاب للعنة أنه يعيش في هذي البلاد وفي الزمن الثوريّ جدااااا.
وبعد سلسلة نهب مبرمج ومتعمد وإهدار للمال العام ومزيد ربط اقتصاد البلاد بالارتهان للخارج دائن كان أو مصدر السلع المستوردة الشيء الذي دمر ما تبق من فلاحة وصناعات حرفية خفيفة ومصانع 'التكستيل' الوطنيّة بفرعيها الصغير والمتوسّط. إضافة إلى نهب أصبح عاري ومكشوف لثروات البلاد لأنّ الحكام المتداولين على السلطة إمّا من حملة جنسية الطرف الأجنبي وبالتالي لا يمكن لهم حتى الالتفات لملفات الثروات الباطنية المنهوبة لسببين أولها ذاتي وثانيها أن هذه الجهات الأجنبية وبالتعاون مع المال الفاسد وقفت خلف وصولهم للحكم من خلال ممارسة ضغوطها الاقتصادية المترابطة والخط السياسي.
وهذا ما ذهب بجملة من حكم إلى أسهل السبل وهو تنفيذ مخطط الخوصصة وبالتالي الاقتراض ومزيد الصرف جانبين أولها تغطية عجز مشبوه لمؤسسات خاصة على حساب المجموعة الوطنيّة (دافعي الضرائب) وبعناصر الكوارث المرتبة والمزروعة عمدا ومنها ما يسمى (كورونا) وثانيها استيراد عشوائي استهلاكي مدمر للاقتصاد الوطني فلاحة كانت أو ما سبق ذكره من الصناعات الخفيفة الوطنيّة. هذا بعض ونزر يسير من عناصر التخريب التي دامت لمرحلة العشرية الثورية جدااا. من ترتيب بيت الحكم والسلطة واستنادها إلى شرعية المال عوض شرعية الناخب 'الشعب المفقر والمعطل والمدمّر'
ومن بين هؤلاء حلقة استضعفت طويلا وخربت على مرّ سنين طوال منذ نهاية الستينات حين تم ربط الإدارة التونسية بالحزب البورقيبي الواحد من خلال الشعب المهنية. والتي دسّ في صفوفها حفنة من المندسين المختصين في كتابة التقارير والوشاية. الشيء الذي جعل فعلها النقابي معدوم في شكله الواضح العلني الجليّ ومساهمتها في ثروة الوطن وثورته ونضاله من أجل حريته واستقلاله مسألة فرديّة سريّة للغاية حتى لا يطرد أو يعاقب بالنفي من خلال العقوبة الشهيرة (نقلة عقوبة مع تغيير عنوان السكن) وبتهم كيدية واضحة.
ومن بين هذه الإدارات وهؤلاء الإداريين الإدارة والإداري التربوي. الذي عاش ويعيش الظلم المتسلسل وإقبار الحقوق والإسكات القهري والتهميش المتعمد واللعب على الاختلافات والتنوع الفكري لهذه الشريحة المنكوبة. والتي غلب على طائفة منها الخضوع والخنوع الذي تربو عليه نتيجة الخوف المزمن من قلم الواشي الرقيب. ومن بين هؤلاء كمّ خدمته ظروف ترأس مجموعة من رؤسائهم في الحزب المنحل البائد لتعلوا أصواتهم ويتبوءوا مناصب المتكلم باسم الإداريين التربويين في الظاهر بينما هم يزيدوا في تعميق جراح القطاع أكثر فأكثر. واليوم تتكشف للعيان مدى ما وصل إليه هذا القطاع نتيجة عدم توحيد الصفوف وغياب التوعية والتنظيم النقابي الفاعل وأيضا هو نتيجة حتمية لعهود من التهميش والإقصاء و'التربية على قاعدة لا تتكلم حتى تقول الدولة كلمتها في شأنك' وتمن عليك بهباتها ومكرماتها وفضلها. وفي الحقيقة هي جزء بسيط وقليل ومجهري من الحقوق الأصلية للإداري التربوي.
فالإداري التربوي هو من يقع على كاهله كلّ العمليّة التعليمية التي لا ترى ولا تتضح إلا عند وقوع كارثة أو نقص أو إخلال والحال أنّ الإداري هو الذي يعد عدّة كلّ موسم دراسي لوجستيا فالمالية ترتب إداريا والإحصاء ينظم إداريا والبرامج تبوب وترتب إداريا والمتابعة اليومية والحينية تتم إداريا والتجهيز والصيانة والبناءات والمسار المهني لكل أسلاك التربية ...إلى آخره مما هو منوط بعهدة الإداري من مهام لا تقبل التأخير ولا الخطاء أضف إليه التعامل والتعاطي مع كل الأزمات التي يمر به اقتصاد البلاد حيث يقع على عاتقه ترشيد وتنظيم والتوزيع العادل لكل مستلزمات ولوجيستيك العملية التعليمية التي تجدها باقي الأسلاك والأطراف الشريكة في مؤسسات التربية كافة مهيأة وجاهزة حتى يتسنى لها القيام بدورها. ومع كل هذا يستكثر على هذه الشريحة وهذا السلك ابسط حقّ تمّ الاتفاق حوله منذ 2018 وجملة حقوق يتمّ تأخيرها عمدا وبشكل رديء الإخراج الاوركيسترالي من أطراف أساسية فغياب الطرفين الأساسيين (ممثلي رئاسة الحكومة وممثل وزارة المالية) عن الجلسة الرئيسية والنهائية لمناقشة مطالب هذا القطاع هي رسالة واضحة للمنتسبين لقطاع الإدارة التربوية أن التعاطي والتعامل مع الحكومة هو على طريقة الكامور فقط لا غير 'حتى لا أعطي أمثلة أخرى من باقي أسلاك التربية' وما غاب عن رئاسة الحكومة والطرف الممثل لوزارة المالية أن هذا الدفع سيكون مؤلما للجميع فأسلحة الإداري أكثر خطورة من أسلحة باقي أسلاك التربية وحتى الكامور تذكروا الرواتب والملفات الإدارية لكافة أصناف وأسلاك المؤسسات التربوية تذكروا الصيانة والتجهيز والصفقات العمومية تذكروا أي تأخير يحصل في الملفات الإدارية والمالية خصوصا وما يترتب عليها من إخلال يثقل كاهل ميزانية وزارة التربية برمتها. وأسلحة أخرى هي في متناول هؤلاء المظلومين المقهورين المحرومين من ابسط حقوقهم الطبيعية والتي هي في الأصل متأخرة جدا عن تاريخ توقيعها 2018 فكيف بها اليوم ونحن في آخر أيام 2020. لذا نبرق إلى رئاسة الحكومة والى وزارة المالية أن البلاد لا تحتمل التصعيد والصدام بل الالتزام وأوله تطبيق ما وقع الاتفاق حوله سابقا والجلوس للتفاوض في جملة مطالب حقيقية تخص هذا القطاع المهمش منذ أزمنة قديمة ولم ينل من حقوقه أبسطها والحال أنّ باقي إداريي الوزارات الأخرى والدواوين والصناديق وغيرها ممن يحملون نفس المستوى ونفس الرتب فاقت مكاسبه التي نالها بأشواط كثيرة ما يطالب به الإداري التربوي. وبالتالي فالاستماع إلى صوت العقل والتفاعل الايجابي هو المسلك الصحيح والجلوس إلى طاولة المفاوضات هو الأجدر فالإداري التربوي مسؤول وملتزم وهذا ما دأب عليه خدمة للتعليم في البلاد هذه المهمة النبيلة الوطنية الحقيقية فلولا الإداري لما تمكن المربي من التدريس ولما تمكن التلميذ من بلوغ منصب المفاوض له سواء في رئاسة الحكومة أو في وزارة المالية والذي يهرب اليوم منه ولا يوجهه حتى ويتعمد الغياب عن جلسة المفاوضات. فلا تدفعوا البلاد إلى الهاوية يا حكام تونس الجدد بمثل هذه الأساليب.
تونس 17/11/2020
Comments